بغداد ـ «القدس العربي» ـ مصطفى العبيدي: في ظل مشاعر يغيب عنها التفاؤل والحماسة، يتوجه العراقيون للتصويت في الانتخابات المقررة يوم 12 من الشهر الحالي، وسط آمال ضئيلة بإمكانية الخروج بنتائج تسهم في تغيير قواعد اللعبة السياسية وإيقاف تردي أوضاع البلاد ولو جزئيا. وانطلق في السباق الانتخابي الحالي أكثر من سبعة آلاف مرشح ضمن 320 حزباً سياسياً وائتلافاً وقائمةً انتخابية، لمحاولة الحصول على أحد مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا.
وخلافا للانتخابات الثلاثة الماضية في العراق منذ 2003 جاءت الانتخابات البرلمانية الحالية وسط تشتت الكتل السياسية الرئيسية، وهي الكتل الشيعية والسنية والكردية، التي دخلت الانتخابات السابقة في كتل متوحدة طائفيا أو قوميا، لكنها انتقلت الآن من الاصطفاف الطائفي والقومي، إلى تحالفات وتكتلات مبنية على المصالح السياسية وتعكس عمق الخلافات الداخلية والصراع على السلطة ومغرياتها.
وبالنسبة للكتلة الشيعية التي تتحكم بمقاليد السلطة من خلال الاكثرية البرلمانية التي يترتب عليها احتلال المناصب الرئيسية في البلاد، فقد نجحت في تحقيق الأغلبية بفضل توحيد صفوفها ومشاركة جمهورها الواسع في الانتخابات بعد سلسلة من الاغراءات كالخدمات والمشاريع والتوظيف الواسع لملايين من أبناء الطائفة وخاصة خلال السنوات العشر الأولى بعد الاحتلال، إضافة إلى دور إيراني غير خفي في توحيد تلك القوى وقت الانتخابات. إلا ان السنوات الأخيرة وخاصة بعد تفشي الفساد ونقص الخدمات والضائقة الاقتصادية عقب انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى نتائج ظهور تنظيم «داعش» وسقوط أعداد كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية في المعارك معه، ساهم في ابتعاد القاعدة الجماهيرية عن الأحزاب الشيعية وخاصة الإسلامية منها التي تقود السلطة، كما ساهم الصراع بين تلك القوى على السلطة ومغانمها في تشتتها واضعافها. وبعد ان دخلت الكتلة الشيعية الانتخابات السابقة بثلاث كتل رئيسية، جاءت الآن بخمس كتل، أبرزها كتلتا حزب الدعوة وحلفاؤهما اللتان يقودهما حيدر العبادي ونوري المالكي وكتلة عمار الحكيم بعد انشقاقه عن المجلس الأعلى الإسلامي إضافة إلى التيار الصدري.
وفي سابقة لافتة، دخل التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر في تحالف انتخابي «سائرون» مع الحزب الشيوعي وحركات مدنية، يتوقع ان تحقق إحدى مفاجآت الانتخابات، نظرا لقيادة هذا التحالف التظاهرات الأسبوعية المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد، مما أكسبها تأييدا شعبيا كبيرا.
وعمدت الكتلة الشيعية هذه المرة إلى اتباع تكتيك جديد يعتمد اختراق الساحتين السنية والكردية مستغلة أجواء تفرق وتشتت القوى السياسية فيهما. إذ قامت بحراك واسع لضم شخصيات سنية وكردية إلى قوائمها، لتكون غطاء للتحرك في تلك الساحات ومحاولة كسب أصوات إضافية من غير الشيعة لتحقيق الأغلبية المطلوبة.
وعدّ وزير التربية محمد اقبال، «أن هدف خوض حزب الدعوة، الانتخابات بجناحين انتخابيين بزعامة المالكي والعبادي، هو كسب أصوات الشيعة والسنة والاحتفاظ برئاسة الحكومة، وهو ما يعني عدم وجود أي تغيير في الواقع السياسي العراقي، ويعني أن مسلسل الفشل والاقصاء والاستحواذ على السلطة سيبقى مستمرا في العراق» حسب قوله.
وليست القوى السنية بعيدة عن التشتت ذاته، نتيجة عوامل أسهمت في ابتعاد قاعدتها الجماهيرية عنها بعد سنوات من الاخفاقات والفساد والفشل في إدارة تلك المحافظات وعجزها عن الدفاع عن حقوق أهل السنة وخاصة في المحافظات المنكوبة التي خضعت لسيطرة تنظيم «داعش» وذاقت الأمرين على يده. ثم جاءت معارك التحرير لتكمل تدمير معظم المدن السنية وسط أنهار من دماء الشهداء، وملايين النازحين من أهلها في المخيمات ولأكثر من ثلاث سنوات عانوا فيها من الذل والتشرد ونقص الخدمات. وقد حمّل سكان تلك المحافظات، القيادات السنية، المسؤولية عن تدهور أوضاعها بغياب قيادة موحدة قادرة على مواجهة التحديات. وقد أسفر ذلك الواقع عن ظهور قوى سنية أبرزها «المشروع العربي» بقيادة الشيخ خميس الخنجر الذي كانت له مواقف داعمة للنازحين وطرحه مشروع وطني لإعادة إعمار المحافظات المنكوبة اضافة إلى علاقاته العربية.
أما الأحزاب الكردية في الإقليم، فإنها دخلت الانتخابات، ولأول مرة، كتلا متفرقة ومتناحرة وتتبادل الاتهامات بينها حول الاخفاقات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة. فإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة الناجمة عن العقوبات التي فرضتها حكومة بغداد عقب إجراء الاستفتاء على الانفصال عن العراق، ومع تعمق الأزمة المالية جراء انخفاض أسعار النفط، فان الضربة الكبرى للقيادات الكردية جاءت بعد فرض القوات الاتحادية سيطرتها على كركوك الغنية بالنفط والمناطق المتنازع عليها وانسحاب البيشمركه منها، منهية بذلك حلم تلك القيادات بضمها إلى الإقليم.
وأسهم كل ذلك في تعمق الانقسامات بين الأحزاب الكردية وظهور أحزاب وقوى جديدة تدعو إلى الإصلاح في إدارة الإقليم ووقف الفساد وانهاء سيطرة الحزبين الرئيسيين «بارزاني وطالباني» على الإقليم، حيث برزت قوى مهمة لها شعبية منها حركة التغيير وحركة «الجيل الجديد» وتحالف الديمقراطية والعدالة الذي يقوده برهم صالح بعد انشقاقه عن الاتحاد الوطني الكردستاني.
مواقف المرجعيات الدينية من الانتخابات
منذ عام 2003 أصبح لمواقف المرجعيات الدينية، دورا مؤثرا في المشهد السياسي العراقي، وخاصة الانتخابات، حيث يتطلع الجمهور الواسع إلى فتاوى المرجعية الشيعية التي سبق وأعلنت مبدأ «المجرب لا يجرب» لاختيار قيادات جديدة بدل المتورطة بالفساد والفشل منذ 15 سنة.
وقبل أيام من موعد الانتخابات، جددت المرجعية الشيعية العليا موقفها بضرورة تفادي الوقوع في شباك المسؤولين الفاسدين والمخادعين، مشيرة إلى قيامها بتشخيص الكثير من الأخطاء في العملية السياسية. ودعا ممثل المرجعية عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة الماضية إلى وضع قانون انتخابي عادل ومنع استغلال السلطة واضاعة المال العام ورفض التدخل الخارجي في الانتخابات واختيار الصالح، مؤكدا عدم وقوف المرجعية مع أي جهة أو شخص.
وقد حظي موقف مرجعية النجف بدعم شعبي واسع، بل وتأييد بعض المرجعيات السنية وأبرزها رجل الدين البارز عبد الملك السعدي، الذي دعا إلى تبني موقف السيستاني بشأن تفسير مقولة «المجرب لا يجرب» وذلك في المحافظات السنية أيضا، مشددا «ان المرشحين للدورة البرلمانية الحالية، ممن شاركوا في العملية السياسية للدورات السابقة، كان عليهم التنحي عن المشاركة لأنهم لم يقدموا للعراق إلا الفقر والبطالة والقتل والدمار».
إلا ان الأحزاب الكبيرة لم يرق لها هذا الموقف ولجأت إلى الالتفاف عليه بتبريرات مختلفة، بهدف مواصلة الحصول على دعم الشارع والاحتفاظ بامتيازاتها.
توقعات التزوير
وفي خضم معركة الانتخابات، تصاعدت الأصوات باحتمال حصول عمليات تزوير من القوى السياسية المتنفذة للحفاظ على هيمنتها على السلطة وعدم حصول تغيير مهم.
وحذر رئيس ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، بان كل المؤشرات تدل على أن الانتخابات البرلمانيةَ المقبلة ستشهد عمليات تزوير واسعة، مشيرا إلى ان «أجواء العملية الانتخابية غير سليمة لما فيها من تشهير وتسقيط» من قِبل من وصفهم بالمرتزقة.
كما حذر من شراء الأصوات والتلاعب بالانتخابات، منوها «لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه مثل هذه الممارسات». وخاطب العراقيين: «ما زلنا نتذكر مصادرة أصواتكم عام 2010 وكيف استغل البعض نفوذه وعلاقته الدولية لتمرير التفافه على الحق».
وفي الوقت الذي دعا فيه رئيس البرلمان سليم الجبوري، مفوضية الانتخابات إلى «عدم السماح لأي جهة بالتدخل في عملها» حذر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، همام حمودي، من «لجوء البعض لاستخدام المال للتأثير على الناخبين».
أما النائب عن صلاح الدين شعلان الكريم، فعبر عن الخشية من عزوف كبير في المحافظة بسبب تهديد السلاح، مؤكدا أن «هناك جهات تهدد الناخب وتفرض علية انتخاب مرشحين من خارج المحافظة» في إشارة إلى بعض الميليشيات.
ويشير المراقبون إلى وجود مؤشرات تؤكد النية للتزوير، ومن ذلك اصرار الأحزاب الكبيرة على ادخال عناصر تمثلها في مفوضية الانتخابات ومراكزها، وهو ما يتعارض مع استقلالية المفوضية ويدل على النية المبيتة للتلاعب.
وينتقد العراقيون حجم الأموال الهائلة التي تصرفها الأحزاب على الحملات الدعائية، وقيامها باستغلال أجهزة الدولة لترجيح الانتخابات لصالحها، ولجوء بعض الأحزاب للضغط على النازحين لانتخاب مرشحيها، كما رفضوا تخصيص 296 مليار دينار لإدارة العملية الانتخابية في وقت يعاني العراق من ضائقة مالية وانتشار للفقر والبطالة.
«داعش» والانتخابات
وتزامنا مع الانتخابات، أطلقت بقايا تنظيم «داعش» تهديدات باستهداف المراكز الانتخابية والمرشحين والناخبين وكل من يروج للانتخابات، في محاولة لثني الجمهور عن المشاركة. وشهدت الأيام القليلة الماضية، تصعيدا في الخروقات الأمنية عبر عمليات مهاجمة مواقع عسكرية في ديالى وكركوك وقرب بغداد بأسلوب الهجمات المباغتة والفرار، إضافة إلى وقوع عمليات اغتيالات واسعة ضد مرشحين أو موظفين في مفوضية الانتخابات. وكانت مجزرة الطارمية من أبرز الهجمات، حينما استهدف مسلحون بالزي العسكري، قرية نائية شمال بغداد وقاموا بإعدام أكثر من 30 مدنيا بينهم نساء وأطفال، كما هاجمت عناصر التنظيم نقاطا أمنية قرب جلولاء في ديالى وصلاح الدين وأماكن أخرى وأسفرت عن اصابات بين عناصر الأمن والمدنيين.
السيناريو المتوقع
ويؤكد المتابعون للعملية الانتخابية، ان كل المؤشرات تشير إلى ان نتائجها لن تكون مغايرة كثيرا لترتيب القوى السياسية الرئيسية السائد منذ 2003 حيث ان نظام سان دييغو الانتخابي الذي اعتمده البرلمان، هو مفصل على مصلحة الأحزاب الكبيرة المتحكمة بالسلطة، وتم اعتماده لضمان بقاءها. وبالتالي فان المتهمين بالفساد والطائفية والفشل، باقون في الدورة البرلمانية والحكومة المقبلتين، وسط تحذيرات من قلاقل وتوترات أمنية قد تحصل بعد الانتخابات من بعض القوى، حسب تحذير المرجع الشيعي الشيخ جواد الخالصي.
وفي هذه الانتخابات، تبدو الكتل الشيعية مشتتة، ولا يستطيع أي منها الفوز بعدد حاسم من المقاعد لتشكيل الأغلبية في البرلمان المقبل، ما يؤدي إلى حاجة تلك الكتل إلى عقد تحالفات بينها بعد ظهور نتائج الانتخابات، كما ستعمد الكتلة الشيعية للاستعانة ببعض الشخصيات السنية والكردية لتشكيل الأغلبية. وهنا سيبرز الدور الإيراني في توحيد الكتل الشيعية واختيار الحكومة المقبلة، خاصة مع توقع ان يكون العراق أبرز ساحات المواجهة المحتملة بين أمريكا وإيران إذا وقعت.
وبانتظار نتائج الانتخابات، يحدو العراقيون أمل ضئيل بإمكانية تغيير قواعد اللعبة السياسية، عبر التطلع لمفاجآت ربما تحصل بوصول قوى جديدة توقف الانهيار الكبير في أوضاع البلد.