دروز سوريا من الولاء للمواجهة… وإسرائيل تراقب انهيار دمشق وتحاول معرفة من سيخلف الأسد… وعالجت 1600 مدني ومقاتل سوري

حجم الخط
1

لندن ـ «القدس العربي»: ظل الموقف الإسرائيلي من مجريات الحرب الأهلية السورية محلا للتكهنات، فهي وإن فضلت في البداية بقاء الأسد في السلطة في دمشق باعتباره «الشيطان الذي نعرف» إلا انها لم تتورع عن القيام بغارات جوية ضد أهداف في داخل سوريا لوقف ما قيل إنها شحنات أسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله، وكيل إيران في لبنان والذي تقاتل من أجله طهران الحرب في سوريا ولتأمين خطوط الإمداد له والتي ظلت طوال العقود الماضية تمر عبر دمشق، وكعادتها لم تعلن إسرائيل مسؤولية عن الغارات هذه.
لكن الموقف الإسرائيلي بدأ يتضح ويتغير في الفترة الأخيرة نظرا لاقتراب «جبهة النصرة» من الحدود السورية معها وهي الحدود التي ظلت هادئة طوال الأربعة عقود الماضية.

قلب اللوز
والعامل في تغير الموقف الإسرائيلي هم «الدروز» الذين ارتكب مقاتلون من «جبهة النصرة» مجزرة في حقهم في قرية «قلب اللوز» في ريف إدلب وهي المجزرة التي أثارت مخاوف السكان الدروز المنتشرين في الجنوب السوري وشمال إسرائيل. فقد هدد دروز إسرائيل باجتياح الحدود لحماية إخوانهم في الجولان السوري.
ومن هنا يفهم سياق تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أعطى «تعليمات لعمل اللازم» لمساعدة دروز سوريا. وحذرت الحكومة الاسرائيلية الثوار السوريين في جنوب سوريا البقاء بعيدا عن بلدة خضر الدرزية التي يحاصرها الجهاديون وسيطروا على تلة فيها.
وبحسب صحيفة «دايلي تلغراف» تفكر الحكومة الإسرائيلية في إنشاء منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود للاجئين ويعتبر هذا تحرك غير مسبوق بعد عقود من تجميد تلك الحدود. ويأتي التحرك الإسرائيلي في ضوء القتال المحتدم بين «جبهة النصرة» والجيش السوري في الجنوب السوري وحصار الجهاديين لبلدة «خضر».
ومع أن «جبهة النصرة» تؤكد أنها لن تؤذي الدروز الذين تعتبرهم كفرة ومارقين من الإسلام الصحيح. إلا أن سلسلة الهزائم التي مني بها الجيش السوري على الحدود أثارت قلق الدروز.
وضمن الردود الإسرائيلية على تطورات الجبهة الجنوبية في سوريا أغلق الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء مناطق في شمال الجولان مؤقتا وذلك بهدف منع تجمعات بالقرب من الحدود بسبب مخاوف من تجمع الدروز في الجولان ومحاولتهم اقتحام الحدود لحماية إخوانهم.
وقال عضو الكنيست الدرزي صلاح طريف لموقع «واللا» الإخباري: «نحن على أهبة الاستعداد بحيث إن كان هناك شيء يستدعي تدخلنا فلن نتردد ان نقوم به».وقال إن العديد من الدروز سيدخلون سوريا «دون تردد».
وسمع كلام مشابه في مظاهرات للدروز في مجدل شمس هذا الأسبوع وهي أقرب بلدة تحت سيطرة أسرائيل لقرية خضر وهتفو «بالروح بالدم نفدي السويداء».
وقال حسن الصفدي وهو طبيب بيطري في مجدل شمس أن عشرات الأطباء الدروز مستعدون لعبور الحدود لمساعدة أصدقائهم وأقربائهم.

ابتعدوا عن الدروز
وتعلق مجلة «إيكونوميست» البريطانية على التطورات في مناطق الدروز بتقرير تحت عنوان «لا تؤذوا الدروز» وجاء فيه أن إسرائيل تجنبت وبجهد الانجرار للحرب المندلعة قريبا من حدودها ومنذ أربعة أعوام. فقد تجنبت الدولة اليهودية بعيدا عن عدد من الغارات الجوية ضد «حزب الله» الوقوف مع طرف ضد آخر.
وهذا الوضع بحسب المجلة سيتغير حيث هددت بالتدخل في حالة تعرض الأقلية الدرزية للخطر.
وقالت إن أكثر من مليون درزي يعيشون في الشرق الأوسط ثلثاهم في سوريا أما الثلث الآخر فموزعون بين لبنان وإسرائيل والأردن.
وتضيف المجلة أن الدروز الذين يتحدثون العربية ويؤمنون بدين سري يجمع في داخله عناصر من كل الأديان التوحيدية ومن الفلسفة اليونانية ظلت علاقتهم معقدة في الدول التي يعيشون فيها. فدستورهم يؤكد على الولاء للحاكم مع ميل قوي نحو الاستقلال.
ففي سوريا ظل الكثير من الدروز موالين حقيقيين لنظام بشار الأسد. وفي إسرائيل أعلنوا عن «حلف الدم» مع الدولة اليهودية والذي قاد عددا من أبنائهم للتطوع في الوحدات القتالية في جيش الدفاع الإسرائيلي.
وتدرج عدد منهم في سلك الجيش والشرطة ووصلوا لمراكز بارزة في الوحدات الخاصة في الجيش.
وفي الوقت الذي اختارت فيه التجمعات الدرزية الصغيرة في مرتفعات الجولان التي احتلت عام 1967 الحفاظ على الجنسية الإسرائيلية إلا أنها عملت وبحماس في قطاع السياحة الإسرائيلي.
وتشير المجلة للتطورات الحالية التي خسر فيها ما تبقى من الجيش السوري المدعوم من حزب الله اللبناني مواقع لصالح تنظيم الدولة الإسلامية وهو ما أدى لاقتراب الجهاديين نحو سلسلة جبال الدروز بشكل عرض القرى الدرزية على الجانب السوري لنار المقاتلين بمن فيهم «جبهة النصرة».
وأثرت الهجمات على ولاء الدروز التقليدي للحكومة السورية ودفعهم لطلب النجدة من إخوانهم في إسرائيل. ونقلت المجلة ما قاله أيوب قرة، وهو درزي نفسه ويشغل منصب نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي من أن الدروز في سوريا «يقومون باتصالات مباشرة» مع إسرائيل التي وعدت سرا قادة الدروز بالوقوف معهم حالة تعرض إخوانهم الدروز في سوريا لهجمات.
وفي 16 حزيران/يونيو قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت إن إسرائيل ستحاول منع حدوث مجزرة للاجئين من سوريا على حدودها.
ومن الخطط التي يعد لها الجيش الإسرائيلي إنشاء مستشفى ميداني في المنطقة المنزوعة السلاح وفي حالة تدفق آلاف اللاجئين الدروز تجاه المناطق الحدودية فقد تقيم إسرائيل منطقة عازلة، وبهذا ستكون أول جار لسوريا يتخذ خطوة كهذه.

المشهد من جبل الشيخ
ويرى إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «الغارديان» أعده من منطقة جبل الشيخ حيث قال إن إسرائيل تنظر بترقب لتطور الأحداث في سوريا. ويتحدث بلاك عن المراقبة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية لسوريا التي تتفكك.
ويشير إلى أن الأمان الذي ظل يطبع الحدود منذ عام 1973 وأكده حافظ الأسد يقترب من نهايته وكذا أيام نجله بشار في السلطة.
وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون «سوريا ميتة»، مضيفا «يتلقى الأسد راتبا كرئيس ولكنه لا يحكم إلا ربع البلد.
ويمكنه البقاء في قصره لكنه لم يعد مهما فهو في طريقه للخروج». وإزاء هذه التكهنات يقول بلاك إن التجمعات الدرزية التي تشكل 5% من مجمل سكان سوريا ظلت منقسمة فيما بينها حول الأسد بين مؤيد ومعارض لكنها ابتعدت بشكل عام عن الحرب.
واليوم أصبحت عرضة لهجمات الجهاديين وهو ما أثارمخاوف إخوانهم في لبنان وإسرائيل.
وتظاهر الدروز خارج الكنيست مطالبين بأفعال لحماية إخوانهم. ونقل عن أحد داعمي التدخل موردخاي كيدار «الكثير من سكان جنوب سوريا يتوقعون من إسرائيل عمل شيء لإبعاد سكاكين داعش عن رقاب الدروز».
ويعلق بلاك أن إسرائيل ملتزمة علنا بسياسة عدم التدخل لكن القصة لا تنتهي هنا بحسب إيهود يعاري المحلل الإسرائيلي المعروف والذي كتب في تشرين الأول/أكتوبر 2014 أن بعض جماعات المعارضة تقوم «باتصالات دائمة مع جيش الدفاع الإسرائيلي» مع أنها لم تحصل إلا على كمية متواضعة من الإسرائيليين.
ووصفت تقارير الأمم المتحدة القوات الإسرائيلية وهي تسلم صنايق أسلحة للسوريين. ويضيف بلاك أن الأدلة التي تشير لصلات جماعات المعارضة بمن فيها «جبهة النصرة» مع إسرائيل تواجه بصمت رسمي.
وفي قضية كانت موضوعا للرقابة وأمر الرقيب بالتعتيم عليها وفيها علم ناشط درزي من الجولان وجندي درزي يخدم في الجيش الإسرائيلي وصور لقاء بين ضباط استخبارات إسرائيليين والمعارضة السورية.

تحديات جديدة
ويقول بلاك إن ما يمكن ان «تراه وتسمعه» إسرائيل من جارتها في جبل الشيخ يظل سرا مكتوما إلا أن الانهيار في سوريا وضع أمام إسرائيل تحديات جديدة. ففي السابق حسب يعلون كانت معرفة العدو تقضي «التعرف على إسم الرئيس السوري ورئيس أركانه» و»أما الآن فنحتاج للتعرف على قائد كل ميليشيا».
ويشير إلى أن إسرائيل نظرت قبل 3 سنوات للحرب السورية على أنها جزء من «الشتاء الإسلامي» في نظرة احتقار لسذاجة من رحبوا بفجر الحرية والديمقراطية التي وعد به الربيع العربي.
وحافظت إسرائيل على ما تراه خطوطا حمراء من ناحية تدفق السلاح لحزب الله واستهدافه بغارات جوية وكذا الرد على التصدي لحالات إطلاق النار عبر الحدود والتي ظلت نادرة. وفي كانون الثاني/يناير استهدفت إسرائيل وحدة عسكرية تابعة لحزب الله قريبا من الحدود وقتلت جنرالا إيرانيا في الحرس الثوري كان معها.
وبعيدا عن الجانب العسكري استقبلت المستشفيات الإسرائيلية جرحى الحرب الأهلية السورية من المدنيين والمقاتلين وبلغ عدد من عالجتهم 1600 منذ شباط/فبراير 2013. وبحسب سلمان زرقا، مدير المركز الطبي «زي» بمدينة صفد «لم نرد أن يرى أحد أننا جزء من الحرب والنزاع في سوريا». وأضاف «فكرنا أنها – الحرب- سينتهي في أشهر وسيغادر الأسد البلد وكل شيء سيكون على ما يرام». وفي نهاية تقريره ينقل عن سمير، وهو مقاتل في «الجيش الحر» أصيب برجله جراء قصف مروحية النظام على بلدة بيت جان في القنيطرة.
ويتلقى سمير العلاج في مركز «زي» مشيرا إلى أن عددا من رفاقه عولجوا في المركز نفسه «ويعرف الأسد أننا هنا».

مسألة صورة
ولا ينفصل التغير في موقف الدروز بطلب المساعدة من إخوانهم في إسرائيل من تداعيات المجزرة في قلب اللوز التي قالت «جبهة النصرة» إن مقاتلين تصرفوا منفردين وأعلنت انها ستقدمهم لمحاكم الشريعة.
وأثر هذا على موقفها خاصة ان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أثنى على الفصيل الجهادي لكونه يقف ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» الذي يحتفل بالذبح ويصوره بأفلام فيديو لكن «النصرة» تتورع عن أفعال كهذه.
وبحسب توماس جوسلين من صحيفة «وول ستريت جورنال» فحادث القتل يظهر الخط الرقيق الذي تسير عليه الجماعات الجهادية عندما تقوم بشن جهاد. فكما تقول صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» فعلى المحك صورة معتدلة تم تشكيلها لجماعة معتدلة كبديل عن «تنظيم الدولة الإسلامية»، جماعة يمكن أن تعيش مع بقية الجماعات المعادية لنظام بشار الأسد.
وتؤثر التداعيات السلبية للمجزرة الأخيرة على «الجبهة» التي تعتبر من أهم قوى المعارضة السورية والتي أكدت حضورها على الساحة القتالية.
وتعمل في السنوات الأخيرة على تقديم نفسها كجماعة سورية أولا وأخيرا كما يقول يزيد صايغ من مركز كارنيغي الشرق الأوسط إنها صورة تعبر «عن مجتمع سوري متسامح ومتنوع وفي الوقت نفسه تلتزم فيه بأيديولوجيتها السلفية». وتحاول «النصرة» منذ نهاية عام 2014 التأكيد قي نقاشاتها على أنها «حركة وطنية سورية بوجه معتدل» كما لاحظ صايغ الذي أضاف «كانت هناك محاولة واضحة لتقديم صورة يمكن ان تتعايش مع الناس وتختلف معهم في الوقت الذي تطبق فيه أحكام الشريعة في المناطق التي تسيطر عليها بشكل كامل».
وتقول «ساينس مونيتور» إن عملية القتل في قلب اللوز تجعل من الصعوبة بمكان أمام المعارضة للإقناع الدروز البقاء على الحياد في النزاع والتخلي عن النظام.
وكما يقول صايغ فالقتل «يخدم ويؤكد رواية النظام من أن المعارضة مكونة من متطرفين وجهاديين ممن يفرضون آرائهم على كل شخص يختلف معهم ويستخدمون العنف لفرض مواقفهم».
والسؤال إن كانت «النصرة» ستقوم بعقاب الذين اقترفوا الجريمة؟ ويشك الكثيرون في تحقق هذا لأن «النصرة» لا تحب معاقبة أفرادها علنا ولا أن يعاقبها أحد حسب حسن حسن الزميل الباحث الذي قال «حتى تظهر أنها فعلت هذا سيكون تصعيدا وسيزيد من الرهاب بين الدروز».
ويقول إن المجزرة أدت لحالة من التحشيد بين الدروز في مناطقهم «فهم يعرفون أن المتطرفين قادمون ويجب أن يدافعوا عن انفسهم».
خاصة أنهم رفضوا محاولات النظام في السويداء جنوب البلاد تجنيد أبنائهم في الجيش للقتال في جبهات أخرى. ويفضلون والحالة هذه البقاء في قراهم وبلداتهم والدفاع عنها.

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد طاهات / عضو في رابطة الكتاب الأردنيين:

    بسم الله الرحمٌن الرحيم .
    إن سوريا العربية الإسلامبة قادمة لامحالة , وإن بشار زائل عن الحكم لامحالة , شاء من شاء وأبى من أبى , وإنما هي أيام أوشهور , والأفضل للدروز كمواطنين سورين لهم الحب والاحترام أن يقفوا مع الثورة السورية الحرة داعمين ومؤيدين , وذلك ألأفضل لهم ألف مرة من أن يخذلوا الثورة أو يقفوا مع أعدائها , وما دور إسرائيل في موضوع الدروز وموضوع الثورة كله إلا موضع عدو لدوود لئيم يريد لسوريا وللوطن العربي عامة الخراب , فاتحدوا ياأبناء سوريا الأحرار وأفشلوا إيران العدو اللدوود ومعه حزب الله , وداعش التي لانعرف لها ظهرا من بطن , هل هي مع الثورة أم مع النظام المنهار , وماهي أهدافها , وتصرفاتها الغريبة التي تثير القلق في النفس , هي تدعي الإسلام ولكن تصرفاتها تخالف الإسلام .
    وأعيد وأكرر : ما ثورة شعب قامت ضد عدو مغتصب أو حاكم طاغ إلا وانتصر .اسألوا التاريخ .

إشترك في قائمتنا البريدية