دمشق – «القدس العربي» : يتعاظم العبث الروسي في سوريا، بعد ترنح الهدنة التي ادعت موسكو تثبيتها في الغوطة الشرقية خمس ساعات يومياً، وتلاعبها عبر المراوغة في تفسير قرار مجلس الأمن 2401 الذي دعا إلى هدنة تمتد ثلاثين يوماً في عموم سوريا، حيث خرق كل من موسكو والنظام السوري الهدن المعلنة بمئات الغارات الجوية والصاروخية، وأوقعوا عشرات الضحايا والمصابين بحجة «النصرة» التي باتت شماعة لكل مجزرة ترتكب في ريف دمشق الشرقي المحاصر منذ أكثر من أربع سنوات، بيد ان هناك تصوراً لسيناريوهات مختلفة لأهداف التصعيد الروسي في سوريا، ونيّة غير علنية لدى موسكو في اخراج المحاصرين وتهجيرهم على غرار سيناريو التهجير الذي مورس ضد أهالي الغوطة الغربية لدمشق، والاستعاضة عنهم بحزام طائفي، فضلاً عن الظهور بأنها تلعب دوراً رئيسياً في سوريا، ويعود ذلك إلى ان النظام السوري الذي يتزعمه بشار الأسد، بالنسبة لموسكو، ليس الا أداة لا أكثر.
انتهى اليوم الثاني من سريان الهدنة الروسية التي اعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين بجملة خروقات أودت بحياة أكثر من 15 مدنياً، نصفهم في مدينة دوما حيث وثق الدفاع المدني مقتل 8 مدنيين جراء القصف الجوي والمدفعي على الأحياء السكنية، بعضهم نتيجة إصابات سابقة، إضافة إلى استهدفت الطائرات الحربية والمروحية الأحياء السكنية في دوما بخمس غارات جوية وبرميل متفجر، اما في حرستا فقد ارتفعت حصيلة القصف الصاروخي على مراكز تجمع المدنيين إلى 34 صاروخ أرض-أرض خلال ساعات نهار امس، فيما عمل فريق الدفاع المدني على الاستجابة العاجلة لأحداث القصف.
بالرغم من اعلان موسكو عن هدنة «الخمس ساعات» يومياً، فقد قصفت المقاتلات الحربية السورية والروسية كلاً من دوما حرستا وعربين وبيت سوى وزملكا وجسرين ومسرابا، وبلدات الاشعري وحوش الضواهرة وأوتايا خلال ساعات الصباح التي تدخل ضمن فترة الهدنة الساعية التي أعلنت عنها موسكو والتي تبدأ عند التاسعة صباحاً وتنتهي في الثانية بعد الظهر، وأوقعت العديد من المدنيين ما بين قتيل وجريح ومفقود، الأمر الذي وصفته مصادر معارضة بأنها هدنة تعذيب وعقاب جماعي.
الطبيب محمد كتوب مدير المناصرة في منظمة «سامز» الأمريكية قال لـ «القدس العربي» ان «هدنة الـ 5 ساعة يوميًا في الغوطة الشرقية أسوأ بكثير من لا شيء، ومن اقترح هذه الهدنة هو خبير في التعذيب، وانها بمثابة ابقاء الضحية على قيد الحياة لتسبب المزيد من الالم واظهار بعض الرحمة للمجتمع الدولي، مضيفاً «لا استطيع ان افهم كيف ان اصحاب المصلحة الاخرين يشاهدون بصمت».
مقتل قائد دفاع مدني
وتحت عنوان «الإنسانية خسرت بطلاً جديداً» نعى الدفاع المدني امس الأربعاء مقتل قائد فريق في الدفاع المدني السوري في ريف دمشق المتطوع محمود الكيلاني جراء غارة جوية من الطيران الحربي استهدفت فريق الدفاع المدني أثناء قيامه بواجبه الإنساني في إسعاف المصابين في بلدة اوتايا في منطقة المرج في الغوطة الشرقية وهو قائد فريق الإنقاذ في مركز 114.
فصائل المعارضة العاملة شرقي دمشق المحاصر، وعلى رأسها «جيش الإسلام وفيلق الرحمن» أكبر تشكيلات المعارضة في الغوطة الشرقية، وجهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، رسالة أكدت خلالها التزامها بإخراج مسلحي هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يوماً، مطالبين الأمم المتحدة بضمان وقف النظام السوري وحلفائه لجميع العمليات العدائية.
الائتلاف الوطني
ووصف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية استهداف المجلس المحلي في الشيفونية ومقتل رئيسه واثنين من الأعضاء ومدنيين آخرين يوم الاحد الفائت بالجريمة، مؤكداً ان القصف نفذته «طائرات النظام والاحتلال الروسي ما أسفر عن وقوع مجزرة واستشهاد رئيس المجلس المحلي «محمد جاموس» واثنين من الأعضاء وعدد من المدنيين والنازحين، وما زالت تتم عمليات استخراج جثامينهم من تحت الأنقاض».
وأضاف الائتلاف في بيان له امس ان القصف يشكل جريمة حرب موصوفة وخرقاً لقرار وقف إطلاق النار 2401 بعد أقل من 24 ساعة من إقراره، وانتهاكاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، حيث تم استخدام ذخائر عنقودية وحارقة ضد أحياء سكنية ومبان مدنية وطبية، وادان الائتلاف السوري «الجرائم المتلاحقة بحق السوريين، محذراً من أن العدوان الجاري على الغوطة الشرقية، بكل مدنها وبلداتها، ليس سوى مشروع إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية، تقع أمام أعين المجتمع الدولي، الذي يتحمل مسؤولية تقاعسه عن معاقبة مرتكبي جرائم الحرب طوال سنوات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد مستويات إجرام النظام وروسيا وإيران».
ودعا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه حماية المدنيين، ويطالب الأمم المتحدة بتجاوز التعطيل الروسي المستمر لمجلس الأمن، واتخاذ الإجراءات وممارسة الضغوط اللازمة لوقف الإبادة الجماعية الجارية في الغوطة الآن.
وبالرغم من صدور قرار مجلس الأمن رقم 2401، أكد الائتلاف السوري «استمرار القصف الجوي الذي تنفذه طائرات النظام والطائرات الروسية على الغوطة الشرقية ليستهدف الأحياء السكنية ومنازل المدنيين، وليسفر عن استشهاد العشرات من بينهم عائلة كاملة في دوما، مؤكداً ان استهتار النظام وروسيا بالقرار واعتباره مجرد حبر على ورق، يحوله إلى فرصة للمضي قدماً في تنفيذ مشروع إبادة جماعية في الغوطة الشرقية، وهذا الاستهتار ليس موقفاً مفاجئاً بالنظر إلى طبيعة هذه الأطراف، وتاريخها في التعامل مع القرارات الدولية، وبالنظر إلى العجز الدولي المستمر، فالمجرمون يشعرون بالاطمئنان إلى أنهم لن يتحملوا نتائج المجازر التي يرتكبونها، وأنهم قادرون على استكمال مشروع الإبادة الجماعية والتطهير الكامل بالرغم من جميع القرارات التي تصدر، باعتبار أنها قرارات مدجنة لا يمكن أن توضع موضع التنفيذ، بعد أن كانوا يتطلعون إلى أي أمل يمكنهم من التنفس لبعض الوقت، فإن ما يعانيه المدنيون على الأرض في الغوطة الشرقية الآن لا يمكن لأحد أن يتخيله. ومع كل تواصل مع المدنيين المحاصرين، تُسمع أصوات الغارات والانفجارات والقصف الذي يكاد لا ينقطع، فيما يؤكد الدفاع المدني أن الهجمات تصاعدت أكثر بعد القرار الأخير، وأن عدد الطائرات المشاركة في الغارات ارتفع، و»أن القصف مستمر بالطائرات والمدافع وراجمات الصواريخ ليستهدف جميع المناطق، باسـتخدام ذخـائر وصـواريخ حديثـة».
وأضاف الائتلاف في بيانه «لا يمكن تصنيف العدوان الجاري على الغوطة الشرقية إلا كمشروع إبادة جماعية وكجريمة مستمرة ضد الإنسانية، تقع أمام أعين المجتمع الدولي، الذي يتحمل مسؤولية تقاعسه عن معاقبة مرتكبي جرائم الحرب طوال سنوات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد مستويات إجرام النظام وروسيا وإيران، مؤكداً أن روسيا، التي باتت طرفاً أساسياً في النزاع، تتحمل المسؤولية المباشرة عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، وأنها تقدم خدمة مجانية للإرهاب العابر للحدود ومنظماته، حيث دعا البيان المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه المدنيين، ويطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتجاوز التعطيل الروسي المستمر، واتخاذ الإجراءات العاجلة وممارسة الضغوط اللازمة لوقف الإبادة الجماعية الجارية في الغوطـة الآن».