رسالة إلى اليمن السعيد

■ عزيزي اليمن السعيد: دعني أولا أعود إلى ماض لا يزال حاضرا في كل الأذهان… ذلك الماضي الذي كنت تحمل فيه الاسم الذي أطلقه عليك الجغرافيون الفرنسيون، والذي به أرادوا ترجمة اسمك العربي الأصلي والأصيل.
دعني أتذكر معك ومع الإنسانية اسم المملكة العربية السعيدة، وهو الاسم الذي فتح المجال واسعا أمام الخيال ليطير في عالم كله نعومة وبحبوحة ورخاء ورفاه.
أيها اليمن السعيد، دعني اتذكر معك تلك الجولة الباريسية التي يحلو فيها للدليل أن يستحضر كيف كان يستقدم أوائل تجار سوق «لي هال» الباريسي الضخم حبات القهوة من ديارك. أيها اليمن السعيد، دعني أقف على عتبة قصر ملكة سبأ أستنجدها لتعيد إلى أرضها ذلك المجد الذي تعدى حدودها وحدود العالم العربي مشرقا ومغربا، ليمتد إلى خيال جماعي متيم بنعومة طنافسه الوثيرة. أيها اليمن السعيد، دعني أتذكر معك كيف كان يلحق تاريخنا الجماعي في فترة مصطلح «الجزيرة العربية» بأرضك بما لا يكاد يترك لباقي دول المنطقة – اذا استثنينا بغداد ولياليها – محلا من الإعراب في دنيا القصص والقاصّة.
أتوجه إليك أيها اليمن السعيد الذي أسعد جيلا من بنين وبنات تنعموا بديباج وحلي وحلل حكايات محملة بمقادير عالم مثالي، لا حقد فيه ولا ضغينة ولا خصام بين جار وجار.
يا يمنا سعيدا طمح إلى الوحدة لا التفكك، إلى التماسك لا التشرذم.
أيها اليمن السعيد، لست دون أوراق في يدك لتظل سعيدا، وفي مقدمتها ورقة من يرجح مصالح الجميع على مصالح البعض. وهذا يسمّى سلاما. فمعك الـ»متحوثون» ـ حسب الكلمة الجميلة التي جاء بها أحد الباحثين في قناة تبنت إزاء المشهد اليمني لغة الحكمة البناءة- «المتحوّثون»، الذين ينتمون للأقلية الحوثية الزيدية هم أيضا، ومع ذلك لا يتقبلون الاتجاه السائد عند أكثرية الأقلية. ومعك أيضا المؤتمرون، دائما على حد التعبير الجميل لباحثنا – وهم يريدون أن يتجاوزوا الخلاف السائد داخل حزب المؤتمر اليمني بين أنصار الرئيسين، المخلوع والمنفي، ليصبح التفكير في يمن الغد ساري المفعول.
لديك، يا يمنا سعيدا، بوّابتك التي تربط الجزيرة العربية بأفريقيا، بوابة باب المندب محط كل الأنظار، فهي أكبر ممر ملاحي في العالم، والأمر بيدك حتى تكون هذه الأنظار إلى منافعك أنظارا غير طامعة.
أيها اليمن السعيد، ماضيك ليس في خبر كان وكيف يكون؟ لا ماض بدون مستقبل، ولا مستقبل بدون تاريخ. أيها اليمن السعيد، ألا تتذكر أنك تعني اصطلاحا «بلد الشمس»؟ ألا تتذكر أن الساميين في التاريخ كانوا ينظرون باتجاه البوصلة يمينا وشمالا قبل أن ينظروا شمالا وجنوبا فكانت «اليمن» عندهم ما يستدل به على الشمس المشرقة… ثم ألا تتذكر أن «يمن» مأخوذة أصلا عن اليمن أي الكرم والسخاء؟ أيضا التاريخ يعلو ولا يعلى عليه.

٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

بيار لوي ريمون

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد ابو عرب فيننا:

    الاستاذ/ بيار لوي ريمون

    لا ادري اذا كان لديك الوقت لقرأة التعليقات لكني لم استطع ان امنع نفسي عن التعبير لك عن جزيل الشكروالامتنان لهذا الاحساس الجميل والمرهف والمحب الذي تحملة تجاه بلدي والذي للأسف لا استشعرة من كثييرين من ابناء قومي العرب بمختلف بلدانهم على العكس من ذلك لا يحملون إلا صورة نمطية مشوهة لكن عزائي وكثيريين غيري من ابناء اليمن هو وجودك وأمثالك ممن لا يقعون في فخ الحاضر مرة اخرى لك مني كل الود والاحترام

    ودمتم

إشترك في قائمتنا البريدية