كثيرا ما نقرأ ونسمع «أودّ أن أزورك» و«أود أن تزورني» و«كم أود أن تدرس بجد واجتهاد». وهو استعمال انتشر منذ قرون عديدة. ولكننا إذا كنا نتحرى، أفصح أساليب التعبير اللغوي، فنرى هذه الجمل ليست من ذلك. فلنبدأ جولتنا بمعنى الود والوداد والمودة، ثم نرى ما تستوجبه من حروف تأتي بعدها. قالوا أن «ودّ» تعني أحبّ. فيكون الوداد هو الحب. وهذا غير دقيق. وقالوا إنه يكون في جميع مداخل الخير، كالحب تماما، أو هو كالأمنية. ثم تعاركوا في حركة الدال حين يُفكّ التضعيف: ودِدتُ بكسر الدال أم ودَدتُ بفتحها. وتعارك معهم من قرأ الواو بالحركات الثلاث: أوَدّ، أوِدّ, أوُدّ, ومنه: تودّدَ إليه: تحبَّبَ. وتوَدَّدّهُ: اجتلبَ وُدّهُ. ومن عَجَبٍ أنّ بعضهم فسّر قوله، تعالى «تُلقون إليهم بالمودّة» (الممتحنة 1) أي بالكتُب. والودّ: صنم. والوَدّ: الوتِدُ. فمن أين نبدأ؟ البداية من الوتِد. ويُلفظ بكسر التاء وسكونها. أما الدال فتقبل علامات الإعراب «الضمة والفتحة والكسرة» والآن حاول أن تلفظ كلمة «الوتْدْ» بسكون التاء والدال. لن تستطيع إلا بحذف التاء. ولذلك ذكرت المعجمات أنّ الوَدّ بفتح الواو هو: ما ثُبّت في الحائط من الخشب، ومن معنى الثبات سُميت الجبال أوتادا، وذلك أنهم فكوا التضعيف الذي في الدال إلى تاء لقرب صوت هذا من صوت ذاك. فصار الوتد. فأصل «الوَدّ» الثبات والرسوخ. واستعمل في الأشياء المادية المذكورة. وحين احتاج العرب إلى كلمة يعبرون بها عن عميق صلتهم بإنسان آخر أو شيء آخر، استعملوا «الودّ» للتعبير عن ذلك المعنى. فحين تقول «أودّ فلانا» فأنت تريد أن تقول إن علاقتك به عميقة ثابتة راسخة. وأنت تدري أن «الحب» ليس دائما ثابتا راسخا. أمّا «الودّ» فثابت راسخ. ولذلك فإن الآية السابقة «تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ» تعني أنّ بعض المؤمنين، كان – ولسبب من قرابة أو تجارة أو غيرهما- يقيم أوثق العلاقات وأرسخها مع بعض المشركين. ويؤكد ذلك ما جاء في الآية نفسها «تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ» فأين هي الكتب التي فسروا بها معنى «المودة»؟ ومن الملاحظ أن التنزيل العزيز استعمل الحرف «لو» بعد أفعال الودّ، في معظم المواضع التي ورد فيها فعل الودّ، كما في الآية: «وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ» (البقرة 95). ولن يعمر أيّ منهم الف سنة، فلا بد من استعمال «لو» التي تؤدي مع «ودّ» معنى منع حدوث ما يتمنونه. ومعلوم أن «لو» في سياق الشرط تعبر عن امتناع فعل الشرط وجوابه مثل: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذُهل بن شيبنا فهو ليس من مازن، وبالتالي استبيحت إبله. وربما يطيب لك أن تحتج علينا بالآية: «أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ» إذ جاء «أن» بعدها ومعلومٌ أن كل إنسان يتمنى أن تكون له جنة من نخيل وأعناب، فإذن ليس هنا امتناع بل شيء واقعي ممكن التحقق. ولكن تكملة الآية ترد هذا الاعتراض، فهل ثمة من يتمنى أن تكون له تلك «الجنة» ثم يصيبها الإعصار فيحرقها؟ وخلاصة الأمر لك أن تقول: أحب أن تزورني، وأرغب في أن تزورني. أما إذا استعملت أفعال الوداد فأنت تستبعد حدوث ما تتمناه، فلتضع بعدها «لو» لتؤكد معنى المثل العربي «زرعوا «لو» فما أثمرت». باحث أكاديمي عراقي ـ لندن هادي حسن حمودي