صرخت اللاجئة السورية: الغربة مذلة!!

حجم الخط
14

في مخابرة هاتفية بين باريس ودمشق مع صديقتي الشاعرة هنادة الحصري سألتني: لماذا يكره اللبنانيون السوريين هكذا؟ وتابعت: كنت في بيروت وأسرتي لإجازة، وما كاد العامل في «السوبر ماركت» يسمع لهجتي الشامية حتى سألني بعدوانية: أنت سورية أليس كذلك؟ وبذل كل ما بوسعه لإزعاجي ريثما سددت ما عليّ وغادرت المكان.
لم يجد نصفي اللبناني ما يقوله غير الإنكار، أما نصفي السوري فقال: كل إنسان شبه عدواني نحو من يزاحمه على لقمة العيش.
ثم أن بعض اللبنانيين لا يحتفظ بذكرى لطيفة عن بعض ممارسات (مخابرات) الردع السورية في بيروت.

اللاجئ السوري يأتي… اللبناني يهاجر!

جاء إلى بيتي «ماسح الزجاج» وما كاد ينطق بجملة حتى عرفت أنه سوري من حمص. بدت عليه إمارات الارتباك حين قلت له ذلك، وأضفت: أنا سورية مثلك. أطمأن وروى لي معاناته اليومية المريرة وأسرته مع لقمة العيش وضيق اللبنانيين الذين يزاحمهم عليها بأجر أقل من أجورهم ولا خيار له.
جاء عامل رش البيت ضد الحشرات، كان مرتبكا لكنه يقوم بعمله بإتقان وعرفت من لهجته أنه سوري، قلت له: أنت سوري أليس كذلك؟ خيل إلي أنه ارتاع. طمأنته: أنا سورية مثلك تترفق بمعاناته من قسوة الحياة هنا و (هناك). وباختصار وبلا شعر ولا «كلامولوجيا»، السوري ليس سعيداً في لبنان ويريد العودة إلى بلده، ومعظم اللبنانيين لا يمكن ان يكون مسروراً باستضافته إذا علمنا أن «أرقام الهجرة من لبنان فاضحة وخطيرة جداً: أكثر من 35٪ من اللبنانيين هاجر ورقم مماثل يفكر بالهجرة وذلك يشمل الطوائف كلها. وجاء أيضا في الصفحة الأولى من جريدة لبنانية انه في السنوات الأخيرة الثلاث (أي منذ التدفق السوري) ربع اللبنانيين يهاجر وربع آخر ينتظر التأشيرة. وبلغت الهجرة 30٪ بزيادة عما سبق وهذا مؤشر خطير. إذ صار الشباب يشعرون بالغربة في الوطن عن الخطاب السياسي الموجه اليهم فهو خطاب الوهم والتكاذب المتبادل بالأرغام.
في زيارتي الأخيرة إلى بيروت ذهبت كعادتي إلى شاطئ «الرملة البيضاء» للمشي وتنفس الأفق البحري الشاسع. هذه المرة لاحقني العديد من السوريين المشردين، وبينهم رجل برفقته أربعة أطفال وطلب مني بصوت خافت: «حسنة لله» وأضاف عبارات عدة حول جوع أطفاله. أنه سوري آخر لاجئ أخبرني أنه وأطفاله ينام في مداخل المباني ويخشى صقيع الشتاء وجهنم الصيف.
في الليل، شاهدت في وسط كورنيش المزرعة خيمة وقالت لي صديقة: أنهم سوريون بلا مأوى.
هذا هو المشهد الأليم على الأرض في دنيا الواقع.

السوري ليس بيدقاً على شطرنج

في الصحف اللبنانية، قرأت في الشهور الأخيرة العديد من المقالات التي تهاجم قرار فرض «الفيزا» على السوريين الهاربين من الوطن. وهو في جوهره ـ وبدون محاكمة النيات ـ يعني عدم مجيء المزيد من الفقراء المشردين إلى لبنان الفقير أيضا.
ومعظمها لا كلمة فيه عن الأحوال المعيشية البائسة لحوالي مليون وربع مليون لاجئ سوري صاروا في لبنان الذي للأسف يحلم معظم سكانه بالهجرة لأنهم لا يُحسدون على أفقهم المسدود ولقمتهم العسيرة، ونحن لا نقوم بدعوة الضيوف إذا كنا عاجزين عن القيام بواجب الضيافة.
وكسورية شامية عتيقة، وكلبنانية منذ حوالي أربعة عقود، آلمني استعمال اللاجئ السوري كورقة سياسية ضد أو مع هذا الفريق اللبناني أو ذاك… فالأهم من استخدام السوري اللاجئ لأغراض محلية لبنانية سياسية ولحروب صغيرة داخلية، وقبل «الكلامولوجيا» المهم توفير الحياة الكريمة للاجئ ولأسرته ريثما يعود إلى بيته ووطنه.
صرخت اللاجئة التي شاهدت صورتها في الصفحة الأولى في جريدة لبنانية: الغربة مذلة. وصرخ معها مليون وربع مليون سوري مشرد!
أعرف من تجربتي مع غربات عديدة، حقيقة ذلك، سواء كانت الغربة بخمس نجوم أم تشرداً في شوارع بيروت وحدائقها العامة وفي الضواحي وقرى لبنان ومخيمات سهوله وفي قوارب الموت. صحيح أن الغربة مع المال أقل صعوبة معيشية ولكنها مذلة.
ليس المهم ان نستقبل أكبر عدد ممكن وغير ممكن من السوريين وعددهم فاق اليوم ثلث تعداد الشعب اللبناني، بل الأهم تأمين الحد الأدنى لهم من شروط الحياة الإنسانية. مرفوض توظيف بؤس اللاجئ السوري لخدمة خطاب سياسي يعشق الكلمات الكبيرة والتعابير (الوطنجية).
خطاب يقفز عن الحياة اليومية للبشر توظيفاً لنقمة أيديولوجية والحقيقة ببساطة هي ضرورة توفير كرامة العيش للسوري واللبناني، وهي الآن منقوصة للطرفين على أرض لبنان، ومن يحب السوريين حقاً لا يحولهم إلى طلقة رصاص في مسدسه ضد أعدائه الأيديولوجيين بل يكون هاجسه مد يد المساعدة للسوري الكريم اللاجئ الذي قد نلجأ الى بيته في سوريا غدا، ذلك الهارب اليوم من موت ما إلى موت من نمط آخر لخصته تلك المرأة الدامعة على الحدود بعبارة «الغربة مذلة» وأسألوا الملياردير المصري الأصل محمد الفايد صاحب مخازن هارودز اللندنية الشهيرة (سابقا)، الذي اشترى العقارات واليخوت ولكنه لم يستطع الحصول على الجنسية البريطانية ولعله في سره يشارك اللاجئة ويصرخ معها: الغربة مذلة.
ونحن في دمشق لا ندعو أحداً إلى بيتنا إذا لم نكن قادرين على القيام بواجب الضيافة، وحين يأتي كان والدي يقول له: «يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل». بل كان يضيف: لو علمت الأرض بمن قد زارها لفرحت واستبشرت وباست موضع القدم!
ولكن ذلك الكرم الشعري لا يدوم طويلاً… ودعونا لا نتكاذب.. فاللاجئ السوري ليس سعيدا ولا المضيف بالإرغام. ومنطق الواقع يفرض نفسه حتى على العشاق!

نريد المزيد من المساعدات

المطلوب الآن إيقاظ بقية الإخوة العرب والمحافل الدولية على ضرورة المزيد من العطاء نحو النازحين المشردين.
وبهذه المناسبة أحب توجيه الشكر إلى المؤسسات المدنية مثل «سوا من أجل سوريا» وهيئة «نساء الآن» و «بسمة وزيتونة» و «سنبلة» و «كياني» و»الفايات» و «جسور» و «مؤسسة الدعم الاجتماعي» و «هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية» والمساعدات من المؤسسات الاقتصادية وسواها من المهتمين بتوفير العلم والحياة الكريمة للهارب السوري، ريثما يعود إلى بيته.

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أناشدك الله يا أستاذة غادة ماالذي أجبر هؤلاء السوريين على اللجوء للبنان
    أليس حزب الله اللبناني الذي هجرهم من القصير والقلمون وريف حمص
    اذا فاليتحمل اللبنانيين جريرة ما فعله حزبهم المشارك بحكومتهم بسوريا

    ألم يتحمل السوريين أشقائهم اللبنانيين بحرب سنة 2006 مع اسرائيل
    هل نام اللبنانيين بالشوارع أم تلقفتهم بيوت السوريين مرحبين بهم ومواسين
    لقد أحسن السوريين استقبال اللبنانيين بديارهم فهل هذا هو جزاء الاحسان

    الى كل لبناني شريف أقول له أين المروءة والانصاف

    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سلمى:

      أخ الكروي. شكرا لك.

  2. يقول سامح // الامارات:

    الحقيقة أنّ هذا الموضوع ( متشعب ) ومعقد جدا ؟؟؟
    1 ـ ( لبنان ) بلد فقير ( إقتصاديا ) وكان يعتمد على ( السياحة )
    بشكل كبير والحرب في ( سوريا ) دمرت ( السياحة ) في لبنان .
    2 ـ معظم (الشعب اللبناني ) الكريم يتعاطف مع السوريين المشردين
    من جحيم الحرب ( أعانهم الله ) وفرج كربهم .
    3 ـ دخول ( حزب الله ) الحرب في سوريا والإنفجارات بسيارات
    مفخخة وأحزمة ناسفة في مناطق مختلفة من لبنان عقّد المشهد وأساء
    للعلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين ( السوري واللبناني ) .
    4 ـ عدم إنتخاب ( رئيس جمهورية ) في لبنان وعدم إستقرار ( الحكومة )
    إنعكس سلبا على السوريين في لبنان .
    5 ـ تقاعس (المجتمع الدولي ) في دعم لبنان إنعكس سلبا على دعم لبنان
    للسوريين وتلبية جميع حاجاتهم .
    6 ـ منافسة العامل ( السوري ) للعامل ( اللبناني ) زاد من التوتر
    والإحتقان والغيرة وأحيانا الغضب من العامل السوري لأنه ( يقبل )
    بأي أجرة وهذا على حساب العامل اللبناني .
    7 ـ اللوم كل اللوم يجب أن يقع على ( النظام السوري ) الفاسد المستهتر
    بشعبه ولقمة عيش مواطنيه .
    شكرا والشكر موصول للأخت الكاتبة ( غادة ) .

  3. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان رائع يا غادة السمّان، ووضعت اصبعك على الجرح في الجانبين، وأضيف معك في تكملة التشخيص، لأنَّ بدون تشخيص صحيح لا يمكن إيجاد حلول، أنَّ سبب الغربة أو الهجرة هو تغوّل ثقافة الـ أنا في دولة “الحداثة”، فكل من لا يتبع ثقافة الـ أنا للنخب الحاكمة لا مكان له في الوطن، فنظام التعليم يعمل على إنتاج مواطن معياره للوطنية كيف يكون منافق أكثر للنخب الحاكمة، وإلاّ سيكون خائن أو إرهابي، فأي دين يمكن أن يقبل التعامل مع منافق؟!

    الإشكالية هي في مفهوم هل القانون للتنظيم أم للحكم؟ الإشكالية هل الشهادة هي الأساس أم الفهم والاستيعاب هو الأساس، لماذا لوم الطالب في كيفية الحصول على الشهادة بواسطة الغش أو الرشوة، إن كان عملية التوظيف في الدولة تعتمد على الورقة أو الواسطة، وليس على امتحان كفاءة لما تحتاجه الوظيفة نفسها ممن يجب أن يجلس على الكرسي، قبل أن يجلس على الكرسي؟!

    من وجهة نظري الإشكالية في الأمم المتحدة وبداية ببيانها لحقوق الإنسان، لأنَّ البيان لا يعترف بالمواطن إنسان، بل هو شهادة ميلاد أو هوية أو جنسية أو جواز يتفضل عليه موظف الدولة حسب مزاجيته وانتقائيته يعطيها له أو يسحبها منه، والدليل على ذلك فلسطين التي يرفض مجلس الأمن اصدار اعتراف بها من تاريخ انشاء المنظمة وحتى الآن، والثانية جمهورية الصين الوطنية (تايوان) من عضو صاحب حق النقض/الفيتو إلى شيء مثل فلسطين غير معترف به من قبل الأمم المتحدة، العولمة وتقنية أدواتها إن كانت القنوات الفضائية أو الشّابِكة (الإنترنت)، أوضحت للمواطن أنّ قيمته أكثر من قيمة الورق، ولا يجوز أن تكون حقوقه الاساسية تتحكم بها أي جهة بمزاجية وانتقائية لا تخضع لقانون أو دستور، يكون المرجعية لكل الأطراف لتبيين واقع اسم كل لون من ألوان الطيف.

    حيث من وجهة نظري لا يمكن أن يكون معنى الإبداع مقترن بالضبابيّة، ربما هو إلى الابتداع أقرب، والابتداع شيء والابداع شيء آخر، لأنني أظن تسويق أي شيء على الـ آخر بدون شيء من المصداقيّة، لا يمكن أن يخلو من شيء من الغش، كمسلم هذا الشيء غير مقبول، ولا أظن هناك أي دين أو أخلاق تسمح بذلك، فقط أهل ثقافة الـ أنا لا يهتم عند تسويق أي شيء، على الاهتمام في موضوع المصداقية أو الغش، وهذا الشيء منطقي وموضوعي فهو لا يعترف بوجود إلاّ الـ أنا فكل همّه إرضاء حاجات وغرائز الـ أنا وهذا بالتأكيد على حساب الـ آخر، قبل العولمة وأدواتها التقنية كان يمكن تمرير ذلك تحت عنوان الإبداع وحرية الرأي، كما هو حال ما تدعي به فرنسا بخصوص ما تنشره جريدة شارلي ايبده، ولكن الآن لن يقبل بذلك من يستخدم عقله بغض النظر من أي دين وملّة كان.

  4. يقول المهندس اياد الجبوري....العراق:

    السلام عليكم ……….على اللبنانيين ان يعوا حقيقه مؤلمه وهي احتمال ان يتحولوا هم الى ﻻجئين وعندها ﻻ يكون امامهم ألا سوريا هذه حقيقه عليهم ادراكها كما حدث مع العراقيين والذين لجؤا الى سوريا واليوم السوريون اصبحوا ﻻ جئين في العراق انها الايام وصدق ما قال انها دول

  5. يقول ابومحسن:

    على الأخوة اللبنانيين أن يتحملوا مأساة إخوتنا السوريين. شي يدمي القلب ويدمع العين نسأل الله رب العرش أن يخفف وان يلطف بامتنا من ماتمر به من محن وابتلاءت.

  6. يقول سلمى:

    نعم الغربة مذلة و في الوطن مذلة; يهربون من الذل في الوطن للذل في بلد اللجوء .

  7. يقول عليان:

    أوأيد تعليق سلمي إنه تعليق ينطبق عليه مقولة * خير الكلام ماقل ودل *

  8. يقول Layal -Germany:

    سيدتي العزيزة عن اي اخوة عرب و محافل دولية تتحدثين؟؟
    من تسميهم اخوة لا زالو ينفقون المليارات ولكن على السلاح كي يقتل السوريون بعضهم و يفنى الشعب السوري وتدمر سوريا. علمتنا الايام ان الانسان العربي لا قيمة له عند العرب وبالتاكيد في المحافل الدولية الموجودة اصلا لخدمة الدول الكبرى و المتورطة حتى النخاع بهذا المخطط لتدمير الشرق وحضارة الشرق وإحلال مكانهاالداعشية و الوهابية و الحكم الديني الإثني بكل أنواعه ..
    وكل ذلك لأجل عيون اسرائيل …

  9. يقول Visitor:

    الأخت غادة أحييك واشد على أياديك الكريمة. أشكرك لهذا الجهد بدعوة كل الأخوة لتحمل مسؤولياتهم أمام الله وأمام أخوتهم في الوطن و أعتقد هذا أضعف الأيمان بالنسبة اليك وأكاد أجزم -لمعرفتي الوثيقة بأصلك الطيب – أنك لو كنت تستطيعين أكثر من ذلك لما أدخرت جهدا.
    أود أن أقول أن هذا ربما ليس أمرا سيئا كما تتصورين, لقد شاءت الأقدار – ونعم بالله – أن يحدث هذا والله يبدل أقوام بأقوام بل ربما هذا سوف يمحي – بقوة الواقع – الحدود السياسية المفروضة بل ويجعل الطائفة التي استحوذت على لبنان اقلية ضعيفة مهمشة مرة أخرى كما كانت وذلك بعد أن أعطاهم الله الفرصة وفشلوا في أغتنامها. فمن المعلوم أن أكثر النازحين السوريين – إذا لم يكن جلهم- هم من السنة وهذا سوف يصهر لبنان والأردن في البوتقة ثانية لعودة بلاد الشام التاريخية وربما هذا لن يستغرق أكثر من بضع سنين والله أعلم. يولد الأمل من رحم المأساة ولكنكم تستعجلون.

  10. يقول MHassan-USA:

    يذكرني مقالك بما حصل للعراقيين في الاردن ايام الحصار السيء الصيت . لهم الله والغربة مذلة واهانة كبيرة تترك بصمتها على روحنا.

    1. يقول حلمي العبادي:

      يا زلمه حرام عليك كل الاجئين العرب الى الاردن هم معززون ومكرمون وخاصة العراقين …… كلامك مردود عليك لقد كان الاردن دوما الرئه التي يتنفس منها العراق

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية