على بعد 90 كم شمال شرق بغداد تغفو مدينة شهربان أو كما باتت تعرف بعد ان تغير اسمها إلى المقدادية، على ضفة نهر صغير اسمه «شاخة» هو أحد روافد نهر ديالى. مدينة تحتوي على ما يقرب من 200 ألف دونم من أخصب أراضي العراق، حيث تمتد فيها بساتين النخيل ومزارع الفواكه، لكنها مميزة بشكل خاص بزراعة الرمان. فالمقدادية تجهز العراق بالكامل بأفضل أنواع الرمان، وكان رمانها أحد صادرات العراق إلى دول الجوار قبل ان تفجع بنيران الحروب التي حولت مدينة الرمان إلى مدينة الدموع.
التاريخ وأصل التسمية
لمدينة شهربان تاريخ يمتد عميقا في عمر الزمن، حيث تضم العديد من المعالم الأثرية، فقد ذكرت مديرية الآثار العامة في جردها السنوي للمواقع الأثرية في العراق لعام 1970 ان المقدادية تحوي ثلاثة وستين موقعاً أثريا يتراوح تاريخها ما بين عصر العبيد وعصر ما قبل الإسلام. ومنها تل هنديبة، وتل سبع قناطر، وتل وطفة، وتل الدولاب، وتل الزندان، وتل بنت الأمير، وتل صخر، وتل اليهود، وتل جعار، لكن عددا من الدارسين أشاروا إلى ان تأسيس المدينة وبهذا الاسم لم يتم إلا في عهد الدولة الساسانية (226 ـ 651) التي حكمت العراق قبل الإسلام، حيث حكمت الامبراطورية الساسانية كل من إيران والعراق، وأجزاء من أرمينيا وأفغانستان، والأجزاء الشرقية من تركيا، وأجزاء من باكستان.
ويذكر بشير يوسف فرنسيس علاقة اسم المدينة بالملوك الساسانيين في موسوعته عن المدن والمواقع في العراق، حيث يذكر في الجزء الثاني من الموسوعة تحت اسم مدينة شهربان؛ «اما الاسم شهربان فانه مركب من المقطعين «شار اوشهر» أي المدينة والمقطع الثاني «بان» وأصله «بانو» أي المرأة باللغة الفارسية القديمة «البهلوية» كذلك تعني ربة البيت، ومن جمع المقطعين يكون اسم المدينة شهربان مدينة السيدة أو مدينة الأميرة». ويسرد بشير يوسف فرنسيس العديد من الحكايات الشعبية الاسطورية الطابع التي لا سند تاريخي لها حول اسم المدينة والسيدة التي سميت بأسمها، فيذكر؛ «يقول البعض ان بانو هذه كانت واحدة من محظيات كسرى أبرويز، الذي أحب شيرين وتزوجها، وله معها قصة، وبنى لها قصراً بين خانقين وهمدان، وقصر شيرين الآن، مدينة تقع غربي إيران. وكانت بانو في غاية الحلاوة، عشقها أبرويز كذلك، حتى أنه بنى لها قصراً في موضع المقدادية الحالي، وأنشأ البساتين والحدائق حول القصر وفتح الترع والأنهار، وحولها أيضاً شيدت الدور والعمارات، وصارت مدينة عامرة، وحين ماتت بانو هجر القصر وأغلقت أبوابه فامتدت إليه يد الخراب ونقل آجره إلى المباني المجاورة، ولم يبق منه أثر ظاهر».
لكن صاحب مدن وموقع العراق يذكر في مكان آخر ان شهربان كان نسبة إلى شهربانو ابنة فردركرد، كما ان هناك احتمال ان يكون الاسم الساساني للمدينة «شهرابان» نسبة إلى أحد آلهة الخصب «ابان» الذي حمل الشهر الثامن من أشهر السنة الشمسية اسمه «أبو» الذي أصبح بعد ذلك يعرف بشهر آب، وهو الشهر المعروف بكثرة الفواكه والخضار، كما ان الخيرات تهل مع هذا الشهر، فالمثل العراقي يشير إلى هطول أول الأمطار في نهايته حيث يصف المثل هذا الشهر بالقول «أول عشرة من آب تحرق المسمار بالباب، وثاني عشرة من آب تكثر الأعناب، وثالث عشرة من آب تفتح للشتاء باب».
لكن المؤرخ الكردي توفيق وهبي يرى ان لفظة شهربان هي شكل محور عن «شويثربان» من اللغة البهلوية القديمة ومعناها محافظ الأرياف أو مقر المسؤول عن الأقاليم. كما ان هناك رأيا يعزو الاسم لحكايات دينية، حيث يذكر البعض دون سند تاريخي، ان الاسـم شهربان جاء بعد ان حل فيها ذات يوم الخليفة علي بن ابي طالب (رض) حيث مرض ما ان حط رجله على ترابها فقال، شرها بان، أو شـرها بين، وما زال إلى اليوم مكان في وسط المدينة يسمى المقام، أي مقام الإمام علي (رض) إلى ان تم تحويله إلى كراج لنقل الركاب بداية الثمانينات. بينما نجد الباحث عبد الكريم جعفر يشير إلى بانو التي سميت المدينة نسبة لها هي ابنة كسرى يزدجرد التي تزوجها الإمام الحسين بن علي (رض) وهي أم الإمام زين العابدين (رض).
التحول إلى المقدادية
ولم يكن الخلاف مقتصرا على اسم المدينة القديم شهربان فقط، وانما امتد للاسم الجديد أيضا، فقد تم تغيير اسم المدينة ليصبح المقدادية عام 1935، وهنا ابتدأ خلاف آخر، حيث ذكر البعض ان المدينة سميت بهذا الاسم نسبة إلى الصحابي المقداد بن الأسود الكندي الذي يعتقد انه كان ضمن جيش الخليفة علي بن ابي طالب (رض) وقد قاتل معه واستشهد في مكان قريب من المدينة ودفن فيها حيث يوجد قبر له، بينما يختلف آخرون مع هذا الرأي ويقولون ان المدينة سميت بهذا الاسم نسبة إلى الولي الصوفي المقداد بن محمد الرفاعي المدفون فيها. فيما يرى الباحث عبد الكريم جعفر أحمد، واستناداً إلى كتاب «مراقد المعارف» أن المرقد هو للعالم الكبير أبو عبد الله الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري الأسدي، الحلي مولداً، والمتوفى 826 هـ والمدفون في شهربان.
التاريخ والحاضر
شهربان المدينة التي حولها نهر «الشاخة» وهو أحد روافد نهر ديالى إلى مساحة خضراء، ويقع ضمنها سد الصدور الذي يوفر المياه للزراعة منذ سنوات طويلة ومجمع الصدور السياحي، وهي إداريا قضاء تابع إلى محافظة ديالى وتتبعها نواح وقرى كثيرة منها نواحي أبي صيدا والوجيهية ودلي عباس، وقرى شروين والعالي والأسيود وجزيرة والزندان والكف.
ويذكر حسين رشيد وهو أحد من كتبوا عن مدينة شهربان، انها كانت تتكون بعد الحرب العالمية الأولى من 100 بيت أو عائلة فقط، 60 منها مسلمون و40 من اليهود، بالإضافة إلى أعداد قليلة تكاد لا تذكر من المسيحيين والصابئة. ومع تأسيس الدولة العراقية وامتداد الخدمات اتسعت المدينة بعد ان ربطت بسكة قطار مع العاصمة، وتم إنشاء محطة القطار في شهربان عام 1918 حيث كان يصل مدينة كفري، ومن ثم إلى كركوك، ليمتد في الخمسينيات إلى أربيل. وامتازت المدينة بالإضافة إلى تنوعها الديني، بالتنوع الأثني، حيث سكنها العرب والكرد والتركمان واليوم يعيش فيها نحو 280 ألف نسمة يشكل العرب منهم نسبة 90 في المئة متحدرون من عشائر العبيد وشمر والجبور وعنزة وطي والقحطانيين والحمدان والقيسيين والمهدية وبني تميم والعزة والدليم، أما الأكراد فيشكلون حوالي 6 في المئة و4 في المئة هم التركمان، كما تضم أقلية من الشيشان الذين قدموا قبل أكثر من 150 عاما من بلاد القوقاز هاربين من البطش القيصري الروسي أيام ثورة الإمام شامل الداغستاني.
وتكونت مدينة شهربان القديمة مثل أي مدينة عراقية من مجموعة من المحلات المتلاصقة، وما تمايزت محلات شهربان نسبة لمهن ساكنيها، حيث نجد فيها محلات الحداحدة (الحدادين) والنجاجير(النجارين) وجيروان والمصاليخ والقلعة والرمادية بالإضافة إلى بعض محلات الأقليات مثل التوراة والأكراد، ومع الحداثة الزاحفة على مدن العراق منذ أربعينيات القرن الماضي ابتدأت المدينة تشهد ظهور الأحياء الحديثة مثل الحي العصري، وحي فلسطين، وحي المعلمين، والحي العسكري. أما تجاريا فان فيها سوق المدينة الكبير الذي يقسم بدوره إلى السوق المسقف، وسوق البزازين، وسوق الجزارين والبقالين، وسوق الكماليات، كما ان المدينة حوت العديد من الخانات التي كانت تمثل المحطات القديمة لاستراحة القوافل التجارية والتي تحولت في العصر الحديث إلى مخازن تجارية، فشهربان تاريخيا محطة من محطات طريق الحرير الذي يربط الشرق الأقصى بأوروبا، وبقي من خانات المدينة القديمة خان حسن آغا وخان صالح وخان هوبي.
مشاهد وآثار
تحوي المدينة العديد من المشاهد والمزارات الدينية، ففيها عدة مراقد منها مرقد الإمام ويس ومرقد الإمام محمد الصابر ومرقد الإمام مسافر وهو أحد أحفاد الإمام الكاظم ومرقد الإمام طالب وهو أيضا من نسل الإمام الكاظم، ومرقد السيدة رقية بنت الحسن، والعديد من المراقد الدينية والتكايا الصوفية الأخرى. ولان شهربان كانت حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين مدينة مختلطة، لذلك كانت تحوي كنيسا يهوديا في محلة التوراة الذي ما تزال آثاره باقية حتى اليوم، كما حوت المدينة الكثير من المساجد ولا سيما القديمة منها، ولعل أشهرها جامع المقدادية الكبير في السوق القديم، وجامع الأورفلي، وجامع نازنده خاتون.
ومنذ منتصف 2014 ومع هجوم تنظيم «داعش» الإرهابي على مدن العراق تحولت شهربان إلى خط النار الفاصل بين المتصارعين، فمن جهة كان هناك مسلحو «داعش» الذين احتلوا مدنا ونواحي في محافظة ديالى وحاولوا مرارا السيطرة على المقدادية وفشلوا، ومن الجهة المقابلة كان هناك مسلحو فصائل الحشد الشعبي الذين صدوا هجمات التنظيم الإرهابي عدة مرات ما جعل المدينة تقع فريسة الصراعات الدموية وباتت تعيش بين مطرقة الحشد الشعبي وسندان «داعش» ونتيجة التوتر المفرط الذي عاشته المدينة، فقد اتهم الكثير من أبناء العشائر السنية القاطنة في قضاء المقدادية بدعمهم للتنظيم الإرهابي.
وقد نقل مراسلون صحافيون أخبار تعرض أحياء في شهربان لعمليات انتقامية من مقاتلي الحشد الشعبي عندما تعرضت المدينة لهجوم شنه مقاتلون يدعون الانتماء لـ «الحشد الشعبي» وقد اتهمت القوات المهاجمة بأحراق وتفجير 3 مساجد في المقدادية التي يعود تاريخ بعضها إلى عدة مئات من السنين، وجاء هذا الهجوم ردا على عملية إرهابية قام بها تنظيم «داعش» في كانون الثاني/يناير 2016 في حي بغداد الجديدة في العاصمة بغداد، وتمثلت باقتحام «مول الجوهرة» بالتزامن مع عملية بتفجير سيارة مفخخة ما أدى إلى إصابة حوالي 70 ضحية من المواطنين بين قتيل وجريح، وكذلك شن التنظيم الإرهابي هجوما على سيطرة لـ «الحشد الشعبي» في محافظة ديالى في منطقة قريبة من المقدادية عن طريق انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف.
وتضاربت المواقف حتى عندما زار كل من رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، الذي ينتمي إلى مدينة المقدادية ويتزعم كتلة «ديالى هويتنا» البرلمانية، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، المدينة. فالتصريحات التي أدلى بها الجبوري والعبادي في المقدادية عكست عمق الخلاف بين الطرفين. إذ أكد العبادي سيطرة الدولة على الوضع وتجول في الأسواق والأحياء الشعبية في إشارة إلى عودة الأمن والأمان فيها، بينما أخرج الجبوري ورقة من جيبه أمام الصحافيين وقال إنها تتضمن أسماء المتورّطين في أحداث العنف الذين لم تعمل الحكومة شيئا لتوقيفهم ومعاقبتهم، وذهب من ثم إلى ما هو أبعد حين تحدى العبادي أن «يقدم الأدلة العملية» على محاسبته حارقي مساجد المقدادية. ومع كل الصراخ الذي يسمع والاتهامات المتبادلة بين الكتل السياسية تبقى دموع مدينة الرمان تنساب حزنا على بساتينها التي تحولت إلى رماد.
صادق الطائي
المقدادية مدينة سُنية سُميت على إسم المقداد بن محمد الرفاعي وأغلب مساجدها لأهل السُنة والجماعة كجامع المقدادية الكبير، في السوق وجامع الأورفلي، وجامع نازندة خاتون، في الحي العصري، وجامع حي المعلمين وجامع الحرية وجامع حذيفة بن اليمان وجامع أبو ذر الغفاري وجامع الشهيد خليل عبد الكريم الصالح وهي من أوائل المدن الثائرة ضد الإحتلال الأمريكي
ولا حول ولا قوة الا بالله
شاهدوا الشعارات الصفوية على مدخل مدينة المقدادية السُنية !
ولا حول ولا قوة الا بالله
لو بقيت المدينة على نسبتها الاولى من اليهود لكانت الان افضل مدن العراق,وحبذا لو يقول لنا السيد صادق الطائي هل كان المسلمون سنة او شيعة فرس ام عرب
الكلام عن شهربأن أو المقدادية صحيح كما سمعناه من اقاربنا الكبار رحمهم الله تعالى وقد قصو القصص عن المدينة في خمسينيات القرن الماضي وهناك آثار لمدن أثرية بالجهة الشرقية من نهر ديالى بحدود العشرة مدن لم يذكرها الباحث تقع ضمن الأراضي التابعة لدي عباس
فعلا موضوع جيد وخاصه للتفاصيل الموجودة وبذكر أسماءها ومواقعها لكن يبقى اسم هذه المدينه يضع القارىء في شك ان الاسم الاول شهربان أو الثاني المقدادية ومن المؤسف ان يكون الصراع الطائفي المتخلف على اشكاليات الاسم بقدر ما يعطي الأهمية الكبيرة عن انسجام أهل هذه المدينه باختلاف اطيافهم ومذاهبهم وقوميتهم كان أهل المدينه يعيشون السلام والامان اسلام ويهود ومسيحين ومنداءين تحولت المدينه بعد 2003 الى مكان الى تصنيفات حسابات متخلفه وجاهله بعمق وما يخص الجبور ي والعبادي هولاء لا وطنيه ولا حب لا ل شهربان ولا للعراق تبا تحول بفضل هولاء من مدينه الرمان الطيب الى مدينه رمان حرب مؤلم ان نرى هذه المدينه اليوم يسكن الخراب فيها السوق القديم مهجور ومحله المصاليخ هدمت والقلعة لا جود لها والرمادية مستنقع والنجاجبير والحداده مناطق اشباح ونهر الشاخه مكان للازبال لا اريد أقول ماضي وتاريخ جميل وحاضر مؤلم لكن لو دامت لغيرهم لما وصلت لهم ومزابل التاريخ في انتظارهم
مقالة غنية بمعلومات قيمة اقتنصت منها رؤوس اقلم لتزين قصة حدثت في بغداد بعد القضاء على الغوغاء وكانت شهربان مسرحا مهما لي فيها .. اسمك سيكون موجودا في المصادر .. شكرا جزيلا عند الانتهاء سأ رسل لك عنوان القصة . ….. تحياتي