لم تكن الدولة السلطانية المملوكية الثانية، أو ما كان يعرف بدولة الجراكسة، والتي جمعت مصر والبلاد الشامية والحلبية وأقساما من شبه الجزيرة العربية ومن الأناضول، في حالة انحطاط عمراني أو عسكري حين تمكّن السلطان العثماني سليم الأول الملقّب بـ»الياوز» (أي البتّار) من انزال الهزيمة بسلطانها قانصوه الغوري في مرج دابق، إلى الشمال الغربي من حلب، يوم الأحد 24 آب/اغسطس 1516، أي قبل خمسمائة عامّ بالتمام. بالعكس تماماً، كانت لا تزال تبدو على أنّها القوة المحورية في الديار الإسلامية.
دشّنت معركة مرج دابق عملية الإنهيار السريع لدولة المماليك الجراكسة، من حلب حتى القاهرة، ولاحقاً جرت المحافظة على نظام الرق العسكري أي النظام المملوكي، من بعد استتباعه للنسق العثماني، في مصر، في حين ستتفاوت أوضاع «عرب آسيا» بين تركيبة مملوكية تتداعى في بلاد الشام، وتركيبة مملوكية سيجري اعتمادها لاحقاً في العراق. وقبل كل شيء ستدشّن معركة مرج دابق الاستيلاء العثماني على البلاد العربية، كلّها تقريباً، بالتتابع، وان يكن بمنطق سيطرة متفاوت، ما عدا المغرب الأقصى.
لا تزال الفكرة البلهاء حول «عصر انحطاط» يمتد من أفول الخلافة العباسية حتى قيام «النهضة العربية» تفرض أثرها السيئ جدّاً على تناول تاريخ الدول السلطانية الإسلامية، سواء المملوكية في مصر والشام، أو المملوكية الهندية، أو الدول العثمانية، والصفوية، والمغولية البابورية الهندية.
النسق المملوكي بالذات، لم يعن العرب المعاصرون به كثيراً، ولا اهتموا بالتأليف فيه، هذا في حين تكثّفت الدراسات في التاريخ المملوكي في اسرائيل، مع المؤرخ ديفيد أيالون ومدرسته، وبشكل متواشج مع المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، تحديداً لأن مدرسة أيالون اعتبرت أن الشغل على المماليك أساسي لفهم هذا «الإسلام العسكري» الذي يمتد من نور الدين زنكي إلى الظاهر بيبرس إلى محمد علي إلى جمال عبد الناصر، رغم أنّ العصر الحديث يتجاوز ما كان يتوقّف و»يستشرق» عنده أيالون مطوّلاً من ثلاثية «الجند الرقيق، والخصيان، والحرملك».
واذا كانت فرنسا بعد انتهاء حملتها على مصر أيام بونابرت قد أسست فرقة مملوكية ملحقة بجيشها الإمبراطوريّ، فإنّها راكمت أيضاً تقليداً تخصصياً متنوعاً، اهتم بـ«تجربة السلطة في إسلام العصر الوسيط»، إذا شئنا استعادة العنوان التحتي لكتاب المؤرخ جان لوازو عن المماليك الصادر قبل عامين.
سمح هذا «النسق المملوكي» الذي نشأ في ظلّ الدولة الأيوبية، وأستمرّ في مصر تحديداً بعد هزيمة المماليك أمام العثمانيين، بأشياء كثيرة، من بينها إقامة التوازن بين «التسنّن» و«التصوّف»، الأمر الذي استكمله العثمانيون ولو بمنطلقات وأبعاد أخرى.
في دولة المماليك الجراكسة، كان أكثر المماليك يستقدمون من بلاد الشركس، بعد أن تراجع تصدير الرقيق الأبيض من قوم القبجاق وشعوب تركية أخرى. المملوك، في فقه الرق، هو عبد يشترط فيه أن يكون من أبوين حرّين، أما أولاده فأحرار أيضاً، ونظرياً كان يمنع على أولاد المماليك، أن ينتظموا هم أيضاً في العسكر، وكانوا يسمّون بـ«أولاد الناس» ويصرفون خصوصاً إلى التجارة والمهن الحرّة، في حين تبقى «الأرستوقراطية العسكرية» محصورة بأولئك الذين يشترون وهم صغار في أسواق النخاسة، ويعتنقون الإسلام، ويدخلون في روابط ولاء لأساتذتهم أو أمرائهم، الذين هم مماليك أيضاً، مماليك تمّ عتقهم من لدن السلطان، الذي هو مملوك أيضاً. في ذلك العصر، لعب نموذج النبي يوسف، الذي أوقع به أخوته، وبيع إلى مصر، وصعد هرمية حكمها، دوراً ملهماً للنسق المملوكي. ورغم كثرة المكائد ومؤامرات القصر بين أمراء المماليك، احتفظ هذا النسق بصلابة معتبرة، بفضل نظام «الأخوة» بين المماليك الموالين لبيت أمير بعينه، أو ما كان يعرف برابطة «الخوشداشية»، وتضاف اليه الولاءات المختلفة إلى مشايخ الصوفية.
يتلقى المملوك حال انتظامه في بيت أميره مبادىء الإسلام السنّي ـ الصوفيّ، الذي عادل الظاهر بيبرس قبل ذلك، بين مذاهبه الفقهية، بعد أن كان الأيوبيون يعلون من شأن المذهب الشافعي. لكن المملوك الفتي كان يتعلّم أيضاً اللغة التركية، يتعلّمها في مصر والشام، وبلهجة اختلفت عن باقي لهجات وتفرّعات اللغة التركية، وتأثرت أكثر من سواها بقواعد وتركيبات اللغة العربية. حتى في عهد المماليك الجراكسة، كان المماليك يستقدمون أيضاً من أسواق شتّى، وكان بينهم اليوناني الأصل، والإيطاليّ، وحتى الفرنسي أو الألماني. أما لغة «الأرستوقراطية العسكرية» في العصر المملوكي فكانت اللغة التركية، من دون أن يلغي ذلك أنّ اللغة العربية ازدهرت أيضاً في نفس العصر، ليس فقط كلغة للدين والفقه، بل أساساً كلغة للدواوين، فضلاً عن غنى الحقبة المملوكية بالتأليف الأدبي، وثرائها الملفت في المؤرخين، من المقريزي إلى تغرى بردي وابن اياس وابن شاهين وابن طولون وسواهم الكثير.
في مرج دابق، انهارت سلطنة المماليك الجراكسة، وأعيد تدوير النسق المملوكي، في اطار النسق العثماني، الذي كان يتميّز بنوع آخر من نظام التربية العسكرية الإسبارطية، هو نظام «الدوشرمة»، القائم على انتزاع نسبة من أطفال النصارى في البلقان والقوقاز للتشكّل في صفوف «الإنكشارية». انتصارات سليم الأول العسكرية تعود تحديداً إلى حيوية هذا النسق، وشدّة ارتباط الانكشارية بالتصوّف، كما ترجع إلى كثافة استخدام مدافع البارود، في مقابل مثابرة المماليك على الإعتماد على الخيالة.
من الصعب الحسم في هذه العجالة كيف أستقبل أهالي الولايات العربية سليم الأول فاتحاً، فالرواية مختلفة، تفصيلاً وايقاعاً بين مؤرخي الحقبة، وكما أنّه لا معنى للحديث عن «استعمار عثماني» مثلاً معه، كذلك لا يمكن تجاهل الغرابة التي شعر بها أبناء مصر والشام، حيال هذا الزحف العثماني، هذا في مقابل حماسة إليه، يمكن أن نلحظها أكثر في شمال أفريقيا.
الشيء الأكيد أن سليم الأول لم ينقل الخلافة اليه يومها من الخلافة العباسية الصورية التي انطفأت في القاهرة، بخلاف الأسطورة التي راجت لاحقاً. بل أن الكثير مما دوّنه وقتها المؤرخون كما الزجالون تظهر أن الناس تعاملت مع «سلطان الروم» أي سليم الأول وعساكره، لفترة، على أنّهم من الكفار، أو أنّه مشكوك بإسلامهم، فهذا ابن اياس مثلا يسجّل ما تناهى اليه من مرج دابق هكذا: «وأما السلطان (قانصوه الغوري)، فمن حين مات ولم يعلم له خبر، ولا وقف له أحد على أثر، ولا ظهرت جثته بين القتلى، فكأن الأرض قد انشقت وابتلعته في الحال، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر، فداس العثمانية المصاحف التي كانت حول السلطان بأرجل الخيول، وفُقِد المصحف العثماني (أي المكتوب بخط الخليفة الراشدي الثالث).
أما في «مفاكهة الخلان» للمؤرخ الشامي ابن طولون فيستوقفنا عنده اهتمامه بابراز مدى التقدم التقني الحربي للعثمانيين، كامبراطورية مدافع البارود الأقوى، «ولما أطلقوا البارود في المصطبة، ظنت أهل دمشق ان السماء انطبقت على الأرض»، واهتمامه باظهار المزيج الغريب للجيش العثماني الغازي، «ما بين أروام وأرمن وتتر وسوارية وافرنج»، والعناية الشديدة للسلطان سليم بضريح الصوفي محيي الدين ابن عربي وبنائه جامعاً فوق قبره، وتكية ما لبث ان أمرت احدى المحاولات التمردية على العثمانيين بابطالها، في عصر كان انتقاد ابن عربي صار شائعاً سواء بين الفهقاء أو بين المتصوفة، بتهمة أنّه ذهب بعيداً، إلى عقيدة «وحدة الوجود».
قبل خمسمائة عام، دشّن سليم الأول العصر العثماني في البلاد العربية، ليس فقط بانتصاره على قانصوه الغوري، بل أيضاً بزيارته المستهجنة آنذاك، إلى ضريح ابن عربي.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
لملك المظفر سيف الدين قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، سلطان مملوكي (توفي 658 هـ الموافق 1260)؛ تولى الملك سنة 657 هـ الموفق 1259. يُعدّ قطز بطل معركة عين جالوت وقاهر التتار المغول؛ كما يعتبر أحد أبرز ملوك مصر، وذلك على الرغم من أن فترة حكمه لم تدم سوى أقل من عام واحد[1]، حيث نجح في إعادة تعبئة وتجميع الجيش المصري، واستطاع إيقاف زحف التتار الذي كاد أن يقضي على الدولة الإسلامية، فهزمهم قطز بجيشه هزيمة كبيرة في عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام بأكملها من سلطتهم.[2]
قطز هو اسم أطلقه التتار عليه حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم له وهو صغير، ومعنى قطز باللغة المغولية (الكلب الشرس)،[3] نسب قطز يعود إلى الأمير ممدود الخوارزمي ابن عم السلطان جلال الدين خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية وزوج أخته. نشأ قطز نشأة الأمراء وتدرب على فنون القتال على يد خاله، وبعد سقوط الدولة الخوارزمية بِيع مملوكًا في الشام، ثم انتقل لمصر وبِيع مملوكًا للملك الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الدولة الأيوبية، فتعلم فنون القتال والخطط الحربية في مدارس المماليك، وشارك جيش الملك الصالح في صد الحملة الصليبية السابعة، وتحقيق الانتصار في معركة المنصورة عام 648 هـ الموافق 1250. تدرّج قطز في ترتيب السلطة حتى كان يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ الموافق 11 نوفمبر 1259 حيث نُصب ثالث سلاطين مماليك مصر،[4] ولما عاد قطز منتصرًا من عين جالوت إلى مصر تآمر عليه بعض الأمراء المماليك بقيادة بيبرس، فقتلوه بين القرابي والصالحية ودفن بالقصير، ثم نُقِل قبره بعد مدة من الزمن إلى القاهرة، وكان مقتله يوم السبت 16 ذو القعدة 658 هـ الموافق 22 أكتوبر 1260، وذلك بعد معركة عين جالوت بخمسين يومًا
– عن الويكيبيديا –
ولا حول ولا قوة الا بالله
رائع وممتاز.
بألتكيد مقالة رائعة – عندما كنت في الثانوية قرات كثيرا او بلاحري حاولت- لم استطع الخروج بفمهوم ممكن ان اتوصل لنتىجة- ما قيمة التاريخ اهميته اذا لم يعطي كفاح للتوصل الي نتيجة وطريق معالمه واضحة كما ما هو المطلوب- الذي حدث ويحدث ليس له قيمة اذا لا توجد رؤية او استنتجات فيها تقدم وربط الاحداث لخير و تقدم المحتمع- بحثت ولم اجد – وجودي في المانيا والبحث حيث المجتمع هنا يسمح للفرد العادي العثور علي جميع انواع المعرفة دون مشكلة او عمل اجرامي- كما تحدثت في المقالة الاخيرة ربط الدين والفكر الجديد مع بعصهما وكل منهما خضع اوتنازل للاخر- هذا لا يوجد عندنا وخسارة ومؤلم كيف العالم العربي يقضي مئات السنين في فراغ اللاشئ ولم يستطع الوصول لنقطة الصفر-هذا مؤالم جدا نحن ندور في حلاقات مفرغة بين الرقة والدقيق ؟ – لقد اتي فلاسفة عرب هزوا الدنيا لافكار اليونان واتجهو للعلم والفزياء عن ثقة لماذا – اوربا كملت الطريق- اركون اتي ايضا لافكار بدائية نوع تفكير لا بأس به- نحن نحتاج قوي ثورية تقاوم ميول لا تغنينا بل العكس كل شئ في العالم العربي يقضي علي الفرد- لا توجد مقاومة- المجتمع\المفكرين الاوربي كونوا افكار وقامت الصراعات لتتوصل لنتيجة- اتصور نحن نخاف من التغيير ونتائج لا تلائم الذات- العرب اصبحت تنتظر نجاح بضاعة اوربية لتشتريها دون معرفة القيمة-
مقالك كالعادة ينم عن ثقافة و سعة اطلاع قل نظيرها، تحياتي