تستعد المملكة المتحدة، التي صُنف اقتصادها خامس أكبر اقتصاد في العالم، لمواجهة ”أسوأ زلزال اقتصادي” بعد أن بدأت التداعيات الأولية لخروجها من الاتحاد الأوروبي في الظهور. ويحذر خبراء اقتصاديون في حديث مع «القدس العربي» من مخاوف قد تطال الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد في ظل ارتفاع عجز ناتج الاقتصاد البريطاني في ميزان المعاملات الجارية. وتواجه بنك انكلترا المركزي وسوق العمل البريطانية وأسواق المال الأوروبية والآسيوية، المتقدمة والناشئة، حالة من الترقب والقلق، بعد أن فقدت الأسواق الثقة في اقتصاد المملكة، ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا بعد ألمانيا، ومكانتها كقوة تجارية عالمية. ويبدو أن ديفيد كاميرون كان متفائلا بعض الشيء عندما وعد شعبه أن اقتصاد بلاده سيبقى من أقوى اقتصادات العالم وإنها جاهزة لكل تحديات ما بعد الإستفتاء، حيث أن المؤشرات الأولية تشير إلى عكس ذلك. فبحلول الأيام الأولى لإعلان نتائج الإستفتاء وخروج بريطانيا من الاتحاد، تهاوى الجنيه الإسترليني أمام سلة العملات الأساسية، وخسر حوالي عشرة في المئة من قيمته مسجلا أدنى تراجع منذ31 عاما (حوالي 12 في المئة مقابل الدولار و8 في المئة مقابل اليورو). كما يتوقع خبراء اقتصاديون هبوطه إلى 1.15 دولار في الأشهر/ السنوات المقبلة. إضافة إلى ذلك، كان لخروج بريطانيا من الاتحاد تداعيات سريعة على صندوق النقد الدولي، حيث خفّض، بداية هذا الإسبوع، من توقعات نمو الاقتصاد العالمي بـ 0.1 للعامين الجاري والمقبل بسبب الإستفتاء.
وبحسب تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» هبط صندوق النقد بتوقعاته للاقتصاد العالمي إلى ”3.1 للعام الجاري و 3.4 للعام المقبل، بعد أن كانت تبلغ 3.2 و 3.5 على التوالي في تقرير نيسان/إبريل الفائت”. وحول هذه التداعيات، يقول رئيس قسم الدراسات في الشركة المتحدة للاستثمارات المالية مازن ارشيد في حديث مع «القدس العربي» إن الاستثمارات الأوروبية التي تقدر بـ 700 مليار جنية في بريطانيا وتمثل أكثر من نصف اجمالي الاستثمارات المباشرة قد تتقلص بشكل كبير نتيجة لزوال الحوافز التي كانت تطبق عندما كانت بريطانيا عضو في الاتحاد. كما ويعتقد ارشيد أن بريطانيا ستفقد ميزة حصولها على تسهيلات ائتمانية بسعر فائدة قريب من الصفر عندما كانت عضوة في الاتحاد، حيث أنها، وبعد خروجها، ستضطر للحصول على تسهيلات ائتمانية بأسعار فائدة أعلى مما يؤدي إلى رفع كلفة الاقتراض. كما ويشرح ارشيد كيف سيؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد على النظام الجمركي بعد أن كانت المملكة تتمتع برسوم جمركية منخفضة سهلت عملية التصدير والاستيراد من وإلى الاتحاد الأوروبي. إلا أنه وبعد الإستفتاء، يتوقع ارشيد أن ترتفع الرسوم الجمركية التي سيتم فرضها على كل من مستوردات المملكة من الاتحاد الاوروبي وصادراتها إليها ”ما يعني انها ستفقد ميزة قيام الاتحاد الأوروبي بالتفاوض بالنيابة عن بريطانيا لتصدير سلعها حسب قوانين الاتحاد الميسرة».
ويقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد والمالية في العاصمة البريطانية لندن، عبد الله أبو ملحم، لـ «القدس العربي» أن تراجع العملة البريطانية سيساهم في إرتفاع التضخم، وإنخفاض الدخل الفردي والمعاشات التقاعدية، إضافة إلى انخفاض معدل الإنتاج وارتفاع معدل البطالة. وبالمثل، يرى ارشيد أن خروج بريطانيا سيعمل، على الأرجح، على تراجع سعر صرف الجنية الاسترليني أمام العملات الرئيسية الأخرى وستفقد بريطانيا ميزة قوة وثبات عملتها على مدى عقود مضت والتي كان يرى فيها المستثمرون ملاذا آمنا لإستثماراتهم. وبحسب ارشيد، فإن تراجع الجنيه من شأنه، أيضا، ان يجعل مستوردات بريطانيا من الخارج أكثر كلفة وستفقد الكثير من قوتها الشرائية. ويفسر أبو ملحم كيف بدأت هذه التداعيات بالتأثير على السوق المالي، ويقول أن المؤسسات المالية والبنوك بدأت فعلا بالتفكير في نقل عملياتها وفرق عملها إلى مدن أوروبية أخرى مثل فرانكفورت وجنيف لتفادي هذه المخاطر. وقال بنك «إتش إس بي سي» أن الآلاف من فرص العمل في مدينة لندن يمكن نقلها إلى مدن أخرى. ويعتقد أبو ملحم أن هذه المؤشرات ”يمكن أن يكون لها تأثير مدمر على مدينة لندن، وقطاعها العقاري.”
ويضيف: ”سيكون من الصعب على بنك انكلترا رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، حيث أن الاقتصاد لا يزال هشا للغاية ولا يزال يعاني من تأثير الأزمة المالية لعام 2008». وإذا صحت هذه التوقعات، فإن هذه التداعيات ستمهد الطريق لركود ستكون له آثار ومخاطر غير مباشرة على اقتصاد الدول الأوروبية الهشة ويدفعها إلى دوامة من الركود الاقتصادي، بحسب ملحم.
وقال صندوق النقد الدولي، في تقرير جديد أصدره الأربعاء، حول توقعاته للاقتصاد العالمي في عامي 2016 و 2017 إن «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني زيادة كبيرة في الغموض الاقتصادي والسياسي والمؤسسي، ما سيكون له عواقب سلبية على الاقتصاد الكلي، وخاصة في الاقتصادات الأوروبية المتقدمة». وأضاف التقرير أن «اقتصادات بريطانيا وأوروبا ستكون الأكثر تضررا على المستوى العالمي جراء عملية الانفصال».
وبفعل هذه المؤشرات الأولية، بات على البريطانيين أن يواجهوا تداعيات تصويتهم الذي وصفه أحد العاملين في الأسواق المالية في لندن بأنه «كارثة لعينة» حيث أن ”غالبية البريطانيين لم تكن لديهم أي فكرة عما يصوتون عليه. والآن كل الذين يملكون منزلا، أو معاشا تقاعديا، أو كانوا يعتزمون القيام في رحلة إلى الخارج، باتوا أكثر فقرا بكثير». وفي التقديرات المستقبلية لتداعيات الخروج، فإن خبراء في المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية يتوقعون ازدياد معدل البطالة، بعد أن تراجع معدلها إلى 4.9 في المئة في الأشهر الثلاثة حتى أيار/مايو وانخفاض فرص العمل وتراجع أجور المستهلكين إلى أكثر من 7٪ بحلول 2030. وقالت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني إن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلبا على ”التصنيف الائتماني السيادي لها وتصنيفات المصدرين الآخرين لأدوات الدين في البلاد وأن هذه النتيجة تحمل في طياتها فترة طويلة من الضبابية بشأن السياسات التي ستفرض ضغوطا على الأداء الاقتصادي والمالي للمملكة المتحدة مما سيقلص من تدفق الاستثمارات ويضغط على آفاق النمو”. وكان وزير المالية جورج ازبورن قد حذر سابقا من أن العجز الجاري يعني أن المملكة المتحدة لا ينبغي أن تفكر في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مضيفا: «أرقام اليوم تكشف الخطر الحقيقي لعدم الاستقرار الاقتصادي وتبين أن الوقت الحالي ليس مناسبا لتعريض أمننا الاقتصادي للخطر من خلال ترك الاتحاد الأوروبي.»
وسجلت مساهمة بريطانيا السنوية في ميزانية الاتحاد الأوروبي بين (17مليار و19 مليار) يورو وشكلت صادراتها له 44 في المئة من مجمل صادرات البلاد، وبلغت صادراتها 223 مليار جنيه استرليني في العام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية. وتفاجأ المحللون العام الماضي بنمو اقتصاد بريطانيا بنسبة 2.3 في المئة، بدلا من 2.2 في المئة كما كان يعتقد سابقا، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية. إلا أن هذا التقدم يواجه تهديدات متصاعدة، في ظل الغموض الذي يحيط بوضع الاقتصاد العالمي بعد خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية .
ريما شري
ما كان يجب أن يتدخل الشعب في موضوع إقتصادي ضخم كهذا
لماذا لم يترك القرار للإقتصاديين أصحاب الإختصاص ؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله
لربما الشيء الإيجابي الوحيد في هبوط الجنيه هو أن يساهم في الصادرات الإنكليزية نوعا ما لكن حتى الأمر له سلبياته على الاقتصاد الإنكليزي داخليا و ممكن منافسته من الدول الأخرى التي تؤمن حاجيات السوق العالمية بأسعار منافسة لتلك البضائع الإنكليزية و حينها باي باي يا إقتصاد بريطلنيا إذا فر المستثمرون منها و من عملتها .
لم أعد أحب الخير لا لبريطانيا و لا لغيرها من دول الغرب، لأنني اكتشفت أن سياسييهم ببساطة لا يحبوننا و لا يرجون لنا الخير.