جاء في الأنباء أنّ «المؤتمر اليهودي» الروسي يعتزم تنظيم مؤتمر «علمي» و«حاشد» في موسكو، غايته الوحيدة هي مناقشة كتاب «أصول محاكم التفتيش في إسبانيا خلال القرن الخامس عشر»؛ الذي كانت إسرائيل قد عرقلت إصداره، لأنه يناقض النظرية الشائعة في الأوساط اليهودية، الحاخامية، وكذلك الأكاديمية المتدينة، التي تقول بوفاء يهود شبه الجزيرة الإيبيرية لدين آبائهم وأجدادهم. الكتاب يطرح العكس: لقد اعتنقوا المسيحية عن اهتداء صادق ويقين مخلص؛ ومن منطلق رغبتهم، أيضاً، في توطيد الاندماج الروحي والثقافي في إسبانيا ما بعد سقوط غرناطة واندثار سلطة المسلمين في الأندلس.
الأطروحة مثيرة، بالطبع وفي الوسع إدراك أسباب إسرائيل في عرقلة إصدار الكتاب؛ لولا تفصيل واحد، دراماتيكي تماماً في الواقع: أنّ المؤلف ليس سوى أستاذ سابق في جامعة برنستون، يدعى… بنصهيون نتنياهو (1910-2012)، والد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل! وليس الأمر أنّ الابن يستطيع، أو لا يستطيع، تسهيل إصدار كتاب أبيه، أو عرقلته، بموجب قوانين المطبوعات المعتمدة في إسرائيل؛ بل الأمر، في جوهره أن إطروحة نتنياهو الأب تحرج نتنياهو الابن، وتزعج غالبية اليهود في العالم، وليس في إسرائيل وحدها. وفي ما عدا هذا الشجار العائلي حول يهود إسبانيا ومحاكم التفتيش، يصحّ القول أن الأب كان يبزّ ابنه في العداء للعرب وللفلسطينيين.
قبل موته بأسابيع قليلة، حاورته صحيفة «معاريف» حول الصراع العربي – الإسرائيلي، فاقترح نظرية حيوانية، بالمعنى الحرفي للمفردة: «اليهود والعرب أشبه بعنزتَيْن تواجه إحداهما الأخرى، فوق جسر ضيّق. لا مفرّ إلا أن تقفز واحدة منهما إلى النهر، وهذا يعني موتها. العنزة الأقــــوى سوف تجبر العنزة الأضعف على القفز، وأنا مؤمن أنّ الغلــــبة سوف تـــكون للقوّة اليهودية». وماذا عن قفزة العرب عن الجسر، يسأله الصحافي، فيجــــيب أستاذ التاريــــخ: «إنها تعني عجزهم بعدها عن محاربتنا، وهذا يتضمن منع الغذاء عن المدن العربيـــــة، وحرمانهم من التعليم، وقطع التيار الكهربائي عنهم، وإجراءات أخرى. لن يكونوا قادرين على الوجود بعدئذ، وسيفرّون من بلادنا».
وهكذا، من الطبيعي أن يتابع الصحافي: «أنت تكره العرب، وهذا أقلّ ما يُقال»، فيجيب نتنياهو الأب: «لا تجد التوراة صورة أسوأ من رجل الصحراء هذا. لماذا؟ لأنه لا يحترم أيّ قانون. ولأنه في الصحراء يستطيع أن يفعل ما يشاء. الميل إلى النزاع كامن في جوهر العربي, إنه عدوّ بالجوهر. شخصيته لن تسمح له بالمساومة أو الاتفاق، بصرف النظر عمّا سيواجه من مقاومة، أو يدفع من ثمن. وجوده عبارة عن حرب أبدية».
والحلّ؟… يسأل الصحافي.. «لا حلّ سوى القوّة»، يجيب البروفيسور: «ينبغي علينا اجتياح كلّ منطقة محلّ نزاع في أرض إسرائيل. نجتاحها، ونحتفظ بها، حتى إذا جلب هذا علينا سنوات من الحرب. علينا اجتياح غزّة، وأجزاء من الجليل، والجولان». كلّ هذا على الخلفية الصهيونية العتيقة التي لاح أنّ غولدا مائير كانت آخر القائلين بها علانية: ليس في إسرائيل سوى الشعب اليهودي، ولا يوجد شعب فلسطيني، بل محض سكان عرب.
وفي الفترة ذاتها، أجرت القناة الثانية الإسرائيلية حواراً مع الأب، كشف فيه النقاب عن حقيقة موقف ابنه بنيامين من مسألة حلّ الدولتين: بيبي لا يؤمن أبداً بهذا الحلّ، وقد تقصّد وضع شروط مستحيلة على الفلسطينيين وهو يعلم أنهم لن يقبلوا بها، وهذا ما سمعه الأب من الابن مباشرة. كذلك انتهز الشيخ الفرصة، فعاد إلى تأكيد مواقفه: «هذه أرض يهودية، وليست أرضاً للعرب.
لا مكان هنا للعرب، ولن يكون هنا مكان للعرب». نتنياهو الابن استشاط غضباً، حينذاك، وأصدر مكتبه بياناً يتهم فيه الصحافي والقناة باستغلال شيخ طاعن في السنّ، متناسياً أنّ الصحافي ذاته، في القناة ذاتها، كان قد حاور نتنياهو الأب قبيل انتخابات الكنيست، بناء على رجاء نتنياهو الابن، في إطار حملته الانتخابية!.
لافت أنّ الأب، الذي لا يقرّ وقوف عنزتين على جسر واحد، لم يولد على ذلك الجسر، بل هاجر إلى فلسطين قادماً من بولونيا؛ ولكنه، في الآن ذاته، استلهم الفلسفة النازية ذاتها التي قادت الملايين من أبناء جلدته إلى المحرقة. البعض، في إسرائيل، افترض أنّ الأب لم يتقلّب في آرائه، ولم يتشدّد أو يتطرّف، إلا لخدمة مصالح الابن الانتخابية، وتحسين تحالفاته مع القوى الدينية واليمينية الأشدّ غلوّاً في إسرائيل. لكنّ الوقائع بيّنت أنّ هذا التفسير خاطئ تماماً، ومضحك في الواقع، لأنّ الابن لم يكن يقتفي خطى الأب، فحسب؛ بل كان يسابقه ويذهب أبعد.. أبعد بكثير.!
صبحي حديدي
شكرًا للكاتب على هذا المقال،
الاستاد صبحي بعد ان تقرا هدا الكلام وتعرف كيف يفكر العدو هل يبقى هناك مجال للانتشاء بتدمير الجيش السوري وتدمير المدن وتشريد الشعب السوري .واسالك الاترى الان ان كل مايحدث في سوريا هو نوع من قدف العنزة الى الجحيم
شكرًا للكاتب
جانب كبير من الفكر النازي يدخل في ثقافة الصهيونية