تحمل قمة الرياض التي تم التحضير لها بمناسبة بدء جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخارجية، الكثير من الرموز والدلالات، فهي تعبير عن أمل عودة أمريكا للعب دورها التقليدي في قضايا المنطقة، وهي بالضرورة تمنح رئيس الولايات المتحدة الفرصة لتقديم شيء جديد غير ما قاله أثناء الحملة الانتخابية واتسم بمعاداة الإسلام.
وفي الحقيقة هي أكثر من قمة، لقاء مع الملك سلمان بن عبد العزيز والعائلة الحاكمة وثانية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وثالثة مع 50 زعيما وممثلا لحكومات عربية وإسلامية كفيلة بأن تنزع عن الرئيس الصورة التي تلبسته أثناء الحملة الانتخابية وإجراءات منع مسلمي 7 دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة واستثنى العراق في الأمر الثاني. ولن تكتمل الرمزية إلا بخطاب عن الإسلام وصفه مستشار الأمن القومي الجنرال أتش أر ماكمستر بالملهم والذي يؤكد على دور الإسلام السلمي في الحضارة العالمية.
أصداء القاهرة
وهناك أصداء في هذا من الخطاب الذي ألقاه في أول أيامه في الرئاسة عام 2009 في جامعة القاهرة ودعا فيه لصفحة جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. بخلاف أن أوباما يعتبر من أكثر الرؤساء الأمريكيين، باستثناء توماس جيفرسون، فهما للإسلام ولكنه فشل في بناء ما وعد به، ربما لأنه لم يكن قادرا على فهم طبيعة الخطر الجهادي الذي اكتفى بوصفه «حفنة من الزعران والمتعصبين» ولأنه تحدث للمسلمين وطالبهم بدعم الحداثة بلغة فوقية وأبوية نوعا ما كما لاحظ الباحث شادي حميد من معهد بروكينغز في «ذا أتلانتك» (19/5/2017). ولا تقف دلالة الخطاب عن الإسلام عند حدود التقرب للمسلمين والعالم الإسلامي أو تقديم فهم جديد بل هو جزء من تحشيد راغب ببناء ما تحدث عنه البعض «ناتو عربي» يسهم في حرب ترامب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومواجهة التأثير الإيراني. ومن هنا فلا يعدم المراقب للتحضيرات والبرامج الكثيرة التي أعدتها السعودية لرحلة زعيم أقوى دولة في العالم من التفكير أن «أمريكا الفاشلة» وهي الصورة التي حملها أهل الخليج عن عهد أوباما لم تعد قائمة وأصبحت سطورا في تاريخ العلاقة الأمريكية- السعودية. فهم يشعرون انه كان رئيسا سيئا لهم.
والسبب تقاربه مع إيران وتردده في سوريا ورفضه التدخل لحماية حليف أمريكا القديم محمد حسني مبارك من ثورات الربيع العربي. وعلقت صحيفة «نيويورك تايمز»(18/5/2017) قائلة إن السعوديين وحكام الخليج الغاضبين جدا من الرئيس السابق تجاهلوا على ما يبدو تصريحات ترامب المعادية للإسلام واعتبروها كلام حملات انتخابية وعبروا عن استعدادهم للتعاون معه من جديد وبناء التحالفات القديمة. وكذلك التأكيد له أن اولوياتهم تتشارك مع أولويات الولايات المتحدة. وهم بهذه المثابة الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب ضد الإرهاب ومواجهة إيران وإنعاش التجارة والأعمال وحتى لعب دور في إحياء العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعليه يرى السفير الأمريكي السابق في اليمن ستيفن أستش أن الزيارة تعتبر لحظة بارزة للسعوديين وهم «يرغبون بتعزيز فكرة وجود شراكة استراتيجية وان مصالحنا ومصالحهم مشتركة». لكل هذا رغب السعوديون بتأكيد هذه الملامح من خلال ورش عمل ولقاءات مع قادة الأعمال الأمريكيين وكبار مدراء الشركات فيها ومؤتمر عن التويتر، خاصة أن الرئيس معروف بولعه باستخدامه اليومي له. ومسابقات رياضية وحفلات غنائية ومعارض للفنون وافتتاح مركز لمكافحة الإرهاب مجهز بأحدث التقنيات الألكترونية لاختراق الجماعات الإرهابية. ولاحظ ديفيد إغناطيوس في «واشنطن بوست» (18/5/2017) أن المركز الذي أنشئ برعاية الأمير محمد بن سلمان، نائب ولي العهد يقربه خطوة من التعامل مع الملف الأمني الذي ظل بيد ولي العهد الأمير محمد بن نايف. والأهم من كل هذا صفقات أسلحة بـ 110مليار دولار تخلق فرص عمل للأمريكيين وتعهد عربي إسلامي بحظر دعم الجماعات المتشددة ومصادقة على خطط الإصلاح التي يقودها الأمير بن سلمان. وبهذه المثابة تبدو الرياض قائدة للعالم الإسلامي تستقبل قائد العالم، وكان لافتا الأعلام السعودية والأمريكية التي رفرفت في شوارع العاصمة وصور الملك سلمان وترامب وعبارات «العزم يجمعنا». وسر إعجاب دول الخليج بساكن البيت الأبيض نابع من مواقفه المتشددة من النظام السوري ودعمه للحملة الجوية التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين، وكلاء إيران في اليمن. وكما نقلت إليزابيث ديكنسون بمقال في «فورين بوليسي»(18/5/2017) عن متخرجة جامعية سعودية قولها إن ترامب تغير «لا أعرف كيف ولماذا تغير ولكنه تغير». وأشارت ديكنسون إلى أن زيارة ترامب تعتبر نجاحا للمدخل السعودي الذي تبناه الأمير محمد بن سلمان وهو التحدث للأمريكيين والعالم مباشرة بدون الاعتماد على جماعات الضغط وإنشاء مؤسسات علاقات عامة سعودية أمريكية. مع أن «واشنطن بوست» (19/5/2017) رأت في افتتاحيتها أن الزيارة هي نتاج نجاح للوبي السعودي في واشنطن الذي قدم المملكة ودول الخليج للأمريكيين كحلفاء لا يمكن الإستغناء عنهم في مواجهة الجهاديين وإيران. وتقول كارين إليوت هاوس في صحيفة «وول ستريت جورنال» (18/5/2017) إن قمة الرياض واضحة في رسالتها «باراك أوباما فضل إيران ولكن الملك سلمان دعا قادة 50 دولة عربية ومسلمة لمقابلة ترامب. ويهدف هذا الحشد غير المسبوق لإظهار أن السعودية ليست قائدة للعالم الإسلامي ولكن قادة المسلمين يدعمون الولايات المتحدة في حربها ضد إرهابيي الدولة الإسلامية».
فرصة
فحضور ترامب يمثل فرصة للسعودية وبالضرورة الأمير بن سلمان لإظهار السعودية بصورة جديدة. ولاحظت إليوت تشابها بين الأمير الشاب ورجل الأعمال الذي أصبح رئيسا فكلاهما يعتبر «خارج» المؤسسة ويرغب بالتحديث ويواجهان معارضة من الداخل. وعليه يرغب الأمير والرئيس في تعزيز قيادتهما. وقد فضل الرئيس السعودية وجعلها محطته الأولى في أول زيارة خارجية، وهو أمر لم يقم به رئيس أمريكي من قبل. ولكن الترحيب شيء والتوقعات أمر آخر، فالسعوديون يريدون خطوات عملية خاصة في حرب اليمن ومواجهة إيران. ويقال إن السعودية مستعدة للسماح للأمريكيين العودة للقواعد العسكرية التي أخليت بعد عام 2003 بسبب معارضة القوات الأجنبية على أرض الحرمين. فالسعودية التي تخوض حربا مكلفة بحاجة للدعم الأمريكي. ولو عادت القوات الأمريكية فسيكون إنجازا للرئيس وتعنيفا لأوباما الذي طالب السعوديين بمشاركة «المنطقة» مع إيران. ويواجه الأمير معركة داخلية صعبة لإقناع المواطنين السعوديين المتشككين بنجاعة خطة التحول التي طرحها وأنها ستغير البلاد للأحسن وتجلب الإزدهار بمنأى عن النفط. ويواجه ترامب تحديات أخرى غير طموحاته في زيادة الدخل القومي بنسبة 3٪ وخلق فرص عمل وتعزيز قطاع الطاقة والبنى التحتية.
مهرب
لكل هذا فالدبلوماسية الدولية هي محاولة للهروب من المعارك التي يشهدها البيت الأبيض والكونغرس والتحقيقات التي تلاحقه في الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016 وتداعيات فصله لجيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالية وتسريبه معلومة سرية لوزير الخارجية الروسي فلاديمير بوتين، ما يعطي صورة عن رئيس محاصر ويذكر بريتشارد نيكسون الذي حاول الهروب من فضيحة ووترغيت بحملة دبلوماسية في الخارج ولم تترك دبلوماسيته أثرا جيدا عليه ولا على الولايات المتحدة. وفي تصريحات لمجلة «تايم» بداية هذا الشهر قال «حصلت على ممتاز وممتاز جدا في السياسة الخارجية»، وكما يرى باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت» (19/5/2017) ففي حالة عدم تفهم الرئيس الأمريكي للأزمة التي تهدد بتدميره داخل الولايات المتحدة فإنه سيتحول نحو المغامرات الخارجية التي عارضها أثناء حملته الانتخابية. فالجنرالات الذين عينهم في الدفاع والأمن القومي ليسوا من دعاة العزلة. كما أن تراجع الدور الأمريكي في العالم يعزز من مواقف دعاة التدخل الدولي، فلم تعد الولايات المتحدة القطب الوحيد المسيطر على السياسة العالمية، وهو موقع تمتعت به في الفترة ما بين سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990 والأزمة المالية العالمية 2008. وكل ما لديها قوة عسكرية متفوقة على غيرها من القوى وإغراء استخدامها حاضر دائما. ويمكن استخدامها في مواجهة التهديد الإيراني للمنطقة، فلم يخف الرئيس ترامب من عدوانيته تجاه الجمهورية الإسلامية. وفي ظل المخاوف الخليجية والإسرائيلية من الطموحات الإيرانية في المنطقة فالدور الأمريكي مطلوب. ولكن هل يستطيع ترامب تحقيق ما يريده أعداء إيران؟ فلا يزال الإتفاق النووي الذي عارضه ووعد بتمزيقه على حاله. إلا أن الشعور في الرياض هو أن «إيران هي الجائزة الكبرى» كما نقل مراسل صحيفة «الغارديان»(19/5/2017) عن أمير سعودي. وقال مارتن شولوف إن السعوديين يشترطون محاربة التطرف بدعم الرئيس لجهود الإصلاح ومواجهة إيران. ونقل عن ممول سعودي قوله «هل فهم إيران؟ لا ولكن مستشاروه يعرفون» وكذا «مضيفوه في المحطة الثانية» أي إسرائيل.
تفكيك الإرث
ويعلق الكاتب أن ترامب قام بتفكيك إرث أوباما في الداخل من ناحية إلغاء نظام الرعاية الصحية «أوباما كير» وسياسات البيئة ويقوم الآن وبحماس بقلب كل جهود الرئيس السابق للتقارب مع إيران. ويقول إن الإبتعاد عن إيران ورحلة تاريخية للسعودية تمثل عودة للوضع السابق الذي لعبت فيه أمريكا دور الحاجز ضد طهران. ومن هنا حذر عدد من مسؤولي إدارة أوباما من أثر الزيارة على الإتفاق النووي عام 2015. ففي مقال مشترك لكل من أنتوني بلنكين وجون فاينر وأفريل هينز وفيليب غوردون وكولين كال وروبرت مالي وجيف بريسكوت وبن رودس وويندي شيرمان نشرته مجلة «بوليتكو» (18/5/2017) قالوا فيه إن الولايات المتحدة دخلت نهاية منطقية للإتفاق النووي. ومع ذلك فزيارة الرئيس والانتخابات الإيرانية والمعركة حول إيران في الكونغرس ستترك أثارها عليه. ويتوقعون عودة ترامب الذي لا يتكهن أحد بتصرفاته معبأ ضد إيران وقد منح السعودية ضوءا أخضر لمواصلة حربها في اليمن. ويرى المسؤولون السابقون أن هناك أسبابا تدعو لمواجهة إيران نظرا للدور الذي تلعبه في زعزعة استقرار العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين. لكنهم يتساءلون عن الكيفية التي يمكن من خلالها الحد من النشاطات الإيرانية بدون زيادة النزاع والوقوع بمصيدة إيران. فالسعودية والإمارات تنظران لليمن كساحة مواجهة متقدمة ضدها ولهذا فالسعودية بحاجة لحماية حدودها ومنع وصول شحنات الأسلحة للحوثيين، ولكنهم يحذرون من تقديم الدعم العسكري والإنخراط في الحرب التي قد تجر الولايات المتحدة لمستنقع اليمن وتدفع إيران لاستخدام وكلائها كي ينتقموا من التحالف والتلاعب بالوضع الداخلي في السعودية ودول الخليج. وسيؤدي هذا لزيادة الحرب وحرف النظر عن العدو الرئيسي للولايات المتحدة هناك وهو تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية. ويعتقد المسؤولون أن الطريقة الوحيدة لمساعدة السعودية واليمن هي القيام بحملة دبلوماسية تنهي الحرب التي أثرت على المدنيين. ويرون أن جهود الكونغرس لتشديد العقوبات ستدفع طهران للعودة لنشاطاتها النووية وبالتالي التأثير على كل ما تم تحقيقه منذ بدء الإتفاق النووي. وآخر ما تريده أمريكا مواجهة عسكرية مع إيران.
إبراهيم درويش