تظهر صورة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان في وسائل الإعلام السورية وتصريحات المسؤولين بصورةِ عدوٍ بمرتبة متقدمة مع بعض من مشاعر الكراهية غير الخفية، في مقابل خطاب تركي عام يتجه نحو الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لضمان عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم.
لكنّ ثمّة ما يشير إلى احتمالات غير مؤكدة لتقارب تركي سوري يعززه واقع التنسيق المتبادل في محطاتٍ عدّة خلال معركة حلب نهاية عام 2016 وحتى اليوم، لكنّ ذلك كلّه يتم عبر طرف ثالث.
تدخلت روسيا في الحرب الأهلية السورية منذ أيلول/سبتمبر 2015 بشكل مباشر لإنقاذ النظام السوري من سقوط حتمي رجحته مراكز دراسات وأبحاث غربية وتوقعات لخبراء دوليين؛ وخلال أشهر قليلة أسقطت الدفاعات التركية طائرة روسية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه.
أدى الحادث إلى قطع العلاقات الثنائية ووقف إمدادات الغاز الروسي الذي يُلبي معظم حاجة تركيا الاستهلاكية، لكنّ محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في منتصف تموز/يوليو 2016 للإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان دفعت باتجاه عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها مع زيارات متبادلة للتنسيق في ملفات عدة، من بينها الملف السوري.
وأدت الحركات الاحتجاجية «ثورات الربيع العربي» التي شهدتها بلدان عربية عدّة عام 2011 إلى حملات قمعية مارستها أنظمة بعض هذه البلدان ضد المحتجين، منها سوريا، لكنّ الموقف التركي لاعتبارات عدّة تردد بادئ الأمر في تأييد الاحتجاجات السورية، في حين أيّدت تركيا احتجاجات في دول أخرى عادةً ما يتصدر مشهدها العام جماعات الإسلام السياسي المدعومين من تركيا.
من بين تلك الاعتبارات، إلى جانب المنفعة الاقتصادية، العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين والتي توّجتها اتفاقية مشتركة وقعها رئيسا البلدين عام 2009 للتعاون الثنائي الاقتصادي والسياسي والأمني، ومجالات أخرى.
وأدى تصاعد الإجراءات الأمنية وحالات القمع واسعة النطاق ضد المحتجين السوريين إلى حالة غضبٍ عربي ودولي ضد النظام السوري وقواته الأمنية، ومن بين هذه الدول تركيا التي تبنّت موقفا واضحا ورد على لسان رئيسها أكثر من مرة مطالبا بتنحي الرئيس السوري عن السلطة.
في نهاية المطاف ألقت تركيا ما بين عامي 2012 وأواخر 2015 كامل ثقلها إلى جانب المعارضة المسلحة والدول الداعمة، الولايات المتحدة والإمارات والسعودية وقطر والأردن، ضدّ النظام السوري وقواته لاعتبارات تتعلق بضرورة الانخراط الكامل في الصراع السوري والتدخل المباشر حفاظا على أمنها القومي الذي باتت تهدده ثنائية تنظيم «الدولة» والقوى الكردية الموصوفة بأنها قوى انفصالية يدعمها حزب العمال الكردستاني، أو ترتبط به تنظيما، تسعى لإقامة كيان سياسي كردي على الحدود الجنوبية لتركيا التي ترى فيه تهديدا لوحدة أراضيها وأمنها واستقرارها.
تُعد معركة حلب وسيطرة النظام عليها نهاية عام 2016 محطةً فارقةً في تاريخ التدخل التركي المباشر بالملف السوري. وخلال المعركة التي استمرت قرابة نصف عام بين معارضين مسلحين يسيطرون على الأحياء الشرقية من المدينة وقوات النظام مدعومة بتحالف إيراني روسي واسع، ارتأت تركيا سحب عدّة آلاف من مقاتلي المعارضة المسلحة الحلفاء لها والمدعومين من قبلها لخوض معارك في الشمال السوري ضد تنظيم «الدولة» الذي كان يُسيطر على بلدات جرابلس والراعي واعزاز ثم الاتجاه جنوبا إلى شمال حلب لاستعادة مدينة الباب التي لا تزال خاضعة لسيطرة فصائل درع الفرات التي شكلتها تركيا في آب/اغسطس 2016 من مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة، أيْ قبل سيطرة قوات النظام على مدينة حلب بنحو أربعة أشهر حيث كان الآلاف من مقاتلي درع الفرات يقاتلون قوات النظام دفاعا عن مدينة حلب، وهي معركتهم الأخيرة ضد تلك القوات.
مع انّ تركيا تعمل لخدمة أمنها القومي على الأراضي السورية من خلال التدخل العسكري المباشر في الشمال السوري، غرب نهر الفرات وشمال مدينة حلب، إلاّ أنها تتمسك بسياسة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحمايتها خشية تفتيت الدولة الذي يؤدي حتماً لقيام كيان سياسي كردي يمكن انْ يشكل تهديداً مباشرا لوحدة الأراضي التركية والتحاق مناطق تركية على حدودها الجنوبية تضم غالبية كردية إلى الكيان الوليد.
لذلك تجد تركيا في بقاء النظام، حتى إنْ لم تصرح بذلك، ضمانةً لحماية وحدة أراضيها؛ ولا تمانع من استعادة قوات النظام سيطرته على الأراضي السورية سواء التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة»، أو الأخرى التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تقودها وحدات الحماية الشعبية الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تنظر إليه تركيا بأنه يمثل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا متواصلة إلى حد ما ضدّ القوات التركية منذ عام 1984 لإقامة دولة كردية على أجزاء من العراق وإيران وسوريا وتركيا.
على الجانب الآخر، يتمسك النظام السوري بسياسات ثابتة قصد استرجاع جميع الأراضي التي فقدتها قواته خلال سنوات الحرب الأهلية بمسار تصاعدي مُنذ انتهاء معركة حلب سواء عن طريق العمليات القتالية، أو العمليات القتالية التي تُفضي إلى عقد هدن مع الفصائل.
وليس بالضرورة أنْ يكون خيار العمليات القتالية هو الأفضل لنظام تُعاني قواته من حالة ضعف وخسائر كبيرة مستمرة في صفوف عناصره ومعداتهم، لكنه الخيار الوحيد للهدف النهائي للنظام باستعادة كامل الأراضي السورية بما فيها الأراضي الخاضعة لسيطرة الأكراد في الشمال السوري، أو الخاضعة لسيطرة الفصائل الحليفة لتركيا.
قُبيل انتهاء معركة حلب بأيام، انخرطت تركيا بشكل أوسع في مسار الحل السياسي بعد البيان المشترك لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في 22 كانون الأول/ديسمبر 2016 لإطلاق مفاوضات بين ممثلي النظام السوري والمعارضة المسلحة في العاصمة الكازخية أستانة يومي 23 و24 كانون الثاني/يناير 2017 المعروفة باسم أستانة 1 التي مهدت لسلسلة من جولات التفاوض بلغت ثماني جولات حتى الآن.
بصفتها الدولة الضامنة لالتزام المعارضة المسلحة، اتفقت تركيا مع روسيا راعية اتفاقات أستانة وإيران الطرف الضامن لالتزام النظام على مسار أستانة لخفض التصعيد في الرابع من أيار/مايو 2017؛ وخفض التصعيد هو التزام طرفي الصراع بتخفيف حدّة التوتر في أربع مناطق لا تشمل مناطق سيطرة تنظيم الدولة آنذاك، أو مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. ومهدت اتفاقيات خفض التصعيد لمزيد من الهدن والمصالحات المناطقية التي ساهمت في استعادة النظام لأجزاء واسعة من الأراضي السورية من يد فصائل المعارضة المسلحة.
ولا تعترض تركيا بأيّ شكل كان على سيطرة قوات النظام على جميع الأراضي السورية من منطلق ان الحكومة السورية لا تزال شرعية مُعترف بها من الأمم المتحدة لها حق السيادة على كامل أراضيها، كما انّ سيطرة قوات النظام على مناطق تنظيم «الدولة» أو القوات الكردية يخفف، أو يمنع، التهديدات المحتملة على الأمن القومي التركي طالما التزمت قواته بضبط الحدود، ومنع التسلل، أو شن هجمات على الأراضي التركية انطلاقا من الأراضي السورية.
يمكن القول، انّ سياسة تركيا وواقعيتها في التعاطي مع ملف الصراع السوري قد حققت الأهداف التركية التي يأتي في المقام الأول منها إبعاد أيّ تهديدات على أمنها القومي ووحدة وسلامة أراضيها، وعلى هذا فان مسألة ظهور علاقات تركية سورية بشكل رسمي بدلاً من التنسيق عبر روسيا، هي مسألة وقت بعد انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً لتركيا بصلاحيات أوسع، وهو صاحب القرار الأول في رسم السياسات التركية للملف السوري منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا.
رائد الحامد
نعم اول مرة تركيا تتخذ سياسة عاقلة ورزينة ومفيدة للأمن القومي التركي والسوري حتى يحافظون على وحدة أراضيهم من التقسيم بلدانهم إلى كنتونات من قبل العرقيات التي تدعمها اسراءيل والغرب والهدف منه هو تقسيم تركيا ولن يتم الا اذا تقسمت سوريا فعلى الأتراك والسوريون يعلمون انهم مستهدفون لذلك عليهم تصحيح الخطاء القاتل الذي كان يؤدي إلى تفتيت سوريا وبعد ذلك يأتي الدور على تركيا فامن تركيا من سوريا .