زمن الآلة الإعلامية غير الناشئة ريهام سعيد

حجم الخط
20

أرادت مذيعة قناة «أورينت» السورية، أن ترد على إهانة مذيعة قناة «النهار» المصرية «ريهام سعيد»، بعد الإهانة التي وجهتها للشعب السوري، فوصفتها بـ «المذيعة الناشئة»، ولم تعلم أنها بذلك تخاطب فيها عقلها الباطن، وهي التي تريد أن تبدو «صغيرة على الحب»، توشك أن تغني مع أنور وجدي «معانا ريال.. معانا ريال». ريهام سعيد، تطاولت على الشعب السوري، وهي تنقل معاناته في رحلتها لتوزيع المساعدات له، لتصبح هذه الصورة الكاشفة عن أن الله حمى مصر بعبد الفتاح السيسي من أن تصبح مثل «سورية»، فاتها أنها ذهبت بمساعدتها بعيداً، فالأقربون أولى بالمعروف، ولو ذهبت بها قريباً لشاهدت تكالباً مشابهاً، عندها كان بالإمكان أن نعلن أن انقلاب سيدها السيسي، كان سبباً في الحيلولة دون أن تكون مصر دولة عظيمة، وقد كان رئيسها المنتخب يعلن قراره الخاص بأنه يعمل من أجل تملك بلده سلاحها، وتصنع دواءها، وغذاءها. وقد صارت بسبب الإنقلاب العسكري، مسخرة بين الأمم عندما قبلت مساعدات من دولة الإمارات هي عبارة عن ملابس مستعملة، وصارت متسولة لـ «الرز» من دول الخليج!
«المذيع المتدرب»، أو «المذيعة الناشئة»، هناك أمل في أن يصبح شيئاً مذكورا بالتدريب، وهناك معاهد لتدريب المذيعين، أو من يريدون العمل كمذيعين، تمكنهم من الإحتراف، وصفة «الناشئة» لا يجوز أن تطلق إلا على من هي في بداية تخرجها، وفي بداية عملها، ولا تطلق على القواعد من النساء، اللاتي يئسن من المحيض، ولا يجوز إطلاق «ناشئة» هنا ولو من باب التصغير والتحقير، لذا فإن مذيعة قناة «أورينت»، ارتكبت بهذا الوصف خطأ مهنياً، وأساءت إلى المئات من المذيعات الناشئات، اللواتي يوجد أمل في أن يصبحن نجمات المستقبل.
ريهام سعيد، ليست «مذيعة ناشئة»، أو إعلامية أصلاً، ولكنها تعبير عن حالة مصرية خاصة، فقد التحقت بالتلفزيون المصري في مرحلة هدم القواعد المستقرة بواسطة المخرب الكبير الرائد متقاعد صفوت الشريف، عندما نسف هذه القواعد التي أرساها الرواد، وفي عملية الهدم أصبح توفيق عكاشة مذيعاً، رغم قرار لجنة الإختيار برفضه، ودخلت ريهام سعيد التلفزيون المصري، عندما أصبح شرط الجمال يمكن تجاوزه بالمكياج!

موقعة الجزائر

كانت أول معرفة لي بالمذكورة، عبر زميل مصور في إحدى الصحف المصرية عندما أخبرني بمشاجرة نشبت بينه وبينها في مطار القاهرة، وكان قادماً من المطار حالاً، بعد قيامه بتصوير العائدين من السودان، بعد أن حشد جمال مبارك البنت وأمها في «موقعة الجزائر» الشهيرة، في الخرطوم، وكان الإعلام المصري يقدمها للناس على أنها موقعة «ذات الطوارق»، وتم الشحن فيها، لإظهار دور نجل مبارك ووطنيته، وشهدت الحملة، إعادة تقديم علاء مبارك للرأي العام في مداخلات تلفزيونية كثيرة.. ولي العهد، وولي ولي العهد!
وكانت الفضائيات قد شهدت ليلة عصيبة، من خلال مداخلات لنجوم كانوا في الخرطوم وقالوا إنهم يتعرضون للإعتداء من المشجعين الجزائريين، والمغني محمد فؤاد قال في اتصال هاتفي إن الجزائريين اعتدوا على ابنه، فلم يجد بداً من أن يحميه بجسده وبتلقي الضربات نيابة عنه، وبعد ذلك تبين أن المكالمة أجريت من مطعم كان الفنان الكبير فيه يجلس في أمان!
ولأن نظام مبارك حشد عدداً كبيراً من المذيعات والفنانات في معركة الشرف الوطني بالخرطوم، فقد وجد زميلنا المصور، ريهام سعيد عائدة من الموقعة، فلما هم بتصويرها، كانت موقعة أخرى، فقد اتهمته بأنه يتعمد تصويرها بدون مكياج، وكان يحدثني من موقع المنتصر، فقد نجح في مهمته، رغم أنها جرت نحوه بهدف خطف الكاميرا، واعتبرت تصرفها تزيداً لا لزوم له، ولم أقف على أنها كانت محقة في معركتها إلا عندما اطلعت على هذه الصور، وإن كنت قد رأيت ضرورة عدم نشرها، لأنه ليس من قيم المهنة أن يتربص الصحافي بالناس، وتصويرهم في حالات يرون أنها تسيء لهم لدى جمهورهم لا سيما وإن كانوا يعملون في مهن الفن والإعلام!
وقد كان أداء المذكورة، بعيداً عن مجال اهتمامنا، فهي مذيعة العفاريت و»الزار»، وهي حالة مفتعلة وغير حقيقية، وقد شاهدتها مرات على عجل، من باب الوقوف على الإنهيار الإعلامي الذي تشهده الساحة الإعلامية، لكن بدا واضحاً أن من سياسة السيسي في التحكم في الإعلام، أن تكون أذرعه الإعلامية من المستوى الجاهل بالسياسة، لأنه الأنسب لتقديم الرسالة، وهو رجل لديه أزمة حقيقية تجاه كل من لديه خلفية سياسية، وإن كان واقعاً في غرامه ومؤيداً لحكمه، ونظرة للمشهد السياسي والإعلامي، سوف تمكن الناظر من الوقوف على ذلك، فكل من لديهم وعي سياسي خرجوا من الملعب أو تم إخراجهم منه!
ومن يوكل لهم بمهمة الدفاع عن المرحلة، هم مذيعة المنوعات دينا رامز، وصحافي الحوادث أحمد موسى، ومذيعة الجن والعفاريت ريهام سعيد، واللامذيعة حياة الدرديري، مع «البواقي والفُضل»، المتبقية من موسم جمال مبارك، من أمثال تامر أمين!

رسالة السيسي

وقد تكون ريهام سعيد غير مدركة لما تقوم به، لكن بالقطع فإن قناة «النهار» التي تعمل فيها كانت تدرك ذلك، عندما أرسلتها لتقديم المساعدات لسوريين فيتدافعون نحوها فتستغل المشهد في الإساءة إليهم، ووضعهم في صورة مشينة، لتوصيل الرسالة المهمة، وهي أن السيسي والجيش المصري قد أنقذوا المصريين من هذا المصير، وقد تكون «سعيد» قد تجاوزت حدود الرسالة بعبارات السب للمتدافعين، وقد لا يكون هذا مطلوباً منها، لكن لا مشكلة في ذلك ما دامت الرسالة الأساسية قدمت، وهذه التلقائية هي التي أنتجها ضعف مهني شديد، وجهل سياسي نشط، وعدم إدراك لخطورة ما تقول، والذي أنطق الحجر!
فيسري فودة على هدوءه استفزه الموقف، وكتب عن بـ «الوعة المجاري المنفجرة» في الإعلام المصري، والتي أنتجت هذا الكائن المسمى ريهام سعيد. ولأن المثل الدارج يقول إذا أردت أن تهزم رجل سلط عليه امرأة، وإذا أردت هزيمة امرأة سلط عليها طفلاً، فقد أشفقت عليه وهو يتعرض لوصلة ردح من المذكورة، التي قالت إنه اشتهر على «قفاها»، وكانت هذه مناسبة طيبة لأعرف أن لها «وجهاً» و»قفا»!
لقد جاءت المذكورة لتهاجم فودة وتصفه بأنه «مدرس عربي»، فكشفت عن ظاهرة الجهل المحتفى به رسمياً، فيتم اختيار وزير تعليم، لا يعرف الفرق بين الألف و»كوز الذرة» وعندما يخطئ يجهر بالمعصية ويتعامل على أنه لا جريمة في الأمر.
ويبدو أن هذا الإحتفاء الرسمي بالجهل، هو رد فعل نفسي على هتافات بعض الثوار ضد أبو 50 في المائة وصفاً لضباط الجيش والشرطة، لأن الكليات العسكرية لا تشترط للالتحاق بها تفوقاً في الثانوية العامة. وفي إحدى المظاهرات في فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة تخلى ضابط كبير عن مهمته واحتد على الثوار في ميدان التحرير، وهو يطلب منهم أن يهتفوا بغير هذا الهتاف، لأنه يغضب كثيرين منهم، فليهتفوا ولو ضد حكم العسكر. ولم يأخذوا بنصيحته.

الإعتداء على حملة الدكتوراه

وإن كان عدم التفوق الدراسي لا يعني جهلاً، وكثير من المتفوقين في دراستهم لم يثبتوا كرامة في حياتهم العملية، لكنها المكايدة السياسية، التي دفعت للاستمرار في «المعايرة»، وكانت سبباً في قيام الشرطة بالاعتداء المهين على المتظاهرين من حملة الماجستير والدكتوراه احتجاجاً على تعطلهم. فقد تحول الأمر كما نرى إلى عقدة نفسية تحكم أداء الإنقلاب العسكري.
لمن يفتقد للأهلية والدراية أهمية لدى سلطة الإنقلاب، لأنه سيؤدي دور الآلة، كما فعلت ريهام سعيد، وكان لا بد من ظهور السوريين بهذا المشهد البائس، لاستكمال المهمة، وقد كانت الصورة كافية، لكن «أولي الإربة» دائما ما يظنون أن الرسائل لا تصل للمتلقي إلا بالمزيد من الشرح والتكرار. وإن كانت قد أسرفت في إهانة الشعب السوري فلا توجد مشكلة ، انظر إلى أداء الأذرع الإعلامية في إهانة الجزائر كما جرى بواسطة أماني الخياط، أو المغرب كما جاء في أحد البرامج، من القول إن حسن البنا أصوله مغربية، والمغرب كله يهود، لتعلم أنها لم ترتكب كبيرة عند من يستخدمونها كـ «آلة»، ثم إن التطاول على الأشقاء هو أهم ما ميز نظام مبارك الذي أدخل البلاد في معركة مع الجزائر، وتحرش بالسودان في فضائياته!
عبد الفتاح السيسي يؤكد بدون ملل، وقبل الأكل وبعده، وللخارج والداخل، بأن لولاه لكانت مصر كسوريا، وفي بداية أزمة اللاجئين قال إنه لن يوافق أن يكون الشعب المصري كالشعب السوري، وجاء برنامج قناة «النهار» ليؤكد على هذا المعنى!
الذي لم يقال للسيسي، إنه لا فضل له في ذلك، وإنما الفضل يرجع للثورة المصرية، فقد فعل ما فعله بشار الأسد من قتل، وحرق، ومطاردة لخصومه، لكن الثورة رفضت مجاراته في العنف، ورفضت حمل السلاح، وهي تدرك أن هذا ما يريده وما يسعى إليه.
على قناة «أورينت»، رفض أحد أساتذة الإعلام التعميم، بأن تكون حالة ريهام سعيد تعبيراً عن الإعلام المصري الآن، وضرب مثلاً بأن من رد عليها كان هو الإعلامي المصري يسري فوده، لكن ما لم يقله إن ريهام متمددة في المجال الجوي، في حين أن برنامج الأخير على قناة «أون تي في» توقف بقرار أمني في حكم السيسي، مع أنه لم يكن ضد الحكم وكان من الذين مهدوا للانقلاب العسكري، لكن الوعي يقلق حكم العسكر على مر التاريخ، فالبقاء فيه للكائنات الضائعة.
إنه زمن «الآلة ريهام سعيد»

٭ صحافي من مصر
[email protected]

سليم عزوز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد من الكويت:

    تسلم ايدك علي المقال الرائع

  2. يقول شادي ..الاردن:

    مقال‬‎ رائع كالعاده يا استاذنا الكبير … الجميل في كل مقالاتك انك تسمي الاشخاص بأسماءهم بدا من رئيس الانقلاب حتى اصغر مهرج وتعطي كل واحد منهم حجمه الذي يستحقه …

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    كم فرحت بالديموقراطية بتونس
    بالرغم من استعادتها لبعض رموز النظام السابق

    وكم فرحت بالديموقراطية بمصر
    حتى لو كان نجح فيها الفريق أحمد شفيق بدلا من الدكتور مرسي

    ولكن أن يقوم انقلاب عسكري دموي بوأد الثورة والديموقراطية معا

    لماذا يتراجع بعض السياسيين والاعلاميين بمصر عن مبادئهم
    هل تراجعهم على الحرية هو بسبب تعودهم على العبودية
    متى ستتحرر نفوسهم وعقولهم وأقلامهم من أهوائهم

    المصيبة بمصر كبيرة جدا بسبب فقدان منظومة العدل فيها
    فهل ما زال المصريون يتباهون بقضائهم (الشامخ) ؟
    وهل يعتبر سكوت الشعب على الظلم قبولا به
    أم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس؟

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول خالد مصيعي. فلسطين:

    انت اروع وأكثر إعلامي يعبر عن رأيي…أحبك واحب اسلوبك ..ومقالاتك انتظرها بصبر بالغ…انك. بوصلتي يا سيدي…فلا أنت إخوان ولا انت عسكر…تفضخ المخطئ. ..وتعري كل من يحاول العبث بعظمه مصر …فدمت حاميا مدافعا عن الوجه المشرق لام الدنيا. ..مصرنا. .وجزاكم الله كل خير.

  5. يقول سالم سليمان الغميمور:

    أحسنت

  6. يقول جبل النار -الولايات المتحدة الامريكية:

    مقال اكثر من رائع لا فُض فوك يا أستاذ عزوز

  7. يقول Gaza:

    بعد هذه المقالة لو كان عند ريهام سعيد شوية كرامة احسن تستقيل و تتوالى عن الأنظار
    ولو كان عند السيسي والانقلاب ذرة كرامة لرجعو عما فعل بسبب فضح في مقالاتك يا سيد عزوز . وبكرة تطلع وتقولك أن الكاتب سليم عزوز برضه تشهر ع قفاها

  8. يقول محمد الأحمد:

    احسنت واجدت يا أستاذ عزوز فولله ما قلت الا الحقيقة في هذه الأتان ودورها في الاعلام وصحافة السيسي وخزعبلاته الغبية. سلمت يداك

  9. يقول ياسين الجزائر:

    أحسنت يادكتور في التعبير على المشهد وأعجبني وصف ( فيسري فودة على هدوءه استفزه الموقف، وكتب عن بـ «الوعة المجاري المنفجرة» في الإعلام المصري، والتي أنتجت هذا الكائن المسمى ريهام سعيد .

  10. يقول علي الصومالي:

    ومن يزرع الجهل ….. يجني ريـــهــــــــام!!!
    مع اعتذاري للشـــاعر.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية