روسيا والنظام يعملان على توسيع استراتيجية «الجوع حتى الركوع» إلى حلب… أسلحة فتاكة واستهداف المدنيين وقوافل الإغاثة وحرق ما تبقى منها

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تظهر استراتيجية الأيام الأخيرة في حلب أن النظام السوري والحليف الروسي معه مصممان على تطبيق سياسة «التجويع والتركيع» من خلال تحويل حياة السكان لجحيم لا يطاق.
وهذه هي الإستراتيجية نفسها التي نجحت في حمص وداريا ومعظم المدن السورية التي فرضت قوات النظام والمدعومة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وميليشيات أبو الفضل العباس.
ويبدو أن الهدنة التي توافقت عليها الولايات المتحدة وروسيا وانهارت يوم الإثنين الماضي كانت فرصة للنظام كي يتقدم ويحسم المعركة لصالحه.
وكما أشارت مجلة «إيكونومست» في عددها الأخير فقد استغلت إيران فترة الهدنة القصيرة وعززت من وجودها حول حلب الشرقية التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة المسلحة. ونقلت صحيفة «التايمز» عن جوشوا لانديز، مدير مركز الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما قوله إن مدينة حلب ستسقط «أنظر لما فعلته أمريكا في تكريت والرمادي والفلوجة حيث كانت القوات العراقية أقل قوة من مقاتلي تنظيم «الدولة». ودمرت القوة الجوية هذه المدن». وتأتي المحاولة الأخيرة وسط شعور لدى الروس أن هناك فرصة للسيطرة على الجزء من حلب من خلال تكثيف القصف الجوي والمدفعي لدفع السكان على الجلاء منها.
وهذا بديل عن خيار دخول المدينة لأن النظام ليس لديه القوات الكافية للسيطرة على كل مبنى من مباني حلب الشرقية.

الأرض المحروقة

ولوحظ في الغارات الجوية استخدام القنابل السجادية التي وصف السكان أثرها حيث تقوم باختراق الارض أولا قبل أن تنفجر وتترك وراءها حفرا عميقة واهتزازات تشبه الزلازل الأرضية.
وفي بيان وقعته 30 جماعة معارضة وصفت الحملة العسكرية بأنها تعبير عن سياسة «الأرض المحروقة» حيث استخدمت فيها القنابل السجادية وقنابل حرارية ملتهبة من نوع تي أو أس- 1 إي كتلك التي استخدمها الروس في قصف مدينة غروزني، عاصمة الشيشان عام 1999.
وتقوم استراتيجية النظام السوري وحلفائه الروس على سحق السكان المدنيين الذين يقدمون الدعم للمقاتلين كوسيلة لإجبارهم على الإذعان.
وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن نظام الأسد حشد من قواته وتلك التي تدعمه في عملية طامحة من أجل السيطرة على الجزء الشرقي من المدينة المقسمة والتي كانت قبل الثورة قلب سوريا التجاري والصناعي.
وتعلق الصحيفة أن «القتل والدمار في سوريا أصاب معظم العالم بالخدر في السنوات الخمس الماضية ولكن ما يجري في حلب لا يقارن، التي كانت أكبر مدن سوريا ولا يزال يعيش فيها مليونا شخص».
ووصف المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا، المعركة الحالية بأنها ستكون «بطيئة، وطاحنة وقتال شوارع على مدار أشهر إن لم تكن سنوات».
وتعلق الصحيفة أن شرق حلب ربما كان من أكبر المواقع تحصينا والتي حاولت الحكومة السيطرة عليها من خلال استراتيجية الأرض المحروقة والشعارات «الجوع أو الركوع» التي كتبتها الميليشيات على الجدران خارج المدينة.
وتعلق أن الأسلوب نجح في مناطق صغيرة الحجم مثل الأحياء المحيطة ومركز مدينة حمص- البلدة القديمة وفي الأيام الأخيرة في حي الوعر.
وأظهرت القوات التابعة للنظام في الأيام الأخيرة أنها تريد تطبيق السياسة نفسها في حلب من خلال التصعيد والتقدم خطوة خطوة نحو معاقل المعارضة.
ولم تغب هذه التطورات عن اجتماع لمجلس الأمن الذي خرج منه مندوبو كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عندما بدأ المندوب السوري بالحديث.
ووصف المندوب البريطاني ماثيو ريكروفت النظام السوري بالمتعطش لدماء شعبه والذي استخدم كل أنواع البربرية في الخمس سنوات الماضية، إلا أن النظام السوري والروس «غاصوا هذا الأسبوع عميقا وأطلقوا العنان لجهنم في حلب». واتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا الروس بارتكاب جرائم حرب.
وتقول الصحيفة إن الحرب على حلب شاملة فلم يقتصر الهجوم على الغارات الجوية أو مواقع المعارضة وإنما على النظام الذي ساعد في الحفاظ على الحياة فيها. وقالت منظمة الخوذ البيضاء أن سيارات الإسعاف ومراكزها كانت أول الأهداف التي ضربها الطيران الروسي وطائرات النظام.
واستخدمت في المعركة كل الأسلحة الفتاكة من النابالم إلى القنابل السجادية والقنابل الحرارية.
وتعلق الصحيفة أن حجم القصف وتحويل حياة السكان الباقين في حلب الشرقية لجحيم لا يطاق قد يجبرهم على الخروج بأي ثمن كما حدث في حمص وأحياء دمشق.
ومن هؤلاء من سيوافق على شروط الحكومة وهي البقاء في مناطقها بعد إعادة تريبت أمورهم و»وتنظيف» ملفاتهم مع مخاطر تعرضهم للاعتقال من جديد أو النقل بالحافلات إلى مناطق المعارضة وبالتالي التعرض لغارات جوية جديدة.
وتم وضع الأسس لهذا الخيار في حلب الشرقية حيث منع وصول المواد الغذائية والأدوية إلا بالكاد، ثم جاءت الغارة على قافلة المواد الإنسانية يوم الإثنين والتي أدت لوقف الهدنة. ولم تنتج المحادثات بين الطرفين منذئذ عن أي اتفاق وظلت روسيا والولايات المتحدة تتبادلان الإتهامات حول الطرف المسؤول عن نهاية الهدنة. وكانت هذه هي آخر فرصة للحل.

الفرصة الأخيرة

ولهذا تقول صحيفة «دايلي تلغراف» في افتتاحيتها إن العداء بين الولايات المتحدة وروسيا المفتوح اليوم يذكر بشكل كبير بنيكيتا خروشوف الذي استخدم حذاءه عام 1960 ليضرب به على الطاولة في مجلس الأمن الدولي.
وتقول إن الهدنة التي رعتها واشنطن وموسكو قبل أسابيع تبدو عصية على الإصلاح فيما زادت مظاهر العداء وحالة عدم الثقة.
وبدأت الهدنة في التفكك عندما قامت المقاتلات الأمريكية بضرب قوات النظام السوري في دير الزور وقتلت منهم 62 جنديا. وتبع هذا الهجوم على قافلة المساعدات الإنسانية التي كانت تقودها الأمم المتحدة والتي تقول الدول الغربية أنها إما من فعل النظام السوري أو الطيران الروسي.
واتهمت سامنثا باور، المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة الكرملين «بالكذب البواح» فيما اتهم بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأشارت الصحيفة للرد الروسي حيث اتهمت موسكو الغرب بأنه زود المعارضة لنظام الأسد بالسلاح في خرق واضح لشروط اتفاق وقف إطلاق النار.
وتعلق الصحيفة أن هذا الوضع المثير للقنوط لا يؤذي الدبلوماسيين الجالسين حول الطاولة في نيويورك ولكنه يضر مباشرة بسكان حلب المستضعفين وبقية المدن السورية التي تعاني من عودة القصف والمذابح. وقالت إن لعبة تبادل الاتهامات بين مبعوثي الدول ذات التأثير الكبير حول الفصائل المتعددة في هذه الحرب الأهلية لا تساعد أحدا.
وتقول إن إراد الرئيس باراك أوباما إرثا فيما تبقى له من أشهر في البيت الأبيض فعليه أن يجمع كل الخيوط إن كان يريد إنقاذ شيء بحيث يسمح بوصول المواد الإنسانية من جهة ويفتح الطريق أمام تسوية سياسية من نوع ما.
وتعترف الصحيفة بصعوبة التعامل مع بوتين الذي لا يمكن الثقة فيه «ويجب أن لا يسمح لهذه الفرصة، ومن أجل أهل سوريا، الإنهيار لأنها قد تكون الأخيرة».
وفي هذا السياق علقت صحيفة «الغارديان» على تغير اللهجة بين الأطراف المؤثرة في الحالة السورية بأنها تعلم مرحلة جديدة.
ونقلت عن توم فليتشر، السفير البريطاني السابق في لبنان قوله، إن التغير بالنبرة التي شاهدناها يوم الأحد في مجلس الأمن تعبر عن تطور جديد في طريقة رد الغرب على الأزمة.
وقال «عادة ما تتسم اللغة الدبلوماسية بالحذر، وحتى مجموعة الاتصال الدولية حول سوريا تحدثت في بيانها عن أن الصبر مع روسيا لن يكون بدون حدود».
وقال إن ردود فعل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن كانت فجة مع روسيا «وهي تظهر أن السياسة السابقة التي قامت على الثقة بروسيا على أمل تقييد تصرفات الأسد قد دفنت تحت أنقاض حلب» وهي «تعلم وجها جديدا، فقد حسب الأسد أن الإنتخابات الأمريكية أعطته اليد الحرة لمواصلة المذابح وسنرى فيما إذا كان قد أساء تقدير استعداد الولايات المتحدة لحماية الضعفاء» ومن هم في حاجة ماسة للمساعدة.
ولكن هل لدى الرئيس باراك أوباما الوقت الكافي لعمل ما كان يجب عليه عمله في عام 2011 و 2012 هذا هو ما حاول فرد هيات الإجابة عليه في مونولوج في صحيفة «واشنطن بوست».

مونولوج

وكتب هنا حول الدور الأمريكي وقال فيه إن الرئيس أوباما في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن لديه الكثير لكي يقوله حول الحرب الأهلية السورية.
وقال «لا يوجد نصر نهائي يمكن تحقيقه» ولهذا فستواصل الولايات المتحدة «العمل الدبلوماسي الشاق الهادف لوقف العنف وإيصال المساعدات الإنسانية ودعم من يبحثون عن تسوية سياسية»، هذا كل ما قاله في خطابه ومن ثم انتقل إلى موضوعات أخرى.
ويعلق هيات قائلا إن الرئيس كان يتحدث في وقت كانت تنهار فيه مبادرته الدبلوماسية. ولم يكن هذا مفاجئا خاصة أن سوريا كانت هي أكبر فشل استراتيجي وإنساني له.
ويمضي الكاتب قائلا «ولكن أوباما هو أوباما، وبالتأكيد فقد أعطى الموضوع تفكيرا كثيرا أكثر مما تشير كلماته القليلة، ولو كان يفكر بصوت عال فهذا ما كان يقوله».
«فإذا كانت مبادرة جون كيري، وزير الخارجية تنهار فهذا يعني فوز بوتين، فلماذا يجب أن نلتزم بالهدنة؟ «وحتى لو أراد بوتين أن يلعب دور الرجل الطيب، فما الذي سيجبر الأسد على الموافقة؟ لأنه ينتصر هو الآخر، وإذا أراد قتل آخر واحد في حلب فما الذي سيمنعه من عمل هذا؟».
ويقول الكاتب «هل من العدل ترك جون وهو يحاول ومواصلة هذه المهام الفاشلة، عاما بعد عام، وهو يعد بالحصول على صفقة ويقسم انه سيتحرك نحو خطة ب حالة خرق الروس أو السوريون الاتفاق».
ويقول إن هؤلاء مرة بعد الأخرى تجاوزوه ويرجع إلى الخلف مرة أخرى ولا خطة ب لديه . إلا أن «جون كيري يحصل على المديح بسبب دأبه وجده، ونبدو جميعا وكأننا نحاول، ولو استطعت تحقيق شيء أخير فسأترك هذه الفوضى لهيلاري أو ربنا يستر للرجل الآخر» أي دونالد ترامب.
ويعلق الكاتب أن أوباما حيث يتحدث على لسانه أو أي أحد لا يريد خروج الأسد من السلطة وهو الرجل البغيض كما نعرف «ولا أستطيع قول هذا بصوت عال لأنني أجبرت على الإعلان عن نهايته قبل سنوات عدة. نعم فهو قاتل ومجرم يعذب الناس، بل تحداني واستخدم السلاح الكيميائي بعدما اتفقت انا وبوتين على تفكيكه، واستخدم ثغرة غاز الكلور».
وهنا يتساءل الكاتب على لسان أوباما «ولكن ما هو البديل، هل هي المعارضة المعتدلة؟ لا تجعلوني أضحك، وكان يجب أن لا أسخر منهم وأقول إنهم فلاحون وأساتذة وصيادلة، وبصدق فلو انهار نظام الأسد فسترقص القاعدة وتنظيم الدولة رقصة الفالس وتسير نحو دمشق. وأعرف ماذا ستقول هيلاري لو استمعت لها في عامي 2011 أو 2012 ولبترايوس وبانتيا والبقية، فلكانت القوى المعتدلة قوية الآن. فكان من الواجب علينا تدريبهم وتحديد منطقة آمنة لهم. وحاول جون النقاش نفسه معي عندما تولى منصب وزير الخارجية. وكان يعتقد أن بإمكانه أن يعطي الفكرة وجها جديدا ويقودوني حيث فشلت هيلاري».

المستنقع

ولكن أوباما كانت له مبرراته فهو لم يكن مستعدا كما يقول هيات للذهاب إلى سوريا فستؤدي خطوته لانتشار الإرهاب، وسينهار البلد وهو ما يعني ملايين اللاجئين الذين سيدقون أبواب أوروبا.
ورغم عدم تورط الولايات المتحدة ودخول روسيا الحرب إلا أن البلد انهار وانتشر الإرهاب وتدفق اللاجئون وتدخلت روسيا في الحرب الأهلية، وأصبحت كل أوروبا في حالة غير مستقرة.
ويمضي الكاتب في تخيله لمنطق أوباما أن سيناريو الإنهيار كان سيحدث في سوريا وفي وسطه القوات الأمريكية، لو قرر أوباما إرسال جنوده للمشاركة في الحرب الأهلية هناك. «وهذه هي طريقة بوش وقد قمت بحمايتكم من كل هذا». وتحولت سوريا اليوم لمشكلة بوتين وهي وإن «لم تتحول لمستنقعه كما توقعت، ولكن انتظر فلم تنته الحرب السورية معه بعد». وعما سيفعله الرئيس المقبل.
يقول الكاتب وهنا على لسان أوباما «هناك أسباب عدة عن عدم سماع شيء من المرشحين. فمنطقة حظر جوي، فات الوقت عليها، خاصة بوجود نظام الدفاع الجوي الروسي الذي يغطي البلد. وإن تحدثنا عن مناطق آمنة، فمن سيقوم بحمايتها، وهو خيار سيء في ظل إرسال قوات إلى العراق، 500 جندي في كل مرة».
ويعلق هيات في مونولوجه «يبدو الأمر سيئا، وأكره كل هذه الفوضى وأفضل لو تحدثت عن التغيرات المناخية أو بورما وحتى أوكرانيا. ونعم، قد يسافر بعض الرؤساء لزيارة ما تبقى من مدينة حلب ويعبرون عن الندم كما فعلت عندما زرت هيروشيما ولاوس وأماكن أخرى».
ويبدو هذا الخيار هو الذي قرر أوباما المضي به فهو يعتقد أن الحروب الأهلية لا حل لها ومن الأفضل لو تركت لكي تحرق نفسها «والآن أين جون؟ أريده أن يغطي أربعة أشهر أخرى، أربعة أشهر وستصبح (سوريا) مشكلة غيري ولكنها من جهنم».

روسيا والنظام يعملان على توسيع استراتيجية «الجوع حتى الركوع» إلى حلب… أسلحة فتاكة واستهداف المدنيين وقوافل الإغاثة وحرق ما تبقى منها

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية