سوريا: استعراض عسكري أمريكي وترتيب للقوى

حجم الخط
1

دمشق ـ «القدس العربي»: بعد أسبوع حافل بالإرباك على خلفية تغريدات الرئيس الأمريكي ترامب، دوت انفجارات ضخمة فجر أمس السبت، في العاصمة السورية دمشق ومدن سورية أخرى وجهتها واشنطن ولندن وباريس، واستهدفت خلالها مواقع عسكرية عدة للنظام السوري، أولها مركز الأبحاث الكيميائية في جمريا بدمشق ومقار للوحدات الخاصة في برزة شمالي العاصمة، ومقار للحرس الجمهوري لواء 105 في دمشق، كما استهدفت مطاري المزة و الضمير العسكريين، واللواء 41 قوات خاصة في ريف دمشق الغربي، وقواعد الدفاع الجوي في جبل قاسيون وسط العاصمة، اضافة إلى مواقع عسكرية قرب الرحيبة في منطقة القلمون، ومواقع في منطقة الكسوة في ريف دمشق، اضافة إلى مواقع عسكرية تقع تحت نفوذ حزب الله اللبناني يتم فيها إنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية بحمص قرب الحدود اللبنانية. ووصف مراقبون، الضربة الأمريكية بالخاطفة والمحدودة، عازين السبب إلى كونها مقيدة بالزمان والمكان وأصغر بكثير من حجم تهديدات ترامب التي وجهها لكل من النظامين الروسي والسوري، على مدار أيام، علاوة على انها لم تسفر عن نتائج جوهرية توازي حجم الكارثة التي لحقت بأبناء وأطفال مدينة دوما في الغوطة الشرقية، وانتهت بتهجيرهم، بعدما ارتكب النظامان المذكوران جرائم حرب ضد المدنيين باستخدام الغازات السامة، وسبقه قرابة 50 هجوما بالسلاح الكيميائي على مواقع المعارضة.
تناقض تحدث عنه خبراء عسكريون لـ«القدس العربي» بعد تصريحات البنتاغون التي جاء فيها ان «الضربة حققت أهدافها»، اضافة إلى تعليق ترامب حينما قال ان الهدف من الضربة العسكرية على مواقع للنظام السوري هي رادع قوي ضد تصنيع الأسلحة الكيميائية وانتشارها واستخدامها، مضيفا ان الضربة أتت بسبب عجز روسيا عن لجم ديكتاتور سوريا، الأمر الذي رأى فيه البعض مبالغة غربية بتوجيه ردع حقيقي للنظام السوري بعدم استخدام السلاح الكيميائي، بعد ان عادوا وقالوا «أنه في حال استخدم الأسد الغازات السامة مجددا فسنكون أيضا جاهزين للرد» ما يشير إلى ان الضربة لم تهدف إلى ردع الأسد نهائيا، وإلى عدم وجود رغبة جادة في نزع السلاح الكيميائي من النظام السوري. الخبير الاستراتيجي والطيار مروان الحبوش من دمشق رأى ان الضربة الأمريكية اعتمدت على مبدأ «أنصاف الحلول» مثل سابقاتها، فلا هي مثلت ترامب بعد سلسلة من التصريحات النارية، ولا أزعجت موسكو والنظام السوري، بل على العكس فالضربة التي لا تقصم ظهر النظام هي إذا تقويه كما حصل في الضربات السابقة التي أبقت على بشار وحافظت عليه وأعطته مزيدا من الجرأة لكي يعيد استخدام الكيميائي مرات ومرات، حسب رأيه.
وعلى الطرف المقابل، بدا رأس النظام السوري بشار الأسد مرتاحا بعد تلك الهجمة حسب شريط مصور بثه التلفزيون الرسمي، كما ذكرت وكالة «سانا» للأنباء الناطقة باسم النظام السوري، ان الأضرار اقتصرت على المادية، مشيرة إلى ان القوة الجوية السورية تصدت للصواريخ بكفاءة عالية، وأمام هذه التصريحات قال الخبير بسلاح الجو السوري، الحبوش، ان هناك مراوغة بالتصريحات، فالصواريخ الأمريكية تجنبت وسائل الدفاع الروسية كليا، وانه لا يمكن للنظام السوري إصابة مثل هذه الصواريخ.
مشيرا إلى ان الإدارة الأمريكية قد أرسلت بضربتها هذه رسالة عبرت فيها عن عودة دورها، لإعادة ترتيب القوى على الأرض.
وتحدث المحلل السياسي محمد بيرقداء لـ«القدس العربي» عما وصفها بالأسباب القريبة للتدخل الأمريكي في سوريا، منطلقا من شعور واشنطن ان إيران قد تصبح ذات امتداد جغرافي يصل من المحيط الهادي إلى البحر المتوسط حتى آسيا الصغرى، ونفوذ سياسي واسع من خلال تحالفها مع روسيا مستفيدة من عزل تركيا عن حلف شمال الأطلسي واقترابها من الحلف الروسي الإيراني، وهذا يعطيها قوة اقتصادية تضاف إلى قوتها التي لا تنكر.
هذه القوة الإيرانية مضافاً إلى خسارة الغرب لتركيا باقتصادها النامي وموقعها الجيوسياسي الهام جداً مضافين للطموح الروسي المتنامي الذي جسده فلاديمير بوتين بتدخله في القرم والشيشان وأخيراً سوريا وإلحاقها بروسيا من خلال الهيمنة على قرارها السياسي والسيادي والسيطرة على ثرواتها وموانئها واقتصادها لمدة نصف قرن ويزيد، والعنجهية السياسية التي يواجه بها أمريكا والغرب جعلت من التدخل أمراً ممكناً، لتعديل موازين القوى العالمية بما يخدم مصالح أمريكا والغرب ويحجم فلاديمير بوتين وأطماعه وإيران وأحلامها الشيطانية ويرسم ملامح جديدة للعلاقات الدولية في المستقبل.
ورأى المحلل السياسي ان أمريكا والغرب لم يتدخلوا سابقاً في سوريا، علماً أن أسباب تدخلهم كانت دائماً موجودة ومبررةً، فهم يدعّون رعاية حقوق الإنسان، وحماية النفس البشرية، وديمقراطية الأنظمة، وتركوا عصابة القتل والإجرام ومعها قوى الشرِّ، تعيث فساداً في سوريا قتلاً واعتقالاً وتشريداً، وهدماً للحضارة ولبُناتها.

تهديد روسي بكيميائي جديد

وبالرغم من أوراق القوة التي امتلكها جيش الإسلام أكبر فصائل المعارضة السورية في محيط دمشق، واستحواذه على أسلحة ثقيلة وعشرات الأسرى للنظام السوري واقتراب تعداد قواته من 9 آلاف مقاتل، وبسط سيطرته على مدار سنوات على أهم المواقع الجيوسياسية في خاصرة دمشق الشرقية، إلا ان تأثير السلاح الكيميائي الذي استخدمه النظام السوري ضد المدنيين، وإعادة التهديد باستخدامه من جديد على لسان كبير مفاوضي الروس خلال الجلسة التفاوضية الأخيرة قبيل ابرام الجانبين اتفاق التهجير من مدينة دوما، كان أشد وقعا من المواجهات العسكرية على الأرض، مما قهر قيادات جيش الإسلام والزمهم بالرضوخ لشروط الاستسلام وتسليم السلاح والأسرى وصولا إلى تسليم مدينة دوما آخر قلاع الثورة في حزام دمشق، للنظام السوري، الذي عجز عن انتزاع السيطرة عليها عبر المواجهات العسكرية بالرغم من الترسانة العسكرية الضخمة التي وضعتها موسكو من أجل ذلك، وتعبئة عشرات الميليشيات المؤتمرة بإمرة إيران في محيط المنطقة.
وبموازاة تحقيق النظام السوري لنصر مؤزر بتهجير الدمشقيين بالآلاف من موطنهم إلى مراكز الايواء ومخيمات النازحين في الشمال السوري، كانت الساحة الدولية تشهد تحركا روسيا على جميع الأصعدة من أجل توفير الحماية اللازمة للنظام السوري للحد من تأثير الضربة الأمريكية التي كانت من الممكن ان تستهدف مفاصل النظام وتودي به، حيث عملت موسكو خلال الاسبوع الفائت على تكثف محادثاتها على الصعيد الدولي، ابتداء من أعقاب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مطار التيفور العسكري، وأحيت قنوات اتصالاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وعبرت على لسان نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف عن اهتمام موسكو بتطبيع العلاقات معها، وقال بوغدانوف في تصريحات سابقة له، «لقد وجهنا دعوة للسفير الإسرائيلي في موسكو للحديث عن سوريا والوضع الراهن هناك، وسنناقش بالطبع الوضع وتطوراته في سوريا والعلاقات الثنائية» مستبعدا في ذلك الوقت حدوث مواجهة في سوريا تؤدي إلى اشتباك عسكري بين روسيا والولايات المتحدة.
التحرك الروسي والمشاورات مع البيت الأبيض أثمرت هي أيضا حسب الوقائع على الأرض، حيث كان التنسيق عالي المستوى بين الإدارة الروسية والأمريكية، بعدما أطلعت الأخيرة موسكو على تفاصيل الضربة قبيل حدوثها، وبدا ذلك واضحا غداة الضربة الأمريكية، التي تجنبت وسائل الدفاع الروسي كليا.

في الميدان السوري

بعيدا عن ضجيج الضربة أعلن النظام السوري نصره في الغوطة الشرقية بعد الانتهاء من تهجير أبناء ريف دمشق الشرقي، الذي ناهز تعدادهم 60 ألف شخص، بالتزامن مع اجلاء مقاتلي جيش الإسلام إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، حيث رافق ذلك تحرير النظام السوري 200 محتجز لدى جيش الإسلام من أصل أكثر من 3000 قضى معظمهم خلال قصف النظام السوري على مدينة دوما.
وكالة «سانا» الناطقة باسم النظام قالت انه تم تحرير كامل المختطفين المحتجزين لدى جيش الإسلام في مدينة دوما بالغوطة الشرقية في ريف دمشق. كما ذكرت صحيفة «الوطن» المقربة من النظام أن الاتفاق المبرم بين جيش الإسلام وموسكو، ينص على تسليم جثامين قتلى النظام وتحديد أماكن الدفن، كما نص على إخراج المحتجزين بالتوازي مع إخراج مقاتلي جيش الإسلام، بنسبة تنسجم مع الأعداد من الطرفين، مشيرة إلى ان أعداد المهجرين من دوما يقارب الـ 40 ألفاً، في حين ان عدد المحتجزين لدى جيش الإسلام يقارب الـ 200 فقط.
الأمر الذي أثار حفيظة الموالين للنظام السوري، ودفعهم للخروج بمظاهرات غاضبة طالبت بشار الأسد بالكشف عن مصير أبنائهم، وحسب مصادر أهلية فإن صالة الفيحاء شهدت اعتصامات يومية منددة «بالكذب» الذي مورس على الشعب من قبل قيادات النظام السوري وعلى رأسهم، رئيس لجنة المصالحة.
وكان «جيش الإسلام» قد أبرم اتفاقا مع الجانب الروسي بعد ساعات من الهجوم الكيميائي على مدنية دوما، ينص على إخراج جميع مقاتليه الراغبين بالخروج إلى الشمال السوري مع سلاحهم الفردي، وتسوية أوضاع الراغبين في البقاء داخل المدينة، كما نص الاتفاق على عدم دخول قوات النظام إلى المنطقة قبل 6 أشهر، وتشكيل لجان شعبية من أهالي المدينة لحمايتها بالتنسيق والتعاون مع الشرطة الروسية، مقابل أن يطلق «جيش الإسلام» سراح جميع الأسرى وتسليم جثث جميع قتلى قوات النظام.

سوريا: استعراض عسكري أمريكي وترتيب للقوى

هبة محمد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    400 قطعة سلاح متوسطة وكبيرة سلمها جيش الإسلام للنظام ولم يساعد الفصائل الأخرى طيلة سنين الثورة السورية ! ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية