رانيا الترك: الكتاب المصور يشجع القراءة المشتركة بين الطفل والأهل

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: ليس لأم تتمتع بخيال واسع وقدرة تجسيد صوتية مقبولة أن يرهقها طفل أو يجعلها تخرج عن طورها. علاج الأطفال الناجع القصة، وعبرها تستطيع الأم البصيرة إحداث التغيير الذي ترغبه في طفلها. ليست القصة علاجا يسبق النوم فقط، بل حاجة مستدامة على مر اليوم. لم تكن القصة يوماً غائبة عن التاريخ الإنساني ومنذ أقدم العصور، لكنها على الدوام تمثل البيئة والمرحلة التي انبثقت منها. وهذه القصة تطورت مع تطور مفاهيم الحياة وبخاصة التربوية والنفسية منها. وهي دائمة التغيير وفق ما يحققه عقل الطفل من ادراك ناتج عن ما يسجله العلم من تقدم في محيطه ينعكس عليه، وعلى متطلباته.
تحمل القصة في أبعادها حافزاً أو محركاً سمعياً ونفسياً، وهي كذلك وسيلة معرفة عن كل ما يدور في محيط الأطفال. كما أنها تغني الخيال وتثير الأسئلة. عصرنا هذا أعطى قصة الأطفال مساحة واسعة وهي صارت متواجدة بشكل لافت في المكتبات. كما أن عالمنا حتّم على كتّاب قصة الأطفال أن يكونوا بمستوى وعيهم الذي ينمو بشكل مذهل. هذا الوعي دفع بالاختصاصية في كتب الأطفال رانيا الترك إلى إصدار القصة المصورة. بات للطفل أو والديه التركيز على الصورة واستنباط القصة من خلالها. حديثاً أنشأت الترك دار نشر «حكايات» في العاصمة الأردنية عمّان، وتنشر قصصاً غير مصحوبة بالكلمات، فللحكاية تسلسلها عبر الصورة. تقول: نتوجه للفئة العمرية من صفر إلى ست سنوات. هو كتاب مصنوع من الكرتون المقوى، يتضمن تفاعلاً على الطفل أن يقوم به، كأن يرفع «طية» ويكتشف ما تحتها. وقد تتضمن الصفحة لغزاً يحتاج بحثاً لإيجاده. إذا هو كتاب وفي الوقت عينه لعبة موجهة. مثالا كتاب «بيت ستي» يجمع بي لعبة ألغاز، وتعلم الطفل المصطلحات المتعلقة بالمنزل. وخلال بحثه عن علبة السكر سيكتشف أنها في الخزانة، وتالياً يعرف محتويات الخزانة الأخرى.
تشرح رانيا الترك ماهية تركيزها على الفئة العمرية من صفر إلى ست سنوات: هي مرحلة في غاية الأهمية لجهة النمو اللغوي للطفل وهذا ما يحققه في المنزل. فبعد عمر الست سنوات سيتعلم القراءة في المدرسة. كمختصة في كتب الأطفال وجدت فجوة في المكتبة العربية تتعلق بهذا العمر. يركز الكتّاب على الطفل الذي يقرأ، والذي يعلمه ذووه أو مدرسته تشجعه على القراءة. لهذا كان الكتاب المصور تشجيعاً للقراءة المشتركة بين الأهل والأطفال، وكي يحب الطفل الكتاب قبل الطلب منه القراءة بالعربية الفصحى. لغتنا تتألف من محكية وفصحى والمصطلحات المشتركة بينهما 40 في المئة. وهذا ما يشكل فجوة. نحكي سنوات مع الطفل وعندما نقرأ له كتاباً سيجد المسافة بين المحكي والمقروء كبيرة. لهذا لن تكون صلته بالكتاب العربي هي عينها بالكتاب الإنكليزي أو الفرنسي، حيث اللغة المسموعة والمقروءة واحدة. لهذا وجدت من الأفضل تفاعل الطفل مع الكتاب بلغته الخاصة التي تعلمها في بيته قبل أن يصبح على تماس مع اللغة الفصحى. طبعاً لن نقول أن الكتاب المصور يغني عن المكتوب، تواجدهما معاً ضروري.
من سيقرأ الصورة الأهل أم الأطفال؟ لا شك هم الأهل في العمر الأول للقراءة والذي يبدأ من ستة أشهر. وتضيف الترك: في قصصنا سيناريوهات قريبة من حياتنا اليومية، كأن تتضمن الصورة ركوة قهوة، سجادة من تراثنا وغير ذلك. هذا القرب من الحياة اليومية جعلنا نكتشف قدرات كبيرة لدى الأطفال الذين يتكلمون في قراءة محتوى الصورة. ليس هذا وحسب، بل يضيفون إلى الصورة ما غفلت نقله عن محيطهم. وهكذا يشعر الطفل بأن الكتاب الذي بين يديه ملكه الشخصي. ومن خلال المتابعة تبين لنا أن الأطفال في عمر الأربع سنوات هم من يتعلقون بالكتاب المصور. هذا الطفل لم يتعلم القراءة، لكنه شديد الرغبة برواية القصة تماماً كما تفعل والدته، فيجد في القصة المصورة ملعبه.
بعيداً عن القصة المصورة تجيب رانيا الترك على أسئلة الأهل المتعلقة بكيفية اختيار الكتاب الأفضل لأطفالهم لتغذية الخيال والخلاص بقيمة تربوية: تصفح الكتاب من البديهيات، وليس الاعتماد على الثقة في دار النشر أو في الكاتب وهذا ما يؤمن اختيار الملائم لاهتمامات طفلهم. دون عمر السنة اختيار كتب من كرتون مقوى وصور واضحة معززة بوجوه سواء مصورة أو مرسومة لأنها مفضلة لدى الطفل، مع عدد كلمات قليل. علم التربية ينصح باختيار كتب رسومها بالأبيض والأسود، إنما اصداراتنا العربية تفتقدها كلياً. سبب هذه المفاضلة أن الألوان تتركز بعد عمر الستة اشهر لدى الطفل وتزداد بالتدريج. وكلما كبر الطفل تزداد كلمات الكتاب، ويتنوع النص بتنوع حياته، كأن يتم اختيار كتاب يتحدث عن المدرسة عندما يحين موعد دخولها. عن الفصول في أوانها. إذ من المهم أن يربط الطفل الكتاب بمحيطه ومجريات حياته.
لا ترى رانيا الترك ضرورة للعبرة أو الموعظة في الحكاية. وتقول: المطلوب قصة بعيدة عن السلوك المؤذي. يمكن للقصة أن تكون مضحكة دون الحاجة لسبب مضاف. أو قصة تساعد الطفل على التفكير بالنوم في نهاية النهار. من تجربتي مع طفلتي قراءتي لكتاب مترجم يحمل عنوان «البقرة التي باضت» صادر عن دار العلم للملايين، تبهجها للغاية. إنها البقرة التي ساعدها الدجاج، فوضعوا لها بيضة. لم تصدق البقرات الأخريات أنها منها. تفتح البيضة وإذ به صوص يصرخ مو..مو..مو… هي قصة خيال مضحكة للأطفال. عنصر التسلية مهم للأطفال.
تشير رانيا الترك إلى نهضة ملموسة في كتب الأطفال ظهرت في السنوات الخمس الماضية. وتقول: نصيحتي لمن يسألني عن الكتاب الأفضل للطفل اقتناء كتب فاطمة شرف الدين دون كثير من البحث والتبصر في المحتوى. لديها الكثير من الكنوز منها «تاه حماري». وفي لبنان الكثير من المواهب في الكتابة وفي الرسم. إنما كتاب الطفل في عالمنا العربي عالي الكلفة، ونسبة الطبع متدنية وكذلك الطلب، بخلاف الغرب.
بالنظر إلى حضور التكنولوجيا المتطورة لدى والأهل وبالتالي الأطفال ما هو التغيير الملموس في سلوكهم؟ تقول الترك: بدأ التغيير في سلوك الأهل. هم باتوا يفضلون إلهاء الطفل بفيديو بدل قراءة قصة. افهم عمق الضغط الذي تعيشه الأم خلال يومها. لكن ليس مستحباً أن يكون الطفل دون عمر السنتين على تماس مع التكنولوجيا. وتحت عمر السنة ليس مفترضاً أن يلمس حتى الهاتف المحمول أو غيره. بعد عمر السنة الحوار والغناء ضروري جداً للأطفال. وبعد عمر السنتين يمكن اللجوء للتطبيقات التفاعلية حيث للطفل قدرة التعلم الدائم. والقرص المدمج المرافق للقصة يمكن أن يسمعه الطفل في أي عمر، والمرئي منه بعد عمر السنتين.
في علاقتها بالطفل وحكاياته تشرح رانيا الترك أنه يولد مبرمجاً كي يفهم العالم من حوله، وأولهم من يساعده ليبقى على قيد الحياة. تقول: يلتقط الطفل عواطف من حوله وانفعالاتهم. ولأن الطفل كائن يتكل على آخر لسنوات طويلة، فتكوينه الدماغي يجعله يقارن بين من يفيده أو يضر به؟ كما أنه يتساءل إن كان في أمان أم لا؟ يدرك الطفل الفرق بين القراءة بشغف أو ملل. في ورشات العمل مع الأمهات استغرب قول بعضهن بأن اطفالهن لا يرغبون بالحكايات؟ السؤال هل ترغب الأم في القراءة؟ هل يقرأ الأب؟ الرد يختلف إن كانت الأم تستمتع بالقراءة لطفلها أم لا؟ وفي أكثر الأحيان تنتفي الشروط البديهية لحب القراءة لدى الطفل.
رافقت ليلى والذئب كل الأطفال من جيل سابق وأخافتهم وتم إطلاق اسمها على الكثير من البنات، لكن الجدة تغيب حالياً عن رعاية الأحفاد. حلت مكانها العاملة الأجنبية فما هو دورها وأين هو حضورها في ذهن الطفل؟ تقول الترك: هذا يعتمد على الأهل والمسؤوليات التي يتم تحميلها للعاملة الأجنبية. أن يقتصر حضورها على المساعدة في أعمال المنزل بحيث تتفرغ الأم كلياً لأطفالها فهذا مفيد جداً. أما أن تتولى التنشئة مع الفارق اللغوي الموجود، والفارق في المفاهيم التربوية، فسيكون الأطفال حيال فجوة كبيرة. فجوة تؤكد استقالة الأهل من دورهم.

رانيا الترك: الكتاب المصور يشجع القراءة المشتركة بين الطفل والأهل

زهرة مرعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية