أخشى أن الرئيس السيسي ظلم الحقيقة وظلم مصر وظلم نفسه بتصريح متعجل غير مدروس لوكالة أنباء «الأسوشيتدبرس»، بدا كممارسة عفوية لنوع من العلاقات العامة في الميديا الأمريكية، ودعا فيه ـ على ما قيل ـ لتوسيع معاهدة السلام الإسرائيلية مع مصر، لتشمل دولا عربية أخرى، وبدا السياق متعلقا بكلام فلكلوري عن القضية الفلسطينية، وتصور الرئيس عن عقد محادثات سلام تقود إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في عدوان 1967، وتضم الضفة وغزة بعاصمتها في القدس الشرقية.
بدا الخطأ والظلم مرتبطين بعبارة «توسيع معاهدة السلام»، وهي ترجمة تلقائية من الرئيس لما يسمى «مبادرة السلام العربية»، التي أصدرتها قمة بيروت عام 2002، وتحدثت عما سمته معادلة الأرض مقابل السلام، وبدت كإشارة كلاسيكية متعارف عليها في الخطاب الرسمي العربي، وفي خطاب الرئيس المصري باعتباره رئيسا للقمة العربية في دورتها الحالية، ولو كان الرئيس اكتفى بالحديث عن مبادرة السلام إياها، فربما لم يكن موضعا للوم ولا لضجة ثارت، لكنه استخدم صيغة «توسيع معاهدة السلام»، وهو ما أوحى أن المعاهدة إياها في أفضل أحوالها، وأن السيسي راغب في استزادة، وفي السعي لتعريب «كامب ديفيد»، وهو ما استثار سخطا وطنيا عاما في مصر قبل غيرها، ودفع الرئاسة لإيضاح وتصحيح، على لسان متحدثها الرسمي، قال إن السبب في اللغط هو سوء ما سماه «الترجمة الصحافية»، وهو ما تأكد بعدها في الخطاب الرسمي للسيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أسقط فيه العبارة المثيرة للخواطر، وركز على المطلب الكلاسيكي الرسمي المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما بدا «كدش بارد» على رأس نتنياهو رئيس وزراء كيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي كان قد سارع للترحيب بعبارة نسبت للسيسي، وأعلن استعداده للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جولة مفاوضات جديدة عبثية.
والعبارة ـ التي جرى إغفالها فيما بعد ـ تظلم الحقيقة العارية، ولأسباب ظاهرة جدا، لا تتعلق فقط بحديث المبادئ، فنحن ـ وغيرنا ـ نعتقد أن الحل الوحيد هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإقامة دولة ديمقراطية في فلسطين، وبوسائل المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية والمقاطعة الدائمة لكيان الاغتصاب الإسرائيلي، ولا نعترف بأي شرعية لإسرائيل، ولا بمعاهدات سلام معها، وقد يختلف السيسي ـ من موقعه الرسمي ـ مع هذه الرؤية، ولا يرى من سبيل أمامه سوى تكرار الكلام عن مفاوضات سلام صارت كلاما فارغا، ولا أفق مفتوح لها، فلا شيء يجبر إسرائيل على تفاوض حقيقي، ولا على فتح طريق أمام إقامة دولة للفلسطينيين على قطعة من الأرض الفلسطينية، فالأساس في أي تفاوض هو موازين القوى، وهي مختلة بشدة الآن على الأرض الفلسطينية، وباستثناء مظاهر مقاومة تلقائية حول «المسجد الأقصى» المبارك، فلا توجد حركة فلسطينية ذات شأن تتبني خيار المقاومة الآن، اللهم إلا باستثناء حركات أصغر من نوع «حركة الجهاد» و»الجبهة الشعبية»، في حين سرى التمزق المهلك في صفوف الحركة الوطــــنية الفلسطيـنية، ولم يعد من خلاف نوعي ظاهر بين حركــة عباس وحركة حماس، وفي وقت سابق، كان عباس عنوانا للمساومة، بينما كانت «حماس» عنوانا للمقاومة، وهو الفارق الذي ينمحي في السنوات الأخيرة، التي تحولت فيها «حماس» إلى عنوان منافس لعباس على خط المساومة ذاته، ولا تتذكر حكاية المقاومة إلا بصورة موسمية، تتواقت في العادة مع كل عدوان إسرائيلي جديد على حماس في غزة، التي اكتفت بها حركة حماس على ما يبدو، وتدير من وراء ستار، وعبر وسطاء إقليميين، مفاوضات سرية مع إسرائيل، لعقد ما تسميه حماس «هدنة طويلة» ربما لعشر سنوات، وهو ما يريح كيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي يلاعب عباس بحماس، والعكس بالعكس، ويسعد بحروب داعس والغبراء بين غزة ورام الله، ويجد فائضا من الوقت المستريح لإدارة بروفات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وحتى ينشغل الفلسطينيون بحقوق الصلاة عن حقوق الوطن والشعب، وكأن مجرد الصلاة في الأقصى هي وعد الله لعباده الفلسطينيين، بينما تبقى الأرض الفلسطينية كلها للإسرائيليين، بحسب الوعد المفتري المكذوب في التوراة.
والعبارة المنسوبة للسيسي تسيء لمصر بقدر إساءتها للحقيقة الفلسطينية، فمصر ليست «عرابا» لاتفاقات ومعاهدات ظالمة، وفلسطين قضية وطنية مصرية، ووجود «إسرائيل» في ذاته خطر على الوجود المصري في ذاته، وهذه هي العقيدة الوطنية والقتالية الراسخة للجيش المصري، الذي أتى منه السيسي، والعقيدة لم تتغير أبدا لا في أيام السادات الأخيرة، بعد عقد معاهدة العار المعروفة باسم معاهدة السلام، ولا في أيام مبارك الطويلة البليدة الراكدة، فالجيش المصري ليس جيشا لرئيس، وتوجيهه المعنوي ومناوراته وتدريباته وأسلحته وهياكله كلها، تنطلق من عقيدة واحدة، وهي أن الخطر الأكبر على مصر يأتي دائما من الشرق، وأن حروب مصر التكوينية الكبرى دارت كلها إلى ما نسميه الآن بالشرق العربي، وفي قلبه فلسطين، ومن معارك «قادش» رمسيس إلى «مجدو» تحتمس، إلى «عين جالوت» قطز، إلى «حطين» صلاح الدين، وإلى معارك «ساري عسكر عربستان» إبراهيم باشا ـ ابن محمد علي ـ في الشام، وإلى معارك جمال عبد الناصر وصولا إلى حرب أكتوبر 1973، وقد دفع الجيش المصري من دم بنيه، أكثر مما دفع الفلسطينيون أنفسهم، دفاعا عن مصر ودفاعا عن فلسطين، ولأن الجيش المصري هو صورة مبلورة للشعب المصري، فلم تعبر معاهدة السلام طريقها بأمان أبدا في مصر، وظل الشعب المصري أكثر الشعوب العربية كراهية للسياسة الأمريكية، المندمجة عضويا بكيان الاغتصاب الإسرائيلي، وظل الشعب المصري في قرارة نفسه لا يعترف بأي علاقة طبيعية مع كيان الاغتصاب المصنوع، وتقدمت طلائعه من أول لحظة لمحاصرة الوجــــود الإسرائيلي في القاهرة، ونجحت في إلغاء مشاركات إسرائيل في معــــرض الكتاب، ثم في المعرض الصناعي، وفي حصار ووصم كل عناصر «التطبيع» الســـياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني، وفي إنشاء تنظيم «ثورة مصر» الذي طارد برصاص القتل عناصر «الموســـاد» في القاهرة، ولم يقتل مصريا واحدا، وكان قائده العملياتي هو محمود نور الدين، الناصري الذي غيبوه في السجن إلى أن مات، وكان قائده السياسي هو الدكـــتور خالد نجل القائد جمال عبد الناصر، وهو السعي ذاته الذي استمر بعد ثورة الشعب المصري في يناير 2011، التي رفعت صور عبد الناصر، وتقـــدم شـــبابها في ليلة ملتهـــبة لإحراق وتدمير مقـــر السفارة الإسرائيلية على نيل الجيزة، ومن وقتهـــا لم تعد لإسرائــــيل سفارة في مصر رغم التبادل الدبلوماسي الرسمي، ويقيم السفير الإسرائيلي منعزلا في مخبأ بالمعادي، أقاموا فيه قبل أسابيع حفلا هزليا سموه بإعادة افتتاح السفارة، حضره السفير الأمريكي، ولم يجرؤ وزير الخارجية المصري على حضوره خوفا من الغضب الشعبي، وهم يتحدثون الآن في الكواليس عن إقامة مقر جديد للسفارة الإسرائيلية، بينما تخشي السلطات الأمنية المصرية من الخطوة، وتحذر منها، ووسط يقظة وطنية تتعقب اتفاق «الكويز» بهدف إلغائه، وتتعقب أي مسعي خياني لاستيراد الغاز من إسرائيل بعد وقف تصدير الغاز المصري إليها.
والعبارة المنسوبة للسيسي تظلم السيسي نفسه، فقد أعلن الرجل مرارا أن الانهيار في مصر بدأ عقب حرب أكتوبر 1973، وأن «البلد وقعت» تماما في الثلاثين سنة الأخيرة، ودعا السيسي في خطاب تنصيبه رئيسا إلى «تعديل» معاهدة السلام، ولم يعبأ أبدا بتهديدات خفض أو وقف المعونة الأمريكية، ونجح في تقليص التبعية الموروثة لواشنطن في السياسة والسلاح، ودخل في المناطق المحظورة، بإعلانه استئناف البرنامج النووي المصري بعد توقف دام أربعين سنة، وحين سألوه وقت ترشحه للرئاسة عن احتمالات زيارته لإسرائيل ولقاء قادتها، كان جوابه لافتا، وقال إنه لن يفعل شيئا من ذلك إلا بعد استرداد حقوق الفلسطينيين وقيام دولتهم، ولم يكن موقفه من معاهدة السلام أقوالا تطلب التعديل، بل أفعالا تفرض على الأرض، فلم تعد من نافذة مفتوحة للعلاقة مع إسرائيل سوى التواصل الأمني السري، وقد استثمر السيسي القناة الأمنية لإجراء أكبر تغيير جوهري إلى الآن على معاهدة سلام السادات، ونجح بذكاء هادئ مثابر في قلب توازنات السلاح في سيناء، فقد كانت سيناء ـ بحسب معاهدة السادات ـ منزوعة السلاح في غالبها، وإلى عمق 150 كيلومترا غرب الحدود التاريخية لمصر مع فلسطين المحتلة، وكانت سيناء مقسمة إلى ثلاث مناطق (أ) و(ب) و(ج)، وكان وجود الجيش المصري محصورا في المنطقة (أ)، وبعمق 58 كيلومترا شرق قناة السويس، وبفرقة مشاة ميكانيكية واحدة بعدد 22 ألف جندي، بينما المنطقة (ب)، وبعمق 109 كيلومترات، كان لا يسمح فيها بغير أربع كتائب حرس حدود، والمنطقة (ج) إلى الشرق، وبعرض 33 كيلومترا، كان لا يسمح فيها بغير وجود معدود للشرطة المدنية، وكان ممنوعا تحليق الطيران الحربي، أو إنشاء مطارات وموانئ حربية مصرية في سيناء كلها، وقد صار ذلك كله الآن أثرا من الماضي، وزحف الجيش المصري بكامل هيئته وسلاحه إلى سيناء كلها حتى حافة الحدود التاريخية مع فلسطين المحتلة، وفي وضع غير مسبوق منذ ما قبل هزيمة 1967، وهو إنجاز وطني باهر يحسب للسيسي، وتظلمه عبارة شاردة للرئيس، كان حسنا أن جرى تجاوزها سريعا، فالحق أحق بأن يتبع.
٭ كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
لا افهم هذا الدفاع المستميت عن السيسي حتىًعندما تكون التصريحات واضحة انه ليس الا نسخة عن نظام مبارك والسادات من قبل
زحف الجيش المصري بكامل عدته وعتاده إلى سيناء كان لحماية أمن إسرائيل وبموافقتها ، فلا داعي لالباس السيسي ثوب البطوله .