صدر للدكتور جعفر هادي حسن كتاب جديد بعنوان «فرق يهودية معاصرة» عن دار لندن تاكز في لندن، والذي يواصل فيه مشواره البحثي في حقل الدراسات اليهودية الذي تخصص فيه منذ أكثر من ربع قرن. والدكتور جعفر هادي حسن أستاذ جامعي عراقي مختص باللغة العبرية واللغات السامية والدراسات اليهودية، وقد حصل على الليسانس والماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة بغداد، ثم أتم مشواره الأكاديمي في بريطانيا حيث حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة مانشستر. وقد درّس في عدد من الجامعات العربية والغربية كان آخرها جامعة مانشستر. وله عدد كبير من الدراسات المنشورة باللغة العربية والإنكليزية في حقل الدراسات اليهودية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ «اليهود الحسيديم …نشأتهم – تاريخهم – عقائدهم – تقاليدهم» و«تاريخ اليهود القرائين منذ ظهورهم حتى العصر الحاضر» و«فرقة الدونمة بين اليهودية والإسلام» و «قضايا وشخصيات يهودية».
يشير في مقدمة كتابه إلى ان الديانة اليهودية اليوم تضم فرقا كثيرة ومتعددة، بعضها مشهور ومعروف للقارئ مثل فرقة اليهود الأرثوذوكس، وبعضها غير معروف للقارئ العربي بشكل خاص، حيث لم يكتب عنها في المكتبة العربية بحثا أو كتابا إلى حد الآن. وقد اشتغل المؤلف في كتابه الجديد على اطلاع القارئ على بعض الفرق اليهودية المعاصرة غير المعروفة، والتي ما زالت نشيطة وفاعلة في عالمنا اليوم، والظاهرة التي تجمع هذه الفرق هو عدم وجود دراسات باللغة العربية عنها (عدا يهود أثيوبيا – الفلاشا). وأكثر هذه الفرق تنتشر في أصقاع كثيرة من العالم ولا تتركز في منطقة واحدة. وقد عمل بشكل جاد على أن تضم الدراسة تفاصيل عنها تتناول أغلب جوانبها في العقيدة والتقاليد والممارسة الدينية وغيرها.
ومن الفرق التي تناولها الباحث في دراسته؛ فرقة اليهود الأفارقة الأمريكيين، وهي فرقة أصبحت اليوم كبيرة وذات خصوصية، وتتميز كثيرا عن بقية الفرق اليهودية الأخرى. ولذلك توسع في الحديث عنها، وذكر بعض تفاصيل ممارستها الدينية. ويشير الكاتب إلى ان هذه الطائفة لم تكتب عنها دراسة مفصلة بل حتى ولا مقالة واحدة باللغة العربية، ولأن الدراسة عنها قد أصبحت واسعة ومتشعبة، فقد ارتأى تفاديا – لارهاق القارئ بطولها- أن يقسمها إلى قسمين في فصلين، تحدث في الفصل الأول عن بدايات وتاريخ ظهورها وبعض الأفكار العامة التي تتميز بها عن بقية الفرق الأخرى، وكذلك بعض مجموعاتها، التي أخذت تظهر الواحدة تلو الأخرى. وفي الفصل الثاني تحدث عن أحد أشهر مجموعاتها وهي (مجموعة الشعب الافريقي الإسرائيلي العبراني الاورشليمي) التي أصبحت ذات شهرة عالمية، ولها نظرية خاصة بها وخطط لإقامة دولة، تعمل اليوم على تطبيقها.
كما تناول المؤلف بالدراسة في فصل آخر فرقة (يهود أثيوبيا -الفلاشا) وهي من الفرق التي تناولها الإعلام كثيرا وكتبت عنها دراسات باللغة العربية، عدا ما كتب عنها باللغات الأخرى. ولكن على الرغم مما كتب عنها باللغة العربية، فإن الموضوع ظل يفتقر إلى بعض المعلومات المهمة، وهي معلومات حري بالقارئ أن يطلع عليها ويستفيد منها، ولهذا السبب تناول المؤلف موضوع الفلاشا في الكتاب وخصص له فصلا.
كما ان من الفرق غير المعروفة للقارئ والتي تناولها الباحث مفردا لها فصلا في هذا الكتاب هي فرقة تعرف بالإنكليزية (Messianic Jews) والتي كانت تترجم أحيانا بـ (اليهود المسيحانيين) ولكن الكاتب أطلق عليهم اسم «اليهود اليسوعيين»، حيث يرى أن هذا الإسم أكثر صحة ودقة، وأقرب لمعناه المقصود بالإسم الإنكليزي، ويخبرنا انها فرقة أيضا لم يتم تناولها بالدراسة والبحث في المكتبة العربية سابقا، وما تختلف به هذه الفرقة عن غيرها من الفرق اليهودية هو أنها لا تؤمن بمسيح يهودي مخلص يأتي في آخر الزمان كما هو الحال أو المتعارف عليه في مختلف الطوائف اليهودية، بل تعتقد كما المسيحيين، أن الذي سيظهر هو عيسى المسيح، أو يسوع المخلص بالمصطلح المسيحي، وسيكون ظهوره في نهاية الزمان هو الثاني بعد الأول، الذي حدث قبل ألفي عام، كما ان لهذه الفرقة تفصيلات عقائدية وسلوكية وممارسات دينية تميزها عن بقية الفرق اليهودية.
كما تناول المؤلف فرقة تعتبر حديثة إلى حد ما، حيث ظهرت في منتصف القرن الماضي، وهي أيضا من الفرق اليهودية غير المعروفة للقارئ العربي، أطلق عليها اسم (اليهودية البشرية)، ترجمة للتسمية الانكليزية ( Humanistic Judaism ) وأفراد هذه الفرقة يعتقدون إن الديانة اليهودية أسسها اليهود أنفسهم (البشر) ولم تأت من وحي أوحى به رب، بل هم لا يعتقدون بوجود رب، ولا يعترفون حتى بآباء بني إسرائيل القدماء مثل يعقوب واسحق وداوود، ولا يعتقدون حتى بموسى ويعتبرونهم رموزا اسطورية لا وجود لهم، ولهذه الفرقة اليوم أتباع في كثير من أقطار العالم، ولهم عشرات المراكز للعبادة حتى في إسرائيل، ويمكن للقارئ ان يطلع خلال قراءته للكتاب على تفاصيل أخرى تتعلق بهذه الفرقة .
كما تناول بالبحث فرقة يهودية أخرى أنشأها واعظ ياباني، اسمه إيكورو تشيما، اسمها «مكويا». وكانت ظهرت في منتصف القرن الماضي على أنها فرقة مسيحية تتميز ببعض المعتقدات والتقاليد، التي تختلف عن الفرق المسيحية الأخرى، فهي تؤمن بالأصل اليهودي للمسيحية، وترى أن فهم المسيحية يعتمد على فهم اليهودية والتاريخ اليهودي وغيرها من الأفكار، ولكنها بمرور الزمن أخذت تميل إلى اليهودية أكثر، وتمارس بعض معتقداتها المهمة، مثل السبت كيوم للراحة وكذلك الأعياد اليهودية وغيرها، وتتبنى أهم رموزها، مثل المنوراه ونجمة داوود وغيرهما، وهي اليوم تستعمل أسماء يهودية لأعضائها، إضافة إلى أسمائهم اليابانية. كما ان زعيمها الذي خلف المؤسس صرح أكثر من مرة أن فرقة «مكويا» هي فرقة يهودية، بل ادعت أن أصولها تعود إلى إحدى قبائل بني إسرائيل الضائعة (قبيلة زبولون)، وهي منذ بداية ظهورها تتبنى الأفكار الصهيونية، فيما يتعلق بأرض فلسطين، وتساند إسرائيل ماديا ومعنويا وتؤيد سياساتها. لهذا تناولها الباحث باعتبارها من الفرق اليهودية على الرغم من نشأتها المسيحية، لأنها في واقعها وممارستها يهودية.
كما ان الكاتب استثنى من الفرق المعاصرة في كتابه الجديد ما كان قد تناوله في دراسات مفصلة في كتبه السابقة مثل «اليهود القرائين والدونمه والحسيديم»، أو التي كتب عنها دراسات مطولة كالحريديم، إذ يمكن للقارئ المهتم بهذه الفرق أن يراجعها في الدراسات المشار لها. كما لم يتناول بعض الفرق المعروفة مثل فرقة اليهودية الإصلاحية والمحافظة وغيرهما، لأنه يعتقد ان كلا منها تحتاج إلى دراسة مطولة لو أضيفت ستثقل الكتاب حجما وسترهق القارئ، الذي قد يشيح بوجهه عنه بسبب ذلك، بل ولا يرغب في قراءته، ولذلك ارتأى أن يعمل على دراسة هذه الفرق في كتاب مستقل سيظهر مستقبلا. وكما يتضح من عنوان الكتاب «فرق يهودية معاصرة» انه يخلو من أداة التعريف كناية عن ان الباحث متعمدا وضع العنوان بصيغة المجهول لأنه تناول بعضا من الفرق اليهودية المعاصرة وليس جميعها.
الدكتور جعفر هادي: «فرق يهودية معاصرة»
دار لندن تاكز، لندن 2017
280 صفحة
فيما يتعلق بفرقة مكويا اليابانية كان هناك في العراق فرقة مسيحية تدعى السبتيين لانهم كانوا يقيمون قداس الصلاة يوم السبت وليس الاحد كما باقي الفرق او الكنائس المسيحية في العراق واعتقد انههم موجودين في لبنان كما في سوريا ومصر ولكن في العراق تم اتهامهم بالتجسس لإسرائيل واغلقت كنائسهم في فترة سبعينيات القرن الماضي ولكن لالاسف لا يمكن اثبات او نفي علاقتهم بإسرائيل واليهودية وذلك لان النظام كان يبرر ما يفعله في العراق