يبدو أن التلفزيون السوري وجد ضالته أخيراً في حكم الإعدام السعودي الجائر بحق الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، فأفرد لنقاش الموضوع حلقة من برنامجه «أدب وفكر» (البرنامج المخصص لـ «اتحاد الكتاب العرب» وأخبار نشاطاته»).
حظيت الحلقة بمذيعة منبرية (ماسة آقبيق) أرادت أن توصل صوتها إلى أبعد مدى ممكن، فكانت تصرخ، حقيقة ومجازاً، كما لو كانت في البريّة.
في تقديمها تحدثت عن «القراءة الجاهلية التي تطال الإبداع والفنون»، و«القراءة الجاهلية للعلاقة بين السماء والأرض»، و«قراءة لجماعة الأمر بالمعروف في السعودية اتخذت قراراً بإعدام الشاعر والتشكيلي الفلسطيني أشرف فياض لاتهامه بمس الذات الإلهية».
في دفاعها تساءلت المذيعة (الحلقة من إعداد داود أبو شقرة) «إلى متى ستبقى هذه السيوف مسلطة على رقاب أهل الفكر والرأي؟»، وختمت «القرار عارٌ، وهو شائن وجاهلي ومستنكر».
تقديم أوحى أن الحلقة ستتناول قضية الشاعر فياض بالتفصيل، لكن المذيعة وضيفها الأرقم الزعبي، عضو اللجنة التنفيذية لـ «اتحاد الكتاب العرب»، راحا يتحدثان طوال الحلقة بصورة نظرية في «فلسفة الرقابة»، ضروراتها، تأهيل الرقيب، أيهما أفضل أن تكون الرقابة «قبلية» أم «بعدية».
تحدث الضيف كما لو كان خبيراً قلّب كل أوجه الرقابة، وألقت المذيعة أسئلتها، وبدت كمن يتخفف من تلك الأسئلة بإلقائها واحداً تلو الآخر، من دون أن يبدو عليها جهد ذاتي في النقاش والجدل والاستيضاح.
حلقة جاءت وكأنها رسالة إلى «هيئة الأمر بالمعروف» السعودية حول الكيفية التي يجب أن تكون عليها الرقابة، أكثر من أن تكون ضد الرقابة من الأساس.
لكن انظروا من يتحدث، انظروا من يدين قرار الإعدام! إنه تلفزيون نظام قتل على يديه عشرات الصحافيين والأقلام الحرة لبنانيين وسوريين. إنه لا ينتظر حتى أن يصدر قرار الإعدام من قبل محكمة أو هيئة.
لنتذكر فنان الكاريكاتير علي فرزات وكيف هشموا أصابعه في ساحة الأمويين ثم ألقوه على طريق بعيد. أو كيف قضى فنان الكاريكاتير أكرم رسلان ووائل قسطون في سجونهم تحت التعذيب. وكيف يقبع الآن في سجونهم كاتب سيناريو تلفزيوني مثل عدنان الزراعي وممثلين كسمر كوكش وزكي ومهيار كورديللو وصحافي كمهند عمر، والقائمة طويلة تكاد لا تنتهي لشهداء ومعتقلين أو معتقلين سابقين قضوا عشرات السنين في سجونهم بسبب كلمة.
الشاعر أشرف فياض يستحق الحرية، ولا تستحق الكلمة في الأساس أن تسجن أو أن يجري إعدامها، لكن انظروا كيف يستنفر من لا يقبل أن تمس «الذات الرئاسية» بحروف كتبها أطفال مدينة درعا على الحيطان، للدفاع عن حرية الكلمة.
إن من سوء حظ أشرف فياض أن يدافع عنه أعتى نظام قمعي حارب كل أشكال المطالبة بالحرية، ولو كان هو في سجونهم لما انتظروا قراراً أو حكم محكمة.
الحرية للفنان التشكيلي والشاعر أشرف فياض، الحرية للتلفزيون السوري.
العربية في خطر
المضحك، أكثر من تعميم «وزارة التربية» السورية لاستعمال اللغة العربية في الرسائل الالكترونية عبر الهاتف الجوال، التقرير التلفزيوني الذي بثته قناة «سما» السورية الخاصة، حيث نزلت القناة إلى الشارع وسألت الناس عن آخر رسائلهم، بأي لغة كتبت، وكيف يترجمونها إلى الفصحى في حال كتبت بالعامية. النتائج جاءت مضحكة جداً، وربما لو تولت الوزارة نفسها إيجاد معادل فصيح للعامية اليومية هذه الأيام لما كان الأمر سهلاً، وربما تطلّب لجاناً للبحث والدراسة واشتقاق التعابير والمصطلحات، ما يعني مشاريع وموازنات وخططا خمسية.
ليست هذه المرة الأولى التي نسمع فيها، ونحن في خضم الرعب السوري، نداء رسمياً يقول «اللغة العربية في خطر»! تصوروا! بلد ينهار فيه كله شيء، نصفه لاجىء، نصفه مدمر، قتلاه بمئات الآلاف والمعتقلات تملأ الرحب، وستجد من يقول لهم إياكم واللغة العربية.
دعوا الناس تصرخ كما تشاء، فالوجع لا لغة له، ولا طريقة، دعوا الناس تقول «الآخ» كما تشتهي أن تقول «الآخ».
من المستفيد؟
الممثل السوري غسان مسعود نفى بنفسه لإذاعة «شام أف أم» السورية الخاصة خبر موته الذي شغل الإعلام لأيام، قال إن كل ما في الأمر أنه أرسل اعتذاراً لمهرجان سينمائي في الجزائر عبر بريد الكتروني تولى ابنه إرساله، وكان الابن حريصاً جداً أن يخبرهم فيه أن لا يسرّبوا خبر مرضه لوسائل الإعلام.
ولكن كيف يمكن لمهرجان أن يفهم هذه الصيغة من الإعتذار؛ ممثل مريض لا يقوى حتى على إرسال رسالة الكترونية! ينتشر خبر مرضه الشديد ويصمت أياماً من دون أن يتبرع وينفي ذلك! كيف نفهم الأمر إلا بوصفه فخاً أو مصيدة لوسائل الإعلام، عناصر تشويق سينمائي، أو حبكة لفيلم مثير. هكذا؛ ستكون النتيجة خبرَ موت مدوياً، سيتصل بعده كثير من محبي الفنان كما قال للإذاعة، بل أكد، وكان يضحك ملء شدقيه حينها، أن هاتفه لم يكف عن الرنين حتى أثناء المقابلة. لماذا هو منزعج إذاً من الإعلام الذي لفّق الخبر وتداوله على أوسع نطاق؟
ربما لا تصح نظرية «من المستفيد؟» قدر ما تصح هنا، ولا يحق للفنان مسعود أن يلوم الإعلام ويقرّعه إذا كان هو نفسه قد هيأ الحبكة الممهدة لخبر موته.
يبدو أن الممثل السوري الهوليودي قد سئم البقاء في الظل طويلاً فأحب أن يخترع حكاية تأخذه إلى الضوء. أحياناً علينا أن نأخذ النجوم على قدر عقولهم.
وصايا إعلام السيسي
بات لدينا الآن شريطا فيديو يمكن اعتبارهما تلخيصاً لمصر السيسي، واحد يقتل فيه الجيش المصري مواطناً فلسطينياً عبرَ الحدود الفلسطينية باتجاه المصرية بضع خطوات فقط، فاستحق القتل، وكان واضحاً أن الرجل ليس عاقلاً كي يتعرى تماماً ويعبر الحدود، وهنا فما دام الرجل واضحاً عارياً من غير سلاح فقد كان من السهل توقيفه لا قتله، إلا إذا كان غرض الجيش القتل، لا حماية الحدود. أما جيش السيسي فراح، كما بدا في الفيديو، يتسلى بإطلاق النار على جسد الرجل مردياً إياه قتيلاً.
أما الشريط الآخر فهو لـ «الإعلامي» أحمد موسى، الذي يتفرد كل مرة بأداء لا يتكرر بمستوى انحطاطه، حيث وجه الشكر الكبير للجيش المصري على ما فعل بالمواطن الفلسطيني، موصياً بفرم من يعبر الحدود.
هذه هي مصر الجديدة، فاعبروها آمنين إن شاء الله.
كاتب من أسرة «القدس العربي»
راشد عيسى
شكرا استاذ راشد
فعلا القضاء السعودي عليه أخذ العبرة من القضاء السوري فهذا القضاء قد أراح نفسه حتى من أن يعرض المتهم على المحكمة يقتل ميدانيا فكم من الشعراء والأدباء والسياسيين والأطفال والنساء والشيوخ في رقبته هذا هو نظام البعث الطائفي المضحك االكوميدي يقتل القتيل ثم يضيف القهوة في عزاه
شكرا جزيلاً أخي راشد على هذا المقال الرائع تصور يا أخي أن الإعلام السوري يدافع عن حرية الرأي في السعودية يعني الأمر مضحك حقا وصدقا ضحكت برغم شعوري بالآلم على ما وصلنا إليه في سوريا بسبب هذا النظام البائس وعلى ما وصلت إليه حرية الرأي وحال الصحفي والكاتب والشاعر والفنان والمثقف العربي بل إلى ما وصلت إليه حال الإعلام العربي في ظل هذه الأنظمة العربية البائسة