كان قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة هو قرار اللحظة الأخيرة. صوت المجلس على مشروع القرار في الساعات الأخيرة من يوم الجمعة، 23 ديسمبر/ كانون أول، آخر أيام العمل الجاد في الأمم المتحدة قبل عطلة عيد الميلاد ونهاية العام، وآخر أيام العمل الجاد لإدارة أوباما، قبل أن يتسلم الرئيس المنتخب مقاليد البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون ثاني.
وبدا القرار، بالتالي، وكأنه رسالة إدارة أوباما الأخيرة لحكومة نتنياهو، التي قاومت كل محاولات واشنطن لتحقيق تقدم ولو صغير في مسار التسوية، ولم تتردد في اللعب على التباينات الحزبية الأمريكية الداخلية، عندما ذهب نتنياهو ليلقي كلمة مناهضة للاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس بدعوة من الجمهوريين. منحت إدارة أوباما الدولة العبرية صفقة مساعدات عسكرية هائلة وغير مسبوقة، وعطلت مشروع قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي طوال ما يقارب العام. وكان الدافع في الحالتين، على الأرجح، المحافظة على الدعم اليهودي الأمريكي للمرشحة الديمقراطية للرئاسة، هيلاري كلينتون. وعندما أخفقت كلينتون في الفوز بالرئاسة، اختارت إدارة أوباما اللحظة الأخيرة في جدولي أعمال واشنطن والأمم المتحدة، لتوجيه صفعة مستحقة لرئيس الحكومة الإسرائيلية.
هذا، ربما، هو السياق الضيق للقرار؛ ولكن ثمة سياقا أوسع أكثر أهمية، وردود فعل على القرار لا تقل دلالة. كان المفترض أن تكون مصر، التي تمثل الكتلة العربية في مجلس الأمن، هي من يقدم مشروع القرار لمجلس الأمن. ولكن، وقبل يوم واحد فقط من موعد التصويت، لم يخف الوفد المصري في الأمم المتحدة تلقيه الأمر من الرئيس السيسي بسحب مشروع القرار من المجلس. ليس من الغريب أن يتدخل رؤساء الدول في الخطوات الدبلوماسية الهامة لدولهم، ولكن مثل هذه التدخلات لا يشار إليها في العلن وفي دوائر الإعلام. والواضح أن الحالة المصرية هذه المرة أريد لها أن تكون استثناء صريحاً. في حقيقة الأمر، تعهد الوفد المصري في الأمم المتحدة، ومن البداية، دوراً مزدوجاً. فمن جهة، تقدم الوفد المصري بمشروع القرار لمجلس الأمن، إرضاء للكتلة العربية، التي ما كان لمصر أن تحصل على مقعدها في مجلس الأمن بدون دعمها.
ومن جهة أخرى، كان الوفد المصري مطمئناً إلى أن الولايات المتحدة، التي تملك حق الفيتو، ستمنع مرور مشروع القرار. مع اقتراب موعد التصويت، اكتشف المصريون أن الولايات المتحدة لن تستخدم حق الفيتو ضد مشروع القرار، كما هي عادة الدبلوماسية الأمريكية في ما يتعلق بالقرارات الأممية التي تستهدف الدولة العبرية وسياساتها. وهذا ما جعل السيسي يصدر أمره لممثليته في الأمم المتحدة بسحب المشروع من جدول أعمال المجلس. وكان مشهد المندوب المصري في المجلس مثيراً للشفقة، عندما حاول مرتبكاً، بعد أن أقر مشروع القرار، تبرير موقف بلاده وقرارها المفاجئ بسحب مشروع القرار من جدول أعمال المجلس.
ما لم يخطئه كل من تابع ملف القرار وعملية التصويت عليه أن حماية مصالح الدولة العبرية، وليس الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، كانت المحرك الرئيسي للموقف المصري. هناك أدلة متزايدة، بالطبع، ومنذ صيف 2013، على التحالف الوثيق بين نظام السيسي وحكومة نتنياهو.
إجراءات الحصار القاسية التي اتخذها النظام الانقلابي في القاهرة ضد أهالي قطاع غزة، وضد المواطنين المصريين في المنطقة الحدودية مع القطاع، بما في ذلك تدمير بلداتهم وقراهم، قصد بها حماية الأمن الإسرائيلي. ولم يحدث من قبل أن فرط نظام حكم مصري بالسيادة على أجواء بلاده، كما فعل نظام السيسي بفتح المجال الجوي المصري في شبه جزيرة سيناء للطيران الإسرائيلي. ولكن خطوة لم تكشف عمق التزام نظام السيسي بالمصالح الإسرائيلية كما كشف مشروع قرار إدانة الاستيطان في مجلس الأمن.
وهنا تقع مفارقة دور الأنظمة العربية في الصراع المديد على فلسطين. احتاج الفلسطينيون، منذ اندلاع الصراع قبل مئة عام، الدعم العربي، نظراً للخلل الفادح في ميزان القوى. وفي المرحلة بعد قيام دولة إسرائيل، ونظراً للطبيعة التوسعية للمشروع الصهيوني، أصبحت الدول العربية طرفاً مباشراً في الصراع. ولكن عجز الشرعية، الذي عانت منه أكثر الأنظمة العربية، وضع حدوداً لدور هذه الأنظمة. كلما أخفق نظام عربي في تأسيس شرعية كافية له، كلما تراجع الدور الذي استطاع لعبه في مجال القضية الفلسطينية. في النهاية، تطور عجز الشرعية ليدفع دولاً عربية إلى التحالف مع الدولة العبرية، سعياً للحصول على دعمها وتأييدها في الساحة الدولية. وهذا ما أسس لعلاقة نظام السيسي الوثيقة بحكومة نتنياهو. يدرك السيسي هشاشة النظام الذي يقوده، ويدرك ضعف الشرعية التي يستند إليها؛ ولذا، فإن ذهاب السيسي إلى التحالف مع نتنياهو، ودفاعه الصريح عن المصالح الإسرائيلية، هو وسيلته لاستجداء التأييد والحماية الإسرائيلية في لندن وباريس وواشنطن.
ولا يقل رد الفعل الإسرائيلي أهمية في قراءة قرار مجلس الأمن. ولد القرار الأممي مناخاً من الغضب والذعر والخيبة في إسرائيل، بالرغم من نجاح الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، طوال ما يقارب السبعة عقود، في تعطيل القرارات الدولية وإفراغها من محتواها. صب الإسرائيليون غضبهم على إدارة أوباما، التي سمحت بمرور القرار الأممي، وشجعت على صدوره بالتأكيد، ووصفوا موقفها بالخيانة. ولكن هذا الغضب لم يستطع إخفاء مشاعر الذعر التي عكستها تصريحات مسؤولين وكتابات صحافيين ومعلقين وشخصيات إسرائيلية عامة. الدولة النووية الأولى في الشرق الأوسط، التي لم تتمتع في تاريخها بمناخ أمن وغياب تهديد كما تمتعت في السنوات القليلة الماضية، حولها قرار إدانة أممي واحد إلى ما يشبه الدولة المحاصرة، الدولة التي تشعر وكأن سقف العالم يوشك أن يهبط على رأسها.
ولد مشروع الوطن القومي اليهودي في فلسطين من المتطلبات الاستراتيجية للإمبراطورية البريطانية في شرق المتوسط. عندما كان يهود العالم الغربي ينظرون إلى الحركة الصهيونية باعتبارها تنظيماً متطرفاً لمهاجرين أوروبيين شرقيين، ينشط على هامش المجتمعات اليهودية المستقرة، كانت بريطانيا تبحث عن حل لمعضلة التوفيق بين مصالحها في المشرق والتزاماتها تجاه حلفائها في فرنسا وروسيا. التقط حراس الإمبراطورية البريطانية الفكرة الصهيونية الهامشية، وجعلوا منها وطناً قومياً لليهود في فلسطين، يرتبط ببريطانيا ويوفر مخرجاً لتحقيق مصالحها الاستراتيجية على حساب حلفائها ومنافسيها. هذه العلاقة العضوية بين دولة إسرائيل والأمبرياليات الغربية لم تقتصر على لحظة ولادة المشروع الصهيوني، بل ظلت ترافقه طوال سنوات تبلوره، وقوفه على قدميه، توسعه، وتحوله إلى القلعة المسلحة الحصينة على ساحل المتوسط الشرقي. عملت بريطانيا على تأمين الهجرة اليهودية إلى فلسطين طوال سنوات ما بين الحربين، ولم تقرر وضع نهاية لنظام الانتداب في فلسطين إلا بعد تيقنها من قدرة الياشوف اليهودي على إقامة دولته وحماية وجود هذه الدولة. خلال العقود التالية، لعبت كل من فرنسا، في المرحلة الأولى، ثم الولايات المتحدة، بعد ذلك، دوراً حيوياً في تأمين التفوق العسكري لدولة إسرائيل، تعزيز مقدراتها الاقتصادية، وحمايتها من القانون الدولي.
وهذا ما يجعل من التجهم الغربي في وجه إسرائيل مسألة بالغة الخطورة من وجهة نظر عموم الإسرائيليين، وتطوراً يستدعي مشاعر الذعر والحصار والخذلان. بدون العلاقة العضوية مع القوى الغربية، بدون غطاء هذه الدول وجدار حمايتها، حتى السلاح النووي لن يوفر الشعور بالأمن والاطمئنان.
٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
د. بشير موسى نافع
عنوان لغوي وليس فكري بامتياز، ففي اللغة السياق جزء مكمّل لتحديد أي تعريف من تدوين المعنى في قاموس اللغة، وفي هذا السياق يجب أن نقول أن من وقع على شهادة ميلاد الكيان الصهيوني عام 1947 كانت فرنسا وروسيا، وليس بريطانيا وأمريكا والصين الوطنية (تايوان)، وأنا لاحظت أنَّ هناك اختلاف ما بين أسلوب الحوكمة والإدارة الأمريكية وبين العقلية الأوربية في الحوكمة والإدارة، ودليلي على ذلك مؤتمر مدريد لحل قضية فلسطين عام 1991، تحقيقا للوعد الذي أعطاه جورج بوش الأب لدول مجلس التعاون الخليجي مقابل دعمه في إرجاع حدود سايكس وبيكو إلى ما قبل 2/8/1990 فالموعد والمكان الذي اختاره له رمزية مهمة جدا، تاريخ مرور 500 عام على انهيار دولة الحكمة في الأندلس، وقيام محلها دولة الفلسفة لثقافة الـ أنا أولا ومن بعدي الطوفان، ولذلك تم طرد كل من يمثل ثقافة الـ آخر إن كان مسلم أو يهودي.
فالعولمة ممثلة بمشروع مارشال بنسخته الأوربية في ألمانيا وما حولها، ونسخته الأسيوية في اليابان وما حولها، عملت على نشر ثقافة الـ نحن للأسرة الإنسانية التي تشمل ثقافة الـ أنا والـ آخر لتكوين منتجات تعود بالفائدة على الجميع، وما حصل في عام 1991 لإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي من الانهيار بسبب انهيار الاقتصاد الشيوعي، وتقسيم الاتحاد السوفييتي، من خلال تعميم أسلوب التجربة اليابانية والألمانية بالاعتماد على الآلة للحاق ببقية دول العالم من الناحية الاقتصادية بواسطة تعيين نائب الرئيس الأمريكي آل غور لتسويق الإنترنت/الشابكة بنفسه لربط كل أسواق المال العالمية بأسرع وقت ممكن، ومع ذلك انهار الاقتصاد الرأسمالي في عام 2008 بسبب فساد المال السياسي بقيادة فرنسا وتعاون روسيا.
والدليل ما حصل للتقارير الاقتصادية للهند التي تم التلاعب بها بناء على نصائح فرنسا، تفس الشيء في مصر، وكل ذلك مقابل عقود تسليح مع ما لم تستطع فرنسا تسويقه من طائرات وحاملة حوامات وغواصات، هناك مشكلة اقتصادية حقيقية خانقة، بسبب سوء النظام الضريبي المعتمد كما أوضح ذلك دونالد ترامب لهيلاري كلينتون في مناظراتهم للفوز بانتخابات أمريكا، وأظن التجربة الهندية من خلال طبع عملات وإلغاء عملات، ومن ثم طلب تسجيل من خلال الرقم الوطني كل العملات، من أجل تحسين عملية التحصيل الضريبي على حساب الاقتصاد بحجة أن الموظف أشطر من التاجر، ستؤدي إلى مآسي اقتصادية، الله يعين دول تملك صناديق سيادية.
انا اعتقد ان القرار فاجأ كل من السلطة و مصر و الدول العربية. و انه تم على مستوى المندوبين بتعليمات امريكية و ان سحب القرار و اعادته هو بسبب ارتباك الرئاسة المصرية التي وصلتها تعليمات من نتنياهو في آخر لحظة الا ان الامر اصبح مكشوفا و محرجا جدا.
و الحقيقة ان القرار لا يقدم و لا يؤخر. و هو تحصيل حاصل لان الضفة الغربية اراض محتلة و لا يجوز للمحتل الاستيطان فيها لان هذا ضد المبادئ العامة للشرعة الدولية. و كذلك الامر بالنسبة لنقل السفارات الى القدس حيث ان القدس الغربية و الشرقية تعتبر محتلة من قبل اسرائيل لان قرار الامم المتحدة للتقسيم نص على ان القدس و بيت لحم منطقة دولية. و كذلك الامر لعدم وجود حدود دولية لاسرائيل لان كل الاراضي التي ضمتها اسرائيل خارج حدود التقسيم و منها يافا هي اراض محتلة حسب قرار التقسيم.. و هذا هو السبب الرئيسي في دفع الامريكان للفلسطينيين للتفاوض بانفسهم مع اسرائيل للحصول على تنازلات تتعلق بالحدود و اللاجئين تقرها الامم المتحدة.
القرار كما قلت لا يغير شيئا على مستوى الشرعية الدولية و ما هو الا عبارة عن شدة اذن و ركلة من اوباما لنتنياهو ردا على الركلة التي وجهها ننياهو سابقا لاوباما.
الذعر الذي أصاب الكيان الصهيوني بعد صدور قرار إدانة الاستيطان يؤكد أن الصهاينة يدركون جيدا أن ما يسمى “دولة إسرائيل” إنما هو كيان اصطنعته امبرياليات غربية لحل مشاكلها الخاصة في سياق جيو سياسي محدد، ولا علاقة له مطلقا بما يسمونه باطلا “حق اليهود التاريخي” في أرض الميعاد. فمتى رفعت تلك الامبرياليات غطاءها السياسي وخاصة الأمني عن ذلك الكيان المصطنَع، آل الحق مباشرة إلى أصحابه الشرعيين أي شعب فلسطين.