بيروت-«القدس العربي»:حشرية استكشاف جديد فني في زوايا هذه المدينة العصية على الموت أخذت بيدي إلى أونوماتوبيا. فماذا يخفي هذا الاسم؟ من لحظة ولوج المكان نزولاً عبر درج حديدي، وتفحص مقتنياته الخارجية تتكون فكرة بكر، تترسخ أكثر بالوصول إلى الداخل. مقاعد ومقتنيات وديكور بسيط ومريح. أما جو الياس «أحد المؤسسين» الذي واعدني للحوار رفض تعبير استاذ لدى سؤالي له عنه «بلاها». كان حاضراً وليخبرني عن المشروع الذي نشأ قبل ثلاث سنوات لنشر الموسيقى دون ابتغاء الربح. تفسيراً «أونوماتوبيا» تعني: «المحاكاة الصوتية وهي مشتقة من الكلمة اليونانية أونوماتوبية وتعني كتابة الصوت باستخدام الأحرف، كما صوت الجرس «رنغ رنغ» أو «دق دق» عند طرق الباب، أو الايقاع في الموسيقى «دم تاك». إذاً هي أونوماتوبيا. اخترنا الاسم لرغبة أن يترك سؤالا لدى الناس وتالياً حشرية المعرفة. ثم أضفنا تعبير «ميوزك هوب» أو «الملتقى الموسيقي» ولكل أن يختار الاسم الذي يراه مناسباً».
أونوماتوبيا التي نالت علماً وخبراً كجمعية أهلية لا تبغي الربح وباشرت العمل قبل ثلاث سنوات، ومن أهدافها نشر الثقافة الموسيقية. تأسست بتعاون ثلاثة شبان لديهم التزاماتهم المهنية في الحياة بينهم المهندس، المختص بالتسويق، ومصمم الرسوم المتحركة. يوسف نعيم، ألان اسطى وجو الياس اصدقاء منذ عقدين تقريباً يجمعهم إلى جانب المهن التي يقومون بها أن نشاطهم التالي متابعة كل جديد في الموسيقى، كما أنهم جميعاً يعزفون بحضور الأصحاب. يقول جو الياس: وجدنا حاجة المدينة لحفلات موسيقية تختلف عن سياق الملاهي الليلية وكذلك المسرح. هي أجواء النادي العائلي، كما أن المكان يتيح مساحة تعارف بين الموسيقيين. ويقدم كافة أنماط الموسيقى، ويتيح للحضور اللقاء والحوار مع الفنان بعد انتهاء حفله.
إلى حب الموسيقى يرى جو الياس مع زملائه ورغم سيل الاحباط الذي قذفه بوجههم المعارف والأصحاب كمثل القول «بلد لا كهرباء وماء وبدكن تعلمو الناس موسيقى»؟ فالمشروع في واحد من توجهاته تعليم الموسيقى. وتالياً فإن فلسفة يؤمن بها الثلاثي في أونوماتوبيا أن من يسمع أو يعزف الموسيقى هو أكثر هدوءاً من غيره. يقول جو: لن تحل الموسيقى كافة مشاكلنا لكني أؤمن بدورها الإيجابي، خاصة مع وجود مكان يقدم بديلاً عن الاستهلاك الذي يقصفنا به التلفزيون.
وجود جمعية أهلية لا تبغي الربح وتقدم خدمات موسيقية على صعيد التعليم فهذا يعني الحاجة للتمويل؟ يجيب جو: واجهتنا مصاعب لأننا هدفنا لجمعية لا تعتمد التمويل الخارجي عربي، أوروبي أو أمريكي، كي لا يتوقف العمل مع توقف الدعم. أمضينا سبعة أشهر من التحضير حتى توصلنا لمخطط يسمح لهذا المكان بالتمويل الذاتي. صار للجمعية استقلالها، إن غبت أو حضرت مع زملائي. وهكذا كانت فكرة إنشاء مقهى ثقافي تعود أرباحه لتمويل مشاريع الجمعية. حتى من يدير نشاط الجمعية يجلس كما الضيوف على طاولة بينهم وليس في مكتب مقفل. ومن مشاريع الجمعية هذا المقهى الذي نجلس فيه. ويليه تطوير المهارات الموسيقية. يمكن لمن يرغب درس الموسيقى وتبادل الخبرات الانضمام إلينا. «كلام في الموسيقى» واحد من برامجنا ويُعنى بالمحاضرات الموسيقية المتلازمة مع التوضيح عبر أفلام أو صور و»نادي سينما موسيقي» ثم العروض الموسيقية داخل هذا المركز. وردا ًعلى سؤال التمويل فنحن المؤسسين الثلاثة اقترضنا من المصرف بضمانتنا الشخصية. لم نبدأ السداد بعد، فالمشروع يحتاج لمزيد من الوقت حتى يحقق الاكتفاء الذاتي ومن ثم البدء بإيفاء ما عليه. أملنا كبير، وتوقعاتنا تتحقق. حالياً يضم برنامج المهارات الموسيقية 240 شخصا يرتادون المكان بين 10 صباحاً و12 ليلاً على مدار الأسبوع، وتتراوح الأعمار من ست سنوات حتى 60 سنة. لدينا بعض الآلات لكن التمرين المنزلي يستدعي وجود آلة مع الشخص. نتقاضى أقل من كافة مدارس تعليم الموسيقى. ومن يتمكن من الدفع يساهم بتعليم آخر ليست له قدرة تسديد البدل. أساتذة الموسيقى الـ»11» يتقاضون أكثر من زملائهم في معاهد أخرى. وأذكر أننا باشرنا برنامج المهارات الموسيقية مع 16 تلميذا. واليوم بات لدى عدد من تلامذتنا فرقهم الخاصة والتي تخوض منافسة مع فرق أخرى في بعض المهرجانات.
ماذا عن العروض الموسيقية؟ هي ثلاثة بحسب جو الياس: من يعرف المسرح لأول مرة بعد دراسة الموسيقى في أونوماتوبيا، نتيح له اختبار التفاعل مع الجمهور الذي يدعوه بنفسه. الحفلات المحترفة حيث يتحول المكان إلى مسرح وحضور أتى للسماع فقط. فنانون كثر يرغبون بحفلات عندنا حيث يصنفون جمهور أونوماتوبيا بالسميعة. كما ونسعى لفتح المسرح لعدد كبير من الفنانين في حفل واحد وعلى مدى ساعتين، وهو ما يُعرف بـ»أوبن مايك».
وفي الشق السينمائي من مشروع أونوماتوبيا الموسيقى أساس. يقول جو: هي وثائقيات وأفلام تعنى فقط بالموسيقى. أما في برمجة العروض محلية، عربية أم أجنبية؟ ويضيف: «نقدم عرضين أو ثلاثة اسبوعياً، أي بحدود 10 عروض شهرياً. يمكن حضورها دون ملل نظراً للتنويع بين جاز، شرقي، أو تجريبي الكتروني. نحن منفتحون على كافة أنواع الموسيقى. قبل أشهر عزفت في هذا المكان فرقة تنتمي لأوركسترا برلين، كانوا خمسة عازفين وقدموا الموسيقى الكلاسيكية».
ماذا عن جمهور أونوماتوبيا؟ وماذا عن الدعاية؟ لا دعاية ولا إعلان. من يأتون إلينا يقومون بالدعاية ويخبرون آخرين. وهكذا كبرت المجموعة. في هذه الصالة الصغيرة يحتشد جمهور يفوق الـ60 شخصاً ولا يكترثون لضيقه. بعضهم يجلس في الممرات، وهمهم فقط متابعة الحفل الذي اختاروه بعيداً عن بروتوكولات المسرح. وفي التنظيم الذي نعتمده أن كل فنان يحدد سعر الدخول إلى حفله والذي يعود له بالكامل. ويعود لنا بدل الطعام وبدوره يصب في صالح تعليم الأطفال. فمعظم العاملين متطوعون. بدل البطاقات مدروس جداً، والهدف أن تصل الموسيقى لكافة الناس. كما نطمح لأن يغني عندنا الجميع، وأن يتعرف الجمهور إلى كافة الفرق الموسيقية.
ولأن جو وزميليه يعرفون الكثير من الفنانين والموسيقيين فهم طرقوا أبوابهم سائلين في العام الأول للمشروع الحلم بأن يحيوا حفلاً في أونوماتوبيا. ساد التردد بداية والانتظار. حالياً برمجة عروضنا تغطي شهر كانون الثاني/يناير 2017. ويقول جو: الجميل أننا حققنا انتشاراً خارج لبنان. فنانون اتصلوا بهدف تقديم عروض وفعلوا من نيويورك، ألمانيا واستراليا. هم موسيقيون مستقلون يحرصون خلال زيارتهم لبنان العرض عندنا. بتنا علامة. لدينا صفحة على فيسبوك نعلن فيها عن نشاطنا. آخرون من جمهور أونوماتوبيا نزودهم بالبرنامج الأسبوعي كل يوم أحد عبر البريد الإلكتروني.
الأمل موجود إذاً برد الدين المصرفي؟ يضحك جو ويقول: يفترض ذلك، والأهم أننا فرحون للغاية بما نقوم به. ويرفع نسبة الضحك عندما نقول له: أنتم ثلاثي عازبون ماذا لو كانت القروض بهدف الزواج؟
أما في برنامج الدراسة الموسيقية لأونوماتوبيا فهو مرن جداً بحيث يتلاءم مع احتياجات كل شخص. يضيف جو: منهم من يأتينا فقط بهدف تعلم كتابة الموسيقى. أو تعلُم اصول الغناء. إذاً مرونة برنامجنا تساعد الكل بحيث ينالون ما يطلبونه أو يحتاجونه. زميلنا في تأسيس أونوماتوبيا ألان اسطى قرر في عمر الـ35 دراسة الميوزيكولوجي وفي الجامعة. صلتنا وثيقة بالكثير من الموسيقيين، والجميع تعاون معنا لوضع هذا البرنامج. نتعاون مع 11 استاذا في الموسيقى، وإلى دورهم التعليمي هم يخصصون اجتماعاً اسبوعياً لتبادل المعرفة الموسيقية بينهم نظراً لتعدد اختصاصاتهم، فذلك يغني معارفهم. مرونة البرنامج تساعد الأطفال الذين يأتون إلينا بقرار من ذويهم. وهؤلاء نتعامل معهم بخصوصية كي نجذبهم ولا ينفرون من الموسيقى. وهكذا نعطي هذا الطفل الدرس الجدي وفي المقابل لا نهمل ما يحبه، بحيث يكون لنا برنامج كامل ينسجم مع شخصيته بعد التفاهم مع الأهل. كما نتعامل بالطريقة عينها مع الراشدين. وفي المقابل هناك أطفال موهوبون للغاية ويستوعبون نسبة 80 في المئة من المواد الدسمة.
من بين طالبي العلم الموسيقي في أونوماتوبيا من بلغ الستين من العمر. العلم متاح للجميع بحسب جو لكن الاستيعاب يتباطأ. أحدهم جاء ليتعلم العزف على البيانو مع تجاوز عمر الستين. بالسؤال عن ما حال دون هذه الأمنية في عمر أقل قال: الآن صار عندي وقت. كبر أولادي وأنهوا تخصصهم الجامعي وعملوا. جاء دوري.
زهرة مرعي