عديدةٌ هي الأمثلة والمناسبات التي خرج فيها رئيسٌ ما أو مسؤولٌ رفيع كرئيس وزارةٍ أو وزير خارجية عن النص فانفعل خارجاً عن النص أو التصور المعد للقاء أو مؤتمرٍ صحافي، فصرح بما يجب إخفاؤه، أو بما هو غير لائق.وقد يعتبر رؤساؤه ومراقبوه من هيئاتٍ تمثيلية وجمهور ذلك كبوة جوادٍ كفءٍ بصفةٍ عامة.
الآن، ومع صعود شخصياتٍ شعبوية واحتلال بعضها صدارة المشهد السياسي العالمي، وعلى رأسها دونالد ترامب بغوغائيته، وما يتبدى من انعدام المسؤولية لديه وحساب تبعات كثيرٍ من تصريحاته الاستفزازية، كالتي طالت رئيس كوريا الشمالية مثلاً، فيبدو أننا دخلنا مرحلة تفرز فيها التناقضات الاجتماعية في أعتى الديمقراطيات الرأسمالية رؤساء حمقى.
بطبيعة الحال في منطقتنا من العالم، المبتلاة بالطغاة حيث لا مراقبة ولا رادع، فإن تلك الأمثلة متوفرة، من مثيل العقيد القذافي الذي عودنا على غريب الملبس ومستهجن السلوك ومدهش الأفكار والتصريحات، بل والكتابات. كثيراً ما فعلها أيضاً الرئيس المخلوع مبارك، الذي كان بحق مضرباً للمثل في انعدام الكياسة والتصريحات التي تفضح بدون مواربة شح ذكائه وضحالة ثقافته.
بيد أن العذر الوحيد لدى هؤلاء (إن كان هناك عذر) فكونهم أمضوا عقوداً في السلطة ولم تلح في الأفق، حين كانوا يتباسطون بوادر سخطٍ شعبي يهدد أنظمتهم المستقرة على الحديد والنار، ناهيك عن ثوراتٍ قريبة لم تغب بعد عن الذاكرة.
والأمر يختلف تماماً مع السيسي، الذي ما انفك يفاجئنا بتصريحاته وآرائه التي أسارع بأن أؤكد أنني كثيراً ما أتفق معه في بعض أوجهها، لكن صوب أغراضٍ ونهاياتٍ مختلفة، بل متعارضة تماماً.
ومع تكرار تلك النماذج لا يظل الموضوع في خانة الكبوة وزلة اللسان، بل يصبح نمطاً وأسلوباً مميزاً لا بد أن يؤخذ بجدية، كتعبيرٍ صريحٍ عن مكنون أفكاره ورؤيته لذاته ودورها ولبلده ومنطقته وثقافتها ولتصوراته عن العالم. فهو كما أثبتت الأيام والمواقف لم يكن مبالغاً على الإطلاق حين خرج علينا باعترافه أو بشارته بأن «الله خلقه طبيباً» وأن الفلاسفة (الذين أسارع بالتذكير بأنه لم يسم أياً منهم) شهدوا له بذلك، بل هو على أشد قناعةٍ بذلك. تصريحه المدهش في المؤتمر الصحافي الذي عقده أخيراً مع ماكرون يشهد لا بذلك فحسب، بل بأنه لا يقيم أي اعتبارٍ لمغزى كلامه بما يضر بقضيته قبل كل شيء، ويكشف ما يسعى كل ديكتاتور جاهداً ومكابراً لنفيه وإخفائه.
لقد أذهلنا جميعاً حين انفعل بصدد تساؤلٍ عن ملف حقوق الإنسان، الأسود المزري البائس بكل معاني الكلمة، فرد محذراً أو ناهياً عن قصر حقوق الإنسان على الحقوق السياسية فقط، ثم عدد حقوقاً أخرى كالتعليم الجيد، والعلاج الجيد، والتوظيف والإسكان الجيد ثم أجابٍ على كلٍ من هذه المناحي بأننا، أو مصر، ليس لديها أيٌ منها.
لا فض فوك سيادة الرئيس، وأحسبها المرة الأولى التي أتفق معك فيها تماماً، ولعلها المرة الأولى التي تلتقي فيها مع معارضيك، المسجونين منهم ومن ينتظرون دورهم.
فكل تلك بكل تأكيد حقوق أساسية وأصيلة للإنسان في العيش الكريم والعلاج الآدمي والتعليم الجيد، بالإضافة للكرامة وحرية التعبير والتجمع وسائر الحقوق السياسية، لكن ما الذي تريد إثباته بالضبط، حين تؤكد على غياب كل ذلك؟ أهو الفشل التام؟ ثم ما كان منه سوى أن ختم بأن مصر ليست في أوروبا (كشفٌ جغرافي آخر- فتحٌ علمي ) و»إحنا في منطقة أخرى»!
تجدني بعد الإصابة بذهولٍ أعجزني عن التعليق أعود فأتدبر كلماته، التي إن كانت أحدثت رد فعلٍ معاكس تماماً لأغراضه، إلا أنها أفصحت بشكل صارخٍ عن رؤية النظام والطبقة الحاكمة، بأدوات عنفها من جيش وشرطةٍ ومنظومة استخبارٍ عن شعبنا (أو شعوبنا) ومكاننا في العالم. فالرجل يقر بأننا خارج التاريخ، مفتقدون لكل أساسيات الحياة الإنسانية الكريمة، وبالتالي فلا داعي للتشبث بحقٍ سياسي، في حين أن الحاجيات اليومية للبقاء البدائي، الحيواني ومجرد- فوق- حيواني مفتقدة. كما أنها تكشف ذلك التعالي الذي تكنه تلك التركيبة الحاكمة للناس، فهم وفقاً للتعريف دون الرجل الأوروبي الأبيض المتحقق ذي التراكم الحضاري، الذي يستحق بموجبه حقوقاً لا شأن لأوباش شعوبنا بالتطلع إليها، فنحن في مكانٍ آخر نعيش زمناً آخر، وعوضاً عن الاضطلاع بمحاولة اللحاق بذلك الغرب المتطور الخارق، فالرجل قصر الشر والهمة على تقرير ذلك الواقع، ولما كان الشعب المصري مفتقداً الحياة المادية الكريمة فلا غرو ولا معنى للمطالبة بحقوقه السياسية ـ فليبق حيث هو من الدونية وليرض بنصيبه ذاك ويريح السيسي ونظامه ومنتفعيه من وجع الرأس.
الأكثر إهانةً في ذلك أن تلك الدعاوى تتلاقى مع إحدى وجهات النظر الغربية، أو رؤيةٍ لنقل، في صعودٍ الآن ترى أن محاولات زرع الديمقراطية في شعوبنا غير مجدية، كونها غير متجذرةٍ في ثقافتنا، وبالتالي فهي تلفظها، لاسيما وأن كل محاولات التدخل بدءاً بالضغط لفتح المجال العام، والسماح بقدرٍ من التعددية، وانتهاءً بالتدخل العسكري السافر لفرض أنظمةٍ ديمقراطية (لا السرقة على حد زعمهم) باءت بالفشل وتسببت في كوارث زلزلت المنطقة، وأخلت بميزان القوى، وعلى ذلك فإن متبني وجهة النظر تلك يصلون إلى قناعة بأن هذه المنطقة وتلك الشعوب لا يصلح لها سوى الرجال الأقوياء/ قاطعي الطريق الذين يسوقوننا كالمواشي بالسياط، ويضمنون «السلم العالمي» – تدفق البترول والملاحة ومشتريات السلاح على رأس أشياءٍ أخرى.
لست هنا بصدد تفنيد تلك التلفيقات والأكاذيب، بما تشمله من تحايلٍ على الوقائع وخلطٍ للتاريخ، لكن يكفي أن أشير إلى ما تحمله تلك الرؤية من نظرةٍ استعلائية واستعماريةٍ لنا. والشاهد أن الحكومات الغربية الخائفة من التغيير في بلداننا لأسباب عديدة، التي تئن مرتبكةً تحت ثقل موجات الفارين واللاجئين تتعامل معنا الآن وفق تلك النظرة التي قد يراها بعضهم واقعية براغماتية على أحسن الافتراضات، فقد أثبت السيسي أنه الرجل القوي على الأرض، يملك مفاتيح الدولة العميقة وقد أسكت الأصوات المعارضة بمنتهى القسوة، فنجد أن بلداً كفرنسا تحديداً غلب المصالح على المبادئ (بفرض أنها وُجدت أساساً) مع صفقات السلاح الضخمة، وما قد صاحبها بكل تأكيدٍ من هدايا وإكرامياتٍ ورشى فوق الطاولة وتحتها.
كثيراً ما تثور في حلقات النقاش أسئلةٌ (يرددها كثيرٌ من العامة تحت وطأة الإعلام) عن العلاقة بين الديمقراطية والنجاح والتقدم، وهل هي ضرورة ولازمة كشرط؟ وبغض النظر عن الإجابة المعتادة عن كون الديمقراطية الحقيقية تضع حدوداً وتكبح جموح المجانين الخ، فلا بد من الاعتراف بأن العلاقة ليست بهذه البساطة. ليس لأن النموذج الغربي في ما تسمى بالديمقراطيات الأعرق ها هي تبرز إلى السطح الآن إشكالياتها ومدى عدم تطابقها مع القطاعات التي تزعم تمثيلها، ولكن لأن هناك أمثلة لنجاحاتٍ في مناحٍ عديدة دون الديمقراطية، فالصين يقيناً ليست ديمقراطية وأبعد ما تكون عنها، إلا أنها باليقين نفسه ناجحة اقتصادياً، بمعنى تحقيق تراكم رأس المال، وكذلك الحال مع روسيا ذات السجل الأسود في حقوق الإنسان، إلا أنها ناجحة سياسياً والأمثلة عديدة. هؤلاء مبدئياً ينفون عن أنفسهم الديكتاتورية والاستبداد، لكن تساق نماذج النجاح تلك كبديلٍ أو تعويضٍ عن الحرية السياسية.
لكن وفقاً للسيسي فنحن ليس لدينا شيءٌ، فهو يبشرنا بأننا، على كل ذلك القمع، فاشلون في كل المناحي ورصيدنا كبشر ناقص في كل ما يفصلنا ويسمو بنا كبشر فوق الحيوانات، ونحن أيضاً خارج التاريخ، وقد فاته أن يشير إلى انعدام الكفاءة العسكرية بدليل حادث الواحات الأخير. لا أعلم لماذا لا يلتزم بالنص وهل هناك مستشارون؟ أيستمع لهم أحياناً؟
غير أنه يستعد لفترةٍ رئاسيةٍ أخرى، وهو باقٍ، ليكمل مسيرة الإنجازات: لا سياسية، لا صحة، لا إسكان، لا عمل.
الغريب حقيقةً هو أن أحداً من الصحافيين الأجانب، أي أولئك الذين لا يستطيع حبسهم، لم يتطوع فيسأله: سيادة الرئيس، إذا لم يكن لديكم في مصر حقوق إنسان، ولا تعليم جيد، ولا إسكان جيد، ولا توظيف فما الذي يوجد لديك بالضبط؟
كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
نسيت يا أستاذ : لا رز !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
اية ياعبدة عمّال تقول معنديش معنديش معنديش !
اية الحكاية ياعبدة ؟!
هو انت معندكش اية بالضبط ؟!
معندكش سكن …….! اية ، عندك سكن.
طيب ، معندكش اية ؟! معندكش ثلاجة ….. ! عندك ثلاجة.
معندكش وظيفة ؟! عندك وظيفة .
معندكش تعليم ؟!
معندكش رز ؟!
الله ! قلقتنى ياعبدة ! أمّال انت معندكش اية بالضبط ؟؟!!!!!