رمضاء الإخوان ونار السيسي

حجم الخط
21

 

الرقم، في ذاته أولاً، مذهل ومتعدد الدلالات: على امتداد 100 عام من حياة مصر السياسية، أي خلال القرن العشرين بأسره، بما شهده من استعمارات وانتدابات واحتلالات وأزمات وطنية وثورات وحروب… صدر في مصر 1429 حكماً بالإعدام؛ وأما في الفترة بين تموز (يوليو) 2013 وحتى الآن (أي عهد عبد الفتاح السيسي)، فإنّ المحاكم المصرية أصدرت 1480 قراراً بالإحالة إلى المفتي (وهذا يعني الإعدام، كما هو معروف في تقاليد القضاء المصري)، في 44 قضية، تضمنت 791 حكماً بالإعدام!
وإذا كانت هذه الخلاصة الرهيبة، التي تعرضها «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات»، تشير إلى حال الاستسهال الفظيعة، التي باتت المحاكم المصرية تنزلق إليها بصدد عقوبة الإعدام؛ فإنها، من جانب آخر توفّر سلسلة من الأدلة الدامغة على سياسة متكاملة أقرّها النظام، وأخذ ينوّع طرائق تطبيقها، في تسخير القضاء الجنائي، أو القضاء العسكري، بغية تصفية الخصوم السياسيين، وترويض المعارضة على اختلاف تياراتها ومستويات عملها.
و»التنسيقية المصرية» تعتبر هذه السياسة «انتهاكاً خطيراً للحقّ الأول والأصيل للإنسان، وهو الحقّ في الحياة، ويعيد البلاد عصوراً إلى الوراء حيث يتمّ التغوّل بمنتهى الوضوح على العمل القضائي، ويتمّ إلباس التصفية السياسية ثوب القانون والعدالة المزيفة». وإذْ تطالب المنظمة بـ«إبعاد القضاء عن تأثيرات العملية السياسية، وتفعيل دور القضاء والنيابات في تطبيق القانون وتحري العدالة، لا في إنفاذ وتمرير مآرب السلطات السياسية»؛ فإنها تشدد على ضرورة تخليص المحاكم من تأثيرات السلطات التنفيذية، خاصة وزارة الداخلية وأجهزة الأمن، التي اعتادت تلفيق الاتهامات، وأخذ الاعترافات من المتهمين نتيجة التعذيب أو الإخفاء القسري.
وفي تقريره عن العام 2014، كان «التحالف الدولي ضدّ عقوبة الإعدام»، الذي اعتاد إحياء يوم عالمي لمناهضة هذه العقوبة؛ قد أوضح أنّ نيجيريا وحدها سبقت مصر في إصدار أحكام الإعدام (659، مقابل 509). ولكنّ الجانب الآخر في المأساة كان تكتيك الدفاع الذي اعتمدته أجهزة النظام، حين صنّفت مثل هذه التقارير، التي تصدرها منظمات دولية مستقلة، في باب «التدخل الخارجي الوقح» في شؤون القضاء المصري، «المستقلّ» و«النزيه» و«السيادي»!
والحال أنّ هذا القضاء قد يكون، بالفعل، مستقلاً ونزيهاً ومحايداً في حالات استثنائية؛ كأنْ يبطل أحكام الإعدام خلال الاستئناف أو النقض (كما في مثال حكم الإعدام بحقّ محمد مرسي، المنقلب من رئيس منتخب شرعياً، إلى ضحية للانقلاب العسكري الذي قاده السيسي)؛ أو أن يذهب إلى درجة تحدّي قرارات الحكومة، في القضاء الإداري (والمثال الأبرز هو تثبيت مصرية جزيرتَيْ تيران وصنافير، ورفض طعن الحكومة). وقد يحدث، في المقابل، أن تنقلب صفات الاستقلال والنزاهة والسيادية إلى مزيج من المأساة والمهزلة، كما في تبرئة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك من تهمة التورط في قتل متظاهرين خلال انتفاضة 2011؛ أو تبرئة الغالبية الساحقة من رجالات العهد البائد، سواء بصدد انتهاك القوانين، أو الفساد والإثراء غير المشروع.
ويبقى أنّ بعض المسؤولية في انحطاط القضاء، وتردّي أوضاع حقوق الإنسان والمواطنة في مصر عموماً، إنما يقع على عاتق معظم فئات المعارضة المصرية لنظام مبارك؛ التي تلهفت على الاستجارة من رمضاء الإخوان المسلمين، وأخطاء مرسي الكثيرة، بنار الانقلاب العسكري، وإعادة إنتاج سلطة العسكر. ولعلّ ذروة المفارقة أنّ ذلك الانقلاب لم يبدأ من تصفية خصومه وحدهم، بل استكمل سيرورة تثبيت أركانه عن طريق التهام الأنصار السابقين أيضاً!
وليس تفصيلاً عابراً أن يكون القضاء المصري خلال ثلاث سنوات من حكم السيسي، قد تفوق في إصدار أحكام الإعدام على القضاء ذاته خلال 100 سنة من عمر مصر الحديثة، والمعاصرة؛ مع فارق إضافي، رهيب بدوره: أنّ القادم قد يكون أعظم، وأشدّ هولاً!

رمضاء الإخوان ونار السيسي

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Passerby:

    ومع ذلك تبقى هذه الأرقام متواضعة جد متواضعة بالمقارنة مع ضحايا النظام الأسدي المجرم والتي تعد بمئات الألاف.

  2. يقول محمد صلاح:

    لم ينفذ حكم بالإعدام منذ ثورة ٢٥يناير
    الا فى شخصين ثبت تورطهم فى قتل بدم بارد
    احدهم قتل طفل بالقاءة من سطح عمارة وهذا أدى الى قتله وهذا مصور بالصوت والصورة والمحاكمة أخذت كل الوقت وكل الدرجات
    والشخص الثانى هو حباره المنتمي لداعش الذى اعترف بقتل جنود مصريين وقتل احدى رجال الشرطة
    اما كل الأحكام بالإعدام لم تنفذ ومعظمها لمتهمين غيابيا
    طبقا للقانون يصدر أقصى حكم على المتهم الهارب وإذا حضر الى المحكمة يتم اعادة المحاكمة من البداية ومعظم المتهمين يتم الحكم بالسجن اوالبراءه
    انظر الى الدول المجاورة فى السعودية والكويت والبحرين وغيرها يتم حالات كثيرة بالإعدام ولم يتكلم احد عن ذالك
    ولكن الكل يركز على مصر فقط

    1. يقول محمود أمريكا:

      لا تنسى من مات بسبب التعذيب او الاهمال يا اخي

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    هناك شعوب تستحق الحياة بعزة وكرامة لأنها حافظت على حرية قرارها كالشعب التركي مثلاً
    وهناك شعوب ضحت بحرية قرارها فحصلت على الذل والهوان كالشعب ….
    لا تَـسقِني مـاءَ الـحَياةِ بِذِلَّةٍ بَـل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
    مـاءُ الـحَياةِ بِـذِلَّةٍ كَـجَهَنَّمٍ وَجَـهَنَّمٌ بِـالعِزِّ أَطـيَبُ مَنزِلِ
    – للشاعر الفارس عنترة بن شداد العبسي –
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول المحلاوي:

    الإخوان في مصر لم يأتوا للحكم بانقلاب ، أو عبر عنف ، أو على ظهر دبابة . عرضوا أنفسهم وبرنامجهم على شعب عريق فكسبوا أصواته في انتخابات قل نظير نزاهتها ، فجن العالم الذي شهد بشفافيتها بسبب نتيجتها ، وتآمر فقلب تلك النتيجة . ومنذ ذلك الإنقلاب ، ومصر البهية المظلومة تئن تحت الأسواط ، وتتجرع كؤوس الإحباط لأنها أعطت الأصوات للبروفيسور محمد مرسي العياط !

    1. يقول محمد صلاح:

      الاخ المحلاوي
      هتلر جاء بالانتخابات
      وشوف عمل اية فى خلق الله
      البعض من الاخوان الان اعترفوا ان الاخوان كانوا غير مؤهلين لحكم بلد فى حجم مصر
      وأبرزهم عمر دراج القيادى الاخوانى
      الذى قال ان الاخوان يجب ان يركزوا فى الدعوة
      ويتركو السياسة والحكم لأنهم فاشلين وفقدوا تعاطف المصريين معهم بسبب استخدام الدين فى تحقيق مكاسب سياسية وخدعوا الشعب المصرى والنتيجة انتهوا
      وأعلن الرجل اعتزال الحياة السياسية بغير رجعه
      ومعهوا بالمثل آلاف من الاخوان

  5. يقول سامح //الاردن:

    *إذا حكم العسكر أي بلد في العالم
    يحولوه الى سجن كبير والحديث في
    هذه الحالة عن (قضاء مستقل) نكتة
    وكلام غير منطقي..؟؟؟!
    * (مصر ) لا تشذ عن هذه القاعدة.
    المشكلة أعطوني دولة عربية واحدة
    فيها قضاء مستقل وغير (مسيس)؟؟؟
    يا سادة القاصي والداني يعرف دولنا
    العربية عبارة عن مزارع وبساتين للحكام
    ومن لف لفهم.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.
    سلام

  6. يقول آدم. س.د:

    في تقرير نشر على موقع “أمنستي أنترناسيونال” في كانون الثاني ٢٠١٦ صرح المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للدفاع عن الحقوق والحريات أنه لم يحدث خلال العقد الأخير أن كان العمل في مجال حقوق الإنسان في مصر محفوفاً بالمخاطر كما هو الآن.وحسب قوله فإنه في مصر اليوم، يعيش جميع نشطاء حقوق الإنسان والمحامين والنشطاء السياسيين والصحفيين المستقلين، تحت سطوة الرقابة على مكالماتهم الهاتفية، وحملات التشهير التي لا تنتهي، وخطاب الكراهية الذي يستهدفهم في وسائل الإعلام التابعة للدولة، فضلاً عن المضايقات المستمرة والترهيب من جانب السلطات…
    فيما نشرت “هيومن رايتس ووتش” مؤخرا في تقريرها العالمي أن الانتقاد العام والمعارضة السلمية للحكومة لايزالان ممنوعين عمليا في مصر. فقد عذبت قوات الأمن المعتقلين بشكل روتيني، وأخفت مئات الأشخاص قسرا في ٢٠١٦. بعد أن سجنت عشرات آلاف المعارضين السياسيين منذ عَزَلَ الجيشُ الرئيس السابق محمد مرسي في ٢٠١٣، كما اتخذت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في ٢٠١٦ خطوات غير مسبوقة في تجريم العمل الحقوقي وخنق منظمات المجتمع المدني المستقلة….
    قد نشك في أن الشعب اختار بطواعية نار النظام العسكري على رمضاء حكم التيار الإسلامي كما تسوق له وسائل الإعلام الرسمية، لكن لا يمكن أن يشك أي مراقب في أن القوى العظمى وأمراء الخليج تفضل نظام السيسي على حكم الإخوان المسلمين وهذا المعطى هو الذي كان حاسما في نجاح الثورة المضادة على المستوى الداخلي وإضفاء المشروعية على نظام انقلابي في المحافل الدولية على المستوى الخارجي!

  7. يقول عبد السلام الفاسي - فرنسا:

    القضاء في المفهوم العالمي مربوط بالعدل اما في مصر فيعبر عن القضاء على الحريات وتشريع الظلم

  8. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    بداية, آسف جئت البيت متأخرا ليلة البارحة قبل عملية التبديل الإخباري للقدس العربي, فكانت ردود كثيرة خصوصا من السيدة غادة الشاويش, وبما أن البارحة قضت واليوم وليدها الجديد, فلاداعي لتكرار ماقيل. إلا أن جوابي يكون على التالي:
    أولا ياغادة , لايمكن ولايجوز لك أو لغيرك أن تطلبي من الناس وضع عقولهم في ثلاجات وتصديق أي شيء يحكى لهم, إن وأد العرب بناتهم , النتيجة حتما الإنقراض, عملية سهلة .
    ثانيا: لاتنتظري مني أن أحكم لك عمن يكون الصادق من إثنين أهو مسلم أو أبو فراس الحمداني؟ لسبب بسيط أنه يصعب على أي إنسان يفكر منطقيا التأكد من صحة من قال ومن لم يقل , وكيف قال وفي أي مناسبة ؟
    ثالثا: لماذا تثور ثائرتكم عندما تظهر لكم آيات أو أحاديث من النصوص قد تشعر بعضكم بالحرج فيقصدون ساعي البريد عوض المحتوى؟
    سأكتفي. اليوم يوم جميل والشمس مشرقة ودفء منعش رائع على الأقل لدينا هنا وكذلك على أخينا داود في النرويج , فلاداعي لإفساد الصورة.
    تحياتي.
    أما عن مصر, وكما قال المفكر المغربي أحمد عصيد : ” ‎لأن طبيعة “الإخوان” أنهم يريدون السلطة كلها أو يفقدونها كلها”

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      أين هذه الشمس المشرقة يا جاري العزيز ؟ إنه الضباب متلبد بالضباب
      ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      للأسف هذا هو الواقع يا أخي عبد الكريم ولدينا يوم مشمس هنا في وسط ألماني. لقد تناقشت مع أنصار الأخوان في مصر قبل الانقلاب فكان جواب أحدهم على كلامي “أنت لاتفهم بالسياسة”وعندما التقيت به بعد الانقلاب بدأت بالنقاش وقلت له أنت ماذا حصل فكان جوابه أبسط مما توقعت فعلا حيث قال “لا أريد التحدث بالسياسة” فسكت ومازلت أنتظر منه فرصة للحديث عن السياسة مع أنني ألتقي به من فترة لأخرى لكن الحديث يقتصر على عموميات الحياة!

  9. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    اولا يجب علينا الا نتلاعب بالالفاظ وان نسمي الاشياء بمسمياتها وان نكون صريحين في دكر الحقائق المرة التي نلمسها ونعايشها في حياتنا اليومية ففي منطقتنا العربية لا توجد دول بالمعنى الصحيح للكلمة ولا توجد حداثة كما تدعي ابواق الانظمة ولا عصرنة فنحن لا زلنا نعيش مرحلة ما قبل الدولة رغم مظاهر المدنية الزائفة حيث لا وجود لمؤسسات دستورية على ارض الواقع فما نراه مجرد ديكور تتزين الانظمة للايحاء بانها تساير روح العصر وانها تسير في الاتجاه الصحيح اما الواقع فهو انظمة تحكم بمنطق القرون الوسطى وبرلمانات صورية تؤيد ولا تعارض منحازة للنظام ولا صلة لها بالشعوب قوانين مكتوبة جامدة لا يعمل بها الا عند الضرورة لاسكات المعارضين او لاخافة المحتجين اجهزة قضائية موالية قلبا وقالبا للنظام يستعملها كسيف مسلط على رقاب المعارضين والبسطاء وكل من يتجاوز الخطوط الحمر لا صلة لها بالاستقلالية اطلاقا استبداد واستعباد وقمع ممنهج جهاز تعليمي منهار وفاشل مستشفيات تفتقر الى ابسط شروط الصحة ادارة فاسدة لا تخدم المواطن ان كانت هناك مواطنة اصلا فقر مدقع بطالة متفشية بين اوساط الشباب زبونية ومحسوبية مجتمعات مهمشة يعشش فيها الجهل والامية والتخلف والعادات السيئة وتؤمن بالشعودة وقس على دلك من الموبقات والسلبيات الهدامة والقاتلة التي تجعل من المنطقة العربية الجزء الاكثر والاكبر تخلفا مقارنة مع باقي دول العالم فما يحدث في مصر ليس غريبا على منطقة ينخرها الاستبداد وتحكمها انظمة قمعية تختصر الوطن في شخصها فالحاكم هو الوطن والوطن هو الحاكم فكيف تريدون من بلدان كهده ان تنعم باستقلالية القضاء وان يكون نزيها ومستقيما وعادلا ومنصفا؟ وكيف تريدون من الانسان العربي ان ينعم بالامن والامان والطمانينة وهو يعلم ان الظلم بشحمه ولحمه يخيم على الفضاء العربي جميعه دون استثناء؟ وكيف ستستقر الاوضاع في المنطقة العربية دون عدالة حقيقية؟ الا يعتبر العدل هو اساس الملك؟ الم يطلب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز من احد ولاته ان يسيج ولايته بالعدل ان اراد ان يوفر لنفسه الامن والسلام؟ الم يقل كونفوشيوس – كيف السبيل الى محاربة عنف الناس يا حكيم الصين؟ بالعدل يا مولاي بالعدل – اليس الظلم في مكان ما هو تهديد للعدل في كل مكان كما قال دات يوم د.مارتن لوثر كينغ.

  10. يقول حازم الهنيدي / السويد:

    ماذا تقولون عن العدالة المصرية …
    ستظل براءة المخلوع مبارك وزبانية حكمه وصمة عار في جبين العدالة المصرية
    لا تجد مكان في جبين العدالة المصرية نظيف … الحكم علي 500 اعدام في جلستين اليس هذا عار
    اليس عارا الحكم ببراءة الضباط والمماطلة في قتل الابرياء … اليس عارا
    لك الله يامصر

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية