الخيار الأسهل، عند تشخيص حال الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، هو تقسيم المشهد إلى صراع بين الإرهابيين من جهة، وعامّة السكان والحكومة المصرية، ممثلة في الجيش وقوات الأمن، من جهة ثانية. التفصيل التالي في هذا الخيار يقتضي حصر المعركة في أضيق نطاق ممكن، كأن يُقال إن المواجهات لا تتعدى 1000 كم مربع، من أصل 61 ألف كم مربع. وأمّا التفصيل الثالث فهو الإيحاء بأنّ الإرهابيين فئة ضالة معزولة منقطعة الجذور، لا صلات تجمعهم بالتكوين القبائلي المعقد في شبه الجزيرة، وهم عملاء للخارج، على ارتباط بمنظمة «القاعدة» و»تنظيم الدولة»، ليس أكثر. وأخيراً، يقول تفصيل رابع، سياسي بامتياز هذه المرّة، إنّ أغراض هذه الجماعات الإرهابية هي امتداد لأجندة الإخوان المسلمين المناهضة لنظام عبد الفتاح السيسي، وهي جزء لا يتجزأ من استراتيجية الإخوان الإرهابية ذاتها.
والحال أنّ هذا الخيار هو الأشدّ ضلالاً، وتضليلاً بالطبع، وليس غريباً أن يكون التأويل المفضّل لدى الحكومة المصرية، والإعلام الموالي لها؛ حيث يتمّ، عن سابق عمد وتصميم، تجاهل مجموعة حقائق جلية لا تبدّل معظم التفاصيل، فحسب؛ بل تلقي بالكثير من اللائمة على النظام ذاته، أيضاً، وربما من منطلقات سياسية وقانونية ومدنية مختلفة عن تلك التي يُلجأ إليها عادة عند إدانة الإرهاب.
صحيح أنّ عمليات استهداف الجيش وقوات الأمن المصرية لا يجوز تصنيفها إلا في باب العمليات الإرهابية الأبشع، المدانة على كلّ صعيد وطني وإنساني؛ إلا أنّ الصحيح، التالي، هو أنها ليست بنت الأمس القريب، وهي لم تقع في أطوار ما بعد إسقاط نظام مبارك، وحكم محمد مرسي، وانقلاب السيسي، فقط؛ بل تمتد إلى أطوار سابقة أبعد، ولعلها تبدأ مباشرة من متغيرات شبه الجزيرة بعد اتفاقيات كامب ديفيد. الأمر بالتالي تاريخي، سياسياً، لأنه اقترن بما شهدته المنطقة من آثار الحروب والتسويات بين الحكومة المصرية وإسرائيل، فضلاً عن مفاعيل الجوار مع قطاع غزّة؛ وضارب الجذور، اجتماعياً، لأنّ سيناء ظلت مهملة منبوذة، كأنها عبء جغرافي وديمغرافي ثقيل لا تطيق مصر حمله! وهكذا فإنّ اختصار المشهد إلى حكومة رشيدة وطنية، تواجه إرهاباً همجياً مرتبطاً بأجندات لا وطنية، إنما يختزل جدل الصراع على نحو يسفر عن تفريغه من المضامين الأهمّ الجديرة بالمعالجة أوّلاً.
غير صحيح، كذلك، أنّ المعركة تدور على مساحة جغرافية محدودة، ولا يشارك فيها إلا عدد محدود من الإرهابيين؛ فالأمر هنا لا يُحتسب بناء على الأرقام الفعلية لمنفّذي العمليات، بل يتوجب أيضاً احتساب مجموعات الإسناد والتغطية والإيواء وتهريب السلاح وتأمين المخابىء والأوكار… وهذه، كلها، تحتاج إلى هياكل لوجستية و»بنية تحتية» من نوع ما، لا يمكن إدارتها دون غطاء قبائلي مكين، حتى إذا كانت غالبية أبناء القبائل ترفض هذه الأعمال الإرهابية وتدينها. وتُغفل عادة، وعن سابق قصد غالباً، الإشارة إلى أنّ سجون الأنظمة المتعاقبة في مصر، منذ 1952 وحتى الساعة، ساهمت في تقريب الكثير من الأجندات الأصولية والجهادية، التي صار بعضها إرهابياً بامتياز، دونما حاجة إلى تدخّل مباشر من جماعة الإخوان المسلمين؛ بل يصحّ العكس، في حالات ملموسة، لأنّ الجماعة كانت في واد، سياسياً وعقائدياً، وتلك المجموعات في وادٍ آخر.
وحين تشهد العاصمة حكماً بالسجن المؤبد على الناشط البارز أحمد أبو دومة، وتخرّ الناشطة شيماء الصباغ صريعة «خرطوش» الأمن الداخلي في رابعة النهار، وتتواصل مهازل محاكمة الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح، وتصدر أحكام بالإعدام على المئات دفعة واحدة؛ كل هذا مقابل تبرئة حسني مبارك، وأبنائه، ورجاله، وإعادة إنتاج نظامه… فكيف يمكن لما يجري في سيناء أن يكون وقائع جزيرة منعزلة عن مصر… كلّ مصر؟
صبحي حديدي
صدقت بكل ما قلت يا أستاذ صبحي
فأهل سيناء تعرضوا لظلم من نظام السيسي فاق تصوره
فالنفط والغاز بأرض سيناء والشعب فقير عاطل عن العمل ومهمش
خسروا بيوتهم ومدنهم ومصادر رزقهم فماذا يفعلون
ولا حول ولا قوة الا بالله
الشخص الذى فجر نفسة في موكب وزير الداخلية كما ظهر في الشريط الذى نشر بعد العملية كان رائد من الجيش المصرى , وأظن أن الكثيرين الذين يحاربون الجيش هم أيضا محترفين منشقين يعن الجيش والشرطة يكرهون إسرائيل كرة العمي ومعارضين للإتفاقية بين مصر وإسرائيل , واللة أعلم .