درع صاروخي روسي… خطوة تركية تاريخية قد تؤسس لبداية الابتعاد عن حلف «الناتو»

حجم الخط
1

إسطنبول ـ «القدس العربي»: بينما كان الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين يعلنان حزمة من الاتفاقيات والتفاهمات التاريخية الهامة بين البلدين في مجالات الاقتصاد والطاقة والتعاون المشترك، سربت مصادر في وزارة الخارجية التركية ما يمكن وصفه بـ«الملف الأبرز» في مباحثات الزعيمين لما يحمله من أبعاد إستراتيجية على كافة الأصعدة.
فعلى الرغم من أهمية اتفاقيات رفع مستوى التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وبناء محطة «أق قويو» لتوليد الطاقة النووية، وخط الغاز الإستراتيجي «ترك ستريم»، إلا أن الحديث عن عرض روسي لبناء منظومة للدرع الصاروخي للجيش التركي كان الأبرز والأكثر حساسية في الملفات المطروحة حتى الآن، لما يحمله من أبعاد إستراتيجية كبيرة.
فالأمر هنا يتعلق بأبرز الملفات حساسية في العلاقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، الذي يعارض بشدة استخدام تركيا لأي منظومة درع صاروخي غير التابعة للحلف «منظومة الباتريوت»، حيث عمل الناتو في السابق على إفشال أي مساع تركية لشراء منظومة أخرى.
وحسب ما اطلعت عليه «القدس العربي»، فإن موقع «جلوبال فاير بور» أحد أشهر مواقع تصنيف الجيوش عالمياً، وضع الجيش التركي في المرتبة العاشرة عالمياً، كما أنه يعتبر ثاني أقوى الجيوش في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، إلا أنه ما زال يفتقد إلى منظومة متطورة للدرع الصاروخي لمواجهة اختراقات الطائرات واحتمال تعرض الأراضي التركي لهجمات صاروخية من محيطها المضطرب.
ورغم مكانة تركيا بالناتو، تتهم الجهات الرسمية التركية الحلف بإهمال أمن بلادها وابتزازها في أصعب الظروف الأمنية التي عاشتها خاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث لم ينشر الحلف سوى عدد قليل جداً من بطاريات «الباتريوت» في تركيا حتى عندما تعرضت الأراضي التركية لتهديدات بالغة بسبب الأزمة السورية.
وعقب قيام طائرات حربية تركية بإسقاط مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا، نهاية العام الماضي، والدخول في أزمة سياسية وعسكرية حساسة مع موسكو، أقدم الحلف على سحب إحدى بطاريات «باتريوت» التي كان ينصبها في تركيا وترك أنقرة تواجه مصيرها مع روسيا رغم الدعم الكلامي الذي تلقته من قادة الدول الكبرى في «الناتو»، الأمر الذي أثار غضب الحكومة التركية بشكل غير مسبوق وأعاد النقاش الداخلي حول ضرورة الحصول على منظومة متقدمة للدرع الصاروخي لا تقع تحت إمرة قيادة الناتو.
وسائل إعلام تركية نقلت عن مصادر في وزارة الخارجية تأكيدها أن تركيا تنتظر من روسيا عرضا فيما يخص نظام الدفاع الجوي بعيد المدى «درع صاروخي»، لافتاً إلى أن أردوغان وبوتين تباحثا حول الأمر في الاجتماع الثنائي الذي جرى بينهما في إسطنبول، مساء الاثنين، على هامش اجتماع الطاقة الدولي المنعقد في المدينة.
وخلال المؤتمر الصحافي بين الزعيمين، أكد بوتين استعداد بلاده للتعاون المشترك مع تركيا في مجال النظام الدفاعي، معرباً عن أمله في تحويل المباحثات في هذا الصدد إلى تعاون مادي ومحسوس بين البلدين. ومن المنتظر أن يعقد رؤساء الأركان والاستخبارات من تركيا وروسيا اجتماعات تفصيلية، اليوم الأربعاء.
وتأتي هذه التطورات، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الأمريكية والغربية بشكل عام «الناتو» توتراً غير مسبوق مع روسيا على خلفية استخدام موسكو حق النقص «الفيتو» ضد مشروع القرار الغربي حول حلب في مجلس الأمن الدولي، كما تأتي في ظل توتر مستمر في العلاقات التركية مع واشنطن على خلفية رفض الأخيرة تسليم فتح الله غولن وعدم دعم رؤية أردوغان للأحداث في سوريا والعراق.
وعلى الرغم من أن روسيا وتركيا لم توقعا بعد على اتفاقية «الدرع الصاروخي» إلا أن كافة المعطيات تشير إلى أن أنقرة عازمة على شراء المنظومة من موسكو في أقرب وقت ممكن وذلك بهدف تأمين الأراضي التركية التي تتعرض لتهديدات متزايدة من الخارج وتوجيه رسالة قوية لحلف «الناتو»، وأن تركيا لديها خيارات أخرى من أجل تأمين أمنها القومي بعيداً عن ابتزاز الحلف، كما تصفه وسائل الإعلام التركية.
وفي حال إتمام الاتفاقية بشكل نهائي، تكون تركيا قد دخلت في مواجهة جديدة غير مسبوقة مع «الناتو» الذي يرفض بقوة هذا الأمر ويعتبره تهديداً لدول الحلف، حيث رفض سابقاً مساعي تركية لشراء نظام درع صاروخي من الصين واضطرت تركيا لإلغاء الاتفاقية الأولية بعد انتقادات وضغوط هائلة تعرضت لها من الناتو.
ويبرر الحلف رفضه بأن أي منظومة أخرى غير «الباتريوت» تشكل تهديداً على تماسك أعضاء الحلف والتكامل بينهم، ويصعب ربطها بـ«الباتريوت» وفي حال ربطها يشكل ذلك تهديداً على أمن وسرية المعلومات خاصة إن كانت المنظومة الأخرى تديرها الصين أو روسيا.
ونظرياً، تعتبر تركيا مشمولة ضمن منظومة «الباتريوت» التي يعمل على نشرها «الناتو» في دوله للتصدي لأي هجمات صاروخية محتملة على دول الحلف، حيث بإمكان صواريخ باتريوت أن تدمر في الجو صواريخ باليستية تكتيكية وصواريخ مجنحة وطائرات.
لكن عملياً، بدأ في عام 2012 تشغيل رادار واحد للإنذار المبكر، وأشرف الجيش الأمريكي على تشغيل إحدى وحدات المنظومة من مدينة «ملاتيا»، التي تبعد نحو 650 كيلومتر، من جنوب شرقي العاصمة أنقرة، ولحقها وحدات تم تشغيلها من قبل الجيش الإسباني والألماني، وهو جزء صغير من المنظومة يؤكد محللون عسكريون أنه «غير كافي» لحماية الأراضي التركية من هجمات محتملة.
وفي خضم المشاكل التي عاشتها تركيا مع روسيا وسوريا في السنوات الأخيرة، سحبت واشنطن إحدى وحدات المنظومة التي نشرتها عام 2013 في مدينة غازي عنتاب، قبل أن تتمكن تركيا وبضغط كبير من إقناع ألمانيا بعدم سحب منظومة أخرى كانت تنشرها في الأراضي التركية مقابل بذل تركيا مساعي أكبر لوقف تدفق اللاجئين، وهو ما فُسر على أنه استخدام للمنظومة من قبل الناتو كورقة ضغط وابتزاز ضد تركيا.
ومنذ عدة سنوات، أعلنت تركيا فوز شركة صينية للصناعات الحربية بعطاء لبناء منظومة الدفاع الصاروخي الخاصة بتركيا، وقالت أنقرة إنها ستبدأ مشاورات لبحث تفاصيل العقد مع الشركة الصينية التي رست عليها مناقصة شراء منظومة HQ-9 للدفاع الصاروخي، بعد منافسة مع منظومة «باتريوت» الأمريكية، ومنظومة الاتحاد الأوروبي، ومنظومة «اس 300» الروسية.
وفضلت تركيا آنذاك المنظومة الصينية التي تعتبر نسخة معدلة من منظومة «اس ـ 300 بي» الروسية بتكلفة قاربت الثلاثة مليارات دولار، وهو أقل بمليار دولار من العروض الأخرى التي تم تقديمها، بالإضافة إلى أن الشركة المصنعة كانت ستعمل بشكل مشترك على الأراضي التركية من أجل نقل التقنية إلى الخبراء الأتراك وهو الأمر الذي شددت عليه أنقرة ورفضته العروض الأخرى.
وكان العقد ينص على تزويد الصين لتركيا بمحطات رادار وصواريخ مضادة للطائرات قادرة على تدمير الطائرات والصواريخ، تتوزع في أربع منظومات للدفاع الصاروخي مكونة من 288 صاروخ في 12 وحدة إطلاق. لكن جميع هذه المساعي تجمدت بشكل كامل دون الإعلان عن فشلها نهائياً وذلك بفعل قوة الضغوط التي مارسها الحلف على أنقرة.
وعقب ذلك، بدأت أنقرة مفاوضات لشراء منظومة صواريخ «تي ـ سامب» من إنتاج فرنسي ـ إيطالي مشترك، حيث جرت زيارات عسكرية تركية لمقر الشركة وجرت اختبارات بالذخيرة الحية، دون الإعلان عن التوقيع على اتفاق نهائي.
كما سعت تركيا منذ عام 2006 لبناء منظومة محلية خاصة بها ووقعت الحكومة عقداً مع إحدى شركات الصناعات الدفاعية التركية، لكن هذه المحاولات تجري ببطئ شديد بسبب نقص الخبرة والإمكانيات الفنية، حيث تستمر التجارب على صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لا تفي بكاملة الاحتياجات الدفاعية التركية ولا تستطيع ـ على سبيل المثال- مواجهة الصواريخ بعيدة المدى التي تمتلكها إيران والنظام السوري.

درع صاروخي روسي… خطوة تركية تاريخية قد تؤسس لبداية الابتعاد عن حلف «الناتو»

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    على تركيا شراء منظومة باتريوت الأمريكية المجربة لاسيما أن تركيا عضو بالناتو لغاية ما تتمكن من التصنيع الذاتي
    السعودية تمتلك منظومة باتريوت منذ ربع قرن في حرب عاصفة الصحراء لتحرير الكويت والآن تستخدم هذه المنظومة ضد صواريخ صالح والحوث
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية