سيقان

يعيش السنة في عالمنا الإسلامي حكاية طويلة مما يعتقدونها انتصارات في حين يعيش الشيعة حكاية بالطول ذاته مما يرونه مظلومية وغبنا. يحوك الطرفان النسيج السياسي في بلدانهم على أساس من هذه المنطلقات. طرف يعتقد في نفسه الحق المنتصر السائد وطرف يستشعر نفسه الحق المغبون الذي سيستحضره آخر الزمان فيعليه ويتوجه منتصرا بعد طول هزيمة وظلم. ليس في هذه المعتقدات تحديدا مشكلة، فالبشر عموما يولدون على معتقدات ويتوارثون قصص تاريخ يؤمنون بها الحق المطلق، أغلبنا يعيشها من دون ان يسائلها أو حتى يتجرأ على أن يفكر فيها، فقد علمتنا أديان الحق المطلق حرمة التفكير والمساءلة، خصوصا فيما يتعلق بمنطقية توجهات هذه الأديان وفاعلية أفكارها وفوائد أوامرها.
ينعكس أثر هذه المعتقدات على حيوات الأفراد الشخصية، يؤثر في مسيرتهم، في إنجازاتهم، في علاقاتهم ببعض وبالمجتمع ككل. لكن يبقى التأثير محدودا إلى حد ما، وهو تأثير يلتزم الجميع بتحمله انطلاقا من القاعدة المقدسة لحرية الفكر والعقيدة واختيار أسلوب الحياة. تتعاظم المشكلة وتأخذ منحى حقيقي الخطورة تدميري الأثر عندما تختلط العقيدة بالسياسة، وعندما يتشبث الأفراد بمناهجهم الفردية كمناهج سياسية عامة يرون ضرورة فرضها على الجميع انطلاقا من اعتقادهم بأنها الحق المطلق وأنهم ممثلون للصوت الإلهي على الأرض.
أكاد لا أرى مصيبة في عالمنا العربي لا يد فيها لفرض عقيدة أو توجه ديني. وصولا إلى القرن الواحد والعشرين ما زالت صراعاتنا تنتعش دينيا، شعوبنا مخدرة بتوافه الأمور، وكلما أصابتهم صحوة رمى لهم ملاك السياسة والدين قصة جديدة تخدرهم، فضيحة سياسية أو خناقة دينية، قصة فضائحية أو فتوى ترعيبية، فينسى الناس الصحوة ويعودون للسبات، يطردون الهموم بتداول فضائح السياسة ويعطون الحياة قيمة ومعنى بالإمعان في التشدد الديني والاستسلام لما لا يقبله عقل أو منطق. يحتاج الإنسان إلى هوية، إلى انتماء، إلى قيمة ومعنى للحياة، إلى هدف، ولأن كل تلك ذائبة في شمس السياسة الدينية والدين السياسي في منطقتنا، نفتح نحن الفريزر ونستمد الهوية والمعنى من تاريخ كاذب في أغلبه ومن أيديولوجيات قررناها الحق المطلق الذي يعلينا عن سوانا من البشر ضامناً لنا الآخرة بما أن الدنيا ملك «للكافرين».
كل صراع في منطقتنا العربية منطلقه ديني، تقريباً، وقد فهمنا الغرب والشرق الأقصى، فأمسكونا من أيادينا التي توجعنا. ولقد بدأت تسريبات من الويكيليكس تشير إلى أن مخطط زعزعة الاستقرار في سوريا قد خط حبره من 2006 في الولايات المتحدة، وطبعاً سيكون ذلك من خلال الجرح الملتهب والفجوة الخربة، من خلال خلافاتنا الدينية، وقد كان. فهل نلوم أمريكا أو غيرها من قوى العالم المختلفة استغلالهم لجرحنا المغرغر؟ أكنا ننتظر تحكيمهم لضمير إنساني في لعبة السياسة غير الشريفة؟ أكنا نود منهم عدم استغلال ضعفنا بدافع من صحوة ضمير؟ ومتى كان في السياسة ضمير؟ وها هي الزعزعة تنال البحرين، ثم اليمن، لتؤثر على منطقة الخليج بأكملها، ومصر ومن قبلها بزمن السودان والصومال، وتونس الجميلة. ولا يتربع على عرش القلاقل سوى دول بلاد الشام الساحرة في جمالها والتي تعتبر الضربة لها إصابة في قلب الشرق الأوسط، فمن فلسطين إلى سوريا إلى لبنان، ولا تخلو الأردن من مشاكلها، وهنا تركيا وهناك إيران، لنسبح جميعاً في بحر ميت، اصفرت مياهه وماتت كائناته الحية وما بقي فيه سوى أمواج مالحة متلاطمة.
في كل دولنا هذه، ومع الأخذ بعين الاعتبار فكرة التآمر الغربي والتدخل الإيراني والتخطيط الاسرائيلي، فهذه توابل لا يشبع العرب المسلمون من رشها على مشاكلهم، أليست كل صراعاتنا وحروبنا وتناحرنا تقف على ساق من دين وساق من سياسة؟ أليس خلطنا المتفجر هو سبب ما نحياه اليوم من مصائب؟ في سوريا عائلة علوية تحكم أغلبية سنية، في البحرين عائلة سنية تحكم أغلبية شيعية، في مصر إخوان ضد الجيش، في اليمن حوثيون زيدية ضد سنة، في الخليج شيعة مقموعون، في إيران سنة مقموعين، إيران ومخطط تصدير الثورة الشيعية، الخليج ومخطط تصدير الوهابية بأموال البترودولار، وها نحن نعرج، مرة على ساق الدين ومرة على ساق السياسة، ثم نفردهما معا، ونركض بإخلاص نحو الهاوية.

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الدين بريئ من أصحاب الهوى الذين تلبسوا لباس الدين للوصول لأغراضهم الشخصية ليقولوا ما لا يفعلون

    المجتمع العربي مسلم بمعظمه ولهذا فلا حاجة لأحزاب دينية لأنه بالأساس لا يوجد بالاسلام مسمى رجل دين

    الذي يحتاجه العالم العربي والاسلامي هو أحزاب اصلاحية تحارب الفساد والاضطهاد والاستعباد

    الاخوان المسلمين ليسوا حزبا – انهم جماعة اصلاحية تخدم المجتمع
    أما الأحزاب المنبثقة منهم فلا تفرض شيئا دون أغلبية البرلمان

    الدنيا ليست فقط للكافرين يا دكتورة ابتهال
    بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

    عن أنس – رضي الله عنه – قال: كان أكثر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار))؛ متفق عليه.

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول نبيل:

    شكرا على هذا المقال المؤلم والمحزن , نعم وجود الديانات في المجتمع هي مثل وجود الغام جاهزه للانفجار كلما قام طرفا باشعال الفتيل لأي سبب , الدول التى تتمتع بالنجاح والسلام جميعها وضعت الاديان والعبادات وحصرتها في مكانها المناسب وهو صدور من يؤمن بها , وفصلتها عن السياسه وعن الساحات العامه في المجتمع .

  3. يقول Samir Obeidallah. usa:

    رحم الله صلاح الدين الأيوبي عندما قال ؛ ما ذنب الأحفاد بما فعله الاجداد عندما طالب قادته العسكريون ان يعامل الصليبين بالمثل عندما استعاد بيت المقدس ..

    القرآن علمنا كيف نتعامل مع التاريخ فقال : تلك امًًّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يفعلون ..

    فإذا كان الله عز وجل قد برّأنا مما فعل اجدادنا فلماذا البشر لا يسعهم ذلك

    النقطة الثانية :

    الدين هو الضحيه فلا يوجد معارك دينيه ولكن يوجد استغلال للدين في الصراعات . كل الحروب سببها الطغاة والمستبدين والجهلاء وكلهم يوظف الدين لاضفاء شرعية على ما يقومون به . المغلوب على أمره صاحب الحق إنما يدافع عن حياته لا غير لكن ذنبه أنه مؤمن بالله

  4. يقول د محمد شهاب أحمد / بريطانيا:

    كان التأريخ و ما فيه نائماً ، و دخلَ العرب و المسلمين عصر الحداثة بشكلٍ ما ، حتي جاء عام ١٩٧٩……..ثلاثة أحداث حصلت حينذاك و جاء ثلاثة أشخاص …الغزو السوفييتي الأخرق لأفغانستان و أسامة بن لادن ، و صدام حسين بتركيبته العقلية و النفسية ، و أيضاً كبير الملالي الخميني، و ظلاميته…….والباقي تاريخ. لن يأتي الخلاص إن لم يعود رجال الدين الي مكانهم ، و يتركوا أمور الدنيا و الحياة للدنيويين “الكفرة” و ينعموا هم بالجنة

  5. يقول michel:

    هى مأساة متكاملة الأركان ! تعود جذورها إلى أزمنة بعيدة غرستها العقائد الدينية الغير قابلة للنقاش والبحث العلمى والتشكيك من قبل من لا يتبعون هذه المعتقدات ! وطالما أنه ليس عند أى طرف الاستعداد لقبول واحتمال وجود تفكير مختلف أو معارضة فلا أمل لإيجاد مخرج من هذه الدراما الأزلية !

    1. يقول michel:

      أو أن نضع فى أنفسنا القدرة على أن نعيش جنبا إلى جنب فى سلام ومحبة و إخاء مع إختلاف معتقداتنا وآراءنا وأدياننا وأذواقنا و أجناسنا وألواننا !

  6. يقول كمال رمضان:

    ما شاء الله و لا قوة الا بالله.”و من يأت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا” “ثلة من الاوليين و قليل من اللآخرين”.

  7. يقول سمير م الجزائر:

    وفى الاخير فان الله ينضر الى القلوب من كان قلبه سليم فقد فاز ومن كان قلبه خبيث فقد خسر اما الصراع بين انت سني وانت شيعي فهذه فتنه من فتن الدنيا اللهم ابعد عنا الفتن ما ضهر منها وما بطن

  8. يقول م . حسن:

    في حديث بين رجلين , سئل الأول الثاني عن دينة , فرد الثاني بأنة لا يؤمن بالأديان , فقال لة الأول , ومن خلق الكون والحياة , اليس اللة , فرد الثاني , ومن خلق اللة ؟ إستمر الحديث عن الفوارق بين المتدين والغير متدين , الخلاصة كانت في مفهوم الحرية والمسؤولية الفردية والجماعية ومكانة العلم والمعرفة وفي الماديات والروحانيات , المسؤولية الجماعية هنا بمعني السياسة والنظرة لمجتمع المساواة . الملفت كان الإتفاق شبة الكامل بين الرجلين حول الهوية الإنسانية ومنظومات القيم والمبادئ والأخلاق وإحترام الخصوصيات والتعايش علي قاعدة ” عيش وإترك غيرك يعيش ” .

  9. يقول سلام عادل:

    المشكلة تكمن في الشخصية الوطنية لبلداننا فنحن اشخاص نعيش الماضي والحاضر معا نعيش الماضي بكل تفاصيلة وندخل في سجالات ومعارك كلامية بسبب شخصيات ماتت منذ 1200 سنة والسبب هو تقديسنا لهذه الشخصيات والمقدس عند الافراد شيء لا يمكن المساس به ويتم استغلاله من رجال الدين بطريقة ذكية فلولا المقدس لا يستطيعون التحكم بالناس بالاضافة الى القدرة الخطابية لديهم .الحل يكمن في مناهج دراسية ترفع القدسية عن الاشخاص في كل مراحل التاريخ وسحب البساط من رجال الدين في عدة امور مهمة مثل تحديد التقويم الهجري فيمكن للدولة ان تثبت ايام الاعياد والمناسبات الدينية الاخرى من خلال تقويم هجري يضعة علماء الفلك في كل عام.

  10. يقول سفيان البطو العراق:

    والمشكله باقيه الى يوم الدين

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية