تونس ـ «القدس العربي»: قبل أيام من الانتخابات التشريعية (البرلمانية) التونسية، يبدو من المنطقي المقارنة بين انتخابات 2011 ونظيرتها الحالية بدءا بالقانون الانتخابي مرورا بالتسجيل والتمويل العمومي وليس انتهاء بالحملات الانتخابية وتصميم ورقة الاقتراع، على أن أغلب الخبراء الذين التقيناهم يؤكدون أن هيئة الانتخابات الحالية أفادت كثيرا من التجربة السابقة، رغم وجود بعض النقائص والإخلالات التي لا بد منها في بلد يتلمس طريقه بصعوبة نحو الديمقراطية.
ويؤكد الخبير الدستوري د. غازي الغرايري لـ«القدس العربي» أن القانون الانتخابي الذي اعتُمد لانتخاب المجلس التأسيسي عام 2011 كان قانونا خاصا لأن من وضعوا النص (وكان الغرايري من بينهم) في إطار «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة» لم يكن لهم دراية كافية بالخارطة السياسية في تونس، و»كانت الفكرة تقوم أساسا على انتخاب مجلس متختص بكتابة الدستور، ومن الأفضل أن تُمثل فيه كل الأطياف السياسية، لذلك وقع اعتماد نظام يمكّن أغلب الأحزاب (الكبرى والمتوسطة والصغيرة) من الحصول على تمثل في البرلمان، وكانت النتيجة وجود 27 لون سياسي مختلف في البرلمان، بمعنى أن القانون حقق أهدافه».
لكنه يستدرك بقوله «تبينّا لاحقا وجود عدة نقائص في القانون تتعلق بالتمويل الأجنبي والحملات الانتخابية السابقة لأوانها والرقابة على وسائل الإعلام واسترداد الأموال المدفوعة في إطار التمويل العمومي، فضلا عن موضوع اصطحاب الأميين إلى مكاتب الاقتراع وغيرها، وكان على المجلس (كمشرّع في هذه المرة) خلال صياغته لقانون انتخابي دائم أن يتفطن لكل ما سبق، فتفطن لبعض الأخطاء وأغفل بعضها الآخر، وهو ما أدى لوجود بعض النقائص في القانون الحالي أيضا».
ويُورد الغرايري (الأمين العام للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري) بعض المآخذ على القانون الانتخابي الحالي وتتعلق بنظام الاقتراع والحد الأدنى من الأصوات لكل حزب (العتبة) والتزكيات وغيرها.
وكان رئيس هيئة الانتخابات شفيق صرصار أكد في حوار سابق وجود مآخذ عديدة للهيئة على القانون الانتخابي الحالي تتعلق بشكل خاص بموضوع التزكيات الذي وصفه بأنه «كارثة بكل المعايير» وعملية الاقتراع في الخارج، مشيرا إلى أن الهيئة ستعمل على إصلاح القانون بعد إتمام العملية الانتخابية.
وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية يشير الغرايري إلى أن قانون الانتخابات ساهم بتوسيع قاعدة المترشحين بعد إلغاء شرط السن القصوى للترشح، وحصر الشروط بموضوع التزكيات من النواب والناخبين، و»أدى هذا الأمر لوجود 70 مترشح، بعضهم لا تتوفر فيه حتى الشروط الدنيا، وكان على هيئة الانتخابات أن تمسك بزمام الأمور ولا تقبل سوى الترشحات الجدية ورفض من لا يأتي بإمضاءات أو ضمان مالي مباشرة (دون الانتظار لعدة أيام لدراسة ملفه وإعلامه بالنتيجة)».
ويضيف «اليوم تمت الموافقة على 27 مترشحا حتى الآن، وهذا بالنسبة لدولة في خطواتها الديمقراطية الأولى ربما يُعبّر عن اندفاع وإرادة للناس لطرق باب الوظائف العمومية عبر الانتخاب، ولكن هذا يصعب مهمة الناخب لأن عددا كبيرا من المترشحين دخلاء على السياسة، وهنالك عدد كبير من رجل الأعمال الذين عوضا أن يدعموا أحد المرشحين، ترشحوا بأنفسهم وهو يجعلنا نستشف وزن المال في هذه العملية الانتخابية».
كما ينتقد الغرايري قيام المرشحين بحملات انتخابية رئاسية سابقة لأوانها (على حساب الانتخابات التشريعية)، و»هذا يؤكد أن القانون الانتخابي الحالي بحاجة لمراجعة جدية حول مسألة التزكيات ومراقبة وسائل الإعلام واسترداد المال العمومي وجدية الترشحات».
من جانب آخر يقارن معز بوراوي (رئيس منظمة عتيد المتخصصة بمراقبة المسار الانتخابي والديمقراطي) بين عملية التسجيل في انتخابات 2011 والانتخابات الحالية، مشيرا إلى أن الانتخابات السابقة تضمنت تسجيلا إراديا وآليا «أما انتخابات 2014 فأتاحت فقط التسجيل الإرادي وهذا الأمر يساعد على معرفة العدد الصحيح والنهائي لعدد الناخبين في الانتخابات التشريعية والرئاسية».
ويضيف لـ«القدس العربي»: «87 في المئة من المسجلين إراديا في 2011 شاركوا في عملية التصويت وهذا يؤكد أنها كانت ناجحة للغاية، لكن المناخ السياسي والانتخابي والأمني تغير اليوم وقد يؤثر هذا الأمر كثيرا على عدد الناخبين المشاركين في التصويت»، مذكّرا بالجهود التي تقوم بها منظمته في حث الناخبين على المشاركة في التصويت كـ»واجب وطني، لأن العزوف قد يؤدي لكارثة انتخابية ويمس بشرعية من سيتولى الحكم».
وفيما يتعلق بالتمويل العمومي الذي تمنحه الحكومة للمرشحين، يقول بوراوي «الدولة منحت المرشحين في 2011 منحة تتراوح بين 4 و9 آلاف دينار (حوالي 5 آلاف دولار) على أن يتم استرجاع 50 في المئة منها بعد حصول المترشح على 3 في المئة من الأصوات (الحد الأدنى)، وهذه المنهجية متبعة أيضا في 2014 وكنا نتمنى أن تكون المنحة لاحقة وليست سابقة، أي أن يأخذ المترشحون 50 في المئة من قيمة المنحة المالية بعد تحقيق نسبة 3 في المئة، وحاولنا أن نضغط على المجلس التأسيسي للحصول على هذا الأمر، غير أن التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية الضيقة حالت دون ذلك».
كما يشير إلى أن هيئة الانتخابات استجابت لطلب المنظمة فيما يتعلق بتغيير شكل ورقة الاقتراع التي «كان تصميمها معقدا جدا ولم يساعد الناخبين وخاصة الأميين، حيث قاموا بدون إرادتهم بالتصويت على مرشح آخر مجاور للمرشح المطلوب، ونحن قدمنا بعض التحفظات حول وجود رموز معقدة في التصميم والطباعة والمساحة الفاصلة بين القوائم المتوازية، ويبدو الهيئة أخذت هذا الأمر بعين الاعتبار واستخدمت في تصميم الورقة الجديدة تكنولوجيا متطورة للتصدي لعملية التزوير».
ويضيف «من جهة أخرى، هناك رجوع للخلف في المناخ الانتخابي وخصوصا في مجال العقوبات المتعلقة بالجرائم الانتخابية، وهي عقوبات مضحكة ومخجلة ولا تليق بتونس».
يذكر أن صرصار أكد في وقت سابق قيام الهيئة بخطوات عديدة لضمان شفافية الانتخابات التشريعية المقبلة، من بينها إعادة النظر في موضوع «الخلوة» خلال عملية التصويت، ووضع تصوّر جديد لورقة الاقتراع يعتمد على الألوان حتى لا يتم إرباك الناخب، إضافة إلى دعوة عدة منظمات دولية لمراقبة الانتخابات، وإصدار قرارات تتعلق باحترام الحملة الانتخابية ومقاومة المال السياسي.
حسن سلمان