سالموند يقبل بالهزيمة، ويؤكد أن نسبة «نعم» يعتد بها للتصويت المستقبلي

حجم الخط
0

لندن – ادنبرة «القدس العربي»: إنتهى وقت التغيير. اسكتلندا قالت كلمتها: فلنبق معا، لا للإستقلال. فشل رئيس الحكومة الاسكتلندية وزعيم الاستقلاليين اليكس سالموند في اقناع 55 في المئة من الاسكتلنديين بفوائد إستقلال كان من شأنه إعلان ولادة أحدث دولة في أوروبا وإنتقاص ثلث مساحة المملكة المتحدة وحوالي 8٪ من عدد سكانها. لكن اسكتلندا صوتت بـ «لا» في الاستفتاء على استقلالها، محافظة بذلك على ثلاثة قرون من الاتحاد مع انكلترا. الإحتفالات في ميدان جوجو في غلاسكو، التي كانت نسبة المشاركة فيها بنعم 75 في المئة، كانت عارمة وفي وسطها وقف ستيف ماكلوخلن مرتديا الكيلت (التنورة التقليدية الاسكتلندية) وقد ظهرت على وجهه ملامح الفرح، مستمتعاً كان في عزفه على مزمار «القربة» وهو ينفح فمه ليصدر ألحانا إحتفالية تتماشى مع المشهد. يُخيّل للمارين أمام ستيف أن هذا الرجل حتما مؤيد للاستقلال، كما يبدو مظهره الذي يحمل رمزاً من الثقافة الإسكتلندية في هذا اليوم بالتحديد. لكن ستيف يفاجئ كل من تقوده حشريته لسؤاله عن رأيه بالقول: هناك رموز تعرف بها لندن، وهناك أخرى تعرف بها ويلز، لكل بلد ثقافات مختلفة تختلف بإختلاف مدنها، أنا متمسك بثقافة اسكتلندا تماما كما أتمسك بكونها جزءأ من المملكة المتحدة. هكذا بدت الأجواء لكل من أرادوا بقاء المملكة المتحدة على حالها. ولكن لكل من حلموا باسكتلندا مستقلة كانت النتيجة مخيبة، وللبعض، غير متوقعة.
وقال السياسي البريطاني جون ريس، الداعم لإستقلال اسكتلندا، في حديث مع «القدس العربي» أن احدا لم يتوقع هذا الإقبال الضخم، حملة «نعم» حركت السياسة الاسكتلندية ووفرت لاسكتلندا، حتى بعد الهزيمة، صلاحيات مستقبلية كثيرة. حملة «لا» دعمت كل عنصر من عناصر المؤسسة البريطانية من الملكة ومحافظ بنك انكلترا حتى جميع قادة الأحزاب السياسية الرئيسية في وستمنستر، ولكن حملة «نعم» قدمت لهم صدمة حياتهم، وأجبرتهم في الأسبوع الماضي، على التعهد بوعود كثيرة. وبهذا فإن حملة «نعم» حتماً فازت، يقول ريس. وأضاف مستدركاً: لكن لا بد من الإعتراف: إنه يوم سيئ للإصلاح الديمقراطي الذي نحن بحاجة إليه في بريطانيا، ونتائج الإستفتاء تعني إستمرارية النخب القديمة وطرقها في الحكم. انهم سيحاولون التراجع عن وعودهم للاسكتلنديين. يجب علينا أن نتأكد من أنهم سيفون بوعودهم.
وكان لإستقلال اسكتلندا، لو تحقق، تبعات كبيرة أولها تكثيف المطالبات باستقالة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وخلق دستور يتماشى مع المبادئ الاوروبية، الأمر الذي تفتقر اليه بريطانيا، وإحتمال بدء حظر دستوري على تخزين أسلحة نووية في اسكتلندا وازالة غواصات ترايدنت النووية البريطانية التي تتخذ حاليا مقرا في قاعدة فاسلين البحرية قرب غلاسكو، مع حلول2020. إضافة إلى ذلك فإن المطالبين بالإستقلال كانوا يطمحون بإنطلاق محادثات بين الحكومتين البريطانية والاسكتلندية حول فصل الاقتصادين والنظامين السياسيين المترابطين بعد تاريخ مشترك منذ ثلاثة قرون. علماً إن الإستقلال، في حال تم، يهدد مستقبل عضوية اسكتلندا في الاتحاد الاوروبي، إضافة إلى كيفية مشاطرة دين بريطانيا البالغ 1.4 تريليون جنيه (2.3 تريليون دولار).
وكانت المملكة ستشهد تغييرات كبيرة في مجالي النفط والغاز وتقسم حقول بحر الشمال جغرافيا مما يمكن أن يدفع حكومة ادنبرة لفرض سلطتها حيث يتواجد 85٪ من المخزون المعروف في المنطقة في مياه كانت ستعود الى اسكتلندا ويسهم هذا القطاع بنسبة 15٪ تقريبا في اقتصاد اسكتلندا الجديدة.
حملة «نعم» ربما لم تحقق الفوز لكن العمال الاسكتلنديين الذين لا يعتقدون أن سياسة إد ميليباند الاقتصادية تلبي احتياجاتهم، وجدوا طريقة في إرعاب وستمنستر. كما يقول أليكس ساموند الذي أقر «بالهزيمة»، فإن 1.6 مليون «نعم» تمثل نسبة يعتد بها للتصويت المستقبلي. تصريحات ريس وأليكس كانت صائبة، على ما يبدو. ففور إعلان فوز الوحدويين بـ 55.42٪ من الأصوات مقابل 44.58٪ لمؤيدي الاستقلال وعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الجمعة في كلمة القاها أمام مقر الحكومة البريطانية في لندن بمنح سلطات جديدة لبلدان المملكة المتحدة الاربع، وقال: «مثلما سيحصل الاسكتلنديون على المزيد من السلطات في ادارة شؤونهم، كذلك يجب ان تكون لسكان انكلترا وويلز وايرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في ادارة شؤونهم». أما معسكر رافضي الاستقلال المتمثل بحملة «معا أفضل» فكانت آرائه مختفلة. وفي حديث مع «القدس العربي» قال الكاتب كريس بامبري مؤلف «دليل المتمردين على غرامشي»، و»اسكتلندا، طبقة وأمة» أن النخبة البريطانية فعلت كل شيء لإيقاف عجلة الإستقلال، وعلى الرغم من كل الطاقة والإبداع والإثارة في النقاشات العظيمة التي شهدها اسكتلندا إلا انها لم تحقق الفوز. وقال بامبري: رفض الإستقلال يعزز أزمة عميقة في قلب المملكة المتحدة وأنه لأسباب تاريخية، الاقتصاد البريطاني معولم جدا وبالتالي يتعرض إلى أي اضطراب في الأسواق العالمية. وأن إعتماد المملكة المتحدة التاريخي على التمويل والإستثمار منخفض وانخفاض إنتاجيتها يعني انه يعاني على مدى قرن من التدهور الاقتصادي. ويستنتج بامبري: بعد أن فقدت امبراطورية النخبة البريطانية، لا يمكن أن نكون واثقين أن اسكتلندا ستكون في مأمن في الاتحاد.
وقالت الناشطة الإسكتلنيدية جيني أندرسن لـ «القدس العربي»: اسكتلندا صوتت للوحدة. دعونا نبقى معاً لنمضي قدما في تحقيق انجازات أسرع، وأفضل، للتغيير في اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة. وأضافت: صوت أكثر من 1.5 مليون ناخب في اسكتلندا للاستقلال وإذا لم تحترم وستمنستر وعودها لنقل السلطة في البرلمان الاسكتلندي ليس هناك شك في أن اسكتلندا ستكون دولة مستقلة في غضون 10 إلى 15 عاما.
ظن الذين صوتوا بنعم لإستقلال اسكتلندا أن الإستقلال سيحقق انجازات مالية وسياسية، على سبيل المثال بسبب النفط، ولكن أندرسن تقول أنها لا تتبنى هذه النظرية. وقالت أنه ليس من قبيل المصادفة أن يختار اليكس سالموند الذكرى السنوية لمعركة بانوكبورن لإجراء الاستفتاء على الاستقلال. حكومة الأغلبية في اسكتلندا لم تتخل عن الفرصة للمطالبة في استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا، ولم يكن لوستمنستر أي خيار آخر إلا أن توافق على هذا الطلب. وختمت بالقول: المساهمة في تحقيق هذا الاستطلاع يعود لشعب اسكتلندا الذي جسدت مشاركتهم العاطفية فيه حضورا قياسيا وانتصارا للديمقراطية. اسكتلندا، حتما، صوتت للتغيير ويجب أن يحدث التغيير الآن في جميع أنحاء المملكة المتحدة إذا اردنا أن يستمر الاتحاد ويزدهر. أما النائب البريطاني، الإسكتلندي، جورج غالاوي المؤيد لحملة معاً أفضل فسجل موقفاً مميزاً من الإستقلال قائلاً أن التصويت بنعم على الإستقلال سيعني أن الطبقة السياسية البريطانية استطاعت تحقيق ما فشل هتلر في تحقيقه: تدمير بريطانيا. مضيفاً: ديفيد كاميرون، كاد أن يكون رئيس الوزراء الذي يرأس نهاية بريطانيا العظمى.

ريما شري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية