التراجع الواضح لمسارات اليسار العربي بنسخته الماركسية بات شديد الوضوح وغير عصي على الملاحظة، ولكن يبقى التساؤل مطروحا هل يمكن أن يستعيد اليسار توهجه المجتمعي في البلدان العربية بشكل عام وفي العراق بشكل خاص؟ لقد كانت مشاركة الحزب الشيوعي العراقي السياسية محدودة وغير مؤثرة منذ عام 2003 ولحد الآن؟
فهل وصل الحزب الشيوعي العراقي إلى مفترق طرق يجب أن يغادر فيه طروحاته النظرية القديمة ليتحول إلى حزب اشتراكي منفتح على الأطروحة الديمقراطية وآلياتها؟ هل ما يزال الحزب الشيوعي العراقي متمسكا بثوابته الأيديولوجية القديمة؟ لقد وجه الكثير من النقد، بل والتجريح لأداء الحزب الشيوعي العراقي، منذ ما عرف بمؤتمر لندن، قبيل الحرب التي أطاحت نظام صدام حسين عام 2003، فقد رفض الحزب الشيوعي العراقي الحرب ورفع شعارا (لا للحرب لا للديكتاتورية) وقد عد بعض المراقبين هذا الموقف مواربة وانتظارا على التل والتفرج على ما ستؤول إليه نتائج الحرب، ثم اتخاذ المواقف البراغماتية على اساس ما سينتج، وهذا ما كان بحسب المراقبين الذين نظروا إلى مشاركة سكرتير الحزب الشيوعي حينها حميد مجيد موسى في مجلس الحكم، الذي شكله الحاكم المدني للعراق بول بريمر، والذي عينته قوات الاحتلال، خيانة لتاريخ ونضال الحزب، عبر العمل مع قوى الاحتلال. بينما نظر الحزب من جانبه إلى الامر، كما اعلنت قياداته مرارا، على انه نضال سلمي للضغط على المحتل لتقصير عمر تواجده، والضغط باتجاه تشكيل حكومة انتقالية مهمتها كتابة الدستور الجديد وتهيئة البلد لانتخابات تنهي الاحتلال وتفتح مستقبلا ينهي حقبة الديكتاتورية. وقد اشترك الحزب في الحكومة الانتقالية التي ترأسها اياد علاوي والتي انتهت مرحلتها الانتقالية بكتابة الدستور، وإجراء الانتخابات التي فازت بها قوى الاسلام السياسي السنية والشيعية، بالاضافة إلى الكتلة الكردستانية في الحكومات المتعاقبة، مع غياب شبه كامل للقوى العلمانية منذ 2006 حتى الان.
كانت نتائج الحزب الشيوعي العراقي في العملية الانتخابية مخيبة للآمال، ورغم تعدد وتنوع التحالفات السياسية التي مارسها الحزب، الذي نزل الانتخابات الاولى بقائمة مستقلة، فلم يحصل سوى على مقعدين في البرلمان، ثم تحالف مع القائمة العراقية بقيادة اياد علاوي ولم يحقق نتائج افضل، واخيرا ابتدأ الفصل المثير من التحالفات عبر الاشتراك في الحراك المدني، الذي ابتدأ في يوليو 2015 بقوى مدنية علمانية، ثم اشترك معها التيار الصدري لتصبح هنالك شراكة سياسية غير معلنة بين التيار الصدري والحزب الشيوعي، حاول البعض أن ينظر لها باعتبارها كتلة تاريخية عابرة للطوائف والقوميات على النمط الغرامشوي.
انعقد المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي في ديسمبر 2016 وأفرز قيادة جديدة وسكرتيرا جديدا للحزب هو رائد فهمي وزير العلوم والتكنولوجيا السابق، الذي اقيل من منصبه نتيجة تقليص المناصب الحكومية في حكومة العبادي، وبعد مرور اقل من اربعة اشهر، في ابريل الماضي، زار وفد من الحزب الشيوعي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في مكتبه في مدينة النجف، وقد ضم الوفد بالاضافة إلى سكرتير الحزب، عضوا المكتب السياسي مفيد الجزائري وزير الثقافة في الحكومة الانتقالية، وجاسم الحلفي القيادي في الحراك المدني، حيث تعد هذه الزيارة الاولى من نوعها، وتم فيها تبادل التهاني والمجاملات وبدت زيارة بروتوكولية لا غير.
لكن جهة ما أطلقت بالون اختبار في الاسابيع الماضية، عبر نشر خبر مفاده «أن زعيم التيار الصدري سيرشح سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي رئيسا للحكومة المقبلة التي ستتمخض عنها نتائج الانتخابات المقبلة». ما أعاد للاذهان كل الاوراق السابقة، ومع تهاوي عدد من قيادات الاسلام السياسي الفاسدة مؤخرا، التي تمثلت بهروب البعض، وإحالة البعض للتحقيق بتهم فساد مليونية، بدت خطوة «الرئيس الشيوعي» مبهرة، حيث مازالت صحيفة الشيوعيين نظيفة لم تلوث بالفساد، فماذا كانت النتائج وردود الأفعال؟
أشارت تسريبات صحافية عن مصدر مطلع في التيار الصدري، قوله إن «الصدر يعتزم ترشيح شخصية شيوعية لشغل منصب رئيس الوزراء المقبل، فيما أشار إلى تكليف علي سميسم للتباحث مع الشخصيات السياسية ضمن مساعي تشكيل الكتلة العابرة للطائفية». وردا على ذلك علق نائب رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري جعفر الموسوي للصحافة قائلا؛ «لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد الأنباء التي تتحدث عن ترشيح الصدر لشخصية شيوعية لمنصب رئاسة الوزراء، وبالتالي فإن هناك مدة طويلة على خوض الانتخابات ولدينا دستور، والسيد الصدر يعلم جيدا بالدستور وكيفية تشكيل الحكومة، وبالتالي فإن المادة 76 التي تنص على أن الذي يرشح للحكومة الكتلة النيابية الأكثر عددا، وبالتالي فإن هذه الأنباء أعتقد أن لا صحة لها».
من جانبه علق رائد فهمي على الأنباء، قائلا «إني تفاجأت بالأنباء التي نشرتها الصحافة ولا علم لي بمدى صحتها، ولا أعلم إذا كانت إجتهادا شخصيا من الصحافي الذي كتب الخبر»، لافتا بالقول إلى أنه «إذا كان هذا الخبر صحيحا فهي ثقة عالية من السيد مقتدى الصدر وموضع اعتزاز لنا». ويبدو واضحا من التصريحين وجود احتمالية تفاهم في الامر لم ينفها الطرفان بشكل بات وقاطع.
وبينما يرى البعض أن التقارب بين الحزب الشيوعي والتيار الصدري هو تحالف تكتيكي ربما يتم استخدامه في افراز كتلة انتخابية ناجحة، يخالفهم الرأي المنتقدون الذين ينظرون إلى مشكلات هذا التحالف التي تغاضى عنها المتفائلون، ويذكرون الشيوعيين بتحالفاتهم السابقة التي جرت الكوارث على الحزب، ولن يكون هذا التحالف مع قوة من قوى الاسلام السياسي التي تعمل وفق مبدأ الولي الفقيه إلا خطوة ستؤدي إلى التنكيل بالشيوعيين وقوى اليسار، كما حصل في بداية الثورة الايرانية. من جانبه اجاب رائد فهمي عن الامر بشكل واضح وبدون مواربة في لقاء صحافي قال فيه مجيبا الصحافي عما دار في لقائه مع الصدر؛ «في اللقاء، اخبرت الصدر أننا لم نأت للتحالف بشأن الائتلافات الانتخابية، بل جئنا للتحدث عن هموم العراق، الاوضاع السياسية والاوضاع الخدمية التي لا تسر، ولدينا تشخيصات كما لديكم تشخيصات ولدينا مشتركات ونحن هنا نتحدث بشأن المشتركات، بعضها موجودة في الحراك من حيث المطالب الخدمية ومحاربة الفساد، وبعضها قد يمتد لمساحات جديدة لم تستوعبها دائرة الحراك حتى الآن، قد تنهض إلى أشكال متطورة ومتقدمة جديدة، ويهمنا ألا يفهم المواطنون أن هذه اللقاءات فوقية، أو لأجل تشكيل تحالفات انتخابية لا يهتم بها المواطن كثيرا، المواطن لا يهتم إن ذهب فلان أو جاء فلان، في المحصلة كيف سينعكس ذلك على حياته، لذا ما يهمنا أن نبحث عما يمس حياة المواطن، وكل ما يتعلق في هذه الامور، ونحن على استعداد للتعاون بشأن الخدمات والأولويات السياسية التي تجعل المواطن هو المستفيد، وكانت هذه النقطة الاولى.
أما الثانية فهي ما حدث خلال 20 شهراً من الحراك هو شيء كبير جعلك تتعدى حجم التيار الصدري، بطرحك مفهوما جديدا بعلاقتك مع المدنيين جسدها جمهورك بالممارسة عن طريق الحراك واللقاءات في المحافظات والمواقع الجماهيرية والأحياء الشعبية، والسلوكيات شهدت انعطافة مهمة ولهذا مغزى أكبر بكثير من المغزى السياسي، إذ كسرنا جدرانا في العقل، جدرانا اجتماعية وثقافية بين المدنيين وغير المدنيين فتحت أفقا جديدا في اللحمة المجتمعية».
إذن نحن ازاء (تحالف) عبر عنه البعض بانه كتلة تاريخية بدون مواربة، والترويج لفكرة ان التيار الصدري، رغم كونه تيارا اسلاميا إلا انه مدني التوجه – خوفا من القول علماني التوجه – وهنا أحب أن اشير إلى رد نصير غدير نعيم الذي كتبه على مدونته في الفيسبوك محذرا من الخلط واللعب على حبال التحالفات السياسية الواهية الذي يمارسه البعض حيث قال؛ لقد تنازع في تسعينيات القرن الماضي تياران في الحوزة العراقية، هما تيار الولاية العامة، التي قال بها محمد الصدر، وتيار الولاية الخاصة الذي تزعمه السيستاني، في 2003 خلَفَ مقتدى الصدرُ، أباه على تيار الولاية العامة، وهو يقول به، ولم يتراجع عنه، وعدل السيد السيستاني عن مبدأ الولاية الخاصة إلى مبدأ الحكم الرشيد، وهو مبدأ قال به الصدر الأول، وطبقه الخميني في حكومة الثورة الأولى، ويقول بقيام ذوي الاختصاص بالشؤون العامة وإدارة مصالح البلاد والعباد، تحت الإشراف الولائي للفقيه، هذا المبدأ يتبناه علناً الآن محمد اليعقوبي، وهو مبدأ الحكم الرشيد. هنا يتضح جلياً كيف أن رجل اسلام سياسي مثل مقتدى الصدر لا يتبنى العلمانية نهائياً، إذ قال بوجوب إقامة حكومة تكنوقراط، لأنه يقول بتسلطه وتسلط الفقهاء عليهم بإنفاذ الشريعة، وهي الولاية الربانية، يعني أن كل ما يقوم به الآن هو تطبيق منهج عمه الصدر الأول وهو الحكومة الرشيدة، وهو بالأخير تمثُّل من تمثلات الولاية العامة التي قال بها أبوه.» فهل يقبل سكرتير الحزب الشيوعي بذلك؟
كاتب عراقي
صادق الطائي
مقال جيد من السيد الطائي ،،شكرا له
عندي ملاحظتين عليه
1-الاحزاب الشيوعيه في كل الوطن العربي قد تلاشى دورها منذ 1990 عند سقوط الاتحاد السوفيتي و الكتله الاشتراكيه ، و ثبت فشل النظريه الاشتراكيه
2-لا يوجد اي مشتركات بين التيار الصدري و الحزب الشيوعي ، عدى انهم عراقيين ، وهذا لايكفي ،لان جميع الاحزاب في العراق هم عراقيين
توجه الصدر هو ديني ، اما الحزب الشيوعي فيرفض الدين في الدستور او القوانين الاجتماعيه ولا يمانع في تدين الاشخاص، وانه يحترم جميع فئات الشعب
ولا اعتقد انه من الممكن ان يكون رئيس الوزراء شيوعي ،لعدم وجود كتله كبيرة تدعمه ، لان التيارات الاسلاميه هي المسيطرة على الشارع العراقي
تحياتي للجميع
اعتقد ان الامر به نوع من الصحة فالاحزاب الاسلامية تدرك الان قبل الانتخابات المقبلة ان بضاعتها التي سوقتها باسم الدين لن تباع مجددا فلهذا تحرك الحكيم وانفصل عن المجلس الاعلى ليشكل قائمة انتخابية جديدة يوهم بها عامة الناس انه ادرك ان المجلس اتباعه فاسدين وهكذا فعل باقي التيارات الاسلامية او الشخصيات اما الصدر فيريد بالرئاسة تاييد الاخرين له ضد الاكراد لان هذا المنصب محتكر لهم مع ذلك يبقى الشيوعيين وباقي الكتل الصغيرة العلمانية هم اصحاب الايادي النظيفة بعكس الاسلاميين
ما هو النمط الغرامشوي