رام الله ـ «القدس العربي»: تضاربت الأقوال حول تسمية مدينة رام الله بسبب عدم ذكرها في المصادر التاريخية. وذكرت مدينة رام الله باسم رامتايم صوفيم في مواضع عدة في الكتاب المقدس، وعرفت في التوراة باسم أرتايم صوفيم وذكرها المؤرخ يوسيفوش باسم فيكولا وأطلق عليها اسم جليات ايلوهيم واسم رامالي اعتقاداً منهم أنها مستعمرة زراعية افرنجية وقد أثبت الأثريون عدم صحة هذه الأسماء لأن أمكنة الملوك التي نسبت إليهم مثل الملك صموئيل وشاؤول مختلفة عن المدينة الحالية.
واعتمدت تفسيرات أقرب إلى الصحة كون كلمة «رام» تعني المنطقة المرتفعة وهي كلمة كنعانية منتشرة في أماكن مختلفة في فلسطين وأضاف إليها العرب كلمة الله فأصبحت رام الله وقد عرفها الصليبيون بهذا الاسم ولكن الثابت تاريخياً أن قبيلة عربية جاءت في أواخر القرن السادس عشر وسكنت في قرية أو غابة حرجية اسمها رام الله.
تأسست مدينة رام الله على يد شيخ إحدى عشائر الكرك المسيحية يدعى راشد الحدادين حين قرر الهرب عن موطنه بسبب خلافات عشائرية في أوساط القبائل العربية البدوية على خلفية دفع الضرائب والإتاوات الى شريف مكة آنذاك وخوفاً من الاستبداد الذي لحق به الشيخ ذياب بن قيصوم.
وقاد راشد الحدادين مؤسس مدينة رام الله في منتصف القرن السادس عشر قافلته الصغيرة عبر تلال الأردن القاحلة الى موقع غير بعيد عن مدينة القدس ولم يعرف عندها أنه كان يقوم بوضع أسس بلدة جديدة واعدة في قلب فلسطين تدعى رام الله. وصلت قافلة الحدادين الى منطقة حرجية تبعد ستة عشر كليومتراً شمال القدس. وهنا، وبين بقايا كهوف ما قبل التاريخ وقريتين رومانيتين، استقرت القافلة وبدأت بتأسيس بيوتها الجديدة.
وشكلت الأحراش والأحطاب المنتشرة في خربة رام الله آنذاك عامل جذب لراشد الحدادين كونها ضرورية لمهنته التي كان يمارسها في الكرك موطنه الأصلي. الحدادين وبعد سماعه نبأ وفاة عدوه المتسبب في رحيله عن الكرك قرر العودة الى دياره في حين أصر أولاده الخمسة والذين أصبحوا اليوم أجداد مواطني رام الله الأصليين على البقاء فيها. وأولاد الحدادين الخمسة: صبرة وإبراهيم وجريس وشقير وحسان. رزق كل منهم بأولاد وتحولوا مع الوقت الى عائلات و«حمايل» فأصبح هناك : آل يوسف وآل عواد وآل الشقرة وآل جغب وآل عزوز.
وتواصلت الهجرة باتجاه مدينة رام الله من قبل عدد آخر من العائلات كان منها: هجرة آل الرفيدي من نابلس الى رام الله عام 1750 على أثر صراع عائلي وجريمة قتل. وهجرة آل الصفدي وآل حشمة من منطقة الجليل 1790 وهجرة عائلة الأعرج وزغروت وعائلة شهلا من قرية أبان قرب القدس عام 1805. وهجرة آل الريفي من شرق الأردن عام 1825 وكان عددهم 800 نسمة قادمين من مدينة عجلون. وهجرة آل نزال من رفيديا ما بين عام 1805 ـ 1810 م وقد احتسبوا على حامولة الشراقة. وهجرة آل الدبيني من شرقي الأردن الى الناصرة ثم الى رام الله عام 1880 وكان لآل الدبيني رئاسة أول مجلس بلدي في رام الله. وهجرة آل الجاعوني الى رام الله عام 1923 وهي أول عائلة مسلمة تسكن رام الله في العصر الحديث.
وتعتبر هجرة الفلسطينيين الجماعية بعد نكبة عام 1948 ونكسة 1967 هي التي أجبرت العديد من العائلات الفلسطينية على الهجرة الى مدن الضفة الغربية نتيجة الاحتلال وكان منها مدينة رام الله التي أحيطت بعدد من مخيمات اللاجئين.
في حين شكل عودة السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1994 واتخاذ مدينة رام الله مركزاً رئيسياً لعمل السلطة الفلسطينية حيث ترافق مع ذلك عودة أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين يعملون في الخارج او العائدين بموجب الاتفاقات الجديدة. هذا بالإضافة الى هجرة عدد كبير من المواطنين لأسباب اقتصادية و اجتماعية.
وبدأت مدينة رام الله تتوسع وتنهض في شتى المجالات مع مرور الزمن ففي العام 1807 تم بناء أول كنيسة للروم الاورثوذكس وفي عام 1869 تم افتتاح مدرسة الفرندز للبنات. وفي العام 1902 تم تحويل رام الله الى مقاطعة من قبل الحكومة التركية وضمت حينها ثلاثين بلدة محيطة حيث تم تعيين العين أحمد مراد من القدس أول حاكم لها مدير وفي العام 1908 تم تحويل رام الله الى مدينة وتم تعيين الياس عودة أول رئيس للبلدية فيما ضم المجلس البلدي ممثلاً عن كل حامولة. وفي وقتنا الحاضر تعد مدينة رام الله أحد أهم المراكز في الضفة الغربية لكونها تحتل موقع متقدم في مجالات عدة أهمها: السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
يبلغ عدد سكان مدينة رام الله 80 ألف نسمة وتحيط بها 80 بلدة وقرية. أما العدد الإجمالي لسكان المدينة ومحيطها فيبلغ 278 ألف نسمة. وشهدت مدينة رام الله والبيرة نمواً سكانياً متزايداً على الرغم من تأثرها بالظروف السياسية التي أحاطت بها كباقي المدن الفلسطينية ففي سنة 1922 بلغ عدد سكانها 4582 نسمة مسجلاً انخفاضاً عما كان عليه عام 1912 ويرجع ذلك إلى حركة هجرة شهدتها المدينة في أعقاب الحرب العالمية الأولى ثم عاد عدد السكان للزيادة ليصل في عام 1945 إلى 8000 نسمة وفي عام 1952 قفز عدد السكان قفزة كبيرة ليصل إلى 26225 نسمة بسبب هجرة أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في أعقاب نكبة عام 1948. وتواصلت الزيادة السكانية لتصل قبل نكسة عام 1967 مباشرة إلى 3278 نسمة. انخفض عدد السكان بعد الحرب مباشرة ليصل إلى 25171 نسمة بسبب حركة النزوح التي شهدتها المدينة في أعقاب الحرب.
تعتبر قرية رام الله التي سكنها راشد بن صقر الحدادين وأولاده والمتركزة حول مقام إبراهيم الخليل مبنية على جبل يطل على الغرب أي على الساحل الفلسطيني وقد لاحظ هذا السائحان روبنسن وسميث عندما زارا البلدة سنة 1838. أما من جهة الشرق والجنوب فهي محاطة بالجبال. وتبعد رام الله حوالي عشرة أميال إلى الشمال من القدس وتبعد المدينة عن البحر الذي يرى من تلالها حوالي 16 كيلومتراً هوائياً وكثيراً ما نشاهد منها أثناء النهار السفن الراسية فيه. ونظراً لقرب البحر منها فإن الهواء الذي يهب عليها من الغرب يحمل معه بعض الرطوبة ولكن ارتفاع البلدة عن سطح البحر الذي يتراوح بين 830-880 متراً يلطف من هذه الرطوبة.
مناخ رام الله هو مناخ حوض البحر الأبيض المتوسط ففي الشتاء تتعرض البلدة للرياح الجنوبية الغربية القاسية الماطرة وأحياناً إلى رياح شمالية شرقية جافة باردة نسبياً. أما معدل سقوط الأمطار هو حوالي 20 إنشاً أو 500 مليمتر في السنة. ومعدل درجة الحرارة في الشتاء نادراً ما يصل إلى 32 درجة فهرنهيت أو صفر مئوي وفي الصيف قلما تزيد على 95 ف أو 35 درجة مئوية ويمكن القول إن معدل درجة الحرارة السنوي يتراوح بين 41-77 ف أو 5-25 م.
وفي أوائل نيسان تأخذ الرياح الخماسينية بالهبوب وهذه رياح جافة تحمل معها كثيراً من الغبار وهي تأتي من الجنوب وينقطع هبوب الرياح الخماسينية كلما اقترب فصل الصيف وتهب أيضاً على البلدة رياح دافئة في أواخر الصيف وأوائل الخريف وتعجل بإنهاء موسمي العنب والتين وعلى العموم فإن مناخ رام الله لطيف منعش في الصيف دافئ في الشتاء وهذا جعل الحياة فيها حياة نشاط وعمل.
ويظهر أن من جملة أسباب اختيار «راشد بن صقر الحدادين» موقع رام الله للسكن فيه كان لجمال منظره الطبيعي. ومما يزيد في حسن منظر البلدة الأزهار اللطيفة التي تنمو على تلالها ففي كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير يزهو النرجس ويفوح شذاه العطر وفي آذار/مارس تأخذ بقية الأزهار البرية مثل «قطين الغزال» و«حنون الغزال» و«غليون سيدي» و«حنون الدولة» بألوانه المختلفة. واعتبرت رام الله على العموم مثالاً طيـــباً للــقرية الفلسطينية وقد مدحها معظم الذين زاروهــا من الأجانب قالوا عن أهلها أنهم مجتهدون ومدبرون وأذكياء سرعان ما يأنس لهم القريب.
وقبل أيام ومع مرور احتفال رام الله بذكرى مئوية البلدية قبل سنوات عدة، أعلنت شبكة Connecting Cities انضمام بلدية رام الله إلى الشبكة. وهي شبكة أوروبية وعالمية تضم مجموعة واسعة من المدن ترمي إلى إنماء بُنية تحتية مترابطة من واجهات الوسائط والشاشات الحضرية ومواقع العرض لتداول المحتوى الفنّي والاجتماعي بشكل تفاعلي مع الجمهور في توظيف مختلف لهذه الشاشات والوسائط الحضرية بشكل تجاري فقط، تهدف الشبكة من وراء هذا التوظيف إلى احياء هذه المنصات بحيث يستطيع المواطنون التبادل عليها في داخل كل مدينة وكذلك بين المدن المختلفة. إضافة لتنظيم أعمال فنية تفاعلية تُعرض كل عام خلال فعاليات ربط المُدن. وتنتج الشبكة أبحاثاً في مضمار عملها وتنظم ورشات عمل ومؤتمرات تتناول موضوع تخصصها.
وتسعى بلدية رام الله من خلال وجودها في هذه الشبكة إلى تشجيع الفنانين المحليين على إنتاج أعمال بصرية فنية تفاعلية مع الجمهور تستخدم الوسائط الحديثة والشاشات الحضرية لعرضها في فضاء المدينة العام وفي مدن عالمية مختلفة سواء كانت إنتاجات فردية أو إنتاجات يتم التعاون فيها مع فنانين من مدن حول العالم إضافة إلى استضافة جزء من نشاطات الشبكة السنوية في مدينة رام الله وتطويع التكنولوجيا الحديثة والرقمية لترويج الفنون البصرية التفاعلية مع الجمهور وربطها بمشروع حوش قندح ـ المركز التنموي للفنون البصرية.
فادي أبو سعدى
أول مرة أعرف أن عائلة “الحدادين” مسيحية!
معلومات شيقه فيها كثير من العمق الفكري والتاريخي
احسنت