بجملة مختصرة وسريعة رد انتوني بلينكن مساعد وزير الخارجية الامريكي على إعلامي سأله في تونس حول موقف بلاده من مسألة تكوين «حكومة وحدة وطنية» تخلف حكومة الائتلاف الرباعي الحالية، وأخبره أن مثل ذلك «القرار يعود إلى الشعب التونسي»، قبل أن يستطرد ويضيف في مؤتمر صحافي عقده الجمعة الماضي في مقر البرلمان على هامش زيارة قصيرة أداها إلى العاصمة التونسية، بأن واشنطن سوف تدعم الحكومة المقبلة، اقتصاديا وأمنيا وفي مجال الحوكمة حتى ينجح الانتقال الديمقراطي، على حد تعبيره.
كان التصريح ملتبسا ومفتوحا على أكثر من تأويل ونسخة طبق الاصل من حديث مخملي ناعم، طبع معظم الردود والمواقف الغربية من التطورات والأحداث التي شهدتها دول جنوب المتوسط في السنوات الأخيرة لتظل كلها مجرد رجع صدى ممل ومعتاد لمقولات وشعارات قديمة صارت أشبه بيوتوبيا أغريقية لا صلة لها على الاطلاق بما جرى ويجري على ارض الواقع.
ما الذي قصده المسؤول الرفيع بالشعب؟ ومتى وكيف أمكن لهذا الكائن الأسطوري والهلامي أن يقرر ما اذا كان يرغب ببقاء حكومة أو بزوالها، بدون أن تكون له المعرفة والارادة والقدرة على فعل ذلك؟ وهل يعتقد الامريكان بالفعل أن الامور تسير بمثل تلك البساطة والسهولة، التي تصل احيانا حد المراهقة والسذاجة؟ أم انهم يستغفلون مضيفيهم ويحاولون إيهام الرأي العام المحلي بانهم قد ينزلون هذه المرة بثقلهم لاسناد تونس حتى لا يفشل الاستثناء الديمقراطي العربي ويرتد على اعقابه؟ قد يكون التفسير الاقرب للحقيقة هو أن حرص الدبلوماسي الامريكي على عدم الزج بنفسه وببلده في مستنقع الخلافات والتجاذبات المحلية هو الذي دفعه لان يختار تلك الصيغة اللفظية الفضفاضة هربا من التورط في فخ المناصرة المكشوفة لطرف على حساب آخر في السباق المحموم على السلطة. لكن تلميح الضيف إلى أن صاحب الدار هو بدوره صاحب القرار يبقى مع ذلك جوهر الاشكال القائم في تونس، خصوصا من ناحية ضبط الجهة التي تتكلم باسم الشعب ووفقا لإرادته الحقيقية، التي يعود لها وحدها أخذ القرارات المصيرية والمهمة في تاريخه.
وهنا لا يبدو الأمر على درجة كبيرة من الوضوح، كما أن ردودا دستورية وقانونية من قبيل أن مجلس نواب الشعب المنتخب في اقتراع عام وسري وشفاف هو الجهة المقصودة بتلك المهمة قد لا تكون مقنعة للكثيرين، أو كافية للتعبير عن طبيعة موازين القوى التي تحكم مشهدا سياسيا متقلبا. ما يزيد ذلك الاعتقاد توسعا ورسوخا هو أن ثقة التونسيين في أن الارادة التي عكسها شعارهم الاثير «الشعب يريد» لم تتجسم مثلما يرى قسم واسع منهم بالشكل المطلوب، أو المتوقع داخل المجلس الذي اختاروه بانفسهم قبل أقل من عامين. هم لا يعرفون حتى الان من يقرر ومن ينفذ ومن صاحب الكلمة المسموعة والآمر والناهي في البلد الصغير. هل هي الاحزاب أم الحكومات أم الرئيس أم البرلمان أم اصحاب المصالح ورؤوس الاموال؟ ما يعنيه ذلك في اخر المطاف هو أن المعادلة القديمة التي وضعت قبل ما يقرب من الستين عاما لازالت ثابتة ومحافظة على ضوابطها وخط سيرها، وكأن كل ما حصل داخل تونس وحولها والهزة العنيفة التي ضربت اركان النظام قبل أقل من ست سنوات كانت احداثا عابرة لا ارتداد لها أو تأثير على قواعد اللعبة وموازين القوة. لقد رسم الرئيس التونسي الراحل بورقيبة تلك الخطوط بدقة واخبر التونسيين أن ازاحته للباي والغاءه الملوكية عبر قرار رسمي اخذه المجلس التأسيسي الذي اعلن عن انشائه بعد خمسة ايام فقط من اعلان الاستقلال، هو البداية الفعلية لعصر جديد لا مكان فيه لاحتكار دائم وأبدي للسلطة. وقال لأعضاء المجلس في جلسة افتتاح اشغالهم، إن الدستور الذي سيخطونه «سيضع حدا لكل طغيان وكل ظلم داخلي أو اجنبي، فمن اليوم لن يتصرف في حقوق الشعب التونسي غير الشعب التونسي ولن يكون الحكم في البلاد لفائدة فرد أو جماعة أو طبقة، بل لفائدة مجموع الامة التونسية».
ولكن الايام اثبتت أن النظام لم يعدم حيلة للالتفاف على ذلك الدستور، ان كل الآمال والوعود الواسعة والعريضة التي اطلقها أب الامة سرعان ما بددها استحواذه على كل السلطات واحتكاره الرئاسة مدى الحياة، وتحويله كل المؤسسات والهيئات إلى هياكل صورية لا تستطيع التصرف بعيدا عن إرادته. كان الفرق هنا بين القداسة التقليدية التي منحها الحاكم المطلق لنفسه والقداسة الحديثة التي فرضها الرئيس الجديد حول شخصه هو في مجرد التغيير السطحي للقشرة والمظهر الخارجي والاسماء. وفيما كانت المؤشرات الاولى تدل على أن هناك جمهورية بصدد التأسيس على انقاض نظام تسلطي جائر، حدث العكس تماما وظهر أن المولود الجديد الذي لم يكن ثمرة تطور تدريجي وطبيعي في وعي المحكومين بقدر ما كان هبة أو عطية من الطامحين لخلافة الرجل المريض حينها، أي الباي، كان قابلا للارتداد والسقوط السريع في نمط حكم فردي لا مكان فيه سوى لشخص الزعيم.
ومع أن بورقيبة كان يفاخر دوما بأنه يفضل أن يحكم شعبا متعلما على أن يقود شعبا اميا وجاهلا، الا أن العقبة لم تكن في تعميم التعليم ونشره بقدر ما كانت في فك القيود وإلغاء الحواجز التي كبلت عقول المتعلمين وجعلتها تنأى بنفسها عن المشاركة بشكل فعلي في تدبير شؤون البلد وتقرير مستقبله. لقد بقي هؤلاء لسنوات طويلة يرددون داخل المدارس والجامعات ثالوث الجمهورية المقدس وهو النظام والحرية والعدالة، لكن لا أحد منهم كان يفهم أو يدرك قيمة أو معنى ذلك الشعار الذي اختاره نواب المجلس القومي التأسيسي لجمهوريتهم. ولأن أولوية النظام كانت ضمان ولاء الناس للقائد الملهم فلم يدر بخلد السلطات لا في زمن بورقيبة ولا في عهد بن علي حتى مجرد الحديث عما يعنيه شعار الجمهورية أو كيف ومتى يطبقه الحكام على ارض الواقع. وما حصل بعد الانقلاب الطبي على الزعيم هو أن الرئيس الجديد الذي وعد بان «لا ظلم بعد اليوم» حوّل تونس بمرور الوقت إلى مزرعة عائلية يقتسم ريعها وفقا لمناطق نفوذ مضبوطة، وعوضا عن أن تتكرس قيم الجمهورية صارت تونس مثلما وصفها الدكتور المرزوقي دولة «جملوكية» لا تملك من النظام الجمهوري سوى القشرة الخارجية فقط. ولم يكن من السهل أن تنقلب الصورة مئة وثمانين درجة ويتحول التونسيون بين عشية وضحاها إلى جمهوريين يفهمون أن من حقهم أن يقرروا مصيرهم ومصير بلدهم بانفسهم بدون أن ينتظروا إشارة أو توجيها من احد، لمجرد أن المجلس التأسيسي الذي انتخبوه بعد هروب بن علي أقر دستورا جديدا يفتح افاقا اوسع امام حرياتهم. ولان سطوة المال وجبروت السياسة جعلا تحريك مراكز القوة والنفوذ امرا بالغ الصعوبة، فإن التقاطع بين تجربة الاستبداد المريرة وتجربة الديمقراطية القاسية والصعبة لايزال حاضرا بقوة في العقول والاذهان. ولعل أفضل تعبير عن ذلك المشهد السريالي هو ما قاله استاذ القانون الدستوري قيس سعيد لصحيفة «الصباح» المحلية في تعليقه على فكرة حكومة الوحدة الوطنية من أن» الحكومة لا تستمد وجودها من الثقة المفترضة للاغلبية المطلقة داخل المجلس النيابي، بل من رئيس الجمهورية وكأن رئيس الحكومة هو وزير اول مسؤول امام قائد السبسي قبل أن يكون مسؤولا امام المجلس التشريعي»، قبل أن يؤكد «أن رئيس الحكومة موجود بإرادة رئيس الجمهورية»، وبأنه «منذ أن عاد تمثال بورقيبة إلى الشارع الرئيسي في العاصمة بدأ الدستور القديم يلقي ظلاله على الدستور الجديد».
أما الاستنتاج الابرز من وراء كل ذلك فهو أن الإشكال الحقيقي لم يعد منحصرا في وجود جمهورية من عدمها في تونس، بل في توفر البلد على رصيد كاف من الجمهوريين الذين يستطيعون الدفاع عنها وحمايتها من كل مظاهر الزيغ والنكوص وتقديم الأدلة القوية على أن جملا مثل الجملة الرقيقة لمساعد وزير الخارجية الامريكي حول صاحب القرار الفعلي في تكوين الحكومة الجديدة قد تصبح يوما ما حقائق ثابتة ومعترفا بها بعيدا عن سياق المجاملات الدبلوماسية المعروفة.
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
شعب كسول لا يحب العمل يفضل النوم ويعشق التواكل. المدن الساحلية التونسية في السنوات القادمة سوف تكتض بسكان المناطق الداخلية وخاصة منهم الذين تعبوا جراء عوامل عدة أولها التهميش والجوع والفقر وانعدام وجود لمرافق الحياة زيادة إلى تغير المناخ الذي زاد الأمر سوء وزحف الرمال وقلة الماء لري الواحات وعدم توفر المراعي للضأ وللإبل. لماذا يرابط أهل الجنوب وسكان المناطق الصحراوية وهم محرومون من أبسط مقومات الحياة في وطن لا ينتمون إليه إلا من خلال الوثائق الثبوتية. إذا تونس. سوف تشهد حركة نزوح عظيمة حيث كل نازح يتقاسم القوت مع من يعيشون الرفاه من خلال توفر موارد الرزق في مدن لم تعش التهميش على مدى عشرات السنين.
الجمهورية حقا بدون جمهور شيء محير مثل مبارات لكرة القدم تقام بدون جمهور
تونس جمهورية !!!
مجرد عنوان قل انها جمهورية الموز ،او مقاطعة عائلية، رحل بن علي واصهاره، فجائنا السبسي وأبناؤه هذا قدر تونس .
،لم نعد نفهم ما يحدث هل نحن في نظام برلماني أم في نظام رئاسي ،الحزب الحاكم انشق لعدة شقوق،حزب حركة النهضة لم يحدد موقفه بعد هل هو في المعارضة؟ ام في السلطة؟لم يعارض يوما ولم يحكم وكيف يحكم وله وزير واحد في الحكومة ،كتلة النهضة هي الأولى في مجلس الشعب لكنها لا تقوم بدورها حسب الدستور وبقيت في المرتبة الثانية عمليا ،ولم نعد نسمع لها حسا ولا خبرا، أصبحت ظلا لحزب النداء ، وأصبح عملها السياسي مقتصرا على لقاء هنا وهناك لشيخها الغنوشي مع المسؤولين والوافدين على تونس ،اما مجلس الشعب فلم يعد يكترث بهموم الشعب ،والمتغيبون في من الحاضرين، و رئيس حكومة هذه الجمهورية لا يقوم بدور رئيس الحكومة بل يمارس مهمة الوزير الأول فلا يضع إبرة في خيط إلا باستشارة رئيس الجمهورية ،اما المعارضة فهي مهتمة بنصيب ميراث المرأة ووضع قوانين التحرش بها ، تونس ليست جمهورية بل سفينة تتلاطمها الأمواج على وشك الغرق.فهل من مغيث.؟