ستة سيناريوهات لمستقبل الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني

حجم الخط
0

الناصرة – «القدس العربي» : تتوقع دراسة إسرائيلية حصول واحد من ستة سيناريوهات على صعيد العلاقات بين الشعب الفلسطيني وبين الاحتلال، مستعرضة التحديات الاستراتيجية والأجوبة عليها. الدراسة الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب تعاين التهديدات والتحديات الأمنية الاستراتيجية الماثلة أمام إسرائيل في حلبة الصراع مع الشعب الفلسطيني في ظل وجود ستة خيارات مختلفة من الممكن أن يتحقق أحدها.
وتقول الدراسة التي شارك فيها عدد من الباحثين في المعهد وبمساعدة خبراء من خارجه إنه تم عرضها على عدد من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين بطريقة غير رسمية من أجل الحصول على ردود فعلهم وحيازة خلاصات سليمة.
ولم تتطرق الدراسة للحلول ولم تقترح تسويات سياسية، مكتفية بقراءة وتحليل الواقع ببعديه الراهن والمستقبلي مع الأخذ بالحسبان التطورات الإقليمية والدولية. وينوه القائمون على الدراسة في مقدمتها أنهم يعون الديناميكية الموجودة بين كل من السيناريوهات المحتملة، مثلما يعون الأوضاع الأساسية وللعلاقات المتبادلة المركبة بينها وكذلك بالنسبة لاحتمالية وقوعها.

أوضاع السلطة الفلسطينية

أما الأوضاع الأساسية للسلطة الفلسطينية في كل من السيناريوهات الستة فهي: سلطة فاعلة تتعاون مع إسرائيل، وسلطة معادية لإسرائيل، وسلطة فاشلة ولا تؤدي وظائفها. وتقول الدراسة الصادرة عن هذا المعهد الذي يسترشد عادة بدراساته واستنتاجاته وتوصياته صناع القرار في إسرائيل إن مثل هذه الأوضاع الفلسطينية من شأنها أن تتشكل نتيجة مسيرات فلسطينية داخلية وكرد على منظومة العلاقات بينها وبين إسرائيل وبتأثير صيرورات إقليمية أيضا.
وتنوه الدراسة الى احتمال نشوء سيناريو إضافي تكون في إطاره غزة كيانا سياسيا مستقلا منفصلا عن السلطة الفلسطينية. وتشير إلى أن هذه الحالة الأساسية لم تشملها تحليلات الباحثين هنا، وأنه تم تداول موضوع غزة في دراسة منفصلة في مطلع العام الحالي عالجت التحدي الكامن في أزمة القطاع.

التزامات أمنية

وترى الدراسة الإسرائيلية هذه أن سيناريو « الدولتين لشعبين « مرهون بمساعدة دول عربية براغماتية للسلطة الفلسطينية كي تؤدي وظائفها بنجاعة وبقدرة إسرائيل على الاندماج في الحيز الإقليمي وسط إشراك مصر والأردن وربما دول عربية أخرى إضافية في ترتيبات أمنية، وكذلك مرهونة بتعزيز التعاون مع الكيان الفلسطيني (سلطة أو دولة) والحرص على قيامها بالتزاماتها الأمنية.
وحسب هذه الرؤية الإسرائيلية التي تضع أمن إسرائيل في المركز يمكن تطبيق «الدولتين» في الضفة الغربية أولا، فيما يبقى تطبيق هذه التسوية في غزة مشروطا بتغيير الظروف والسيطرة هناك. وتعتبر الدراسة أن خطوات الانفصال المنسقة أو المستقلة تتيح صيانة المصالح الحيوية لإسرائيل في واقع سياسي مسدود الأفق من ناحية المفاوضات، مثلما أنها تتيح نفي إمكانية فرض الفلسطينيين لـ» فيتو» على مجرد وجود أو استمرار المسيرة السياسية، ونفي إمكانية التدهور لحالة «دولة واحدة» تمس بالمصالح الحيوية الإسرائيلية.

الفصل بين غزة والضفة

في المقابل تعتبر أن خطوات الانفصال الإسرائيلية تتيح عودة للمفاوضات حول تسوية الدولتين، لكنها من جهة أخرى ربما تمس بمكانة السلطة الفلسطينية لأنها من الممكن أن ترى فيها تكريسا للاحتلال بطرق أخرى. كذلك تزعم أن هذا السيناريو( الخطوات الانفصالية) من الممكن أن يشكّل مرحلة انتقالية نحو تسوية الدولتين، وهكذا ينبغي تحديده وسط تشديد على مبادئ التسوية الدائمة.
وتعتقد أن احتمالات نجاح هذا السيناريو ستزداد في حال كانت السلطة الفلسطينية مستقرة وفعالة بأداء وظائفها. وتضيف الدراسة الإسرائيلية متطابقة بذلك مع توجهات حكومة الاحتلال «في هذه الحالة من المهم المحافظة على الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية كي لا يتم تقوية حركة حماس وتمكينها من السيطرة على الضفة إلا في حالة تصالح حقيقي يقود لعودة السلطة الفلسطينية للسيطرة الكاملة في غزة وتفكيك الجهاز العسكري لحماس أو إخضاعه أو دمجه لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وتحت مسؤوليتها».

سيناريو الضم

وتشير الدراسة الى سيناريو «الضم» بحجم واسع، مما يؤدي باحتمال كبير لسلطة فلسطينية معادية أو يؤدي لتفكّكها طواعية لصالح تصاعد هيمنة حماس أو تعزيز قوة جهات سلفية جهادية على حساب حركة فتح، وجهات «معتدلة» في الساحة الفلسطينية. وتقول الدراسة إن سيناريو الضم خاصة إذا كان بحجم واسع يعني الانزلاق التدريجي لواقع الدولة الواحدة وتصفية إمكانية تحقيق فكرة «الدولتين لشعبين». ويلاحظ هنا أن الدراسة تحرص على إقران كلمة «الدولتين» بـ «لشعبين» وذلك انسجاما مع الرؤية الإسرائيلية الرسمية التي تشدد على الهوية اليهودية في العقدين الأخيرين.

الدولة الواحدة

وتشير الدراسة إلى أنه في نهاية المطاف تجتمع كل السيناريوهات في حالتين ختاميتين ممكنتين : دولتان (سيادة فلسطينية كاملة أو محدودة) أو دولة واحدة (مع مساواة بالحقوق لكل المواطنين أو بدون مساواة بالحقوق). أما استمرار الوضع الراهن، وكذلك سيناريوهات الضم فتعني انزلاقا بدرجة احتمال عالية لواقع دولة واحدة – دون إعلان نوايا ودون معاينة دلالات ذلك.
وحسب الدراسة الاستراتيجية فإن وجود «سلطة فلسطينية مسؤولة، ومستقرة وفعالة بأداء وظائفها وتتعاون أمنيا على أساس مصالح متطابقة ضد الإرهاب وضد حماس «هو مصلحة حيوية لإسرائيل في كل السيناريوهات عدا في حالة سيناريوهي الدولة الواحدة. ولذا فهي ترى أن تعزيز ملامح الدولة لدى السلطة الفلسطينية عامل كابح في هذا السياق.
وتولي الدراسة أهمية كبيرة لاتفاقية السلام بين إسرائيل وبين مصر والأردن من ناحية دعم مبادئ التسوية (حتى لو كانت ليست تسوية دائمة في المرحلة الأولى) وفي الحالة الأردنية، ولاستقرار المملكة أيضا.
وبالتزامن مع الأحاديث عن «صفقة القرن» ودور الإقليم العربي فيها، ترى الدراسة أن هناك أهمية كبيرة لدول الشرق الأوسط المعتدلة ولمساهمتها في عزل الحلبة الفلسطينية – الإسرائيلية عن تأثيرات سلبية، وفي بناء كيان فلسطيني يؤدي وظائفه. وتزعم أن خطوات تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، ليست بالضرورة تسوية دائمة، من شأنها توسيع العلاقات بين إسرائيل وبين دول عربية إضافية من «المعسكر السني البراغماتي».
وتخلص الدراسة للإشارة لسبع خلاصات أساسية في المجال الأمني اشتقت من هذه الرؤية التي تحملها وتتقاطع مع «السلام المرحلي» أو «السلام الاقتصادي».
وفي الخلاصة الأولى ترى الدراسة أن معظم التهديدات على أمن إسرائيل قائمة في كل السيناريوهات بشكل متفاوت ومختلف. وفي الخلاصة الثانية تدعو الدراسة إسرائيل لبناء تشكيلة قدرات توفر أجوبة لكل احتمال والمحافظة على صلاحيتها. ومع ذلك تنوه أن تفعيل هذه القدرات ينبغي أن يتم بدرجات وأشكال مختلفة وفق الاحتمالات الممكنة وللأوضاع الأساسية.

انهيار السلطة

وترى الخلاصة الثالثة أنه لا يوجد احتمال حقيقي لتحسين ودعم استقرار الواقع الأمني حينما يفرض وضع على أحد الجانبين، فالاستقرار أو تحسين الأحوال غير ممكنين دون الاهتمام بمصالح الطرف الآخر. ولذلك لا يكفي السعي للوضع النهائي المراد بل من المهم جدا شق الطريق إلى هناك بحيث تكون مقبولة على الأقل(حتى بالصمت فقط) إن لم يكن متوافقا عليها من قبل الطرفين.
وترى الدراسة في خلاصتها الرابعة أن رحيل الرئيس محمود عباس عن الحلبة السياسية الفلسطينية واستبداله بقائد لا يتبنى معارضته المثابرة لـ «استخدام الإرهاب» أو فقدان قيادة فلسطينية متفق عليها والتدهور نحو صراعات سيطرة، من شأن ذلك أن يقود السلطة الفلسطينية للانهيار. ونتيجة لذلك من المحتمل أن تتزايد بشكل كبير التهديدات الأمنية أمام إسرائيل وبالتالي ارتفاع احتمال الرد العسكري الواسع من قبلها لدرجة الاستيلاء مجددا على كل الضفة الغربية.
وتقول الدراسة في خلاصتها الخامسة إن هناك علاقة تبادلية بين مستوى أداء السلطة الفلسطينية وتوجهها حيال إسرائيل (معادية- هجومية أو إيجابية ـ توافقية) وبين درجة الحرية للتحرك العسكري الإسرائيلي في أراضي الكيان الفلسطيني من أجل إحباط تهديدات أمنية، بمعنى أن سلوك الاحتلال منوط بسلوك الجانب الفلسطيني، مما يعني بقاء السيادة إسرائيلية بكل الأحوال. وفي الخلاصة السادسة تشير الدراسة لأهمية رؤية «حالة سلام» كمرّكب في مفهوم الأمن وتأمينه حتى لو لم تتسن إمكانية تقدير إسهاماته المباشرة في هذا السياق. والخلاصة الأخيرة ترى بـ غزة «مشكلة بلا حل كامل» ولذلك فإن سيطرة حماس أو جهات «متطرفة» أخرى هناك تشكّل «عاملا مفسدا» لكل مسيرة محتملة تتطلع نحو تثبيت الاستقرار والتقدم نحو تسوية. ومن هنا تستنتج أنه لكي يتم إسكات التوجهات «السلبية» في القطاع هناك حاجة لجهد إقليمي ودولي لتحسين الحالة المدنية وأوضاع البنى التحتية، وهي مساع تعرف بـ «ترميم غزة».

ستة سيناريوهات لمستقبل الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني
معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب:
وديع عواودة:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية