لندن ـ «القدس العربي»: وصفت منظمة الصحة العالمية في تقرير جديد لها فيروس زيكا بأنه ناتج عن لدغة البعوض وأعراضه خفيفة وتشبه أعراض الإنفلونزا العادية وقد لا تظهر أي أعراض عند الكثير من المصابين بالفيروس. معلنة عن عدم توفر أي علاج محدد أو لقاح جديد مضاد لهذا الفيروس ومؤكدة ان أفضل طريقة للوقاية منه هي في الحماية من لسعة البعوض. ومن المعروف أن الفيروس يسري في كل من أفريقيا والأمريكتين وآسيا والمحيط الهادئ. وحسب «منظمة الصحة العالمية» فالفيروس ليس بجديد وقد أكتشف لأول مرة في أوغندا في عام 1947 في قرود الريص بواسطة شبكة رصد الحمى الصفراء الحرجية، ثم اكتشف بعد ذلك في البشر في عام 1952 في أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة. وفي عام 2015 سجلت البرازيل نسبا مرتفعة في الإصابة بهذا الفيروس وأشارت السلطات الصحية الوطنية إلى احتمال وجود مضاعفات عصبية ومناعية ذاتية لمرض فيروس زيكا ولاحظت مؤخراً زيادة معدلات العدوى بين عامة الناس وزيادة في عدد الأطفال المصابين بصغر الرأس عند الميلاد في شمال شرق البرازيل. وفي عام 2015 اكتشفت حالات إصابة في كولومبيا وفي (كابو فيردي) في أفريقيا. وفضلاً عن ذلك بلغ 13 بلدا من بلدان الأمريكتين عن حالات متفرقة من العدوى بالفيروس، ما يشير إلى الانتشار الجغرافي السريع للفيروس.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن ما بين 3 إلى 4 ملايين شخص قد يصابون بفيروس زيكا في الأمريكيتين خلال العام الجاري.
وأعربت السلطات المعنية في الولايات المتحدة عن أملها في بدء تجريب لقاح بشري ضد المرض نهاية العام الجاري.
تساؤلات عديدة تطرح في ظل التخوف والقلق من انتشاره عبر القارات، فما هو هذا الفيروس وكيف يصيب الإنسان، وماهي أعراضه؟ وكيف تكون الحماية منه، وهل فعلا ينتقل عند الممارسة الجنسية؟
«القدس العربي» طرحت هذه الأسئلة على مختصين في مجال الطب والأمراض المعدية:
د.خالد الشافي استشاري الأمراض المعدية في لندن من أصل عراقي يقول: «هو مرض ينقله البعوض الزاعج ويشكو الأشخاص المصابون من الحمى الخفيفة والطفح الجلدي والتهاب الملتحمة وعادة ما تستمر هذه الأعراض لمدة تتراوح بين يومين و7 أيام. إن فترة الحضانة (المدة منذ التعرض وحتى ظهور الأعراض) لفيروس زيكا غير واضحة، ولكنها تمتد على الأرجح لعدة أيام، ويرجح أنها نفس البعوضة التي تنقل حمى الضنك والشيكونغونيا والحمى الصفراء.
أما عن كيفية الإصابة بالمرض فيتم عن طريق لسعة البعوضة وهي موجودة في المناطق الإستوائية. كان هذا الفيروس ينتقل بين القردة وهو كفيروس الحمة الصفراء والدنجي تنتقل بين الحيوانات، لكن عندما يتأقلم الفيروس يقوم بالإنتقال من الحيوان إلى الإنسان.
فعندما تلدغ البعوضة الإنسان تمتص الدم فتخرج الفيروسات الموجودة بداخلها للإنسان والشيء الغريب في هذه الجراثيم ان الإصابة لا تتم إلا عندما يكون الفيروس مستعدا ان يعيش في جسم الإنسان وهناك أجهزة في الخلايا مستعدة لإستقباله».
ويضيف: كانت الدراسات والبحوث المختبرية متأخرة عن اكتشاف الفيروس ربما الحالات كانت كثيرة، فقد سجل في البرازيل أكثر من 4 آلاف حالة صغر الدماغ والتي تؤدي إلى التخلف العقلي. وهذه مشكلة كبيرة خاصة بعدما زادت الحالات عن المعتاد خصوصا في الدول النامية والتي تنتشر فيها البعوضة بالاضافة إلى وجود حالات إجهاض ووفاة للأطفال، حيث يولد الطفل ناقص الحجم والوزن ثم يموت، وسجلت حوالي 200 حالة وفاة في البرازيل فقط».
المرأة الحامل والجنين
أكثر الناس تضررا هي المرأة الحامل وجنينها قال د.الشافي. معربا عن قلقه من هذه المشكلة حيث تم تسجيل إصابات في الجهاز العصبي موخرا وأصبح زيكا يهدد الصحة بعدما كان مجرد فيروس عادي. «تسجيل حالات كثيرة متمثلة بتوقف نمو الدماغ بعد الولادة حيث يولد الجنين بدماغ صغير فتكون الجمجمة صغيرة لان الجمجمة تكبر عندما يتسع الدماغ وهذا يؤدي إلى التخلف العقلي. هذا الضرر للجهاز العصبي ليس فقط ناتجا عن فيروس زيكا انما هناك فيروسات كثيرة أخرى قد تكون مرتبطة بزيكا».
موضحا «مرض زيكا يظهر خلال تكون الجنين وخصوصا في الأشهر الأولى، واكتشف ان الفيروس موجود في السائل المحيط بالجنين حيث ينتقل من الدم عن طريق المشيمة إلى الجنين وبالتالي يولد الطفل متخلف عقليا أو ضعيفا ويموت بعد الولادة مباشرة».
وينصح د.الشافي بعدم سفر الحوامل إلى المناطق التي ينتشر فيها الفيروس وضرورة زيارة الطبيب المختص والفحص بالسونار والمتابعة وعلى الحوامل ان يتجنبن الإلتهاب أو الإصابة خصوصا في الأشهر الثلاثة الأولى حيث تتكون أعضاء الجنين بعدها تكون احتمالات الإصابة أقل وتختلف من شخص إلى آخر».
لماذا ارتبطت كل هذه الأمراض بفيروس زيكا؟
وحول طبيعة ارتباط الأعراض والأمراض التي ظهرت مؤخرا يقول د.الشافي: «اجريت تجربة فحص لحوالي 37 حالة تبين ان الفيروس موجود في الجنين ولا يؤثر على الام بقدر الجنين وهذا تفسيره انه يذهب إلى الخلية التي تكون مستعدة لإستقباله. فالالتهابات لا تحدث لو لا وجود استعداد. وبالنسبة للكبار في بعض الأحيان يصابون بالشلل المتصاعد من الأقدام إلى الجهاز التنفسي وعادة يدخل المريض الإنعاش وفي أكثر الأحيان يتشافى لكنه يخرج وعضلاته تكون ضعيفة ويشعر بالوهن».
الوقاية الصحية أهم من العلاج
ويشير د.الشافي إلى انتقال الفيروس عن طريق المعاشرة الجنسية وخاصة بعد ان سجلت بعض الإصابات: «عندما يدخل الفيروس جسم الإنسان ينتشر في كل الخلايا وسوائل الجسم ولهذا يكون المصاب مصدرا للعدوى حينما تمتص أي بعوضة دمه أو عبر الممارسة الجنسية.
ويؤكد على أهمية التوعية الصحية في التقليل من الإصابات. موضحا أن «البعوضة لها قابلية على نشر المرض وان تعيش فترة طويلة وهي تطير حوالي اربعمئة متر. والوقاية تكون خاصة بتجنب أواني الماء أو براميل الصرف الصحي بعد المطر حيث يعيش الفيروس».
«توجد إصابات في بريطانيا وامريكا وصلت عبر السفر والتنقل. فبعوضة الملاريا مثلا انتقلت من خلال أمتعة المسافرين في الطائرات وأصبحت وباء. وفي البلدان العربية تساعد الحرارة على نمو البعوض».
ويؤكد «التوعية الصحية مهمة فلا يوجد علاج لحد الآن ولا تطعيم ونحن الآن في مرحلة جديدة من المرض. وأنصح قبل السفر إلى أي بلد بالتعرف على الأمراض المنتشرة فيه فالإنتباه والحذر يقلل من الإصابة بالمرض، كما وأنصح بمنع نقل الدم خاصة من متبرع حتى لا تنتقل العدوى كما ومن الضروري الاهتمام بصحة المرأة الحامل».
رعب مفتعل أم حقيقي؟
أما استشاري جراحة التجميل والحروق والأوعية الدموية د.محمود عثمان وهو أخصائي مصري يعمل في المملكة السعودية فقد تحدث عن وجهة نظره من تهويل وتكبير الموضوع الذي أخذ أكبر من حجمه قائلا: «هو ليس فيروسا جديدا انه ككل الفيروسات أو الكائنات الدقيقة لها الأعراض والمضاعفات نفسها. لكن بالنسبة لإصابة مخ الجنين ربطوه بزيكا وذلك لأنهم لم يجدوا سببا ثانيا. ولكن إلى الآن لم يثبت علميا ان فيروس زيكا هو السبب النهائي. مع العلم ان الأعراض في زيكا تظهر على 25 في المئة من المصابين بها فقط يعني ممكن أكون مصابا بزيكا ولا تظهر علي الأعراض. وهذه الأعراض تظهر على صغار السن وأصحاب الأمراض المزمنة ومن يعاني من ضعف المناعة». مضيفا: «صحيح يجب الحيطة والحذر لكن لا يجب ان يتحول الحذر إلى رعب وهلع. والاحتياطات تتمثل في النظافة الشخصية وإعطاء العلاجات كمخفض الحرارة وإجراء فحوص للتأكد من عدم وجود إصابة. ولمجرد اكتشاف أي أعراض ينصح بعدم تناول الأسبرين فهذا ممنوع مع كل الإصابات الفيروسية ويجب تناول كميات كبيرة من المياه على أساس تنشيط مناعة الجسم ثم التوجه لأطباء الحميات المختصين».
مضيفا ان «المسؤولية يجب ان تكون مشتركة من خلال التثقيف المجتمعي والصحي والإعلامي وعلى أجهزة البيئة ان تقوم بالعمل على ردم البرك ورش الغابات ووضع احتياطات معينة على شبابيك المنازل، حتى نمنع البعوض لأنه السبب الأساسي. وننصح المتزوجين بالتوقف عن الممارسة الجنسية إذا تبين وجود أعراض وكذلك ننصح المرأة الحامل بالابتعاد عن أي شخص يشكو من ارتفاع في درجات الحرارة وصداع، وعدم الاستهانة بفيروس زيكا وما يسببه من تشوهات وتخلف عقلي للأطفال وأعباء على الأسرة والدولة وكل المرافق».
ويرى د.محمود عثمان أنه «يجب الحفاظ على التوازن البيئي وأنه من غير المعقول لأننا نخاف من زيكا نسرف في استعمال المبيدات بالنسبة للعمال الزراعيين لان أثر الكيميائيات سوف يكون أكبر وأخطر من الفيروس، ويجب أخذ الحذر من خلال ملابس مجهزة وممكن رش المبيدات بالطائرات المخصصة لذلك حتى نحمي العنصر البشري من التعرض لأضرارها».
وجدان الربيعي