تعليقا على مقالي السابق عن خلط الأوراق في المشهد العراقي الملتبس والمعقد وصلتني ردود أفعال وتعليقات ورسائل من عدد من الأصدقاء، كما إني قرأت منشورا لصديق على صفحات التواصل الاجتماعي في هذا السياق واستعرت منه عنوان مقالي هذا. وقد لخص الصديق بحنكة موضوع الانقلاب العسكري الذي تتعالى بعض الأصوات العراقية مطالبة به هذه الأيام. وقد طرح صديقي الافتراضي مجموعة أسئلة مهمة أحببت أن تكون مدخلا لمناقشة فكرة إمكانية قيام الانقلاب العسكري في العراق والنتائج المترتبة على ذلك.
فهل الطبقة العسكرية لدينا قادرة على تنفيذ (الانقلاب/ الثورة) الآن؟ وهل الجيش الذي يعاني من مشكلة ضعف الضبط قادر على تحقيق ذلك؟ هل يستطيع جنرالات اليوم إدارة البلد بنجاح بعد قيامهم بانقلاب ناجح؟ وهل سيتمكنون من تحقق تغيير ملموس في الواقع العراقي السيء؟هل لديهم تمثيل وتفويض من بقية مكونات العراق كالسنة والكرد؟ خصوصا اننا نرى أن الجهات الدافعة للتغيير الانقلابي على الأرض حاليا تتحرك حسب رغبات من يحلم بالانقلاب ضمن الفضاء الشيعي فقط. وإذا كانت تلك الانقلابات أو الحركات العنيفة قد فعلت بنا ما فعلت عندما كان المجتمع بسيطا جدا، ولدينا دولة بيدها احتكار السلاح، وشعب مدني، كيف سيكون الحال الآن ولدينا جهات لاعد لها تحمل أسلحة أحدث مما لدى الجيش نفسه ومستعدة لأدخالنا في حرب أهلية لا أحد يعلم نتائجها؟
ينظر بعض المراقبين إلى أن الجيش العراقي بعد 2003 ، أو ما بات يعرف الجيش العراقي الجديد قد أصبح جيشا ضعيفا مقارنة بما كان عليه في عهد النظام السابق. والحقيقة أن هذا الكلام غير دقيق بالرغم مما قد يحويه من بعض الجوانب الحقيقية، والسبب يكمن في أن طبيعة تركيبة الجيش الجديد قد اختلفت، كما أن العقيدة القتالية قد تغيرت، الجيش الجديد أصبح جيشا احترافيا مماثلا للعديد من دول العالم إذ يقوم على خدمة المتطوعين فقط ، من دون وجود الخدمة الإلزامية. وقد بنيت فرق الجيش الجديد في البداية على أساس إستراتيجية تكوين جيش احترافي، صغير الحجم جيد التسليح بقدرات قتالية حديثة ومتطورة تكنولوجيا ذو فعالية عسكرية عالية، مؤهل لحماية البلد من الاعتداء الخارجي دون السماح له بإمكانية التدخل في الشأن السياسي، يقاد من قبل الساسة المدنيين الذين سيتولون حقيبة وزارة الدفاع أو مستشارية الأمن القومي .
لكن العديد من التدخلات الداخلية والخارجية حالت دون ذلك، وشوهت استراتيجية تشكيل الجيش الجديد، منها مثلا مطالبات لحوحة من بعض الجهات السياسية السنية بايجاد حلول لمنتسبي الجيش السابق لكسب أوراق سياسية في صراعاتها الحزبية عبر تأهيل وإدماج بعض القيادات العسكرية المحسوبة على هذه الأحزاب وإعادة دمجهم بالجيش الجديد، كما فرضت الأحزاب الشيعية إدماج ميليشياتها في الجيش الجديد فيما بات يعرف بضباط الدمج الذين منحوا رتبا جهادية وحصلوا على مواقع قيادية في الجيش الجديد. أما الكرد فإن بيشمركتهم دخلت بكامل هيكلتها في الجيش الجديد دون السماح بإعادة هيكلتها باعتبارها جزءا من الجيش العراقي.
الحال اليوم إن الرومانسيين يقلبون وجوه الجنرالات باحثين عن وجه البطل المتخيل. وكلما صعد نجم جنرال تلقفوه مبشرين به. فعندما صعد نجم الجنرال عبد الوهاب الساعدي في معارك تحرير المدن من سيطرة تنظيم «الدولة» تصاعدت الأصوات الحالمة بالتغيير، متمنية أن يمتطي هذا الفارس الشجاع دبابته ويتوجه إلى الإذاعة معلنا بيان رقم واحد الذي سيجعل الطبقة السياسية الفاسدة تهرب من المنطقة الخضراء. وهكذا كان التعاطي مع خالد العبيدي، وهوضابط سابق شغل منصب وزير الدفاع ضمن الاتفاقات السياسية التي سيرت الحكومة والبرلمان وقد أقاله البرلمان من منصبه بعد تحقيق في اتهامات فساد وجهت له. فقد تعرض العبيدي مرار إلى سيل من الإشاعات عن احتمالية قيامه بانقلاب عسكري على حكومة العبادي الضعيفة منذ عام 2015 مع بداية تعافي القوات المسلحة من نكستها أمام عصابات تنظيم «الدولة». وهذا هو الحال اليوم ما أن يصعد نجم أحد الضباط الأكفاء مثل الجنرال طالب شغاتي أو الجنرال عبد الغني الأسدي، وهم من جنرالات جهاز مكافحة الإرهاب الذين أبلوا بلاء حسنا في محاربة تنظيم «الدولة»، حتى تطاردهم إشاعة احتمال قيامهم بانقلاب عسكري.
إذا كان الاعتقاد السائد أو بعض الأمنيات التي تسوق للشارع العراقي مصورة له أن جنرالات الجيش يملكون اليوم القوة اللازمة لإحداث تغيير سياسي، فنحن ننبه إلى وجود قوى أخرى في العراق لن تقف مكتوفة الأيدي، فالميليشيات الشيعية بالرغم من تأطيرها قانونيا بشكل يخضعها للقائد العام للقوات المسلحة تحت تسمية هيئة الحشد الشعبي، إلا أن الجميع يعرف أن هذه الفصائل لا تطيع إلا قادتها الميدانيين. وحسب الأرقام التقريبية هنالك حوالي 90 الف مقاتل تحت سيطرة هذه الميليشيات المسلحة باسلحة متطورة تنافس أسلحة مختلف صنوف الجيش العراقي، وبالتالي هنالك احتمالية عالية لنزول هذه الميليشيات لحرب شوارع طاحنة في حال قيام الجيش بانقلاب عسكري مما سيخلق مشهدا يذكر بالوضع السوري أو الليبي اليوم.
كذلك هنالك قوى العشائر على الأرض، فالعشائر باتت قوة مسلحة لا يمكن إغفال وجودها، لأنها تمتلك ترسانة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وأن رؤساء العشائر تربطهم شبكة تخادم واستزلام مع مختلف التيارات والأحزاب السياسية وبات بعضهم يلعب دورا سياسيا عبر ما يعرف بالحشد العشائري السني، وبالتالي فإن المقاتلين القبليين على استعداد للانخراط في حروب أهلية مقابل ما سيدفع لقادتهم من جهات محلية أو إقليمية لتنفيذ أجنداتها داخليا.
لننتقل إلى نقطة مهمة أخرى، وهي أن الشرعية التي يحاول البعض إغداقها على فعل الانقلاب العسكري، وتصويره بأنه عمل وطني سيقوم به ضابط وطني يوقف من خلاله العمل بالدستور ويحل البرلمان ويبدأ عملية سياسية جديدة قائمة على محاربة الفاسدين ليحقق نهوض البلد. إن من يتبنى هذا الطرح يتناسى أنه بذلك يفتح الباب على مصراعيه لكل الضباط الطامحين والطامعين في القفز إلى كرسي السلطة عبر امتطائهم الدبابة وتبني الشعارات الرومانسية، «وبعد التوكل على الله» وقراءة بيان رقم واحد يبدأ مسلسل الدم لنقع ضحية سلسلة انقلابات الجنرالات الطامعين الذين سيصفون بعضهم بعضا نتيجة غياب المعيار الدستوري والقانوني للفعل الوطني.
ويجادل البعض ليقنعك بحصافة رأيه أن الانقلاب العسكري يجب أن يتم بعد الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية التي ستدعم الانقلابيين لتقلم أظافر إيران في العراق. هنا يجب أن نتذكر أن هؤلاء الأشخاص كانوا قد صدعونا لسنوات بجرائم الاحتلال وما جناه الأمريكان على العراقيين عندما أطاحوا بنظام مستقر، ليأتوا بعملائهم على ظهر الدبابة الأمريكية لينهبوا ثروات العرق، إذن ما الذي استجد ليصبح الانقلاب المدعوم أمريكيا هو الحل الآن؟
وماذا عن الشركاء السياسيين، الكرد والسنة من هذه السيناريوهات؟ هل سيقفون متفرجين؟ إن الحصول على ثقة الشركاء السياسيين في مثل هذا السيناريو تكاد تكون مستحيلة، فهم في حالة نزاع دائم وصراعات مصالح لا تنتهي مع الساسة الشيعة الحاليين، مع كل ما جمع بينهم تاريخيا منذ أن كانوا أحزاب معارضة ضد نظام صدام حسين، فكيف سيقبلون بحكم جنرال يقفز على سدة حكم العراق وهم يتفرجون؟ لكن الرأي المحاجج سيقول لك إن الجنرال الجديد سيقودهم بالقوة لينفذوا ما يأمرهم به. وهنا يجدر أن تعلم أن من يناقشك لا يفقه في الشأن العراقي شيئا،لأن الكرد مثلا عبارة عن دولة شبه مستقلة لها جيشها واقتصادها وأرضها التي لن تسمح لجنرال جالس في بغداد أن يتحكم بها، كذلك حال السنة الذين لم يطيقوا التعاطي مع ساسة مدنيين شيعة تعاملوا معهم على مدار عقود فكيف سيرضون بالخضوع لجنرال شيعي يعتبرونه مخلبا إيرانيا في العراق حتى وإن لم يكن كذلك.
المحصلة النهائية يجب أن نعلم أن أمنية أن يكون حل مشاكل العراق عبر انقلاب عسكري هو نوع من حنين إلى أيام الدكتاتورية لكن عبر تجميلها، أي إنه البحث عن حكم صدام بدون صدام.
كاتب عراقي
صادق الطائي
الإنقلاب لن يكون عسكرياً! بل ميليشياوياً !! ولا حول ولا قوة الا بالله
هناك طاحونة دائرة في العراق و منذ ستين عاماً، تنثر الموت و الدمار ، تناوبت الأيدي عليها ، العسكرية و الطائفية و العشائرية .
ثم و بكل غباء و إجرام أنظم الغزاة لهؤلاء ..و الطاحونة لا زالت تدور !
و ويلّي عليك يا عراق …لا يبدو لك دواء و شفاء