أصبحت الديكتاتورية والديمقراطية عصى الرحى في حياة الشعوب العربية اليوم، ومنها العراق، فكل تفاصيل حياة هذه البلدان مرتبط بطريقة ما بهذين المفهومين وما ينتج عنهما من سلوك سياسي ينعكس على تفاصيل الحياة اليومية.
والأمر لم يعد يعني المشتغل بالحقل السياسي أو الفكري حصرا، لأن تفاصيل حياة الفرد من عمل وسكن وتعليم وصحة باتت رهنا بالتقلبات السياسية التي نعيشها.
مأساوية الحالة العراقية، واليأس من إمكانية الاصلاح، دفعت رجل الشارع إلى وهم جديد مفاده أن الحل يكمن في ظهور المنقذ الفرد، الذي سيظهر على شكل ديكتاتور جديد، ليكنس العملية السياسية الفاسدة ويقيم بقوته وسطوته دولة عادلة، ويحاسب المفسدين ويسجنهم أو يقتلهم، وهذا الامر أوصل الناس إلى الكفر بالحريات السياسية والمجتمعية التي حصلوا عليها، لأن ثمن هذه الحريات باعتقادهم كان علقما حصدوه في مظاهر القتل اليومي والتهجير والعوز وانكسار الأمل، فباتوا مستعدين للتنازل عنها للديكتاتور، مقابل توفير الأمن والخدمات الأولية، والواقع هو حل الكسول واختياره، لانه لا يعلم بل ربما يوهم نفسه أن الديكتاتور يملك عصى سحرية سيحل بها كل المشكلات التي تراكمت نتيجة تراكم الأخطاء. واطلقوا على الديكتاتور المتمنى توصيف (المستبد العادل) أو استعاروا من حقب تاريخية عمرها مئات السنين توصيف (المستبد المستنير)، وفي كلا الحالتين هنالك مغالطة منطقية وفلسفية، إذ لا يمكن أن تجتمع الاضداد في شيء واحد، ولا يمكن أن يجتمع الاستبداد والعدل أو الديكتاتورية والتنوير في شخص واحد، والنتيجة الأكيدة هي ولادة ديكتاتور سيتسلط على رقاب الناس، ويجمع ما سرقه الفاسدون ليكون حصته هو وبطانته، وبالتالي سنخسر حتى القليل الذي تحقق حتى الآن، المتمثل بهامش الحرية وإمكانية التعبير عن السخط ورفض النظام الحالي، هذا الرفض الذي اذا قيض له النمو والالتفاف الجماهيري سيحقق التغيير الحقيقي المنشود بإطاحة الفساد في النظام الحالي بالتأكيد. المشكلة أن بعض المثقفين باتوا يروجون أو يرقصون على آلام الناس بتسويقهم عبارات مثل، الديمقراطية لا تصلح لنا لأننا شعب جاهل، أو الديمقراطية لأهلها الواعين والمتحضرين وليست لنا، نحن الموزعين قبائل واحزابا ومذاهب، والديمقراطية يمكن تحقيقها عندنا متى ما أصبح شعبنا واعيا، كذلك، ان الانتخابات تأتي بالفاسدين فقط والانتخابات كلها مزورة، والدستور لا قيمة له! لأن الشعب صوت عليه وهو جاهل وذهب بأمر من هذه الشخصية أو تلك للموافقة عليه، وما يشبه هذا الكلام كثير.
منتصف القرن الماضي ابتدأت هجمة الأوليغاركية، لتشكل حكومات قوامها مجموعات قوة صغيرة رسخت رؤيتها لفهم الوطنية، وأطاحت التجربة الليبرالية الجنينية السابقة ووصمتها بالعمالة للاستعمار، واتخذت لنفسها صفة التحرر الوطني, ولا يمكن أن ننفي وجود نوايا وطنية في عدد من الحركات التي توزعت بين اليمين واليسار، لكنها بالنتيجة كانت حكومات أوليغاركية (حكم أقلية) متحدرة من مؤسسة مثل الجيش، أو من حزب ذي رؤية قومية أو يسارية، وتحولت هذه النخبة بسرعة فائقة إلى حكم شمولي تمركز حول ديكتاتور مثل رمز النظام الجديد، حكم مطلق غير مقيد بقانون ولا دستور، بل اتسم باحتقاره لهذه المفاهيم لارتباطها بالتجارب السابقة الموصومة بالتبعية للغرب، أما تعامل الانظمة الثورية الجديدة مع مجتمعاتها، فكان كما صورته حنة ارندت في كتابها «أسس التوتاليتارية» حين قالت «في البلدان التوتاليتارية، يتلازم الإرهاب والحملة الدعائية، حتى يكونا وجهين لعملة واحدة، وأنى حلت التوتاليتارية وبسطت رقابتها المطلقة، أبدلت الدعاية بالتلقين العقائدي، وشرعت في استخدام العنف لتحقيق عقائدها الإيديولوجية وإثبات مزاعمها التطبيقية، أكثر من إخافة الناس»، وهذا ما تم. ففي بدء سيطرة الأنظمة الشمولية على المجتمعات العربية تم استخدام العنف المفرط تجاه الآخر المختلف عقائديا أو من تراه يهدد مشروعها (الوطني)، ثم تحول الأمر إلى تلقين عقائدي يحاول أن يكتسح الشارع بدعاية فجة تستخدم اعتى الاكاذيب لتسوق للشارع احلاما وردية نادرا ما تحققت. وقد يشير البعض إلى ما تحقق من تطوير مجتمعي على يد هذه الانظمة في مجال الصحة والتعليم والإصلاح الزراعي والتقدم الصناعي، إلا أن نظرة فاحصة إلى كل ما تم، مع التركيز على ما ورثته الأنظمة الاوليغاركية من سابقتها من منجزات، ونسبتها لنفسها، واستثمار الدعم المبني على خلفية الحرب الباردة، يبين لنا أن كل ما تم عبارة عن فقاعات، غير مدروسة وغير مخطط لها، والتغيير كان عبارة عن عملية تدحرج عشوائية نحو الأمام، مقارنة بمخططات المرحلة السابقة التي كانت تحاول أن تقدم تنمية حقيقية على أسس علمية، والنتيجة التي حصلت عليها بلداننا هي أنظمة ديكتاتورية تتبجح ليل نهار بأنها ستحرر ما اغتصب من الارض، لكنها واقع الحال زادت الطين بلة، عبر تدمير حياة الانسان تحت شعار «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، و»كل شيء من اجل قضية العرب المركزية»، حتى نخر السوس مجتمعاتنا وجاءت ضربة هزيمة 1967 لتكشف عورة وزيف هذه الانظمة، ولترمي مجتمعاتنا في حضن ردة فكرية تنامت واصبحت غولا ابتلع المجتمعات تحت مسمى (الصحوة الاسلامية)، وحقيقتها ردة مجتمعية تزعمتها حركات وأحزاب الاسلام السياسي.
في عام 2003 اطاح الغزو الامريكي نظام صدام، وهو نظام شمولي من اعتى الانظمة في المنطقة، وربما في العالم، نظام قمع بوحشية لا مثيل لها مجتمعه وضربه بكل الاسلحة التقليدية والمحرمة دوليا حين طالب الشعب بالتغيير، وإن اكذوبة الامريكان بانهم قادمون لتحرير العراق من ديكتاتورية النظام شبيهة بمنشور الجنرال مود عند دخوله بغداد قبل ذلك بثمانية عقود، الذي أبلغ العراقيين في مفتتحه «جئناكم محررين لا فاتحين»، والبديهي أن ليس هنالك محتل أو غاز يقول لضحاياه إنه جاء ليحتلهم، لكن النقطة الاهم هي كيف تعامل العراقيون مع التغيير الذي زلزل العراق والمنطقة؟ وهذا ما أشار له بعض المعنيين بالشأن العراقي باسم «المحنة العراقية» المتمثلة بإطاحة الديكتاتورعلى يد المحتل، علما أن احتمالية التغيير الداخلي في عراق صدام – لمن يفكر في طرح هذا الامر- كانت شبه معدومة نتيجة دموية النظام وشواهد ذلك مئات المقابر الجماعية التي ضمت جثث مئات الالاف من العراقيين الذين حاولوا الثورة على النظام.
الاغلبية الساحقة من العراقيين تنفسوا الصعداء بخلاصهم من الديكتاتور، واستبشروا خيرا بالمقبل من الايام على يد اقوى قوة في العالم، لكن المقبل لا يتحقق بالتمني، بل بالجهد والتعب والصبر وتحمل تبعات التغيير، وإن ما افرزه واقع معارضة النظام السابق كان كارثيا، معارضة يحركها اللهاث وراء المصالح الضيقة والتهافت على فتات ما يلقى لها من هذا الطرف أو ذاك، وتحرك أجنداتها مؤامرات تحاك حتى من قبل رفاق الحزب الواحد على بعضهم بعضا، احزاب وحركات تترسخ فيها قيم الديكتاتورية بشكل مخيف، حتى تحولت إلى اقطاعيات لرئيس الحزب يرثها الاخ والابن، ولا تمارس فيها ابسط أنواع الانتخابات على مستوى اختيار قياداتها، لكن كل ذلك كان مخفيا عن انظار العراقيين بسبب الستار الحديدي الذي فرضه النظام السابق على نشاط المعارضة، وما فرضه من رعب على من يتعامل معها، كما أن حركات واحزاب المعارضة عند عودتها بعد اسقاط النظام التحفت بشعارات المظلومية والجهاد ضد النظام السابق، وتمترست بصور مقدسة للمؤسسة الدينية، لتبعد أنظار الناس عن العفن المتكدس في أروقتها السرية.
لا أحد يلوم الناس اليوم على يأسهم مما حصل، لكن يجب التعامل مع الامور بشكل واضح، وعدم هدر ما تحقق من تجربة بكل مرارتها عبر القبول بتسويق الحل الكامن في جنرال موهوم يمكنه أن يقطف رؤوس الفساد التي حان قطافها، ليعيش الناس مرحلة ديكتاتورية اخرى لا يعلمون كيف يخرجون منها، كما أن الحريات التي اكتسبت بات من الصعب اليوم التخلي عنها، وان كل من يعتقد بامكانية رسوخ ديكتاتور جديد بعد ما تعرف الناس على طعم الحرية يكون واهما يسوق اوهاما للناس ليخدعهم بانه يعرف الحل الشافي.
٭ كاتب عراقي
صادق الطائي
العراقيين قد إستجاروا بالرمضاء (الطائفية والفساد) من النار (الديكتاتورية) وهذا هو المختصر المفيد أي يقارنون السيئ بالأسوأ
ولا حول ولا قوة الا بالله
السيد الكاتب المحترم
أعطيت التشخيص ، و التحذير ….و لكن ما هو الحل إذاً؟
دعنا نعود للبدايات :
نعم كان النظام دكتاتورياً ، و لكن خرج من رحم العراق ، لم يأتنا من الخارج .
عام ١٩٧٩ كانت سنة محورية في تاريخ المنطقة .
حرب الثمانينات كان الواجب تفاديها ، و لكن الطرفين يحملان مسؤولية مباشرة عنها .
تلك الحرب قادتنا بذيولها الى تأزم الوضع الداخلي و تخندق الطغيان ، و بعد غزو الكويت و أحداث ١١ سبتمبر ، أصاب العمى الكثيرين ، و دعوا ، و هللوا و زينوا لغزو و إحتلال البلاد …….ولم يكن ذلك الحل الصحيح لمعضلة العراق ، و خرجت الملايين تشجب خطط الحرب ….و لكن الكثير من من يفترض عراقيين مشوا في ركاب المحتليين ….و كان ذلك مؤلماً ، بل طعناً من الخلف ، فنحن لا نختلف حول شرور النظام ، و لكن حول الغزو .
الآن ، ليس عند كاتب هذه السطور مقياس للوطنية العراقية سوى رفض الغزو و الإحتلال و نتائجة….و من جاء مع الغزاة عليه ترك الأمر لأهل العراق و فقرائهم ، اللذين دفعوا ثمناً هائلاً من دمائهم ، و ما زالوا ينادون ” أخوان سنة و شيعة ، هذا الوطن ما نبيعه “…….نعم هذا الوطن لا يليق أن يدير أمره ، بل يسلبه ، حثالات الأحتلال .
متى ما عاد العراق لأهله ، سيطببون جراحهم ، و يتعافون ، من دون دكتاتور ،
و على من تسبب بكل هذا الدمار بعد ٢٠٠٣ أن يعترفوا أن الغزو و الإحتلال الإجراميين هما ما جاء بكل هذا الدمار ، مفوتاً الفرصة على العراقيين علاج أمرهم بنفسهم مع المساعدة ، نعم ، من كل الأطراف و الدول ، و ضمن الشرعية الدولية ……..و هذا ما دعا إليه كاتب هذه السطور حين وقف و رهط من صحبه أمام فندق هلتون لندن ، حيث مؤتمر المعارضة العراقية في ديسمبر ٢٠٠٢ ، داعين لتدخل الشرعية الدولية ، و ليس أمريكا ، و أيضاً بعد ذلك ، مع كثير من العراقيين ، داعين لحل عقلاني ، غير أن طبول الحرب كانت تقرع عالياً، و هناك من رقص معها !
العراقيون والعرب يكذبون على أنفسهم كل يوم بأشكال عديدة وعبارات معروفة ذكرتها بمصطلحات؛ ولكن من هي طبقة الحاكم المحيطة به؟ ألم يكن من بيننا فلان وفلان؟ ومازالوا يتبادلون الادوار والاسماء بلا أفعال مفيدة للوطن والمجتمع! قال شاعر عراقي نحن شعب لا نستحي…أي أضحينا… والاسباب معروفة للقاصي والداني هم خونة الدار بأسماء للإستعار في سوق السياسة والاقتصاد وتبادل مصطلحات الأفكار والمصفقون لها من بيننا يزداد بالانبهار ومحتوى أعمالهم حُكم وسرقة وإستهتار والصامتون عن الحق مشردون في الاقطار, وليس لهم فِعل لإيجابي لبلادهم سوى الاكل والاغتراب بأنفسهم عن جذورهم ليل ونهار. بلدانهم تحكمهم سلطات مدعومة بقوة خارجة عن شعب متناقض الافكار في سلوكه وتبدل أقواله بين الصدق والكذب باقتدار. فالصادقون في العلم انزووا في جحور الصمت مشردون في الاقطار والاقوال والاحمال يتحملها هذا الحمار فإذا إنتفض على سيده فالسياط على جسمه وفهمه تنهال من سيده بلا تعب ليسد فمه بعلف وراحة بعض الوقت لتحميله باستمرار. قال لي صديق رحل لجوار به: نحن شعب لا نعرف حُكم أنفسنا بأنفسنا بالحق والعدل وبالتفاهم بيننا لخدمة بلدنا الغني بخيراته والتنعم بها ؛ ولذاك متناقضون متضادون في أقوالنا وأفعالنا من سوء تربيتنا داخل بيوتنا أولا؛ فيظهر منا الفاسدون (نَغَلْ مصطلح بغدادي) يلتوي في دهاليز السياسة والاحزاب ليخلب الالباب بمصطلحات هو بها كذاب ويتبعه الاصحاب من وادٍ ومُشَّوه كذاب ليكون بطلا في السياسة والسيطرة على عقول الجهال بالحلوى ومناصب الكسب بلا حساب. وهو صاحب السيادة على الوطن لحسابه والاحباب وهكذا نحن في مسرحية الحكام بأدوار وآمال جديدة تخلب الالباب والناقدون للواقع يصرخون في وادٍ في سوق مكتظ بزوار شراء الحاجات يتسامرون على شراء حاجاتهم اليومية بأقل ثمن بإحتساب ليعيشوا حياتهم بالظلم كطعم أكل الكباب.وللحديث في هذا مجال وسجال ليوم الحساب. فمعذرة مني أطلت عليهك بدردشة ومقالك صحيح والقول في واقع انفلت عقاله من بين أيدي العقلاء ليكون بأيدي الخونة والدخلاء كعقاب للجميع وهذا هو البلاء. والجميع منه مُستاء. ولكنهم متفرقون. فمتى يستيقضون على قتل بعضهم البعض بالنيابة بأقوال كذابة وهدم بيوت إخوانهم في الوطن بالنيابة.هؤلاء زعران الحُكم بالنيابة. ولله في عبادهِ حِكَمٌ لقوم يتفكرون فيما هم فيه سادرون والموت لهم له قادمون فلا يأخذوها
انما نحصد اليوم ثمار ما سكتنا عليه طويلا في عهود الاستبداد.
و لسنا بحاجة الى اعادة اختراع العجلة. القاسم المشترك في كل الدول المتقدمة هو الحرية و الديموقراطية. و التي تطبق اليوم في 89 دولة في العالم (حسب مؤشر الحريات الصادر عن فريدوم هاوس منها دولة عربية واحدة منذ 2015 فقط).
الحقيقة ان ما حدث في العراق يمكن ان يحدث في كل دولة عربية لان ثقافتنا هي من تحكمنا وتسيرنا ولالامانة التاريخية ان احلى مرحلة كانت قائمة في العراق هي الفترة من عام 1971الى العام 1979 حيث كانت المرحلة الوحيدة التي كان فيها نوعا ما تنوع سياسي ونوع من حرية الصحافة لوجود الحزب الشيوعي العراقي الى جانب حزب البعث في السلطة ولكنهم لالاسف استثنوا الاحزاب الدينية وكان الطرفان يعاديها وكان من الممكن احتواءها وتغيير اهدافها بما كان ينعم به العراق من رفاه نسبي في ذلك الوقت.لقد غير المشهد امران مهمان هما وصول الخميني للسلطة في ايران واتجاه العراق للوحدة مع سوريا .الامر الاخير جعل صدام حسين الصابر على خلافة البكر في السلطة ينقلب على كل شيءلان الوحدة مع سوريا لن تجعل منة بكل الاحوال سوى وزيرا في الدولة الجديدة لو تمت الوحدة لان اعضاء القيادة القومية في البلدين سيكون لهم الشان الاكبر.وبعد استلام صدام للسلطة عام 79 بدات معها كل الماسات لحين وصول اراذل السياسة بعد 2003 فاكملوا المأتم العراقي