تونس – «القدس العربي»: قال رشيد الترخاني، رئيس حزب «جبهة الإصلاح» الإسلامي، إن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي «غير مخول» للخوض في موضوع الميراث، مشيراً إلى أنه كان عليه استشارة أهل الاختصاص كديوان الإفتاء وعلماء الزيتونة، قبل طرح مبادرته للمساواة بين الرجل والمرأة في هذا المجال.
كما اعتبر أن قائد السبسي يسعى من خلال هذه المبادرة إلى تحقيق «نصر انتخابي» عبر استمالة الناخبات التونسيات اللاتي دعمنه في الانتخابات الرئاسية السابقة، محذرًا من حدوث «اضطرابات» داخل البلاد في حال تحويل المبادرة إلى مشروع قانون والمصادقة عليه من قبل البرلمان التونسي.
وكان الرئيس التونسي اقترح منذ مدة مبادرة جديدة للمساواة في الميراث بين الرجال والنساء، كما تحدث عن «مدنية» الدولة التي يكرسها الفصل الثاني من الدستور، لكنه «أغفل» بالمقابل الفصل الأول الذي يشير بوضوح إلى أن الإسلام دين الدولة، والذي حرص في مناسبات عدة على الإشادة به.
وقال الترخاني في حوار خاص مع «القدس العربي»: «ينظر كثير من التونسيين بعين الريبة والشك لهذه المبادرة التي تأتي في وقت تشهد فيه البلاد احتجاجات اجتماعية على خلفية الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد وانعكست سلبًا على المقدرة الشرائية للمواطنين وفي ظل عدم الاستقرار الأمني والتجاذبات السياسية في البلاد أمام عجز الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول لظاهرة الفقر وارتفاع نسب البطالة بين الشباب وأصحاب الشهائد العليا».
وأضاف: «بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد وتدفعها إلى الاقتراض الخارجي فإنني أعتقد أن السبسي قد أذعن لمطالب الاتحاد الأوروبي بتنقيح مجلة الأحوال الشخصية، هذا دون أن أستبعد وجود خلفية انتخابية وراء دعوته المتعلقة بالميراث ووعوده المتكررة بتعزيز حقوق المرأة ومكانتها ومراجعة التشريعات المتعلقة بالميراث لاستمالة الناخبات التونسيات ومغازلة من دعمنه في مسيرته السياسية وساهمن بقوة في وصوله إلى قصر قرطاج بحكم قرب موعد انتخابات 2019».
ورغم أن الترخاني لم يخفِ وجود «حاجة مجتمعية ملحّة لإزالة جميع أشكال الفوارق وإلغاء كل القوانين الاجتماعية التمييزية في مجلة الأحوال الشخصية بحجة تغير المجتمع وتطور دور المرأة التى أصبحت تتقاسم مع الرجل المسئوليات المالية داخل الأسرة والتحولات العميقة التى طرأت على البنية الاجتماعية كما ادعى البعض- إلا أنه اعتبر أن رئيس الجمهورية ولجنة المساواة غير مخولين للخوض في مسألة المواريث التي تتطلب جهودًا كبيرة على المستوى التشريعي والمؤسساتي، وكان الأجدر استشارة للعلماء وأهل الاختصاص والاستعانة بالمؤسسات الشرعية كديوان الإفتاء والمجلس الإسلامي ومشايخ الزيتونة الذين احتشدوا بالآلاف أمام مجلس النواب للتنديد بهذا المشروع، وبتقرير لجنة بشرى بالحاج حميدة المثير للجدل بسبب تعارض بعض مواده مع هوية الشعب التونسي الإسلامية، وتناوله مواضيع حساسة مثل المساواة في الميراث، وإلغاء عقوبة الإعدام، وعدم تجريم المثلية الجنسية، معتبرين أن هذه المبادرة تمس من هوية الشعب ومن الشريعة التي ضمنت للمرأة حقوقها بشكل عادل».
وأضاف: «فلا يجوز لأحد كائنًا من كان العبث بهوية الشعب التونسي أو أن يسنّ قوانين تعارض بعضَ قطعيات الشريعة المتفق عليها بالإجماع، وبالأخص مسألة مساواة المرأة بالرجلِ في الميراث. إنها قضية حساسة ومفتعلة تمثل عاملًا إضافيًا لتقسيم المواطنين وصرفهم عن قضاياهم الحقيقية وإعادة البلاد إلى مأزق الصراع حول الهوية، وكان من الأجدر الاهتمام بالفقر والبطالة والتنمية وتراجع قيمة الدينار التونسي وارتفاع المديونية، لذلك أنا من بين شريحة واسعة من التونسيين المعارضين لقرار المساواة في الميراث».
من جانب آخر، اعتبر الترخاني أن قائد السبسي «وقع في تناقض عجيب وهو ينكر علاقة البلاد بدينها وإسلامها وركز على الفصل الثانى فى الدستور التونسى ولم يذكر الفصل الأول الذى جمع بين دستور 59 ودستور 2014 الذى ينص صراحة على أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها، وينص أيضاً على أن الإسلام دين الدولة، بل إن دستور 2014 يعزز المرجعية الإسلامية للبلاد التونسية التي وجب احترامها».
وأضاف: «القضية المحورية في مبادرة السبسي هي قضية المساواة في الإرث، وما قام به السبسي لا يعدو كونه مناورة لرفع سقف المطالب من أجل تمرير هذه المبادرة والمصادقة عليها من طرف البرلمان التونسي. من أجل ذلك وقع اختزال المشروع في هذه النقطة وهو يدرك جيدًا أن إصراره على تمرير المشروع كاملًا سيفقده كثيرًا من الأصوات المحافظة خاصة بعد تظاهرة باردو وتنامي نسبة المناهضين لهذه المبادرة، لذلك أشار في خطابه إلى أن هذا التوجه يندرج في إطار دوره كرئيس دولة في تجميع التونسيين لا تفرقتهم، خاصة وأن الحزب الحاكم «نداء تونس» الذي أسسه السبسي عام 2012 يمر بمشاكل داخلية صعبة تحتم عليه تعزيز وضعه بمواجهة حزب النهضة الذي يملك حاليًا أكبر عدد من النواب، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2019».
كما اعتبر أن مشروع القانون الذي سيقترح السبسي حول المساواة في الميراث «لا يملك حظوظًا كبيرة للمصادقة على هذا المشروع بصيغته الحالية، اللهم إن خضع لتعديلات تجعله لا يتعارض مع أحكام الشريعة أو الدستور، خاصة بعد أن اتضح موقف قيادات حركة النهضة لهذا المقترح، وهو ما يجعل عملية تمريره أكثر صعوبة»، محذرًا من حدوث «تصدع اجتماعي واضطرابات داخل البلاد نتيجة خيبة الأمل في حال المصادقة عليه من قبل البرلمان التونسي».
وكان مراقبون تونسيون حذروا من تحول المعركة الانتخابية المقبلة إلى «صراع إيديولوجي» بهدف الوصول إلى السلطات، معتبرين أن زياد الاستقطاب السياسي والإيديولوجي قد يتسبب ببعض الفوضى في البلاد.
رشيد الترخاني: السبسي غير مخوّل للخوض في موضوع الميراث وكان عليه استشارة «أهل الاختصاص»
حسن سلمان