رئيس مجلس الدولة الأسبق يهاجم دستور عمرو موسى لسلبه سلطات رئيس الجمهورية وحقه في تكوين حزب سياسي

حجم الخط
1

القاهرة ـ «القدس العربي» امتلأت صحف السبت والأحد بالكثير من الأخبار والموضوعات المهمة بالنسبة للأغلبية، وكذلك بالنسبة للأقلية، فالأغلبية أصبحت تتابع بقلق موضوعين رئيسين، الأول هل سترسل مصر قوات برية إلى اليمن أم لا؟ والثاني حقيقة الموقف من الإرهاب في سيناء وفي الداخل وأسباب زيادته، وهل هناك أخطاء أو تقصير في مواجهته، وماذا يحدث بالضبط؟ خاصة مع تنامي موجة الغضب من عدم القدرة على القضاء عليه، بعد مرور مدة طويلة على طلب السيسي عندما كان وزيرا للدفاع عام 2013 التفويض الشعبي للقضاء عليه.والقلق أيضا من حجم الخسائر في صفوف الجيش والشرطة.
وجاءت عملية التفجير بجوار إستاد كفر الشيخ ومقتل طالبين من طلبة الكلية الحربية، وإصابة ثلاثة إصابات خطيرة، وما سبقها من هجوميين متكررين على قسم ثالث العريش وتفجيره، لتحدث هزة عنيفة سارع الرئيس إلى محاولة تطويقها بحضوره عرض طلبة الكلية الحربية للياقة البدنية لرفع الروح المعنوية، وتشديده على مواجهة العنف بالعنف. كما عقد اجتماعا مع وزيري الدفاع والداخلية بحضور مدير المخابرات العامة وقادة الجيش والشرطة، لتقييم الموقف ودراسة تطوير أداء الجيش والشرطة لمواجهة الإرهاب .
ومن اهتمامات الغالبية أيضا امتحانات المدارس والجامعات في نهاية العام، وقرب حلول شهر رمضان المبارك، بعد أن بدأ اليوم الأول من رجب أعاده الله علينا جميعا مسلمين ومسيحيين عربا بالخير واليمن والبركات، وتعهد الحكومة بالإقلال لأبعد الحدود من انقطاع التيار الكهربائي، خاصة أن رمضان سيكون في الصيف.
وتعهدت الحكومة من الآن بتوفير المواد الغذائية الأساسية في الأسواق، كما أنها أصدرت قرارا سابقا بمنع استيراد فوانيس رمضان من الصين، لإنعاش الصناعة في مصر. كما تهتم الأغلبية أيضا بمتابعة خطط الدولة في الانتهاء من مشروعات الشقق للشباب وللفقراء، في مشروع المليون وحدة سكنية، الذي تنفذه الدولة والبدء في إنشاء آلاف الوحدات السكنية في مكان العاصمة الإدارية الجديدة، التي ستنفذها شركة إماراتية، واشتراط الحكومة عليها عدم استيراد عمالة أجنبية، لإنعاش شركات المقاولات المصرية وامتصاص البطالة.
كما انصرفت الغالبية عن الاهتمام بالقضايا الاخرى، رغم صخبها العالي مثل مشكلة الأزهر وإسلام بحيري، أو دعوة زميلنا شريف الشوباشي المليونية في ميدان التحرير لخلع الحجاب، أو المعركة التي قامت بعد قرار وكيلة وزارة التربية والتعليم في محافظة الجيزة بحرق كتب كانت موجودة في مكتبة مدرسة فضل المملوكة لأبناء صديقنا العزيز، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان عصام العريان، باعتبار أنها لم تكن مدرجة في كشوف الوزارة، رغم حدوث معجزة كشف عنها في «المصري اليوم» يوم السبت زميلنا الرسام أنور، الذي ذهب بنفسه إلى مكتبة المدرسة ليتأكد مما قرأه فشاهد وسمع عجبا.. شاهد كتابا يتكلم مع زميله ويقول له:
– بلغ عن اللي جنبك وقول عليه كتاب إخواني يمكن يحرقوه ويفضي لنا مكان بدل الزنقة دي .
وإلى شيء من أشياء عندنا….

العدوان على اليمن إعلان وفاة ما سمي بالقومية العربية

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على الأحداث في اليمن و«عاصفة الحزم»، واشتراك مصر فيها من صحيفة «البديل» الأسبوعية، التي عادت للصدور في الإصدار الثاني كل أربعاء تحت شعار «صوت المستضعفين»، وهي تعبر عن جناح ماركسي. وكان الإصدار الأول برئاسة تحرير زميلنا وصديقنا الدكتور محمد السيد السعيد، عليه رحمه الله، في شهر يونيو/حزيران عام 2007، بتمويل من عدد من رجال الأعمال الماركسيين، ثم توقفت عن الصدور، بعد أن تكبدت خسائر بلغت حوالي عشرين مليون جنيه، وهذا الرقم أخبرني به أحد الماركسيين من رجال الأعمال الذين ساهموا في دعمها، وكان زميلا وصديقا لي منذ أيام الدراسة في المرحلة الإعدادية في مدرسة جمعية الإيمان القبطية في جزيرة بدران في القاهرة، ثم استمرت في شكل موقع إلكتروني، إلى أن عادت النسخة الورقية للصدور، ويرأس مجلس إدارتها محمد الصبان والتحرير زميلنا محمد زيادة، وقد ذكّرنا من تناولوا قضية اليمن فيها بموقف الأحزاب الشيوعية من قضية فلسطين وحرب عام 1948، عندما اعتبروها حربا بين البرجوازية العربية والصهيونية من جانب، ضد البروليتاريا العربية واليهودية وعداؤهم للقومية العربية كان واضحا.
وهو ما وضح في ما كتبه البعض منهم في عدد الأربعاء الماضي فقال محمد صلاح: «يعتبر أبرز دروس العدوان على اليمن هو إعلان وفاة ما سمي قديما بالقومية العربية، فقبل انعقاد القمة العربية بأيام أعلنت المملكة منفردة إطلاق «عاصفة الحزم»، وسط مباركة من حلفائها بالطبع، لم يخرج موقف القمة العربية عن الموقف نفسه، كان الموقف المصري من الحرب درسا وحده في علوم السياسة، ولا يفكر سوى في تسول الدولارات لسد حاجات الشعب. بالطبع لن يكون له قرار مستقل، فنظام 3 يوليو/تموز يرتكز على شبكة مصالح من رجال الدولة والإعلام، تعلمت المملكة كيفية استغلالها، واستطاعت أن تمد نفوذها داخلها بعد أن أغدقت عليهم من أموال النفط خلال موجة الثلاثين من يونيو/حزيران».

خمسون ألفا من قوات السيسي تشارك في تدمير اليمن

أما صاحبنا محمد السيد الطنطاوي فقال بدوره في «البديل» ايضا، وقد أدهش العالم كله بمعلوماته التي انفرد بها عن عدد القوات البرية المصرية التي تقاتل في اليمن: «ما ذنب اليمن التعيس لكي يرسل السيسي إليه خمسين ألفا من قواته، تشارك في تدمير ما تبقى منه؟ في كلمة له بعد اجتماعه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة قدم حجتين، الأولى تأمين باب المندب. والثانية حماية أشقائنا. أما الإجابة المسكوت عنها في أن اليمن بلد فقير لا يملك من «الرز» قدرا كافيا، لدفع حاجة السيسي إليه، بينما السعودية ودول الخليج صاحبة المصلحة الرئيسية في الحرب تملك أشولة منه. باب المندب ممر للتجارة العالمية تحرسه أساطيل الدول العظمى، وليس في مقدور الحوثيين ولا غيرهم أن يهددوه. وأشقاؤنا في الخليج لم يعتد اليمن، أو أي طرف ينتمي إليه على دولة من دوله».
والرز الذي يعنيه هنا هو الفلوس وهو يذكرنا بالفيلم السينمائي القديم، «لو كنت غني» بطولة بشارة واكيم وعبد الفتاح القصري ومحمد الديب وسعاد حلمي، عندما أطلق القصري على الفلوس وصف كتاكيت.

لولا البرلمان لسقطت باكستان في المستنقع اليمني

وبعيدا عن رز السعودية وكتاكيت القصري إلى يوم الخميس وجريدة «الشروق» اليومية المستقلة وزميلنا أشرف البربري وقوله يغمز خالد الذكر: «لكل هؤلاء الذين استخف بهم الشوق إلى الاستبداد وحكم الفرد، فأخذوا يتحدثون ويقللون من أهمية وجود برلمان للبلاد، ما دام الله أنعم علينا برئيس للجمهورية منتخب بأغلبية غير مسبوقة، ويتمتع بشعبية واسعة رغم تزايد معاناة المصريين اليومية بسبب فشل الحكومة.
نقول انظروا إلى باكستان، حيث أنقذ البرلمان البلاد من السقوط في الفخ اليمني، عندما رفض بالإجماع التدخل العسكري المباشر في الحرب الدائرة في اليمن، فلولا البرلمان لوجد رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف صعوبة كبيرة في رفض الاستجابة لحلفائه السعوديين، خاصة أن أيادي السعودية على باكستان بشكل عام وعلى نواز شريف نفسه بشكل خاص واضحة للجميع. لو كان هو صاحب السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما هو الحال عندنا، لربما اندفع في اتجاه المشاركة العسكرية من دون ترو ولا حسيب، فيجد الجيش الباكستاني نفسه وقد سقط في ما اتفق أغلب المحللين على اعتباره مستنقعا لا نجاة لمن يسقط فيه».

استعادة وقائع التاريخ لاستلهام الدروس والعبر

ونغادر «الشروق» إلى «الأخبار» حكومية في اليوم نفسه، وزميلنا وصديقنا الأديب جمال الغيطاني، واستمراره في معارضة إرسال قوات برية لليمن، وقوله في عموده اليومي «عبور»: « أعلن العميد محمد سمير المتحدث العسكري أنه لا توجد قوات برية مصرية في العمليات الدائرة تحت اسم «عاصفة الحزم»، وبيانات المتحدث العسكري دقيقة. أثق فيها ثقتي في القيادة العليا للقوات المسلحة وتقديراتها بالقياس إلى المصلحة الوطنية أولا والواجب القومي في إطار الظروف الخاصة بمصر ومقتضيات مفهوم الأمن القومي الآن، وفي إطار دروس الماضي المؤلمة. أؤكد أن استعادة وقائع التاريخ ليست لمجرد الحكي، إنما لاستلهام الدروس والعبر الآن. بعد صدور بيان المتحدث العسكري أجد أن المبرر الأخلاقي لمناقشة التدخل البري قائم، عندما يعلن المتحدث عن وجود قوات تحارب في اليمن لنصمت احتراما للجيش الذي يحارب وقوامه اشقاؤنا وأبناؤنا. ونحمد الله أن الظروف تمكننا الآن من الحوار وإبداء الرأي. فقد اتخذ قرار التدخل في اليمن عام 1962 بدون أي مناقشة، لا برلمانية ولا شعبية، وكان ذلك بناء على نصيحة وتقرير من أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة، وبدأ الأمر بستمئة جندي وسرعان ما ارتفع التورط حتى بلغ عشرات الألوف، ومع كل احترامي لما أبداه السيد سامي شرف، فإن درس التاريخ النهائي يؤكد أن الحملة إلى اليمن انهكت الجيش، وكانت البوابة الأساسية إلى هزيمة يونيو/حزيران 1967 التي لا تقارن بها إلا هزيمة السلطان الغوري في مرج دابق 1517. ولا تقنعني أي مبررات عن تحرير اليمن وإخراجه من القرون الوسطى. ولولا هبة الشعب المصري في التاسع والعاشر من يونيو لدخلت مصر تماما إلى القرون الوسطى. إنني أرجو قراءة شهادة الفريق عبدالمنعم خليل التي ضمنها كتابه «حروب مصر المعاصرة» ونشرتها جريدة «الشروق» مؤخرا، هذا القائد العظيم حارب في اليمن، ولديه رؤية متجردة نقية، كأقطاب الصوفية، أساسها المصلحة الوطنية، لنقرأ شهادته بدقة ولنصغ إليه وإلى القادة الذين حاربوا هناك. يلفت نظري التناقض بين ما جاء في رد سامي شرف وشهادة الفريق عبدالمنعم. يقول الأول إن القوات لم تزد على ستين ألفا، ويقدرها سيادة الفريق بمئة وخمسين ألفا، وأن المبلغ الذي انفق على اليمن لا يزيد على خمسمئة مليون جنيه، كما قال السيد سامي شرف، أرجو ملاحظة أن السد العالي، تكلف أربعمئة مليون جنيه، وأن الدولار في بداية الستينيات كانت قيمته سبعة وثلاثين قرشا، لنا أن نتخيل لو أنفق المبلغ علي تنمية الصعيد بدلا من الحرب في اليمن. التناقض في الشهادتين يثير قضية الوثائق الخاصة بحروب مصر، غير أن ما كتبه الفريق عبدالمنعم خليل من شهادة واقعية حافلة بتفاصيل مؤلمة حوى تساؤلا يلخص مأساة التدخل في بداية الستينيات في اليمن. يقول القائد المحارب إن رجاله من جنود المظلات وضباطها كانوا يسألونه: «لماذا نحارب هنا»؟
هل من مجيب على هذا السؤال، هل من متأمل له قبل التدخل في حرب تتضمن بعدا طائفيا؟ جيشنا لم يخرج بعد إلى بر اليمن فلنتساءل قبل أن يمر الزمن ويجيء من يسأل في المستقبل لماذا صمتوا».

هل تدخل مصر في اليمن أحد أسباب هزيمة يونيو 67؟

والحقيقة أن التكلفة المالية للحرب كانت موضع خلاف، سواء بالزيادة أو النقصان عن الرقم الذي حدده صديقنا العزيز سامي شرف، كذلك فإن اعتبار التدخل في اليمن كان من أسباب هزيمة يونيو/حزيران 1967 لا يمكن التسليم بها بسهولة، حتى لو كانت صادرة عن قادة عسكريين كبار شاركوا فيها أو تابعوها عن قرب، لأن المحاكمات العسكرية التي حدثت بعد الهزيمة لعدد من القادة العسكريين في الجيش والطيران لم تتطرق إلى هذا السبب، وإنما انحصرت في الإهمال في الاستعدادات، خاصة بعد تحذيرات الرئيس عبد الناصر في الثاني من يونيو/حزيران عام 1967، أثناء الاجتماع العسكري من هجوم جوي إسرائيلي متوقع في ظرف ثلاثة أيام على القواعد الجوية أولا، وطالب قائد الطيران الفريق صدقي محمود بالاستعداد في تلقي الضربة الأولى، وأن تكون الضربة الثانية لنا، وسأله عن احتمالات الخسائر والتحذير ثابت، وقد أكده لي صديقنا المرحوم صلاح نصر مدير المخابرات العامة، والأب الروحي للجهاز الذي كان حاضرا الاجتماع، ولأن التحذير الذي أبلغه خالد الذكر للقادة كان تقريرا من المخابرات العامة مقدما منه، كما أخبرني بالواقعة أيضا صديقنا المرحوم الفريق محمد أحمد صادق، مدير المخابرات الحربية وقتها ورئيس الأركان، ثم وزير للدفاع والقائد العام للجيش بعد ذلك، وقال لي إنه بعد الاجتماع حذر قائد الطيران الفريق صدقي محمود من أن وضع الطائرات في القواعد الجوية مكشوف ويسهل ضربها، وطالبه بإخفائها، لكنه استهان بالتحذير، أيضا من الوقائع الثابتة أن الرادار المصري الذي كان موجودا في منطقة عجلون في الأردن، وكان هناك المرحوم الفريق عبد المنعم رياض، قائدا للقوات الأردنية والمصرية، رصد صباح الخامس من يونيو الطائرات الإسرائيلية بعد قيامها متجهه إلى مصر على ارتفاع منخفض فوق البحر الأبيض المتوسط، وأرسلت تحذيرا بالشيفرة، واتضح أنه تم تغيير الشيفرة من دون إعلام محطة عجلون، واستغرق الأمر وقتا حتى يتم حلها، بالإضافة إلى أن دورية الطائرات المصرية قبل الثامنة صباحا كانت قد انتهت، ولم تعد هناك طائرات في السماء على استعداد لمقابلة الطائرات الإسرائيلية، أيضا كان قد صدر أمر تقييد لقوات الدفاع الجوي، لأن طائرة كانت تقل كلا من حسن الشافعي ورئيس وزراء العراق طاهر يحيى في طريقها للإسماعيلية، ولهذا دمرت الطائرات الإسرائيلية الطائرات والمطارات بسهولة، وبذلك تكون المعركة قد تم حسمها، لأن القوات أصبحت من دون غطاء جوي، ولو أنه تم فك شيفرة محطة رادار عجلون بسرعة، ولو كانت الدورية الجوية الثانية في الجو لأمكن مواجهة الهجوم الجوي الإسرائيلي، أو إحباطه أو التقليل كثيرا من الخسائر، بالإضافة إلى ذلك فإن نخبة الفرق المدرعة لم تكن في اليمن، أي لا يمكن هنا القول بسهولة إن وجود القوات في اليمن كانت السبب في هزيمة يونيو/حزيران، اللهم إلا إذا ثبت أنها ابتلعت ميزانية تطوير الدفاعات الجوية، خاصة توفير شباك ومعدات كانت مطلوبة لنشرها على أرض أي مطار يتم ضرب ممراته، حتى لا يعوق استعماله، وكذلك عدم توفير الأموال اللازمة لتجهيز حظائر جديدة للطائرات، أو للتدريب والمناورات لرفع كفاءة القوات، والله أعلم، ولست خبيرا عسكريا، لكنني أتحدث عن وقائع منشورة علنا لقادة عسكريين، كانوا على صلة مباشرة بما حدث، كل هذا مضافا إليه فوضى القيادة وعدم كفاءتها، والأخطر أنه لم يتم أخذ الأمر بشكل جدي وبتخطيط مسبق للإعداد للحرب، وإنما فهم الجميع حشد القوات في سيناء على أنه عملية سياسية لتخفيف التهديدات على سوريا، ولأن إغلاق خليج العقبة الذي كان مبرر إسرائيل لشن الحرب، لم يكن مخططا له، لأن مصر لم تطلب سحب قوات الطوارئ الدولية من شرم الشيخ، إنما طلبت سحبها فقط من الحدود مع إسرائيل، وهو ما رفضه الأمين العام للأمم المتحدة وقتها يوثانت وسحب القوات كلها، وبالتالي اضطرت القوات المصرية إلى أن تحل محلها، وأصبحت مصر أمام مأزق خطير جدا، وهو إما أن تترك السفن الإسرائيلية تمر أمامها إلى ميناء إيلات وقادمة منه، وهي ترفع علم إسرائيل في المياه الإقليمية المصرية، أو تمنعها، خاصة أن خالد الذكر تعرض إلى حملات بأنه خائف من إسرائيل فكان قرار منع الســــفن الإسرائيلـــــية من المرور وإلغاء اتفاق عام 1956 برعاية أمريكية، وهو أن تنســحب القوات الإسرائيلية من سيناء وغزة التي كانت قد احتلتها في العدوان الثلاثي، الذي شاركت فيه مع بريطانيا وفرنسا بعد تأميم مصر شركة قناة السويس بشرط السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور من مضيق شرم الشيخ إلى ومن ميناء إيلات، ووجود قوات تابعة للأمم المتحدة في المنطقة لضمان تنفيذ الاتفاق. وفي حقيقة الأمر فأنا لا أذكر هذه الوقائع الثابتة والمنشورة لتبرير إرسال قوات برية لليمن مرة أخرى وإنما لتوضيح بعض جوانب من الصورة.

الحل السياسي في اليمن هو الأمثل

وعلى كل حال فقد تناول الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه القضية في كلمته التي ألقاها يوم الجمعة ونشرتها صحف السبت أثناء لقائه مع أعضاء هيئة التدريس في الكلية الحربية وطلبتها وقوله بالنص: «الحل السياسي في اليمن هو الأمثل، خلال الوقت الراهن، لا أتخذ قرارا منفردا وكل قراراتي في صالح أمن وسلامة الوطن، وأن مصر أرسلت قوات جوية وبحرية فقط للمشاركة في «عاصفة الحزم» ولو تم إرسال قوات أخرى سيتم الإعلان عن ذلك».

«المركب التي بها رئيسان تغرق»

وفي يوم السبت أيضا نبه المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق في مقال له في جريدة «الوفد» إلى أن سلطات رئيس الجمهورية في الدستور أصبحت محدودة ومقيدة لدرجة تعيقه عن الحركة، وطالب بإدخال تعديل على المواد التي تقيده بدءا من المادة 152 إلى المادة 172 ومما قاله: «هذه الأحكام تؤدي إلى أن يكون الرئيس ضعيفا في القدرة على رسم السياسات العليا للبلاد، ومتابعة تنفيذها بممارسة السلطات اللازمة والضرورية للمحافظة الفعالة على أمن وسلامة البلاد، بالنقيض للقسم الذي يحلفه لممارسة اختصاصاته، وفضلا عما سبق فقد نص الدستور على أنه يحظر على رئيس الجمهورية أن يكون له أي منصب حزبي، وبذلك حرم الدستور الرئيس من أن تكون له قاعدة شعبية، رغم انتخابه مباشرة من الشعب بأغلبية كبيرة. وليس مفهوما كيف يمارس الرئيس السياسات العليا للدولة، من دون أن يكون له حزب ينتمي إليه، ولا أعرف ثمة دولة ديمقراطية في العالم يحرم على الرئيس أي نشاط حزبي أو انتماء إلى حزب يؤيد سياساته، ومن المؤكد أن هذا الإضعاف والتقييد للسلطات السيادية الرئاسية تجعل إدارة شؤون الدولة محل تعويق وتعطيل في حالة وجود خلاف أو تناقض بين الأغلبية في مجلس النواب، أو عدم التزام رئيس الوزراء بأي أمر يدخل في السلطات الرئاسية، التي يتعين أن يتمتع بها الرئيس ويؤدي هذا الوضع الشاذ إلى نشوء نزاع على السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس النواب، وهو أمر خطير، إذ يجب أن تكون هناك وحدة في السلطة الرئاسية بالدولة، والمثل المصري يقول بحق «المركب التي بها رئيسان تغرق»، وسوف تتضح خطورة هذا الاعتداء على سلطات رئيس الدولة في مواد الدستور من قبل السيد عمرو موسى ولجنة الخمسين، بعد انتخاب النواب المقبل، وسوف يتبين حينئذ بالتأكيد حتمية معالجة هذا التضييق غير المبرر لسلطة رئيس الدولة، بتعديل أحكام الدستور المذكور بما يعيد التوازن بين سلطات رئيس الدولة والسلطة التشريعية».

لا تتركونا أسرى بيانات مواقع الإرهاب المضللة

ومن مشكلة إرسال قوات برية إلى اليمن إلى مشكلة أخرى بدأت تكبر، بسبب توالي العمليات الإرهابية في سيناء وفي الداخل، والشكوك بوجود تقصير لمواجهتها، فوجدنا زميلنا وصديقنا حمدي رزق يقول يوم الثلاثاء في عموده اليومي في «المصري اليوم» (فصل الخطاب): «في أول فبراير/شباط الماضي وجه الرئيس السيسي حديثه إلى الفريق أسامة عسكر، قائد القيادة الموحدة لمنطقة القناة، خلال ندوة لرجال الجيش والشرطة في مسرح الجلاء قائلا: «أنا أشهد الناس عليك يا أسامة، أن أحداث سيناء الإرهابية لا تتكرر مرة أخرى وأنت المسؤول أمامي وأمام المصريين عن أن هذا الحادث لا يتكرر مرة أخرى». الأحداث الإرهابية في سيناء تكررت دامية صباح الأحد الأسود، نثق في قدرات قيادة وأبطال قواتنا المسلحة، ولكن تكرار الحوادث بالكيفية نفسها وبالطرق الخسيسة نفسها في ظل القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة، وتحت قيادة عسكرية بحجم الفريق أسامة عسكر يورثنا قلقا على قلق.
وحرب نفسية قذرة في سلسلة فيديوهات مجرمة هدفها إحباط معنويات شباب العسكرية المصرية بإعدامهم علانية في الخلاء، كل هذا وأكثر حرب تلفزيونية معلنة تقابلها بيانات غامضة جامدة من المتحدث العسكري لا تشفي غليلنا إلى الثأر، ولا تسد جوعنا إلى الحقيقة تورثنا حيرة ثقيلة أليس لهذا الليل من نهاية؟ كلنا ثقة في كفاءة القيادة الموحدة عسكر ورجاله، وبذلهم الغالي من الدماء فداء، ولكن ما يجري في سيناء يحتاج إلى استجلاء إلى بيان يومي بالعمليات صوتا وصورة، كما في «عاصفة الحزم»، وإلى فيديوهات بالانتصارات المتحققة، لا تتركونا أسرى بيانات مواقع الإرهاب المضللة وفيديوهات عصابة ولاية سيناء المحبطة ردوا عليهم بحقائق العمليات على الأرض».

إبراهيم عيسى: حرب طويلة جدا في سيناء

وفي يوم الثلاثاء نفسه قال رئيس تحرير جريدة «المقالة» زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى : «يجب ألا يطلق الرئيس والجيش وعودا عن القضاء على الإرهاب لن تتحقق، فالقضاء البات على هذه الجماعات وتلك العمليات سيستغرق سنوات، إذ أنها حرب طويلة جدا في سيناء، ولن تنتهي بتعليمات من السيد الرئيس للفريق أسامة عسكر، ولا بعزيمة جبارة من الفريق أسامة عسكر فقط، وإنما حين تتخلى الدولة عن تكليف الموظفين والجنرالات فقط بالحرب ضد الإرهاب. وأرى إخلاصا وطنيا مذهلا في محاربة الإرهاب، لكنه لن يكفي طالما يديره موظفون وجنرالات بدلا من وجود أصحاب الفكر والخيال في الصف الأول لمحاربة الإرهاب، أعضاء مجلس الدفاع الوطني مسؤولون كبار، لكنهم ليسوا بالضرورة العقول النابهة الوحيدة في مواجهة الإرهاب تخلصوا من منطق أهل الثقة والولاء الوظيفي فقط، وافتحوا المعركة لأصحاب الخيال الجديد والمختلف».

ما بين سيناء وصنعاء لم يتبق لنا سوى البكاء

وإلى «الأخبار» الحكومية يوم الخميس وزميلنا محمود كامل وقوله: «ما بين سيناء وصنعاء لم يتبق لنا سوى البكاء. في سيناء، لا ينكر منصف أن ثمة تقصيرا شديدا يتلمسه القاصي والداني في ما يحدث على أرضها، ولأن أي حرب على الإرهاب هدفها بالقطع القضاء عليه، لا أن يتوسع في عملياته، لم تعد حجة الحرب على الإرهاب كافية لتضميد جراح أب ملكوم وأم ثكلى فقدت ابنها المجند أو الضابط.
منذ شهور ليست بالبعيدة اختار الشعب رئيسا ذا خلفية عسكرية، طالبا الأمن والأمان الذي افتقده خلال عهد المعزول مرسي. اختار الشعب رئيسا ذا خلفية عسكرية طالبا القصاص لدماء الجنود الذين سقطوا شهداء في سيناء وقت حكم الإخوان، لكن نزيف الدماء في سيناء ما زال مستمرا، يجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ونصمت عما يحدث من تقصير في سيناء وإلا دفعنا الثمن غاليا».

الإرهاب في سيناء لشد الانتباه بعيدا عن اليمن وليبيا

لكن زميلنا جلاء جاب الله رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير الحكومية التي تصدر «الجمهورية» و»المساء» ورئيس تحرير جريدة «عقيدتي» الدينية التي تصدر عن الدار طمأنه بأن قال في اليوم نفسه: «المحاولة الثانية لتفجير قسم ثالث العريش خلال 72 ساعة فقط دليل على أن الإرهاب يلفظ أنفاسه، ويحاول الخروج من أزمته كما أن كل المحاولات الإرهابية التي نشطت مؤخرا في سيناء تعني أن ما يحدث في سيناء ليس بعيدا عن اليمن وليبيا وسوريا، وأن هناك علاقة شيطانية ما تربط كل الإرهابيين باسم الدين وتحت شعارات إسلامية.
نشاط الإرهاب في سيناء الذي يصل إلى حد محاولات ضرب المكان نفسه في ثلاثة أيام فقط مرتين، يعني أولا أنه يلفظ أنفاسه ويبحث عن مخرج، ويعني ثانيا أنه يحاول شد اهتمام الجيش المصري والقيادة المصرية ناحية سيناء، بعيدا عن اليمن أو ليبيا، لأن الجيش المصري هو الجيش الأقوى والحمد لله في المنطقة، وهو القادر بعون الله على مجابهة ومواجهة الإرهاب هنا وهناك، وحتى لا تتواصل الضربات المصرية نحو إرهاب اليمن أو نحو الإرهاب في ليبيا، كان لابد أن تصل التعليمات إلى سيناء بزيادة اعمال الإرهاب لشد الاهتمام المصري بعيدا عن الحزم والحسم في اليمن وليبيا، وبعيدا عن محاولات البحث عن حل سياسي في سوريا».

عباس شومان: إذا كان هناك
خروج عن خط الأزهر تجري المحاسبة

وأخيرا إلى الإسلاميين ومعاركهم فقد اكتشفت أن لديّ مخزونا منها لابد من تصريفه قبل أن يصيبه التلف مثل الحوار الذي أجرته زميلتنا الجميلة في «البوابة» اليومية المستقلة الشيماء عبد اللطيف يوم الخميس قبل الماضي، مع وكيل الأزهر والأستاذ في جامعة الأزهر ورئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر الدكتور عباس شومان وقوله لها:
«ملف التعليم الأزهري بالفعل لدينا أكثر من ثمانية مدرسين ينتمون إلى جماعة الإخوان، ونحن أعلنا ذلك أكثر من مرة، ونرفض التعامل مع نوايا الناس، وإنما نتعامل مع أدائهم، فإذا كان هناك خروج عن خط الأزهر تجري المحاسبة، وهناك عملية متابعة دقيقة لهذا الأمر والعقاب متفاوت نقل أو فصل، فإذا ثبت أن أحدا تم إلقاء القبض عليه يتم فصله، وقد تم اتخاذ إجراءات عقابية ضد خمسمئة قيادي في المعاهد تتفاوت مناصبهم بعد عملية متابعة دقيقة، وهناك تنسيق مع الجهات الأمنية لضبط العملية التعليمة داخل المعاهد والجامعة.
الطالب ليس له ذنب في شيء وما دام لا يؤذي أحدا أو يلجأ إلى العنف فلن يتم التعامل معه بمكروه، أما غير ذلك فالجهات الأمنية مسؤولة عن الأمر، فإذا أصدر القضاء حكما بإدانة أحد الطلاب يتم فصله..».

سياسة وليس فقها

وأخيرا الى بعض مما كتبه الكاتب فهمي هويدي في «الشروق» يوم أمس الأحد في مقاله الذي عنونه بـ»سياسة وليس فقها»: «يوم الأحد الماضي (12/4) قال رئيس محكمة جنايات القاهرة إن مفتي مصر أيد إعدام 13 متهما في قضية غرفة عمليات رابعة، معتبرا أنهم حاربوا الله ورسوله ومن ثم استحقوا أن يطبق عليهم حد «الحرابة». وفي اليوم نفسه بث التلفزيون السوري فتوى أصدرها مفتى سوريا دعا فيها إلى التدمير الكامل لمناطق المعارضة بعدما وصف المنخرطين فيها بأنهم أعداء الله.
للدقة فإنني لم أطلع على نص كلام مفتي مصر، لكن رأيه لخصه المستشار محمد ناجي شحاتة قاضي الموضوع، وسمعته بأذنى في أحد البرامج التلفزيونية التي جرى بثها يومذاك، ولاحظت أن أحد الصحافيين الكبار استشهد به واعتبره أحد أقوال الأسبوع (الأهرام 18/4). كما لاحظت أن المفتي شوقي علام لم يعقب على ما نسب إليه لا توضيحا ولا تصحيحا خلال الأيام الخمسة التالية. لذلك اعتبرت صمته من علامات الموافقة والرضا. أما كلام مفتي سوريا أحمد حسون فقد تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، وأشارت إليه جريدة الحياة اللندنية (عدد 16/4) في تقرير كان عنوانه «مئة غارة على حلب بعد فتوى أحمد حسون».
ليس لدي كلام عن الموضوع في الحالتين، لا في قضية غرفة عمليات رابعة ولا في الصراع الذي دخل عامه الخامس في سوريا بين المعارضة والسلطة، لكن كلامي ينصب على أمرين محددين، الأول هو توظيف الأحكام الشرعية. والحدود عند اللزوم، في تسويغ الإعدام في الحالة الأولى. وفي تدمير وتصفية المعارضة في الحالة الثانية. أما الأمر الثاني فهو التلاعب بالمصطلحات الشرعية وتأويلها بما يحقق للقرار السياسي مراده. ما تمنيت أن يزج بلفظ الجلالة في الحالتين، بحيث يوصف الذين قاوموا السلطات في رابعة بأنهم حاربوا الله ورسوله، أو أن توصف جماعات المعارضة السورية التي خاصمت النظام بأنها ضمن أعداء الله، ثم أنني لا أستطيع أن أحسن الظن بانتقاء حدِّ الحرابة من بين كل الحدود الشرعية وإشهاره في قضية بذاتها، في ظرف سياسي معين. صحيح أن المفتيين في كل من مصر وسوريا من موظفى الدولة، وهو ما يفرض عليهما سقفا مفهوما في إبداء الرأي ــ لكن مجاملة السلطة لا ينبغي أن تصل إلى حد وصف الصراع السياسي في الحالتين بأنه حرب على الله ورسوله، أو أنه عداء لله سبحانه وتعالى….»

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mohamed lakhdar:

    مادامت مصر تحت سلطة الانقلابيين الدمويين فكل ما يصدر منهم يفتقد الى الشرعية .

إشترك في قائمتنا البريدية