دير الزور: سوريالية الدم

حجم الخط
6

 

في ريف دير الزور، تتكاثر المشاهد السوريالية، ولكن الدامية والمبتذلة في آن معاً، والتي تعكس الكثير من عناصر واقع الحال في سوريا المعاصرة كما باتت اليوم؛ بعد أن دشّن نظام بشار الأسد سيرورات التدمير العشوائي، والإبادة المنظمة، والتطهير الديمغرافي المناطقي، وارتكاب جرائم الحرب بأسلحة لا تستثني الغازات والكيمياء؛ قبيل تسليم مقدّرات سوريا إلى إيران وروسيا، وغزاة وميليشيات مذهبية وجهادية من كلّ حدب وصوب.
وهذا ريف صار شهيداً، بصفة يومية مفتوحة، منذ أواخر العام 2013، حين تمكن «الجيش السوري الحرّ» من دحر قوّات النظام في نصف أراضي المحافظة تقريباً؛ ثمّ وقع اقتتال داخلي في صفوف «المحررين» أنفسهم، أتاح لميليشيات «داعش» أن تسيطر على الأرض، وتصبح الخصم الوحيد في وجه النظام، فينقلب أبناء المحافظة المدنيون إلى ضحايا لا حول لهم ولا طول، بين فكّي كماشة دامية، على طرفَيْ المواجهة. وبدل أن تكون آبار النفط في المحافظة نعمة على أبنائها (وهذا لم يحدث قطّ، أصلاً، لأنّ سياسات النهب والفساد كانت، وظلت، سمة النظام)؛ فإنها انقلبت إلى نقمة، حين شكّلت واحداً من أهمّ منابع تغذية «داعش» مالياً؛ وها أنها، اليوم، تضاعف النقمة إلى البلوى، جرّاء تكالب القوى الخارجية على المنطقة، طمعاً في ثرواتها.
تعلن قوات النظام والميليشيات الحليفة أنها تقدمت نحو فكّ الحصار عن مطار دير الزور، المحاصر منذ ثلاث سنوات، وانسحاب «داعش»، التي كانت هي الطرف المحاصِر، فيُعزى «الانتصار» إلى ما تبقى من وحدات موالية، مثل «الحرس الجمهوري» و«قوّات النمر». كأنّ هذا التطوّر لم يكتمل إلا تحت قصف شديد، معظمه همجي ومسعور يستهدف المدنيين أولاً، تولت موسكو تنفيذه من الجوّ، ولكن من بارجاتها في مياه المتوسط أيضاً. أو كأنّه ليس تذكيراً جديداً بمبدأ سيرغي لافروف الشهير: لولا تدخل موسكو، لسقطت دمشق!
وأمّا البُعد السوريالي في المشهد، فهو لم يغب عن كلّ ذي بصر وبصيرة: النظام، ومعه روسيا وإيران و«حزب الله»، يعلنون أنهم في حالة حرب لا تُبقي ولا تذر ضدّ «داعش»؛ ولكنّ هذا التحالف ذاته هو الذي فاوض «داعش» على الخروج من عرسال اللبنانية، وضمن نقل مقاتلي التنظيم عبر مناطق سيطرة النظام، وفي قلب الصحراء المكشوفة أمام الطيران الحربي الروسي، إلى… دير الزور، ذاتها، التي فيها يقاتل التحالف «داعش»!
المشهد السوريالي الثاني تكفّل بصناعته أحمد حامد الخبيل (أبو خولة)، قائد ما يُسمى «مجلس دير الزور العسكري»، التابع لـ»قوات سوريا الديمقراطية»؛ حين أعلن أنّ مقاتليه لن يسمحوا لقوات النظام بعبور نهر الفرات. السوريالي هنا أنّ ميليشيات الخبيل سبق لها أن تعاونت مع جيش النظام، عبر اللواء 113، في معارك دير الزور أواخر العام 2013؛ كما قلبت المعاطف على الفور، فتعاونت مع «داعش» ذاتها، فأسند لها التنظيم إدارة حاجز في ظاهر المدينة، أتاح لها تنظيم عمليات التهريب والنهب!
تفصيل سوريالي آخر، ضمن هذا المشهد الثاني، تمثّل في أنّ «قسد» ذاتها، التي تتفاخر اليوم بأنها ستمنع النظام من عبور الفرات، تعاونت مع النظام في عشرات المواقع في شمال وشرق سوريا؛ بل حدث مراراً أنّ هذا التعاون ألزمها بمواجهات مسلحة مع قوى كردية رافضة لهذه العلاقة مع النظام، ومناهضة لسياسات التحالف كما اعتمدها «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب». طريف، أيضاً، أنّ التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، راعية «قسد»، كان قد سمح لباصات حسن نصر الله بنقل مقاتلي «داعش»… أنفسهم، الذين تتبجح «عاصفة الجزيرة» بقتالهم!
في غضون هذه المشاهد، وسواها، يواصل الطيران الحربي ارتكاب المجازر الوحشية ضدّ مدنيي المحافظة، ويخلّف عشرات القتلى والجرحى؛ إذْ كيف لسوريالية محتلّيْ سوريا أن تكتمل، دون أن تتلطخ بالدماء!

دير الزور: سوريالية الدم

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامي الصوفي - واشنطن:

    لو وُجد في دير الزور٥٠٠ علوي فقط، لما احتلتها داعش، و لما قصفها التحالف الدولي، الذي يقصف داعش فقط عندما يكونوا بين المدنيين السنّة في المدن. يؤكد ذلك أن التحالف قصف الطريق الذي تسلكه قافلة داعش الخارجة من جرود عرسال، و لم يقصف القافلة نفسها!

  2. يقول سوري:

    شكرا عزيزي صبحي لهذا المقال” السوريالي” الذي يصور السوريالي بشكل واقعي. وسوريالية هذا النظام المجرم ليست وليدة ثورة الشعب السورية المباركة بل منذ بداياته في حرب ” النكسة” عندما فرط الاب المقبور حافظ الاسد بالجولان ببلاغ رقم ٦٦ وكان وزيرا للدفاع بالانسحاب الطوغي من الجولان قبل ان تصل اليه القوات الاسرائيلية بست وثلاثين ساعة وهو الذي كان يصدع رؤوسنا في الاذاعة قبل الحرب بأننا سنتناول عشاءنا في تل أبيب مع اول ايام الحرب، ثم قام بانقلابه على رفيقه ” العلوي” ايضا صلاح جديد، واغتال رفيقه الثاني ” العلوي” ايضا محمد عمران، وهذا المقبور الذي كان يدعي المقاومة ضرب الفلسطينيين في تل الزعتر وعمل على إخراج المقاومة من لبنان إرضاء لإسرائيل كي تحافظ على حكمه ثم دخل في نزاع بعث العراق وهو “البعثي العتيق ” وهذا الذي يرفع شعارات الوحدة، طوف سورية وجعل الطائفة العلوية تتمركز في كل مقاصل الدولة، وقام بأولى مجازره في الشعب السوري في سجن تدمر ثم في حماة وباقي المدن السورية، ومدعي العروبة الكاذب تحالف مع ايران في الحرب مع العراق ثم مع أمريكا لاسقاط نظام صدام حسين ومات بعد ان حول سورية الى مزرعة لال الاسد ومخلوف وشاليش وورث ابنه فأر قاسيون بشار الكيماوي فتخطى ابيه في سورياليته والقصة باتت معروفة فحول سورية الى حطام وفريسة تتنهاشها كل القوى وقتل الشعب وهجره نصفه وجلس على الدمار كنيرون بعد ان دمر روما يغني لنا معزوفة الممانعة والمقاومة والحرب ضد الارهاب

  3. يقول محمد السوري:

    هذه ليست سيريالية مسرحية في مسرح العهر العالمي بل هي خطة مدروسة ومحكمة جرى التخطيط لها بين وزير خارجية الهجين الامريكي أوباما وبين لافروف والهدف منها هو تقسيم المنطقة العربية وإخضاعها ونهب خيراتها وإضعافها لكي لاتشكل خطر على الكيان الصهيوني وعلى عملاء امريكا في الخليج وفي مصر والأردن من خلال انشاء كيانات صهيونية جديدة في شمال سورية تدور في فلك الإمبريالية الامريكية وان استغرب كيف ان الكاتب نسي ان يتطرق الى سوريالية التحالف بين بي كاكا الماركسية الشيوعية اللتي ترفع شعار محاربة الإمبريالية الامريكية وبين امريكا اللتي تحارب المنظمات الإرهابية ام ان الإرهاب اللذي تجاربه امريكا هو فقط يكون إرهابا عندما يرفع شعارا إسلاميا ويطالب بحرية وكرامة الشعوب العربية والإسلامية من عملاء امريكا اللذين يحمون المصالح الامريكية في المنطقة العربية على السوريين ان يفتخروا بان ثورتهم كشفت كل الأقنعة الزائفة اللتي كان يتخفى وراءها دجالي الديمقراطية وحقوق الانسان و( الحيوان) والقومجية واليسارجية المزيفون ودعاة التصدي للإمبريالية والرأسمالية وغيرهم من اللصوص والمرتزقة اللذين لايختلفون عن المرتزق الانتهازي احمد الخبيل او ياسر الدحلة اللذين كان لهم الباع الطويلة في سرقة وتدمير معامل دير الزور في بداية الثورة واليوم يحاربون من اجل آبار النفط والغاز اللذي حرموا منه على يد مرتزقة الشعيطات وبعدها تنظيم الدولة وتركوهم ينظرون بحسرة الى ملايين الدولارات وهي تتدفق الى أيدي غيرهم وكان الحل هو تقديم أنفسهم كصحوات يخدمون المستعمر الامريكي

  4. يقول سامح //الأردن:

    *كان الله في عون(المدنيين )
    وخاصة (النساء والأطفال) وكبار السن
    لا احد يهتم بهم أو يراعي ظروفهم المأساوية.
    سلام

  5. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    ارجعوا إلى حضن وطنكم و دولتكم و اصلحوها من الداخل ….لقد جربتم الحرب و الخراب و الاستعانة بقوى تاجرت بقضيتكم و تركتم تواجهو ن مصيركم لوحدكم ….و هنا لا استثنى أحدا لا معارضة وطنية ولا وطنى النظام …..لانه هناك خونة باعوا سورية ومن الجانبين …..تحيا تونس تحيا الجمهورية و تحيا سورية كدولة مدنية و ديمقراطية

    1. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      الظاهر مازلت لم تقرأ أو تسمع ما قاله اللواء عصام زهر الدين أحد أفراد عصابة النظام السوري أو عذراَ نظام بشارون أسدوف, يا أخي تونسي ابن الجمهورية

إشترك في قائمتنا البريدية