لم يعد زمن القتلة يقتصر على الافراد والجماعات ولكنه أصبح يمس الدول أيضا. ما يحدث في غزة يدفع إلى أكثر من التساؤل. إلى تأمل شرطية الأنسان على وجه هذه الكرة الأرضية التي تذبل كل يوم قليلا قبل الانتفاء النهائي بسبب المسؤوليات الكبرى للإنسان. فالقانون الدولي هو قيمة متعالية تستهدف في النهاية استعادة نظام مختل في الجوهر، من أجل تصويبه لحماية الانسان من الظلم بسبب ضعفه المادي أو الحياتي حتى لا يتسلط القوي على الضعيف.
يلعب المثقفون والمجتمع المدني في هذا دورا مهما بضغطهم وحضورهم لدفع بلدانهم إلى التحرك للحد من غطرسة الجناة. ما يحدث في غزة يضع القانون الدولي في دائرة الاختبار اذ لا يمكن ان يقول أي كان أنه لم يكن يعلم. فالشاشات العربية تحديدا لا تدخر جهدا لاستعراض الجثث والأجساد الممزقة إلى درجة آن الإنسان العربي لم يعد يعني الكثير في سوق القيمة الإنسانية.
في الوقت الذي تحتفي الشاشات الأوروبية بقيمة الجندي الإسرائيلي الذي لا نرى لا نزفه ولا جرحه، وهو يقاد نحو مأواه الأخير باحترام وكأنه ضحية عدوان الإرهاب الحمساوي والكتائب المتحالفة.
عالم مقلوب كليا. كشفت هذه الحرب هشاشة القانون الدولي، بل وضعفه وانعدامه، ونفاق الغرب الحاكم، يمينا ويسارا الذي يكيل بمكاييل عديدة في الوقت نفسه، قلق في مواقفه. لا يستطيع أن يدين إسرائيل ضمن مواقف مرتبكة يقف وراءها تاريخيا شبح الهولوكست ومعاداة السامية التي أصبحت سلاحا أيديولوجيا. قبل مدة قصيرة تدخلت القوى العالمية بوسائلها الضخمة لحماية بنغازي التي ظل القذافي يتهددها بالزحف والإبادة. وكان برنار هنري ليفي، فيلسوف الإعلام الحربي، واحدا من مهندسي التدخل الفرنسي في فترة الرئيس ساركوزي. وتم تدمير الآلة الحربية الليبية وقتل الرئيس الليبي أمام الملأ كما حدث للرئيس صدام في مشهدية تراجيدية وبدائية خارج أي قانون. التدخل الأمريكي الأوروبي في القضية الأوكرانية وسقوط الطائرة الماليزية وتحميل روسيا المسؤولية والركض السريع لعقابها دوليا. المشكلة الكبرى هي في حامي القانون الدولي الذي ينهض في مكان وينام في مكان اخر وكأن إسرائيل تقع خارج أية ملاحظة دولية لأنها محظية أعظم دولة عسكريا في العالم. لكننا نعرف جيدا أن الامبراطوريات الكبرى تسقط عندما تكف عن أن تكون عادلة، ومرجعا للحماية والنموذجية. لم نسمع أي صوت من فلاسفة الحق الجاهزين إعلاميا، الذين يتحولون في الأزمات والحروب إلى سند للحملات العسكرية ويملأون الشاشات لحماية الحق الإنساني امام جرائم تمارس في العلن ضد الأطفال والكبار في غزة. لم تعد حتى المدارس التابعة للأمم المتحدة والأنوروا كافية لصد القنابل وحماية الأطفال. دموع رئيسها على أطفال غزة ما تزال ماثلة في الأذهان وتثير شجنا داخليا على صمت السلط العربية المتهالكة. لم يعد الامر يتعلق بحماس او أي تيار عسكري ولكن بشعب يباد يوميا. والعالم الحر، أو ما سُمي كذلك، ينام مثل النعامة دافنا رأسه في عمق الرمال لكي لا يسمع البارود ولا يشم رائحة الجثث والأجساد المحروقة أو الممزقة وهي تصرخ تحت الانقاض. كيف نحمي الانسان وهو يتعرض لإبادة يومية استنادا إلى وهم الدفاع عن النفس. ممن؟ من صورايخ تسقط في الاراضي القفر إلا فيما ندر. كيف ترى عيون القانون الدولي هذه الصواريخ التقليدية في تفاصيلها وتجند الرأي العالمي ضدها، وتعمى عن رؤية ألة حربية إسرائلية منظمة ومتطورة وقاتلة. تأتي على الأخضر واليابس والتقتيل المنظم واليومي.
تخطت عمليات التقتيل ضد الفلسطينيين عتبة الالف بينما العالم الحر والقانون الدولي يضعان المعتدي والمعتدى عليه في نفس السوية بل ويجدان كل الاعذار لتبرير جرائم المعتدي ويبررانها. والكل في النهاية، بما في ذلك أوروبا التابعة وهيئة الأمم المتحدة العاجزة، وجامعة الدول العربية المتهالكة، ينتظر الموقف الامريكي، الحامي للنظام العالمي الجديد وللقانون الدولي.
بينما أمريكا محكومة بحسابات انتخابية وسياسوية يحددها الكونغرس وامتــــداداته وتعاطفاته ولوبياته مع نموذجه الديمقراطي والإنســــاني: إسرائيـــــل. هل بقـــي شيء آخر بعد كل هذا لنعت وتوصيف هذا الزمـــــن الذي نعيشه، بزمـــن القــــتلة. Le temps des assassins. الذي تشترك في تنشيطه الكثير من الدول القوية الأنجلوساكسونية والأوروبية، والنخب الثقافية الوظيفية، والهيئات الدولية المسخرة لتبرير الغطرسة والظلم؟ ألا يوجد رادع دولي عادل أمام قاتل علني؟ ألم تبق للعرب أية ورقة ضغط ضد القتلة لإخراجها وهم من تسابق لإنقاذ أمريكا وأوروبا من دوار الازمات المالية والاقتصادية في زمن الانهيار المالي الكلي والإفلاس؟ أسئلة ستظل معلقة إلى يوم يستفيق العرب قليلا.
واسيني الأعرج
أن الأوان لتغير البنى التحتية لكافة المؤساسات الدولية والتي بتحيزها الأعمى للكيان الغاصب المجرم تساهم ليس فقط بقتل وحرق الأطفال في فلسطين المحتلة ولكن بوقوفها مع المحتل ضد مقاومة الشعب الذي يناضل من اجل ان يحيا بحرية وكرامة على ارضه تهدد السلم الدولي….ليتكاثف النشطاء الإنسانين الحقوقيين والنقابيين لوقف هذا الإنحراف القيمي اللإنساني في القرن 21 عادت الإنسانية الى عصور البدائية المتحجرة…….هذا نداء للإنسانية
كم هو رائع وجميل هذا المقال للكاتب الجزائري الفذ حول فضح جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين وحول التواطؤ الأوروبي – الأمريكي مع إسرائيل.
دكتورنا المحترم واسيني الأعرج ، أنتم النخبة المثقفة دوركم كبير جداً في إبراز الحقائق لدى الطرف الأخر في أوربا وأمريكا من خلال مشاركاتكم الإعلامية والثقافية . ومناصرة قضية فلسطين العادلة لدى مختلف المنظمات والهيئات .