يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: «إن الظلم مؤذن بخراب العمران.. جباة الأموال بغير حقها ظلمة، و المعتدون عليها ظلمة، والمنتهبون لها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة،.. ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران». وكثيرون من الفلاسفة والحكماء غير ابن خلدون أكدوا على أن العدل هو أساس الحكم. ولو سارت الدول على هدي تعاليم ابن خلدون، لما اندلعت الثورات، ولما انهارت البلدان، ولما سادت الفوضى، وتقاتل الناس وتناحروا، وذبحوا بعضهم بعضاً كالأغنام.
لقد وصلت سوريا، وغيرها من البلدان إلى ما وصلت إليه من انهيار ودمار بسبب غياب العدل، واستئثار جماعة أو جماعات معينة بثروات البلاد وإدارتها وتسيير أمورها. لقد انعدمت المشاركة السياسية تماماً بسبب احتكار النظام لكل مقاليد السلطة، فاختفت النقابات والجمعيات والاتحادات وكل مظاهر المجتمع المدني الذي يردف عادة الحكومات، ويدعمها، ويخلق نوعاً من التوازن الاجتماعي والسياسي في البلاد. وكي لا يتهمنا البعض بأننا نركز في هذا المجال على سوريا دون غيرها من البلاد العربية، نقول لهم إن كل البلدان التي انهارت تعاني من نفس المرض السوري. وهناك بلدان عربية كثيرةً ستواجه المصير نفسه، طال الزمن أو قصر، لأنها باختصار لم تأخذ بنظرية ابن خلدون، أو لنقل بنظرية العدل الاجتماعي.
لقد شهدت سوريا تحديداً خراب العمران كما أسماه ابن خلدون. لماذا؟ لأنها لم تكن دولة لكل أبنائها، بل كانت تُدار بعقلية فئوية ضيقة، حتى لو كان من يديرونها من كل أطياف الشعب، فالعبرة ليست بمن يدير، بل بكيف يدير البلاد. لو كانت سوريا لكل أهلها، صدقوني لما وصلت لا هي ولا غيرها إلى هنا، ولما استطاعت كل مؤامرات الكون أن توصلها إلى هنا. فلو استخدم البعض كل أنواع التحريض الإعلامي والسياسي في أي بلد لكل أبنائه، لما نجح في تحريضهم على بعضهم البعض.
هل يمكن أن تحرض على ثورة في بلد مثل ماليزيا، كي لا نقول مثل السويد؟ بالطبع لا. لأن الدولة لكل أبنائها وليست لفئة ولا لفئات معينة، حتى لو كان هناك فئات أكثر حظاً من فئات أخرى، لكن في نهاية المطاف هناك مشاركة اجتماعية وسياسية عامة في إدارة الدولة دون تمييز مذهبي أو طائفي أو عشائري أو قبلي أو اجتماعي أو مناطقي. أما في سوريا، فقد استأثرت طبقة معينة في الهيمنة والسيطرة على البلاد والعباد منذ عقود بطريقة مفضوحة، وكانت ترد دائماً على أي تظلم اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي بسيط بالحديد والنار ظناً منها أنها تستطيع أن تقمع الناس إلى ما شـــاء الله.
لكن الناس في لحظة ما عندما تجد أنه لم يعد لديها ما تخسره، ستحرق الأخضر واليابس، وستزلزل الأرض تحـــت أقدام المستأثرين بالسلطة والثروة. وهذا ما حدث فعلاً، فكانت النتيجة كارثية على الجميع حكاماً ومحكومين.
صحيح أن الكارثة السورية غير مسبوقة في العصر الحديث، كما وصفتها الأمم المتحدة نفسها، لكن من شأن السوريين أن يعيدوا بناء بلدهم وتضميد جراحهم، مهما كانت غائرة ولو بعد حين، بشرط أن تكون الدولة السورية القادمة دولة لكل أبنائها دون أي استثناء، وإلا عدنا إلى النقطة التي أوصلتنا إلى الكارثة مرة أخرى. كل من يحاول إقصاء الآخرين على أساس اجتماعي أو ديني أو طائفي أو عرقي أو مذهبي سيواجه نفس المصير الذي واجهه نظام الأسد، وأدى إلى دمار البلاد وتهجير العباد.
لا نريد في سوريا القادمة أن يهيمن طرف أو فئة، لا أكثرية ولا أقلية، على بقية مكونات الشعب السوري. فقد أثبتت عملية الإقصاء والاجتثاث العراقية أنها كانت كارثية على العراق، ولو أصبح العراق لكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه بعد سقوط النظام السابق، لما وصل العراق إلى هنا، ولما ظهرت المجاميع الإرهابية المتطرفة التي استغلت عمليات الإقصاء والاجتثاث لتمارس بحق العراق أفظع أنواع الإرهاب والخراب.
في عراق ما بعد صدام حسين، بدل أن يعاقبوا ويحاكموا فقط من تسبب بظلم العراقيين وقهرهم، عاقبوا طائفة صدام حسين بأكملها، فكانت النتيجة أنهم وضعوا نصف الشعب العراقي تقريباً في مواجهة السلطة الفاشية الجديدة، فتحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات والفوضى والاقتتال الطائفي والتناحر المذهبي والخراب العام. العقاب الجماعي في اي مكان سيخلق لك رد فعل جماعياً ساحقاً ماحقاً. لا تزر وازرة وزر أخرى.
من الغباء السياسي الشديد في أي بلد من البلدان أن تلغي أي طيف أو طائفة أو عرق أو أثنية من الحياة السياسية في البلاد. وإذا كان لا بد من محاكمة الذين تسببوا في إيصال سوريا إلى هذه الكارثة التاريخية، فلا يجب أن يكون العقاب جماعياً بحق أي مكون، بل فقط بحق الذين أجرموا بحق السوريين من كل الأعراق والطوائف والمكونات. ولو حاول البعض أن يمارس عقاباً جماعياً فهو يكون بذلك قد أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، وأسس للانهيار والدمار من جديد.
سوريا الجديدة يجب أن تكون لكل السوريين دون أي استثناء عرقي أو مذهبي أو مناطقي أو طائفي أو قبلي. يكفي أن تحرم خمسة بالمائة من السكان من حقوقهم، أو تستعديهم أو تمارس التمييز ضدهم حتى يضعوا البلاد على كف عفريت. الحل الأمثل في سوريا المستقبل، إذا وصلنا إلى ذلك المستقبل المنشود، يكمن في صناعة مواطن سوري انتماؤه الوحيد للوطن، وليس لفئة أو طائفة أو جماعة أو جيش. عندما تصبح البلاد لكل أهلها، لن يتقاتل أهلها، ولن يقتلوا بعضهم البعض على الهوية الدينية أو الاجتماعية أو الطائفية القذرة، بل سينهضون ببلدهم عندما يعلمون أن لكل واحد منهم أسهماً في الوطن.
تصبحون على سوريا فيها أسهم للجميع.
تصبحون على سوريا لكل أبنائها.
٭ كاتب واعلامي سوري
د. فيصل القاسم
بسم الله الرحمٌن الرحيم .
أنت قلت الحقيفة , ودائما تقول الحقيقة , وأنت بما قلت تنطق بلسان كل العرب في هذا الوطن الكبير , وما يحدث في سوريا وكل الوطن العربي بدون استثناء إلابسبب عدم وجود العدل وتحكم فئة أو طائفة في الحكم وإقصاء بقية المواطنين وكأنهم حثالة لاحق لهم ولاقيمة , وما قاله ابن خلدون هو الحقيقة .: الظلم سبب خراب البلدان وما حل الظلم بقوم أو دولة إلا وحل بها الخراب .
وكما قلت :” لقد وصلت سوريا وغيرها من البلدان إلى ماوصلت إليه من انهيار ودمار بسبب غياب العدل واستئثار جماعة أو جماعات معينة بثروات البلاد وإدارتها وتسير أمورها , وانعدمت المشاركة السياسية بسبب احتكار النظام لكل مقاليد السلطة “. وكما قلت أيضا : ” فالعرب ليس بمن يدير بل بكيف يدر”
لقد وقف أمير المؤمنين على بن أبي طالب -كرم الله وجهه وخصمه اليهودي أمام القاضي أبي يوسف بسبب دعوى أقامها اليهودي على الخليفة , ودعاهما القاضي أمامه إلى مجلس القضاء ووقف الاثنان أمام القاضي , وأخذ القاضي ينادي اليهودي باسمه وأمير المؤمنين بأبي الحسن , واحتج أمير المؤمنين قائلا للقاضي : لم تعدل بيننا لأنك تنادي خصمي باسمه وتناديني بكنيتي , فاعتذر القاضي وصار ينادي كلا باسمه , واستغرب اليهودي قائلا : أهكذا دينكم يأمركم ؟ قال نعم فما كان منه إلا أن اعتذر لأمير المؤمنبن وتنازل عن حقه وأعلن إسلامه .
هكذا تقام الأمم وتعمر البلدان , ونحن العرب عامة غائبون عن هذا العدل غيابا تاما , لذلك قامت الثورات .
الأخ محمد طاهات / عضو في رابطة الكتاب الأردنيين
قصة ظريفة, ماأكثر مثل هذه الروايات. يرويها العجائز للصبيان.
لقد اصبت كبد الحقيقة يا دكتور اشد على يدك و اتفق معك فى كل كلمة سطرتها اناملك الماسية وارجو من الله سبحانه و تعالى ان نرى سوريا التى تصبو اليها و انت و كل ايناء سوريا الشرفاءالذين على ايديهم انشاء الله تعالى ستبنى سورية المستقبل
بعد ماخربت
كلام جميل
انا مع تغيير النظام في سوريا ولكن
ليس من خلال الإسلاميين المتطرفين
ولا بالطريق التي ينتهجونها
ليس لديهم مشروع دولة فقط لديهم شعرات راديكالية
لا تتناسب مقتضيات العصر ولا تناسب واقع السوريين ؟
لقد قلت وقلت وقلت وقال الكثيرون
بالله عليكم مالعمل
اذا كان الاحتجاجات السلمية لم تنفع
واذا كان العمل العسكري لم ينفع
ومفاوضات جنيف لم تنفع بحجة عدم التنازل عن دماء الشهداء وهي حجة تقال من الطرفين
ولدينا وضع اقل مايمكن وصفه بالكارثي ولم يعد احد يتحمل حتى البعيد في مغارب الارض من ديار العرب.
وتبقى دار لقمان على حالها حتى ياتي الله بامر كان مفعولا.
سوريا للاكثرية اي المسلمين السنة. اما بالنسبة للاقليات الدينية والعرقية فيمكنها العيش تحت ظل حكم الاكثرية اي تحت ظل الاحكام الاسلامية السنية وان لم ترغب في ذلك فبلاد الله واسعة. يجب وضع النقاط على الحروف منذ البداية, سوريا تحكمها فقط الاغلبية السنية وعلى الاقليات ان تعرف حدودها جيدا حتى لا نعود للوضع الذي تحكمنا فيه الاقليات مثل الوضع قبل الثورة..
لكن سوريا هي بلد اجدادنا ولا نرى لنا وطنا اخر بينما الاغلبية السنية يمكن ان ترجع الى نجد والحجاز وتطبق شريعتها …
وأن شاء الله إسرائيل لكل العرب وإلا….
عن أي سوريا تتحدث يا هذا؟ بل قل إستانة فارسية.
إبن خلدون عاصر انحطاط الأمة العربية وخراب عمرانها آنذاك على يد المغول.وعرف بقصته الشهيره عندما تم استقباله من طرف تيمورلنك من أجل التفاوض حول منح الأمان لدمشق.على كل تيمولنك رغم جبروته كان أشرف من بشار لأنه رفض دخوله لحمص احتراما لضريح الصحابي والفاتح الكبير خالد بن الوليد.
اول مرة تضع يدك على الجرح كما يقال عندنا في الجزائر هذا ما تعاني منه الامة بصفة عامة