عمان- «القدس العربي»: مناسبتان بالتوازي وبدون علاقة أو ارتباط مباشر تظهران الحرص الأردني على مراقبة مستجدات ما يجري في المشهد العراقي وسط الاسترسال في الغموض العام وتكاثر التكهنات والسيناريوهات.
منتصف الاسبوع الحالي اعلن حيدر العبادي رئيس وزراء العراق انه رفض عرضاً من دول عدة بينها الأردن للمشاركة في معركة الموصل ضد تنظيم الدولة الإسلامية بطائرات مقاتلة من سلاح الجو الأردني وبعد اقل من يومين انفجرت عشر سيارات عراقية مفخخة في اقرب مدينة سكنية عراقية للحدود مع الأردن وهي مدينة الرطبة وللمرة الثانية خلال أقل من شهر واحد وفي رسالة لا يمكن تفكيك ألغازها بالسرعة السياسية المطلوبة.
عمان لم تعلن سابقاً عن تقديمها أي عروض للمشاركة في حرب الموصل ضد عدوها العلني الأول والأبرز تنظيم «الدولة» الذي يقصده العاهل الأردني حصرياً عندما يتحدث عن «خوارج العصر الحديث».
وهي عـضو ناشط وفاعل في التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» ولا يوجد عملياً ما يبرر تقديمه لاي عرض مساعدة للجيش العراقي ضد التنظيم إلا إذا كان العرض سياسيا بإمتياز ويحاول تعديل مزاج العلاقة المتوترة مع إيران عبر الإيحاء بان الأردن يساعد حلفاءها في العراق.
وسبق عملياً لتنظيم «الدولة» ان حذر الأردن من التعاطي مع الإئتلاف الدولي وسبق لعمان ان اعلنت رسمياً ومرات عدة انها تدعم قوات الجيش العراقي الحكومية في المواجهة ضد الإرهاب وعندما انتقد الداعية الإسلامي الشهير أمجد قورشة مشاركة الأردن في معركة لا تخصه في الداخل العراقي تم توقيفه في السجن لأكثر من 60 يوماً بتهمة المساس بالعلاقات مع دولة شقيقة.
على هذا الأساس بقي الأردن معنياً بكل الأحوال بتقديم صورة داعمة للحكومة العراقية في مواجهة تنظيم «الدولة» على أمل أن يساهم الأمر أولاً في حفظ المصالح والعقود التجارية الأردنية مع الجانب العراقي الرسمي، وثانياً على أمل تخفيف التوتر مع إيران.
وفي الوقت الذي لا يخفي فيه الأردن استضافته لقواعد عسكرية تنطلق منها طائرات التحالف الدولي لا يوجد ما يؤشر فعلاً إلى استعداده لعرض مساعدة قتالية مباشرة سواء بالطائرات او غيرها في الموصل تحديداً خلافاً لما اعلنه الرئيس العبادي وهو يطالب دول من بينها الأردن بتقديم السلاح والمساعدة اللوجستية والأمنية وليس المشاركة في العمل العسكري. ولم تعلق الحكومة الأردنية على تصريح العبادي الذي يكشف عملياً أمراً عسكرياً ينبغي دوماً ان لا يكشف في إطار سياسي.
ولكن من المرجح ان العرض الأردني – اذا كان حديث العبادي دقيقاً اصلاً- ليس جدياً إلا بقدر الرغبة في إظهار الإهتمام لإن مصالح الأردن الإقتصادية والتجارية معطلة تماماً مع العراق بسبب إغلاق الحدود منذ نحو عامين.
وزير الاتصال الناطق الرسمي الأردني الدكتور محمد مومني سبق ان ابلغ «القدس العربي» بان حدود بلاده مع العراق وسورية محمية بقوة ومجهزة بافضل الأنظمة الدفاعية معتبراً ان الجاهزية منجزة لأي محاولة مساس بالحدود او الاقتراب منها من جهة عصـابات داعـش او غـيرها.
ورغم ذلك حملت انباء تفجيرات الرطبة الأخيرة وهي اقرب نقطة كثافة سكانية للحدود مع الأردن وتعتبر الحاجز الدفاعي الأول عن التراب الأردني ويوجد فيها قطاعات تعود للفوج العراقي الثالث.
داعش وجهت عشر سيارات مفخخة دفعة واحدة لمنطقة الرطبة وحاولت اختراق الدفاعات العسكرية للجيش العراقي مما تطلب جاهزية مباشرة وتامة للطوارئ في الجانب العسـكري الأردنـي الذي يراقـب كل صـغير وكبيــرة.
تلك بحد ذاتها رسالة تقرأ بعناية شديدة في الأردن بسبب قناعة مركزها السياسي بأن سعي داعش لتخفيف حدة الضربات ضدها في الموصل قد يتطلب الاختراق في الرطبة تحديداً، الأمر الذي يبرر عدد السيارات الضخم.
تنـظيم «الدولة» في الـسياق وهو يرسـل عشر سيارات دفعة واحدة يكشف عن إمكاناته البشرية والتنظيمية في نقطة قريبة جداً من خاصرة الأردن الشرقية وسواء أعجب ذلك العبادي في بغداد أم لم يعجبه تبدو هذه القدرات مقلقة للأردنيين بكل الأحوال وقد تستوجب لاحقاً ما هو اعمق وابعد من مجرد مراقبة الحدود الـرخوة أمـنياً في جـانبها العـراقي.
بسام البدارين