منذ أن تم الإعلان عن إتمام بناء سد الموصل ـ سد صدام سابقا ـ في العام 1986 الذي تم البدء بتنفيذ بنائه في العام 1983، فإن أقاويل وإشاعات أحاطت بعدم جاهزية هذا السد للتحمل والاستمرار. واعتبر ذلك من بين الإشاعات والأقاويل السياسية التي كان يقصد بها النيل من النظام، إلا أن الأمور بعد ذلك أخذت تتكشف عن وقائع فنية غير سياسية، تبين بعض العيوب في بناء السد وتربته، فما هي المعطيات التي تم ويتم تداولها في ما يتعلق بالسد وتربته؟
توجهنا إلى البلدة التي أقيمت حديثا ـ المبنية من الكرافانات الخشبية ـ بالقرب من ضفاف البحيرة التي نتجت من بناء السد المقام على مجرى نهر دجلة والذي يبعد نحو 50 كيلومترا عن مدينة الموصل، والواقعة جنوبه، استمعنا إلى همس وأقاويل تتناول كفاءة السد، فأحببنا أن نتأكد من ذلك من قبل بعض المهندسين اليوغسلاف، الذين وجدناهم في البلدة التي ترتفع نحو 850 مترا عن سطح البحر ـ كان ذلك في العام 1988. إلا أن كاميرا الزميل المصور، ما إن لمعت حتى كان رجل أمن بلباس مدني قد أطبق عليها، وتناولها من يد الزميل المصور، بل وساقه أمامه إلى غرفة في ساحة البلدة السياحية.
حينئذ بادر المرافق وذهب إلى الغرفة وتفاهم مع رجل الأمن، فعاد المصور مع الكاميرا إلى مقرنا، وتعطل الحوار الذي كنا نفترض أن نجريه مع المهندسين اليوغسلاف. وذكر مرافقنا أنه لا يسمح بالتصوير في المكان، نظرا لوجود بعض المنازل لمسؤولين كبار في الدولة، والتي تشرف على البلدة والبحيرة والسد. وبقيت الإشاعات والأقاويل عن السد متداولة، إلا أن مدير إدارة البلدة السياحية على سبيل المثال، ذكر إنهم في صدد بناء مشاريع سياحية عديدة على شاطئ البحيرة، ما يدلل على إنه لا توجد لدى بعض المسؤولين معطيات تتعلق بأخطار تحيط بالسد وبحيرته، وأن ما يتم تداوله هو ربما من الإشاعات السياسية ضد النظام.
في الألفية الثالثة وعندما احتل الأمريكيون العراق، تم التوقف عن حشو السد بالخرسانة المناسبة نتيجة الحرب، عندها بدأت تتكشف بعض الحقائق عن أن هناك تصدعات يجب ملئها باستمرار بالخرسانة المناسبة، وأن أرضية السد في حاجة دائمة إلى مواد خرسانية أخرى، نظرا لوجود تصدعات وانكسارات فيها.
أكبر السدود العراقية
ويبلغ طول السد نحو 3،2 كيلومتر، وارتفاعه 131 مترا، وتم استخدام نحو 37،7 مليون متر مكعب من المواد معظمها من الخرسانة والتربة في إنشائه.
تجدر الإشارة إلى أن سد الموصل يعتبر من أكبر السدود العراقية، ويؤمن الماء والكهرباء لأكثر من مليون شخص في شمال العراق، وقدر معدل إنتاجه بنحو 750 ميغاواط، يمكنه أن يغطي حاجة 675 ألف منزل. ويخزن السد كذلك كميات من المياه تبلغ نحو 12 مليار متر مكعب لأغراض الشرب والزراعة لجميع أنحاء محافظة نينوى، ويشكل جزءا من نظام التحكم الاقليمي في الفيضانات.
ويمكن الإشارة إلى أن كفاءة السد شابها بعض التراجع، خصوصا بعد استيلاء المجموعات الإرهابية عليه عام 2014 والغارات التي استهدفت طردهم من المنطقة والقذائف التي أحدثت تصدعات في بنائه. كما أن استيلاء المجموعات الإرهابية على بعض الأدوات الفنية المتعلقة بالسد ونقلها إلى سوريا ومنع وصول المتطلبات الفنية والفنيين لمعالجة بعض ما أخذ يظهر من تشققات وتغيرات في بنيانه وتربته وبحيرته، كل ذلك زاد من الأخطار التي يمكن أن تنتج من تصدعات كبيرة فيه، لكن ماذا يقول الفنيون عن حالة السد؟
آراء فنية
من الآراء اللافتة في المعطيات الفنية، ذكر الدكتور المهندس نظير الأنصاري استاذ هندسة الموارد المائية في جامعة لوليا بالسويد «إن السد أنشئ في العام 1983 وتم امتلاؤه بالماء عام 1986، وبدأت المشاكل تظهر بسبب أخطاء تصميمية». وأضاف إن الأمريكيين نشروا سابقا أكثر من تقرير عن إنهياره، كما أن دراستي وخبراء عراقيين كشفت عن وجود بالوعات عمقها 15 مترا، وأن بحيرة السد تضغط على الشقوق وتسرع إذابة الصخور الكلسية. وأضاف إن الحل العلاجي الذي اتخذ منذ العام 1987 حتى عام 2014 هو التحشية، حيث ضخ أكثر من 75 ألف طن من المواد الاسمنتية، وهذا ليس حلا جذريا. أما الآن فهناك دلائل كبيرة على وجود كبريتات بنسبة عالية، ما يؤثر على مقاومته».
وقال رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج «إن الحكومة العراقية لديها خطة طوارئ إذا انهار السد». لافتا إلى عواقب كارثية للانهيار، ستصل إلى تغيير خريطة العراق، بحسب ما نقل عن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وقال إن الحكومة واصلت عملية التحشية، لكن احتلال تنظيم الدولة للمنطقة لمدة شهرين عطل هذه العملية ، مشيرا إلى أن «التنظيم أخذ معه كل المعدات الخاصة بالسد».
كما كشفت الورقة التي قدمتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في دراسة لها عام 2007 «أن بنية السد ليست مستقرة، لأنه شيد على الجبس والحجر الجيري الذي يضعف عند تعرضه للماء، ويترك تجاويف في الجزء السفلي، ويتوجب ملء هذه التجاويف باستمرار بمادة الجص بكميات قدرت في العام 2007 بمئتي ألف طن سنويا». ويعتبر الأمريكيون أن سد الموصل هو من أخطر السدود في العالم نظرا لقابليته للانهيار بسبب تشققات في بنيته وضعف التربة التي بني عليها.
ومن الحلول المتداولة بالنسبة لخطورة السد، هناك من يدعو إلى إفراغه من المياه لتجفيف البحيرة الناتجة منه، كما يتم تداول بعض الحلول الأخرى التي تجتهد في تغيير مكان إنشاء السد على سبيل المثال. وبالرغم من المشاحنات السياسية التي أخذت تتصاعد بين السياسيين العراقيين وطرح اجتهادات شتى في هذا الموضوع الخطير، والحديث عن مباحثات مع شركات ألمانية وفرنسية وإيطالية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أن الخلافات السياسية والمصلحية المادية عطلت وتعطل مشاريع كثيرة، وما زال الجدل محتدما حتى يومنا هذا حول مشكلة يمكن أن تكون من أخطر المشاكل التي واجهها العراق.
ويمكن القول باختصار أن سد الموصل الذي تم الانتهاء من إنشائه في العام 1986 وراجت إشاعات وأقاويل وحقائق عنه، إنه وبعد ثلاثين عاما، ما زال صامدا يقوم بدوره المعتاد أو شبه المعتاد، على الرغم من تعرضه لتقصيرات عدم التحشية أحيانا، أو تعرض المنطقة المحيطة به لغارات الطيران وقصف المدافع . نعم إن حال السد ينطوي على أخطار عديدة، لكنه لا يمكن أن ينهار ما دام الفنيون يقومون بواجباتهم بالترميم والتحشية والصيانة.
سليمان الشّيخ