جرأة مني أن أبعث إليك برسالة، سيقول الكثير من المنتسبين إليك يا مولاي، لكنني في هذا الظرف العصيب، أرسلت رسائل عدة إلى جهات وأشخاص، أحياء وأمواتا، بدءاً بالرسالة التي أرسلتها إلى المرأة التي أحببت ذات مرة، والتي لم يأت جوابها إلى اليوم، وليس انتهاء بالرسالة التي بعثت بها إلى زعيم بلدي الذي لم يكلف نفسه عناء فتحها.
سيدي ومولاي، كثيرون في هذا الزمن لا يعتقدون أنك موجود، وأنا لا يزعجني هذا الأمر، وأعرف أن هذا أمر لا يرقى إلى أن يكون مزعجاً لك، لأنك كبير، أنا أراك كبيراً لدرجة أنك أعطيت الناس حرية الإيمان والكفر بك.
أما أنا فمؤمن بك، لسبب بسيط، وهو أنني لا أستطيع العيش من دونك. مرة قال لي ريتشارد دوكنز في محاضرة له في أكسفورد إنك «خرافة، مجرد وهم»، وإنك أصل كل الشرور في العالم، وحاول إقناعي بذلك. لا يخفى عليك يا مولاي أن دوكنز كاد يبطش بإيماني، لكني قلت له: مشكلتي أنني عندما أتبعك أشعر بالضياع، وبالفعل ، أحسست للحظة أنني كفارس إغريقي انكشف ظهره، وبحثت عن دوكنز، فلم أجده، أما أنت فوجدتك بعيداً عن فلسفة دوكنز، وجدل صديقي الملحد الذي يقول لي دائماً: إذا كان الله موجوداً، فلم كل هذا القبح في العالم؟
أنا لا ألومه، ولا ألوم دوكنز الذي قال إن «الله وراء كل شر»، بل ألوم «ناطقك الرسمي» الذي فعل كل شر باسمك أنت. نعم يا مولاي كثير من أهلك أساءوا إليك، وأنت تعلم ذلك.. أساؤوا إليك، ونفّروا الناس من بيوتك، إلى الدرجة التي جعلت جيمس جويس يقول: «أجمل ما في هذه الكنائس أنها خالية من المصلين».
عندما كنت أعد أطروحتي للدكتوراه يا مولاي، كان أكثر من تعاملت معهم في الجامعة، من الملحدين الذين لا يؤمنون بك. قال لي أحدهم: أين الله من كل هذا الشر في العالم؟ قلت له: ليس عدلاً أن نحمل الله مسؤولية كوارثنا الكبرى. عدت إلى تلك القصة بعد أن قال لي صديق سوري إنه كفر بالله الذي ترك بشار الأسد يقتل ربع مليون بكل أنواع الأسلحة، بدون أن يتدخل لإيقافه! وكأنه يحمل الله مسؤولية جرائم بشار وغيره من المجرمين الكثر في سوريا والعالم.
ما علينا يا مولاي من كل ذلك، بالنسبة لي: أنا أؤمن بك، ولا أعترض على ريتشارد دوكنز الذي أنكر وجودك، فهو رجل له حساسيته الخاصه تجاهك، وأنا في الأخير لست مسؤولاً إلا عن نفسي.
أذكر يوم أن صرخ نيتشه بأعلى صوته، وهو يبني صنمه الجديد «السوبر مان» قائلاً «لقد مات الله، لقد قتلناه بأيدينا». مرة أخرى، لم يرق لي قول نيتشه، الذي كان يصب جام غضبه على الكنيسة والمسيح، الذي أعادت الكنيسة إنتاجه، وتقديمه لنيتشه الذي قتله وصلبه، وجعل مكانه الإنسان الكامل. غير أن فلسفة صديقنا نيتشه، ما قتلت الله في نفوس الألمان إلا ليحل محله هتلر، وهذه هي مشكلتي مع «فيلسوف السوبرمان».
أعترف أن نيتشه كان رجلاً خارقاً في طرائق التفكير، مشكلتي الوحيدة مع نيتشه يا مولاي، أنه قال لي إن الله قد مات ليحل هو محله، وأنا لا أريد أن أجعل من نيتشه رباً لي، لأنني أستطيع أن أفكر كما يفكر، وأصل إلى نتائج مغايرة. ومع ذلك، وكما قلت لدوكنز، قلت لنيتشه: أحترم ما ترى، لكن حياتي تصير بلا معنى، عندما أتصور للحظة واحدة أن الله غير موجود.
هذه مسألة محسومة لديّ يا مولاي، أنت موجود، رغم كل ما قاله نيتشه، ودوكنز، وما قال جاري الذي صرخ – يوماً – من الألم، «لقد مات الله الذي أمات حبيبتي»؟
كانت لي يا مولاي أم رائعة، وكانت لا تحفظ من القرآن إلا أربع سور، وحدثتها يوماً عن دوكنز فقالت لي قل له: «لو لم يكن موجوداً لما كنا موجودين»، وهذا يكفي، ثم بعد ذلك اشتاقت أمي إلى لقائك، أو اشتقت أنت إلى لقائها، وذهبت وراء الغيوم، وتركتني وحيداً، وأنت الآن لي كل أهلي، وآمل أن أكون من بعض أهلك.
كان لي ـ يا سيدي – وطن بائس، وذات يوم جاء أحد المنتسبين إليك، وقضى عليه، التهمه أو كاد. قال لي هذا الذي يدعي نسباً إليك: إنني لن أكون مؤمناً كامل الإيمان إلا إذا آمنت أنه هو خير مني، لأنه يمت بنسب إليك، في حين أنني أمت بنسب إلى الرمال؟ رآني ذات يوم أمد يدي لفتاة تكاد تغرق في موج البحر، وأقام علي الحد، لأنني لامست أجنبية، فيما هو يغتصب وطني كل صباح ومساء أمام أنظار العالم!
يا رب، وعزتك، لقد جاء هذا الرجل بكل ما يجعلني أكفر بك، وهو يدعي نسباً إليك، ولولا أنك ثبتني لقد كدت أركن إلى دوكنز شيئاً قليلاً.
هل يمكن يا مولاي، أن تأتي منك رسالة، تقسم الناس إلى «أئمة/حكام ورعية/محكومة»، هل يمكن أن ترسل رسولاً ليقول لنا إن السلطة من حق أسرته إلى الأبد، وأن شرفنا نحن أن نخدم أسرته وحسب! هل يمكن أن تأتي منك رسالة لتقول إن بعض خلقك هم أبناؤك، والبعض الآخر هم عوام وأعراب وأنصاف بشر!
أمس خرج علينا أحدهم في اليمن يرتدي عباءة الرجل العظيم الذي أرسلت معه رسالة إليّ، خرج بعباءة محمد ليقول إنه وريثه من بعده، وصدقه البعض، غير أنه عندما وصل صنعاء، نزع عنه العباءة، وكشّر عن أنياب لا يحملها الأنبياء. ما أبشع بعض المنتسبين إليك يا الله، ما أبشعهم!
أنا يا رب أراك أنت الذي «أنتجت» كل هذا العالم، فيما يحاول البعض «إعادة إنتاجك»، بما يتلاءم مع طموحاتهم، في الوصول إلى السلطة والثروة. أنا يا رب، رجل ديمقراطي، وأحبك لأنك تركت لي الخيار بين الإيمان والكفر، وقد اخترتك على نيتشه ودوكنز، بينما يرى الأوتوقراطيون أنك اخترتهم للسلطة، واخترتني لخدمتهم، وهذه مشكلتي مع هذا البعض من «الناطقين الرسميين» لك.
أنا أراك غير ما يراك خطيب الجمعة، الذي أنكر عليّ أني بعثت ببطاقة تهنئة لجوليا في عيد ميلاد المسيح، على الرغم من أنها قالت لي يوم عيد الفطر ببسمة مشرقة «إيد مبارك». أنا لا أفكر بهذه الطريقة الأوتوقراطية. أحضرت لي جوليا مسبحة من المغرب، عندما ذهبت العام الماضي إليه في رحلة سياحية، وأهدتني إياها يوم عيد الفطر، فهل يغضبك أن بعثت لها ببطاقة أتمنى لها فيه عاماً مقبلاً سعيداً، فيما هي قد أعطتني مسبحة أذكرك بها.
قال لي أبي مرة بلهجة أهل الصحراء: إن «الله يحب حمران العيون»، أي يحب أهل المروءة، وقلت أنت لي «إنما المؤمنون إخوة»، وجانيت تؤمن بك، تسهر على راحة المرضى في المستشفى، وتذهب إلى فلسطين، لتحمي بجسدها بيوت الفلسطينيين ضد الجرافات الإسرائيلية، وتظاهرت أمس في لندن ضد «القوميين البريطانيين»، الذين قالت عنهم إنهم عنصريون لن يذهبوا مع المسيح إلى الله حينما يعود إلى الأرض، لأنهم يكرهون «عيال الله». فهل من المروءة ألا أهديها بطاقة يوم عيد الميلاد! معذرة ـ يا مولاي – أنا لا أستطيع أن أكون بلؤم بعض المنتسبين إليك.
أوه، قبل أن أنسى، رسمت «شارلي إيبدو» للنبي الذي وصفت أخلاقه بالعظيمة، رسمة غير لائقة، تنم عن سخف، غير أن بعض المنتسبين إليك، قتلوا شارلي، ثاراً لك، وكأنك إله حرب» تخوض معارك شخصية على غرار الآلهة التي تسكن جبال الأوليمب!
وبالمناسبة هناك جماعة تسمى «ثأر الله»، تمارس باسمك الحقد والثأر لنفسها لا لك، وأخرى تسمى «حزب الله»، وثالثة «أنصار الله». هل تحتاج – يا مولاي – إلى حزب سياسي لتصل به إلى سلطة تتحكم فيها برقاب الناس! أم أن لك ثاراً عند أحدٍ من خلقك حتى تطلق جماعة على نفسها «ثأر الله»! أم أنك تحتاج «أنصار الله» الذين فجروا بيوتك لينصروك! كيف يمكن لمن سرقوا ألف سنة من عمر اليمنيين باسمك أن يكونوا أنصارا لك!
كلمني القرآن أنك «كبير»، ولذلك أنا لم أغضب من «شارلي إيبدو»، التي ترسمك وترسم رسلك بسخرية، أنت أكبر منهم، أنا أغضب من الذين يتصرفون وكأنهم يخافون عليك، في الوقت الذي يقولون إنك رب العالمين.
كلام كثــــير في نفسي إلـــيك ـ يا مولاي ـ لا أجــــرؤ على قوله هنا، سيسيء الناس فهمي، ويرجمــــونني، سأقول لك ما لم أقله هنا عندما ألقاك، ولعل لقاءنا يكون قريباً.
المخلص
محمد جميح
٭ كاتب يمني
الدكتور محمد جميح
كم انت عظيم وصاحب اُسلوب سهل يصل لقلوب من يقرأ سطورك، إسمح لى ان أضيف لرسالتك نداء آخر…. اننا ومنذ ستون عاما وننتظر رحمتك بأهل فلسطين ومازلنا ننتظر وإيماننا ان هذا اليوم لقريب.
الدين : هو محبة الله ورسله وأنبيائه ومحبة خلق الله والعيش بسعادة
مع الجميع .
* كل من يحتكر الدين وبنصب نفسه ( وكيل حصري ) لرب العالمين
ويأمر بقطع الاعناق وتشريد البشر ونسف بيوت العبادة فوق أصحابها
لا شك أنه دجال وجاهل ومغرور .
* وكل من يتطاول على الأديان والأنبياء الكرام : أيضا جاهل وأحمق ومغرور
ومفلس أخلاقيا وثقافيا .
شكرا والشكر موصول للأخ الكاتب .
للم اعلق او اكتب منذ زمن يا د جميح لكنك ذكرتني برسالة شبيهة بعثتها اليه قبل نحو عشر سنوات د جميح كم اعجبني ما كتبت واخذ بمجأمع قلبي ولبي انه اللله الموجود بيننا حتى يكاد برد.يده يلامس قلوبنا ولكننا مصممين على التجأهل او ادعاء البلاهة او تقمصها الله كان واضح الوجود في خيمة كل بائس قضى في العاصفة من غرة الى لبنان الله كان واضح اللغة حين احترمنا وسلمنا الامانة ووعدنا بالتدخل والى حد خأرق بشرط ان نقوم بامانة اننا كبشر نمثل صورة عن كماله وحلمه وعلمه وتخطيطه وتدبيره انه الله الذي حتما بعث بالرسائل الواضحة لكل منا وباللغة التي يفهمها انه اللله الذي ندعي به وصلا انى شئنأ وكيف شئنأ ثم نتمرد عليه ولكن بداية قصة دور كل منا في الحياة ونهاية هذه القصة بيده هو رسم لكل منا خريطة احداث حياته التي ستقترح على ذهن كل منا خيارين ان نعرفه او ننكره ولكن ثمة من اختار ان لا يعرفه حتى لو حمل اسمه العظيم لانه يعرف تماما ان معنى ان يعرفه ان لا يكون موجودا في مكانه ومشروعه ومنظمته كل يسجد.لله كما يدعي لكن الحقيقة ان جوعا ما اطلق اسم الله على كل اصنام الدنيا وادى لها قرابين الذبح على
من دم الابرياء والمظلومين كان يحارب الله باسمه حتى ابليس كان اكثر صراحة من هؤلاء ونيتشة وكنز كانا صريحين اما هؤلاء فلهم فلسفة سحرة فرعون في تغيير حقائق الاشيأء وهم الاخطر
قارئتك المحبة غأدة شأويش جريحة فلسطينية منشقة عن واحدة من المنظمأت التي حاربت اللله باسمه
الحمد لله على السلامة يا غادة القدس
والله اشقنا لتعليقاتك القتالية بقول كلمة الحق
بصراحة وبغير مبالغة أصبحت غادة الشاويش ماركة مسجلة بالقدس العربي – الله لا يحرمنا منكم
ولا حول ولا قوة الا بالله
استاذ محمد
الحمد لله على ايماني و ايمانك و ايمان كل المسلمين به .. نعمة عظيمة .. و نعمة عظيمة عنما نلجئ اليه في سرائنا و ضرائنا. لكن لا ينبغي لنا ان يبتدع كل واحد منا حب الله على طريقته و لا ان يمارس الاسلام و تعاليمه على هواه فهو ليس بالفكر الصوفي القابل للابتكار و الله عز و جل يقول ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) بل ان السبب الرئيسي لؤلاك الذين حادوا من امثل انصار الله و انصار الشريعة و غيرهم ضلوا لانهم وجدوا طرقهم الخاصة بهم ليعبروا عن الله عز و جل و لم يلتزموا بصراط الله المستقيم الداعي الى الحياة و النور و السلم و الهدى و التقى. لم يلتزموا بقول الله عز و جل (فمن احياها فكأنما احيا الناس جميعا) و قوله عز و جل ( أنه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا).
الاخ العزيز محمد جميح
رساله في غايه االروعه والجمال ولكن هؤلاء من ينسبون اانفسهم للهه هم يعلمون انهم يمارسون الكذب والدجل باسم الله ليحصلوا على ماليس لهم ولكن هدفهم هوتحقيق ماربهم فقد تجد من يسطوا على متجر وهو مدجج بالسلاح بينما الاخر يسطو من بطريقه اخرى وهو بقمه الاناقه.تعددت السرقات والجرم واحد.انما يجب التعويل عليه بعد اراده الله وهو وعي الشعوب.وفقك الله وحفظك من كل شر
مقال رائع من إنسان لديه احساس بإنسانيته ، وياليت يقرأونه كل الناس وياليت يفهمونه .
اعجبني
مقال رائع ويمس القلب.. كل الإحترام للكاتب..
شاهدت فيلم ايراني بإسم رسالة الى الله فيلم جميل ويحكي عن طفل يكتب رساله الى الله وينتظر الرد
ان الله غني العالمين.