من يراقب حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي والقيادي في حزب الدعوة الشيعي، متحدثا في مؤتمراته الصحافية، التي يتم بثها عبر أجهزة الاعلام، بشكل يومي، لابد وان تنتابه، ولو للحظات، أحاسيس غريبة تجمع ما بين الرثاء والاشمئزاز، مماثلة لما يشعر به المرء وهو يشاهد فيلم «العراب»، حين يخطط اعضاء في المافيا لاغتيال رئيسهم الذي يستمر بمجالستهم، لأنه هو الآخر كان قد خطط لاغتيالهم. وهذا ما يحدث، تقريبا، في العراق اليوم. حيث لم يعد وصف النظام الحاكم بالمافيا أو الميليشيات المتنازعة فيما بينها على السلطة والمال مختلفا عليه. المختلف عليه هو نوعية ودرجة الحماية التي يتمتع بها كل سياسي أو حزب أو ميليشيا من الخارج ومقدار ما يستخلصه من مال من الداخل والخارج معا. لذلك يبدو التعويل على اصلاحات العبادي، في اي مجال كان، خاصة القضائي، والذي صرح العبادي بانه سيصلح نفسه بنفسه من الفساد والفاسدين، بدون ان يخبرنا كيف، مهزلة تضاف الى قائمة المهازل المتكاثرة كالفطريات في عراق الاصلاحات. من المهازل الأخرى، الحديث المشروخ عن «سيادة» العراق. في ذات الوقت، الذي يتنازع فيه العبادي، القائد العام للقوات المسلحة، افتراضا، مع قادة ميليشيا الحشد الشعبي وميليشيات أخرى بمسميات ترهق الذاكرة، بشكل علني، والبلد في حالة حرب على الارهاب، وقصف المدن مستمر من قبل قوات التحالف «ضد الارهاب» المكونة من ستين دولة . مع العلم ان خرقا واحدا للاوامر العسكرية أو الوضع الأمني لاي بلد، خلال الحروب، يستحق عقوبة الاعدام الفوري لفاعله.
أما في العراق، فكل «حاج « أو «مجاهد» يصرخ مهتاجا «أنا القائد»، ومعهم العبادي بمحاولاته الكاريكاتورية، التي بدت واضحة اثناء اجتماعه بقادة ميليشيا الحشد والعسكريين، يوم 22 تشرين الاول/اكتوبر، بمناسبة تحرير مدينة بيجي، التي توجد فيها اكبر مصفاة للنفط في العراق، والمرشحة لدخول كتاب غينيس للارقام القياسية في عدد مرات تحريرها من مقاتلي الدولة الاسلامية وسقوطها بايديهم.
أثناء الاجتماع، الذي تم بثه تلفزيونيا، ولسبب ما بلا صوت، بدا العبادي، بوضعه الأيمائي، مبالغا في اصراره على مواصلة الكلام وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا، متوقعا ان يوافقه الجالسان على يمينه ويساره. بينما تجاهل الجالسان على يمينه ويساره، أي الحاج هادي العامري، قائد ميليشيا بدر وهيئة ميليشيا الحشد و الحاج ابو مهدي المهندس نائب العامري، النظر اليه متشاغلين أما بالنظر الى أيديهما أو حافة اليشماغ المرمي على كتفيهما حسب طريقة مقاتلي الحرس الايراني.
بدا العبادي، وهو يتصارع مع الحاضرين بلا صوت، مثل شخصية العم هادي، مدير سجن الكاف، بتونس، كما وصفه السجين السياسي فتحي بن الحاج يحيى، في كتابه «الحبس كذاب والحي يروح» عن تجربة الاعتقال اثناء تحت حكم الحبيب بورقيبة. كان العم هادي «رجلا قصير القامة، يميل الى البدانة، عريض الجبهة والوجه، له حمرة دائمة في وجنتيه فيخيل لك انه في حالة خجل أبدي…وحتى عندما يغضب يثير الضحك أكثر من اثارته للخوف. وقلة هم الرجال مثله الذين يجسمون درجة الصفر من السلطة بمعنى رولان بارت للكلمة».
مقابل العبادي، المجسم لدرجة الصفر من السلطة، لأنه حاول العثور على نقطة تحقيق المصالح الامريكية والايرانية معا (أنسوا المصلحة العراقية)، يقف «المجاهدان» هادي العامري وأبو مهدي المهندس، بتاريخهما المغموس بدماء العراقيين وقوتهما المستمدة مذهبيا وعسكريا من ايران، وولائهما الايراني الذي لايقبل المهادنة حتى مع شركائهم في الحكم. فالولاء المطلق لولاية الفقيه يمتلك قدسيته العليا. ازاءها يتجرد «المجاهد» من ذاتيته ووجوده ليصبح مشروع شهادة للأمام وما يمثله الامام فقط. فالامام، كما يقول العامري «هو الاسلام. اذا يقول حرب يعني حرب واذا يقول صلح يعني صلح». والحرب هي المطلوبة بالعراق من قبل ايران وبقية القوى الاقليمية والدولية، بأعذار مختلفة، وبميليشيات تصول وتجول بعلم الحكومة ورغما عنها أحيانا . وتعطينا رسالة ابو مهدي المهندس المفتوحة الى حيدر العبادي في اعقاب لقائهما الخاص، بعد معركة بيجي، مؤشرا على مدى قوة ميليشيا الحشد وقدرتها على توجيه الوعيد الى من يفترض به قائدا للقوات المسلحة ورئيسا للوزراء وان قوات الحشد تخضع لقيادته. مما يجعل مقولة «من ذا الذي يحميني من الحرس أنفسهم ؟» تتماشى مع وضع العبادي.
طالب أبو مهدي المهندس، في رسالته، بضرورة تسليمه مبلغ مليار دولار قائلا بان الحكومة خصصته لقواته ولم يتسلم منه غير ثلثه، مذكرا بتضحيات الحشد وضرورة تعويضهم وعوائلهم، وان « عمليات التحرير» لم تنته بعد وخطر داعش مستمر، مما يعني ان الحاجة الى وجود ميليشيا الحشد ستستمر باستمرار «الحرب على الارهاب» التي ستطول او تقصر حسب متطلبات خياطيها. ولم ينس العامري تذكير العبادي بمن هو الحاكم الحقيقي، قائلا: «انه لولا مساندة ايران وقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني لما كانت الحكومة العراقية متواجدة في بغداد حاليا».
هذه العلاقة غير السوية بين حكومة بلا سلطة وميليشيات تزداد قوة ونفوذا، يوما بعد يوم، هي افضل مؤشر الى مستقبل أكثر ظلاما مما نراه في دول ما بعد الربيع العربي، المتنازع عليها ما بين الحكومات الجديدة وهيمنة الدولة العميقة بمنظماتها السرية والعلنية. ولعل اقرب مثال الى الوضع الحالي وتشكيلة توازن الرعب مستقبلا بالعراق حتى ولو ضمن البيت السياسي ـ الطائفي الواحد، هو علاقة السلطان العثماني بقوات الانكشارية . كانت القسطنطينية، كما يذكر المؤرخ فيليب مانسيل في كتابه عن تاريخ المدينة، ساحة حرب ليس بين السفارات والقوميات والأديان المختلفة فقط، بل ايضا بين السلطان وحرسه. اذ ساد بين الطرفين، توازن متغير قائم على الخوف والاحتياج، والقوة والضعف، والدم والذهب. كانت تصريحات السلطان تتملق قوات الانكشارية مرارا وتكرارا. وكما يتملق العبادي لميليشيا الحشد خوفا من سطوتهم، وصف السلطان الانكشارية بأنهم «قوات عظيمة تتكون من ابطال الدين الشجعان، تظللهم نعمة ظل الله على الارض وتقدير رجال الدين». واستمر تدهور الحال، على حساب الشعب، الى ان هرب السلطان الأخير في نهاية الامبراطورية تحت حماية حرس أجنبي. ولنتذكر هنا بأن سلاطين العراق الحاليين دخلوا البلاد، ايضا، تحت حماية حرس أجنبي.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
معظم شيعة العراق ضد معظم السياسيين الشيعة بالعراق
ولكن حين تبدأ الانتخابات ينتخبوهم من جديد !
ولهذا تستمر معاناة العراقيين وبأيديهم
الشعب العراقي لا يلومن الا نفسه
فهو من انتخب الفاسدين وهو يعلم فسادهم
وقولهم فاسد من مذهبنا خير من شريف من مذهبهم
ولا حول ولا قوة الا بالله
رائعة هذه الكاتبة. رائعة. و كأنها ترسم صورة حية لمأساة العراق بحروف كلماتها.