سوريا التي عرفناها، تحترق وتموت، وكل يوم تنتهي قليلاً أو كثيراً، لا يهمّ، تاركة تحت ظلال البيوت المهدمة ظلالاً سوداء من الأحقاد. فقد عودتنا القنوات والإذاعات والصحف على عدم الانتباه للأرقام من شدة كثرتها وتكرارها، ولا معناها أيضاً. المعارضة تلتقي مع الموالاة في جنيف وفي غيرها من مدن العالم، لكن الشام لا تتوقف أبداً عن الموت تحت فرح وخوف من يقتل أكثر؟ ومن يحرق أفضل من صاحبه؟ ومن يبيد الكائنات الحية بشكل تام؟ من يهدم أكثر المدن جمالاً وتاريخاً؟ يمكننا أن نعدد خصال الحروب إلى ما لانهاية.
أحتاج شخصياً، إلى بعض الشجاعة والكثير من العبث، لأروي هذا الرماد. منذ قرابة الشهر، لم أنم إلا قليلاً وأشعر بذنب كبير لا أعرف مصدره. لم أرَ أي منفذ أسلكه لكي أقوم من ثقل جسدي ورأسي. وحتى أعطي معنى لهذا الحزن المضمر، كتبت هذه الجملة في الصباح نفسه الذي وصلتني فيه رسالة السيدة فاتن (سين)، التي أحكي عنها. نشرته وكان تحت عنوان: حروب سرية: من سرق الفجر من هذا اليوم ويبّس الأشجار، من أجّل الحياة؟ من بدّل الغيمة بالرصاص، ومدّد من مساحات جهنم؟ من منح رخصة للموت لكي يمضي داخل العويل بلا رقيب؟ من قتلني ثم مضى كأن شيئاً لم يكن؟
جمل صغيرة كتبتها رداً على الرسالة التي وصلتني من دمشق، كانت كافية أن تمنحني بعض الراحة الداخلية والخوف أيضاً، على الرغم من أني أدرك سلفاً أن اللغة مهما كانت قوتها، لا توقف الحروب، ولا تحول حقول النار إلى ياسمين وخضرة. تحتاج فقط إلى من يقرأها ويفهمها، ويتركها تتوغل فيه قليلاً، بلا أسئلة كثيرة، مَنْ على حق، ومن على باطل، من كان قابيل ومن كان هابيل، ومن كان آدم أيضاً الذي ظل مشدوهاً، يتفرج على قتل قابيل لأخيه هابيل في معركة شديدة الوطيس؟ من موتهما بدأت الحروب المدمرة.
رسالة السيدة السورية لم تكن طويلة لكنها كانت كافية لأن تسرقني نحوها. اضطرت السيدة لأن تغير اسمها وتموه أماكن الأحداث قليلاً. قالت: واسيني. أتحدث اليوم معك لسبب بسيط، هو أني أولاً قارئتك المداومة حتى لبستني لغتك. وثانياً لأن قلبك سوري، وجزءاً من ذاكرتك سوري، وحبك الكبير سوري، وفي ابنيك عطر سوريا التي ولدا فيها. حتى عندما اشتعلت النار في أرضي، قلت تلك أرضي وأنا بكلي مع شعبها. في الوقت الذي انقسم فيه الناس إلى صقور وحمائم، ويتبادلون المواقع بحسب القوة، اخترتَ وطناً اسمه سوريا، كنتَ دائما تقول عنه: تلك أيضاً أرضي وبها شيء مني. لهذا أشعر بأن لي بعض الحق في أن أحكي معك عما في قلبي. حافظ على اسمي ومكاني، لأني أريد أن أعيش، لا لمواصلة الحياة ولكن لأحفظ ذاكرة من سرقوا من بين يدي. لقد تفاديت القنابل لأستمر في الحياة، ألم تقل هذا أنت في ذاكرة الماء؟
أنا أمّ يا سيدي لثلاثة أبناء. ابني البكر، عماد، كان يستعد للزواج. ذات ليلة تأخر. كان يسوق سيارته وفي ذلك اليوم حمل هويته العسكرية، وفي أحد معابر الجيش المموهة، لم يتوقف. ظن أنهم قتلة داعش أو النصرة. اخترقتْ جسده أكثر من ثلاثين رصاصة «وطنية»، على الأقل هذه الرواية التي أعطيت لي عندما دعيت لاستلام جثة ولدي الذي لم أر إلا وجهه. عماد كان يدافع عن أرضه وكان يعرف مآله، سوى أني تمنيته أن يموت بطريقة أفضل لأننا كلنا أموات مع وقف التنفيذ. قلت له رح لتركيا. قال هذه أرضي، لست لا أكثر ولا اقل من السوريين الذين بقوا هنا. الشاب الذي سلمني تقرير الوفاة، تحدث معي بشكل بارد. لم يكن معنياً بقلبي. كدت أصرخ: يا ربي هل أنا في الشام أم في أرض أخرى؟ شعرت كم أنّ السوريين تغيروا وكم أن قلوبهم ماتت؟ وكم أن جوههم فقدت ملامح الفرح أو الحزن. قبل سنتين اختطفت ابنتي نور في مخيم اليرموك. كانت صغيرة. لم تكن تحمل على ظهرها لا قنابل ولا هوية تبين انتسابها الديني، بل حقيبة مليئة بالكتب والكراريس التي لم يعد أحد يؤمن بجدواها. علمناها قليلاً من الكذب، كأن تقول مثلاً للشيعي إنها شيعية، وللسني سنية، وللعلوي علوية. كانت عيناها متقدتين ذكاء. لم تعد نور في ذلك اليوم إلى البيت. كان جرح عماد ما يزال مفتوحاً. سألت في كل مكان.
بعد صلاة المغرب دخل عليّ رجل ملثم. سلمني رسالة ثم مضى. لم يتكلم. قرأتها. لم أفهم إلا جملة واحدة: على زوجك أكرم أن يأتي إلينا لنسأله ونطلق سراح الصغيرة. لا شغل لنا بها. عندما حدثته. لم يسأل كثيراً، لكنه تمتم: «هادول مجانين وقادرون أن يذبحوا حبيبتي». ترجيته أن لا يذهب. لا أريد أن أفقدهما معاً. لكنه ذات مساء خرج ولم يعد.
منذ ثلاث سنوات غابت نور وغاب أبوها أكرم. وسبقهما عماد. انتقلت عند أمي التي فقدت قدرتها على الحركة بعد أزمة قلبية أدخلتها غيبوبة استمرت أياماً. بقيت أنا وابنتي الصغيرة قدس، سميناها كذلك تبركاً بفلسطين. قال لي أكرم نسميها شتات لكي لا ننسى ما يعانيه الفلسطيني لأن العرب بلا ذاكرة. وأقنعته بحب أن في الاسم قسوة ويجب أن لا أقتلها به. قدس مدينة الله التي ستظل واقفة ومفتوحة على الخير. كانت قدس ترتعش كلما سمعت عويلاً أو بكاءً، أو سمعت قصفاً من أية جهة كانت. تركض نحوي. «ماما عم يقصفوا».
كانت تشم رائحة البارود في كل مكان. ذات صباح استيقظت معوجة الوجه. خدها الأيسر مال جداً نحو اليسار، وفمها ذهب باتجاه واحد. فجأة تحولت قدس كأنها دمية أنقذت من عمق النار التي شوهتها. صرخت وبكيت. وحضنتها إلى قلبي. جبت بها كل المستشفيات النفسية التي استطعت الوصول إليها وكلها رددت علي الأسطوانة نفسها: لا دواء. الصدمة كانت قوية عليها، أبوها وأخوها؟ في اللحظة التي أكتب فيها يا سيدي، نور ملتصقة بي. تتمتم في كل الأوقات. لم أعد أفهم كلامها، لكن أتبين ثلاثة حروف. ح. ر. ب. ترتسم. كانت قدس تشبه ملاكاً، فجأة قصَّ جناحاه ورُميَ في عمق نار لم يدرب جسده الغض عليها. أشد على أي شيء لكي لا أقهر وأستسلم للموت. ما تبقى في قدس من حياة يعطيني كل القوة لكي استمر.
لا أطلب أي شيء من أحد. لا أطلب مالاً، ولا أطلب حتى رأفة لأنها لا تفيد، مستورين والحمد لله. الحرب علمتنا كيف نعيش بالقليل ونقول الحمد لله لساتنا أحياء فيه اللي عم ياكلوا حشيش وخوف. فقط أريد أن أتكلم مع شخص لم تقتل الحرب داخله، يسمعني وأن أبكي قليلاً في حضرته. فقد أخفيت دموع ابني على أكرم وتظاهرت بالشجاعة، وأخفيت خوفي على نور بالكذب على قدس، بأن أختها عند خالتها وستعود. لم أعد قادرة على إخفاء أي شيء على أمي بعد أن سرقت مني قدس. أكتب لك في لحظة غفوة قدس، لأنها بعد قليل ستصرخ بشكل مبحوح ولن يسمعها أحد غيري. الحرب قتلتنا كلنا. قتلت الإنسان فينا. كلنا أصبحنا ضحايا لها. وكلنا تحولنا إلى قتلة كل بطريقته، نفرح بعدد المقتولين من الجهة الأخرى؟
واسيني الأعرج
استاذي العزيز: الحكاية مؤلمة مؤلمة الى ابعد حدود الوجع… قل لي سيدي العزيز كم منهم على شاكلتتها: آلف آلفان ثلاث، مائات الآلف، ملايين..ألا تبا للحاكمين العرب وسحقا لأمريكا ومرامي الكيان الصهيوني، تبا للزمن العربي السىء والمجنون. اوطان العرب تحترق وتموت ومياه الانهار فيها تحولت الى دماء سيدي. ألا موتا لكم من عرب: الحاكمون والمعارضون….
قصة حزينة كئيبة
الوضع قد تداخل بسورية الآن
فهناك نظام دموي – وهناك إجرام داعشي
وهناك عصابات سلب ونهب تدعي أنها من الجيش الحر
اللهم وحد قلوب المجاهدين بسوريا ووحد صفوفهم وانصرهم على الظالمين
ولا حول ولا قوة الا بالله
باتت لغتنا عاجزة امام هول ماسينا حتى اصبحت جملنا المكرورة اشبه بالمشاركة في الجريمة.
تجليات لمشهد فجائعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن تبقى الانظمة الدكتاتورية هي الاساس في تعرض الاوطان لهذه المآسي فالطغاة هم من يجلبون الغزاة وما أكثرهم على أرض سوريا المستباحة والغارقة في نهر من الدماء كما غرقت بغداد بدماء اهلها منذ 2003 حتى الآن وقبلها أريقت الدماء العراقية في فصول حروب عبثية وحصار ظالم وتصفيات للنظام البعثي الذي كان يحكم على طريقة بشار المجرم ، ومن جاءوا يتغنون بالديمقراطية لحكم العراق الآن يجهزون عل ما تبقى في العراق لله درك ياشام ولله درك يا شعب الشام الذي دفع الثمن الاغلى من أجل ثورته المطالبة بالكرامة والحرية والانعتاق وتأسيس دولة المواطنة بدلا ً من دولة المنظمة السرية البوليسية ، ونسأل الله تعالى النصر لثورة والخير لأختنا صاحبة الرسالة وللشعب السوري الصامد المضحي
نذرف الدموع على الأمم.. ونحن أمة لا بواكي لها
لله درك يا شام يا عاصمة المويين فلقد قدموك قربانا باسم الحرية
وعذراً سيدتي فلقد سقطت الحروف من القلم وسبق السيف العذل.
شكرا لك استاذنا واسيني على بوحك الرائع ونبض قلبك الشامي الجميل.
وحفظ الله شامنا ويمننا.
مشكلة العرب هي من البداية.. بداية ردة الفعل الخاطئة علي تأسيس دولة إسرائيل… الصهيونية تأسست في أروبا ومؤسسي الصهيونية أروبين لا علاقة لهم بالشرق ولهم تصورات تشبه الفتزيا ..هاجمت الصهيونية الشرق مثل هاجم من قبلها الصليبيون .. ردة فعل العرب الغير متصهنين علي الصهونية هو الانغلاق وراء دين وقومية عربية غير معرف بها . ترك العرب تاريخهم أو تاريخ المنطقة تاريخ الشرق يستباح … جاءت الدكتاتوريات فإنغلق المواطنين ووجدوا حمايتهم في طوائفهم …بعد سقوط الديكتاتورية برز كل شئ علي السطح
التاريخ مازال يستباح من قبل داعش ولا حل في الشرق الا بالعودة الي صورته الأ صلية الطبعيةمع نظام ديمقراطي عادل لا لفتزيا ولا لتزيف
زرت سوريا قبل الثورة و كذلك ليبيا و زرت لبنان بعد المصالحة وكذلك الجزائر.
لا احد يتعظ
لا احد يريد ان يفهم
من يقول سوريا ليست لبنان و ليبيا ليست الجزائر و و و
يخطئون في كل مرة و لا يتعظون
حتى البدائل المطروحة مثل داعش و النصرة اسوأ و اعنف من الانظمة التي كانت السبب في الكوارث.
لماذا لانفهم؟ لماذا لا نتعظ؟ و امامنا اوضح الامثلة. القاسم المشترك في كل الدول المتقدمة و المستقرة هي الحرية و الديموقراطية..حتى الهند و الفلبين و غيرها من آسيا و دول حنوب الصحراء في افريقيا بدأت بتطبيق انظمة حرة و ديموقراطية.
وسبقتها دول لم تكن شيئا مذكورا مثل كوريا الجنوبية و سنغافورة و قبرص طبقت الحرية و الديموقراطية و سبقتنا بمراحل
متى ندرك الحقيقة الساطعة: الحرية و الديموقراطية هي الحل
تلك هي مأساتها، ومأساة الملايين من أمثالها،…
ولكنها لا تطلب أي شيء من أحد. لا تطلب مالاً، ولا تطلب حتى رأفة لأنها لا تفيد،… الحرب علمتها كيف تعيش بالقليل وتقول الحمد لله،… فقط تريد أن تتكلم مع شخص لم تقتل الحرب داخله، يسمعها وأن تبكي قليلاً في حضرته،…
وما زال القلبُ يبكي دمًا ودمًا ودمًا،…
وما زالت الدموعُ تجفُّ في المآقي،…