مثلما تشكل فلسطين مقياساً أخلاقياً ليس للعالم العربي فقط، بل لمعايير الأخلاق الإنسانية أيضاً، كذلك صارت سوريا اليوم، مقياساً أخلاقياً كونياً.
في نكبتها الأولى شهدت فلسطين ضميراً عالمياً أصم وكاذباً ومخاتلاً، أما سوريا فتشهد اليوم على موت الضمير الانساني، ودخول القيم في متاهة الانحطاط التي تتجسد في بنية لها طرفان: العنصرية المعادية للعرب والمسلمين من جهة، وجنوح الرأسمالية في مرحلة توحشها إلى توحيش الانسان وتشييئه وتسليعه والدوس عليه.
انا هنا لا أكتب في السياسة، ففلسطين أي الشعب الفلسطيني، قيمة أخلاقية بصرف النظر عن الاداء السياسي الفلسطيني، الذي يشكل اليوم عاراً على من يتصدر قيادة شعب ضحى ويضحي، قاوم وسيقاوم، عبر الالاعيب السياسية والخزعبلات الفصائلية والرشوة واستخدام الدين اداة لحجب عدالة النضال الفلسطيني وتفوقه الأخلاقي على الاحتلال.
وسوريا، أي الشعب السوري، الذي انتفض لكرامته وانسانيته، قيمة أخلاقية كونية، بصرف النظر عن الاداء السياسي للمعارضات السورية، وعجزها عن بناء اطار وطني، يضع التضحيات السورية الهائلة، والتي لا سابق لها، في اطارها، كنضالات من أجل حرية الانسان وكرامته الفردية والجماعية وحقه في العدالة.
اليوم لا يحتفل العالم مع السوريات والسوريين بذكرى مذبحة الكيماوي الوحشية، مثلما لا يحتفل العالم مع الفلسطينيات والفلسطينيين في ذكرى نكبتهم.
ماذا قال العالم الذي غسل يديه من الدماء اليهودية بالدم الفلسطيني، ولا يزال يغسلها إلى اليوم، وماذا سيقول العالم أمام صفقة النذالة التي أعقبت مجزرة الكيماوي في آب/اغسطس 2013، حين نجح الامريكان والروس في تحويل جثث السوريات والسوريين إلى جسر للتفاهم على نزع الأسلحة الكيماوية من النظام الاستبدادي المتوحش في سوريا، كخدمة مجانية تقدمها القوتان العظميان لاسرائيل، في سياق استمرار غسل الضمائر من الدم اليهودي بالدم العربي؟
كان في مقدور البعض أن يخترع أعذاراً للصمت المريب أمام النكبة الفلسطينية، وأن يتسامح مع فيلسوف كبير كجان بول سارتر في موقفه الأعمى من قضية الشعب الفلسطيني. وكان هذا الموقف خاطئاً رغم تبريراته «الأخلاقية»، التي ربطت بشكل مزوّر بين مشروع عنصري استعماري استيطاني وبين ضحايا المحرقة النازية.
لكن كيف استطاع الضمير العالمي أن يبتلع صفقة الكيماوي؟ وكيف انحنى العالم للوحش المستبد، وصار يغض الطرف عن واحدة من أكبر المجازر التي ترتكب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟
كان لا بد من كاتب فرنسي من وزن جان جنيه، الذي رفض العماء الغربي، واكتشف عمق المأساة الفلسطينية، كي يحوّل موقف سارتر وتردده إلى عار لن يمحى، كما كان من الأدب الفلسطيني ومن اعمال المؤرخين الفلسطينيين والمؤرخين الاسرائيليين الجدد، كي تكشف الكذبة الكبرى، التي أحاطت بصمت الضحية الفلسطينية المزدوجة ومنعت صوت أنينها من الوصول إلى الآخرين.
وعلى الرغم من كل ما كتب عن صعوبات المواجهة الأخلاقية مع النذالة، وهي نذالة عربية أيضا صنعتها أنظمة الاستبداد التي ارادت اقتسام فلسطين مع الصهاينة، ثم ارتضت بعد هزائمها العسكرية المشينة، أن تشكل غطاء لا يلوم سوى الضحية، فإن الضحية السورية تواجه نذالة أكبر وتجاهلاً متعمداً، وانتهازية أخلاقية لا سابق لها.
عام 1948 كان في وسع العالم، ومن ضمنه العالم العربي، أن يدّعي أنه لم يكن يعلم، رغم أنه يعرف أنه يكذب، ونحن أيضاً نعرف ذلك. أما اليوم فلا أحد يستطيع أن يدّعي أنه لا يعرف ماذا يجري في سوريا. فلقد تحولت صور أطفال سوريا إلى أيقونات لعار الأخلاق في عالمنا، وصار الموت السوري أليفاً حد اللامبالاة، وصارت آلام ملايين اللاجئين والمشردين والمرضى والجوعى في بيوتنا. ومع ذلك لا أحد يبالي.
لا يعرفون ولا يبالون.
ويعرفون ولا يبالون.
هذا هو الحضيض الأخلاقي الشامل.
يتحججون بداعش واخواتها كي يبرروا القصف والقتل والتدمير، ويعطوا مسوغاً أخلاقياً يسمح للطائرات الروسية والميليشيات الايرانية باستباحة الأرض السورية.
السفهاء من المعسكرين المتقاتلين استباحوا سوريا، لذا فهم جميعاً يحمون بشكل أو آخر النظام المتوحش الذي فتح ابواب سوريا للموت، وأعطى مبررات لكل السفهاء كي يجتمعوا على هدف واحد هو تحطيم سوريا وتحويل شعبها إلى مجموعات من اللاجئين والتائهين.
كل هذه الحجج لا تساوي دمعة طفل او حشرجة امرأة او أنين رجل تحت الأنقاض.
كل هذا الكلام السياسي لا معنى له، لأنه يتنكر للمبدأ الذي يجب أن ينظم السلوك الانساني، وهو مبدأ أخلاقي ينطلق من اعتبار الانسان وحياته وكرامته أساساً للسياسة وهدفاً لها.
وهذا الكلام ليس نقداً للغرب فقط، بل هو في المقام اليوم نقد للثقافة العربية التي صارت آلة بيد الأصوليات المختلفة، وممسحة لنظام الاستبداد من جهة، وأنظمة الكاز والغاز من جهة ثانية.
ما نحتاجه اليوم هو استفاقة أخلاقية تعيد ترتيب أرواحنا كي لا نكون شهود زور على المذبحة الكبرى التي تجري أمام أعيننا.
سوريا اليوم هي مقياس أخلاقي إنساني شامل، وكل تنكر لآلام شعبها، وكل تبرير للجريمة باطل.
الياس خوري
عفواً أستاذ إلياس لم يعد هناك حاجة لمقاييس الأخلاق لأنه لم يعد هناك أخلاق لُتقاس. أصبحت الكلمة غريبة على أسماع العالم ولو طالبت دولة ما بالإلتزام بالأخلاق لا تهموك بالعته, نحن نتكلم هنا عن أخلاق إنسانية متعارف عليها بين بني البشر كحلف الفضول في الجاهلية ولا نتكلم عن الأخلاق الدينية. لقد عجزت العرب في جاهليتهم الحالية أن يأتوا بمثل حلف الفضول (الجاهلي) الذي حض على مكارم الأخلاق كإغاثة الملهوف ونصرة الضعيف والوقوف مع الحق والذي كان شيء طبيعي أن يزكي الرسول الكريم هذا الحلف ويؤيده. العرب في جاهليتهم الثانية (الحالية) يفعلون بعكس حلف الفضول تماما, يتآمرون على بعضهم, ويخون بعضهم البعض يلومون المظلوم بدل نصرته بل ويسلمونه لأعدائهم ليفعل به الأفاعيل (حالة غزة مثلاً) وفوق هذا يؤيدون المجرم المعتدي بكل صفاقة ووقاحة منقطعة النظير, وإذا استجارهم (أي العرب) أحداً يبيعونه بلا أي وازع. بربك أية فترة هي الجاهلية العربية تلك التي نعيشها الآن أو منذ 1500 سنة؟؟ الجواب يعرفه الجميع.
أخي الياس ..ليس بوسعي ( كالعادة ) الا أن أحيي بك طهارة الروح ونبل القلم الشريف ؛ وكي لا أستطرد ( فلست بحاجة لتعميد كل كلمة حرة جئت بها أعلاه ) ؛ لكن علي أن أتوقف عند النقطة التي مهرت بها كامل المقالة ( الأخلاق ..و القيم الاخلاقية ) ؛؟ ثم تساءلت عن الأداء السياسي لما أسميته معارضات سورية .وعجزها عن بناء اطار وطني ….الخ . أخي الياس ؛ لا أرغب توجيه سؤالي اليك مباشرة حول تعبير ومصطلح استمرأ الكثيرون في ترديده ( المعارضات )؟ المعارضات تعبير شامل ،احتوى الجميع ومن كل طالح ..فليس من صـالح ؛ وباعتقادي الراسخ والذي عبرت عنه منذ ولادة أول وليد حنث في استانبول ودّق أول معول لهدم قلعة الحرية في ثورتها الطاهرة السلمية ؛؛ فاخترقها رغم تحذيري لمن أسموا انفسهم ( قادة للمجلس الأعلى ) ؟؟ ثم احتواها ليتم اجهاضها ..ولقد تم لهم ذلك مع شديد المرارة والأسى وأذكر مقالة لك جاءت منوهة بذلك متسائلا ( ان كانت بوصلة الثورة قد فقدت اتجاههـا؟). المجلس المسمى وطني .؛ رغم أن من كلفه وتبناه هو الغرب وأجهزته التخريبية ثم تمويله بالبترودولار القذر .رغم كل هذه الحقائق الرهيبة فان ( اشباه المثقفين ) من أبناء الوطن العربي السوري والذين كان بعضهم يتلبس دهرا عباءة الوفاء والولاء للوطن وأمتنا ويتباهى بهذه العروض وعلى صفحات ( القدس الغراء ) لم يستغرب للحظة أو يستيقظ متسائلا عن ( حميّة الغرب ثم شهامة شيوخ البترول ) وغيرتهم على شعب عربي استعمر وأذّل لما يزيد عن خمسين عاما من قبل نظام تطوع خلالها حارسا أمينا على أمن وسلامة العدو الصهيوني .؛ ..وفجأة تفجرت الحمية وبعثت الكرامة من قبورها ؟؟ لم يتساءل هؤلاء الأوصياء بلا وصاية ،عن دوافع ( الدافعين نفقات فنادقهم ورحلاتهم المكوكية ؟ وما هي مصلحتهم ومتى كان لعدو أمتنا وأوليائه من الرجعية العربية المتآمرة منذ خلقت ، لهفة الحر وشهامة النصير والغيرة حرصا على حريتنا وكرامتنا ؟؟ أخي الياس ؛ عندما نتطرق للأخلاقية وفي مآسي أمتنا فعلينا وقبل أن نتوجه للغير اتهاما بأن نبدأ بسؤال من حمل هوية الوطن وفجأة تحول لمطية ومخلب قط ؛؛ بأي مقياس أخلاقي قمتم بضرب المعول الأول لهدم قلعة الثورة لحرية شعبكم واسترداده كرامته ؟؟