في أعقاب نشر داعش لفيديو حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، نشرت إحدى الصحف الأمريكية خبراً عن انسحاب الإمارات العربية المتحدة من العمليات العسكرية ضد داعش في العراق وسوريا، في إطار التحالف الدولي المقام بقيادة الولايات المتحدة لهذه الغاية.
أما الخبر الثاني فقد جاء بعد فترة: دولة الإمارات ترسل سرباً من طائراتها المقاتلة إلى الأردن للمساهمة في الحرب الأردنية على داعش.
بين الخبرين المعبرين عن تردد دولة الإمارات بين إحجام وإقدام، كانت السلطات الأردنية قامت بإعدام سجينين جهاديين، أحدهما الانتحارية العراقية ساجدة الريشاوي المحكومة بالإعدام منذ تسع سنوات، صبيحة نشر الفيديو المشؤوم. لم تخف وسائل الإعلام الأردنية الطابع الثأري لهذا القرار، وإن حاولت الجهات الحكومية التفلت من اتهام مماثل بدعوى أن من تم إعدامهما محكومان بالإعدام سلفاً، وأن الأمر لم يتم بدوافع ثأرية. إنه مما لا يبشر بأي خير أن تتصرف دولة بدوافع ثأرية كما لو كانت قبيلة أو عشيرة أو فرداً في حالة غضب أو فوران دم كما يقال، وخاصةً إذا كنا نتحدث عن مؤسسة القضاء من جهاز الدولة. هذه المؤسسة التي من أهم وظائفها إحلال مفهوم العدالة محل أخذ الحق أو الثأر باليد من قبل الجماعات والأفراد.
غير أن الأردن لم يكتف بإعدام الشخصين المذكورين، بل قام بحملة مكثفة من الغارات الجوية على مواقع داعش في شمال وشرق سوريا، كانت إحدى ضحاياها عاملة إغاثة أمريكية أسيرة في سجون داعش. إن مشاركة الأردن في التحالف الدولي منذ بداية عملياته الجوية، وكان ذلك بعدد محدود من الغارات، شكل أصلاً موضوع خلاف داخلي في الأردن الذي لا يخلو اجتماعه العشائري التقليدي من شبكات موالية لنظام صدام حسين العراقي سابقاً وللجهادية السلفية «الزرقاوية» لاحقاً، فضلاً عن حركة الإخوان المسلمين القوية. أما تنشيط هذه المشاركة بعد الإعدام المأساوي لمعاذ الكساسبة، فقد ينطوي على مخاطرة كبيرة من قبل الأردن لا يمكن التكهن بتداعياتها الداخلية. فإذا كان هذا الانخراط قد يرضي عشيرة الضحية، فمن المحتمل أن يستثير غضب جهات أخرى، وخاصة البيئات الإسلامية.
وبصورة أعم، يلاحظ المراقب أن من يمسك بزمام المبادرة، في الأحداث العاصفة بمنطقتنا منذ أشهر، هو تنظيم الدولة الإسلامية، في حين تتصرف الأطراف الأخرى الدولية والاقليمية بردات فعل على أفعال داعش الهجومية. وأولها الولايات المتحدة التي نأت بنفسها طوال سنوات عن الانخراط العسكري في هذه المنطقة الملتهبة، فتمكنت داعش من جرها مجدداً إلى أتون الصراع منذ صيف العام الماضي، ومعها نحو ستين دولة تشارك بطرق مختلفة في المجهود الحربي ضد دولة الخلافة. من كان يتصور، قبل سنة من الآن، أن تتحول دولة مستقرة، تشكل مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً كالإمارات، إلى دولة محاربة على جبهات الحروب في ليبيا والعراق وسوريا؟ من كان يتخيل هذا الانخراط الأردني الكثيف في الحرب، وهي الدولة ذات الموارد المحدودة والقائمة على توازنات داخلية وخارجية دقيقة جداً، وتمكنت من النأي بنفسها عن الحريق السوري الكبير طوال السنوات الماضية، كما سبق لها أن تجاوزت المخاطر القادمة من العراق منذ التسعينات؟ أما اليوم فهي في عين العاصفة ومعرضة لكل الاحتمالات والمخاطر.
ولا تقتصر ردات الفعل على الدول، بل تجاوزتها إلى منظمة القاعدة نفسها، وهي الأم التي ولدت منها داعش، بعدما كاد يطويها النسيان. الشقاق الذي حدث بين القيادة المركزية للقاعدة وفرعها العراقي (داعش) على الأرض السورية، وتمدد الأخير وإقامته لدولة الخلافة بقيادة أبي بكر البغدادي، دفعت الأصل إلى منافسة الفرع على خطف أضواء الإعلام بالفظاعات التي يرتكبانها. فضرب الفرع اليمني للقاعدة ضربته في باريس بالهجوم على مقر مجلة شارلي إيبدو، فتمكن من خطف الأضواء من داعش لبعض الوقت، ودفع الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة أطاحت بالاستقرار الذي نعمت به في السنوات الأخيرة، ومن المحتمل أن تعيد جميع الدول الأوروبية حساباتها وتعدّل سياساتها الداخلية والخارجية بناء على شروط ما بعد هجمات باريس.
واليوم كاد إعدام الكساسبة بتلك الطريقة الوحشية ينسي الرأي العام الهجوم على مجلة شارلي إيبدو، وأن يزلزل المنطقة التي تمر بآلام التحولات الكبيرة.
من نافل القول أن السياسات المرسومة انطلاقاً من ردات الفعل هي سياسات مدمرة، أو غير مجدية في أحسن تقدير. متى يدرك العالم أن القاعدة وداعش وتنويعاتهما الجهادية هي مجرد أعراض متشنجة لمشكلات ضاربة في العمق والتعقيد، لا سبيل إلى التخلص من الأولى ما لم يبدأ العمل بجدية على معالجة الثانية؟ مثال ذلك هذا الإجماع الذي نراه اليوم في تصريحات الساسة الأمريكيين والأوروبيين حول فكرة أن نظام دمشق الكيماوي هو «المغناطيس الذي يجذب الإرهابيين» على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
الغريب هو هذه المفارقة بين إجماع الرأي هذا والسياسة الأمريكية التي تكاد تستسلم أمام الجموح الامبراطوري التخريبي لإيران.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
ايران أساس الارهاب بالمنطقة
فهي تعاونت مع الارهابيين وسهلت لهم المواصلات والأسلحة والتمويل
والثمن طبعا تخريب المنطقة لتسهل السيطرة عليها
ملاحظة : لماذا لم يفجر الارهابيين أحدا أو مكانا بايران
ولا حول ولا قوة الا بالله
عنوان وطريقة تحليل جرئية جدا يا بكر صدقي، ولكن هناك بعض التفاصيل غابت عنك، فمثلا أمريكا لم تعلن الحرب هذه المرة ولكن فرنسا أولاند، والتي تصادف مع توقيت فضيحة نشر عشيقة الرئيس الأولى لكتابها فهل كانت للتغطية على الفضيحة من خلال تحريك الأكراد لضرب الخطوط الخلفية لداعش، مما فرض عليها تغيير وجهتها من بغداد إلى أربيل، كما أنَّ هجومها الأول على مالي تصادف مع نفس توقيت فضيحة أولاند مع اكتشاف عشيقة جديدة له، هي من أعلنت الحرب ومن بعد ذلك سلّمت الراية إلى أمريكا.
وبما أنَّ الفلسفة مبنية على فكرة الصراع بين الأضداد اساس لحيوية وانتعاش أي مجتمع، ولكن الصراع أو الحرب تحتاج إلى مال لتغطية مصاريفها، ولكن أوربا مفلسة والدليل ما يحصل في اليونان (أم الفلسفة الإغريقية) أو ما حصل من كشف فضيحة مصرف/بنك أتش أس بي سي في موضوع استخدام فرعه في سويسرا لغسل أموال الجريمة وقبل كل ذلك التهرّب من الضرائب من كبار شخصيات النخب الحاكمة في جميع أنحاء العالم، من أجل زيادة الدخل للدولة في نظام الأمم المتحدة الذي يترنح من أزمات مالية خانقة بعد انهيار أو افلاس نظام الديون للمصارف/البنوك عام 2008.
وزاد الطين بلّة اعتماد دول الخليج بقيادة السعودية لسياسة مالية جديدة بعد استلام الملك سلمان أو على الأقل تختلف عن سياسة الملك عبدالله الذي اعتمد اسلوب تخفيف الخسائر ما أمكن لنظام الدول في العالم العربي، من خلال استقبال زين العابدين بن علي أو انشاء صندوق لدعم الدول الملكية برأسمال 7 مليار دولار استفادت منه الأردن والبحرين وسلطنة عمان والمغرب، والمبادرة الخليجية ليمن علي عبدالله صالح ودعم المُشير عبدالفتاح السيسي بالمليارات، هذه السياسة الجديدة قام بتدعيم وجاهة صحتها، الشرائط المسرّبة من مكتب المُشير عبدالفتاح السيسي التي تستهزأ بدول الخليج.
انسحاب تركيا في آخر لحظة من مؤتمر ميونيخ-ألمانيا في فبراير/شباط 2015 بسبب دعوة الكيان الصهيوني غير المتفق عليها حسب ادعاء الوفد التركي، ناهيك عن مناكفات الصراع ما بين الكونغرس والبيت الأبيض في موضوع خطاب نتنياهو في واشنطن، قلب كل الحسابات، ولذلك أنا أظن الآن كل النخب الحاكمة في الكيان الصهيوني وإيران والأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق والسلطة الفلسطينية وليبيا واليمن في وضع حرج جدا، لأنّه لا يوجد ممول للحرب، فكيف يمكنها أن تنتصر بدون تمويل للحرب هذا إن لم تنهار أو تفلس؟
ولذلك من وجهة نظري يجب تغيير مناهج التعليم في دولة الحداثة أو الفلسفة أو الفكر، حيث ثبت أنّها لا تصلح في أجواء العولمة التي اساسها التجارة أو الحكمة أو اللغة، مناهج التعليم الحالية تُنتج مواطن يُجيد التفاوض من خلال التشكيك أو التبرير لأجل التفاوض، كما هو حال مفاوضات الكيان الصهيوني مع السلطة الفلسطينية بلا أي اهتمام بالوقت وقيمته الاقتصادية، والتي في عصر العولمة أصبح عامل الوقت مهم جدا، ولكي تنجح في المنافسة في أجواء العولمة، عليك أن تكون اسرع من الآخرين في انجاز اتفاق مع الآخر، ولكي تستطيع الوصول إلى ذلك يجب أن تجد لغة مشتركة معه لرفع أي سوء فهم قبل الآخر للفوز بالعقد لتغطية مصاريفك على الأقل، وإلا فمصيرك الإفلاس أو الانهيار كما حصل مع إفلاس وانهيار نظام الديون المصرفية/البنكية عام 2008، حيث لا مكان لأي طرف يرفض التعامل بشفافية ومصداقية في أجواء العولمة وتقنية آلاتها التي لا تستطيع العمل بدون لغة المنطق والموضوعية.
ما رأيكم دام فضلكم؟
أتابع ما ينشر الكاتب على صفحات القدس العربي بإستمرار رغبة بسماع أصوات الثورة السورية كلها، وعليه فقد حرصت أن ألفت إنتباهه الى التجني الذي وقع فيه على القضاء الأردني هذه المرة .. فـ “تنفيذ” عقوبة الاعدام في الاردن موقوف العمل به منذ عام 2006 تماشياً مع الرغبة الدولية بإلغائها ولكن هذا لم يمنع المحاكم الأردنية من إستصدار حكمها (بدون تنفيذ) لمجرمين أردنيين كثر يستحقونها حسب الأدلة الجنائية بعد ذلك التاريخ، وإبقائهم في السجن ..
إزدياد معدلات الجريمة وتنوع بشاعتها في السنوات الأخيرة أحدث ضغط شعبي وبرلماني لإسترجاع تنفيذ العقوبة وهذا ما إستجابت له الحكومة مؤخراً وتم تنفيذ الحكم بـ (11) مجرماً أردنياً صباح يوم 21/12/2014 أي قبل سقوط طائرة الشهيد الكساسبة بأربعة أيام ..
يهمني أن أذكر بأن الأردن لم ينفذ طيلة 94 عام من عمر الدولة والنظام أي حالة إعدام سياسية واحدة .. وكل من إشترك في الانقلاب على النظام وخاصة من العسكريين أيام المد الشيوعي والقومي والناصري، ثم كل من ثبت تورطه في محاولات إغتيال للملك تم وضعهم في السجون رغم إستصدار أحكام قاسية بحقهم .. وحسب القانون الأردني فأن أي حكم إعدام لا ينفذ إلا بمصادقة الملك عليه .. والكثير من موظفي ديوان الملك حسين يذكرون بأن أحكام الاعدام السياسية ظلت على مكتبه بدون توقيع لمدة شهور أو حتى سنوات ثم أهملت وتم الافراج عن أصحابها .. وكبار الضباط المفرج عنهم تم إستعابهم مجدداً في الخدمة المدنية حتى أصبح بعضهم من الوزراء .. والأرشيف الأردني موجود على الانترنت لكل من يرغب بالتحقق .. وكل ذلك فقط لألفت نظر الكاتب ومن يقرأ هذه السطور لأرضية التسامح التي يقف عليها المجتمع الأردني ..
فاتني أن أذكر أن الريشاوي والكربولي هما ممن صدر بحقهما حكم الاعدام منذ سنوات ولم ينفذ .. الكربولي لقتله سائق أردني والريشاوي لإشتراكها في هجمات فنادق عمان عام 2005