صمود بطعم السرطان: النظام السوري نموذجاً

لم تتغير العقلية السورية البعثية القومجية المقاومجية الممانعجية الحاكمة قيد أنملة رغم كل هزائمها وكوراثها منذ منتصف القرن الماضي. ليس هناك مكان لكلمة «هزيمة» في قاموس النظام السوري وأمثاله، حتى لو خرج من المعركة بعين واحدة، ويد واحدة، ورجل واحدة، ووجه مشوه تماماً بلا ملامح وأضلاع مكسرة لا يمكن تجبيرها. المهم بالنسبة له أنه صمد. لا يهم أن يخسر ثلاثة أرباع جيشه، ويدمر ثلاثة أرباع البلد، ويقوم بتهجير نصف الشعب أو اكثر. لا يهم إن خسر ساحات شاسعة من الأرض للأعداء. المهم أن النظام ما زال يتنفس. هذا هو المهم.
بعد خسارة الجولان في حرب سبعة وستين مع إسرائيل، خرج أحد رموز النظام، بلا أدنى خجل، ليقول للسوريين: «ليس المهم أننا خسرنا المعركة، أو أن إسرائيل احتلت المزيد من أرضنا، المهم أن النظام لم يسقط. والباقي تفاصيل». هذه العقلية الكوميدية لم تفارق النظام البعثي القومجي صاحب شعارات «الصمود والتصدي» «والتوازن الاستراتيجي» حتى هذه اللحظة.
لا شك أنه من حق القوى المتصارعة أن تمارس المقاومة الإعلامية في وجه خصومها، وأن لا تبدو مهزومة، حتى وإن كانت خاسرة، فهذا من أصول الحرب النفسية في المعارك والحروب. لكن هناك حدودا لهذه الاستراتيجية الإعلامية، وإلا انقلبت إلى مهزلة، كما هو الحال مع النظام السوري وحلفائه، الذين تحولوا إلى نماذج تاريخية للسخرية والتهكم.
لو نظرتم إلى الخطاب الإعلامي «الانتصاري» للنظام السوري وكل من يقف في صفه، لوجدته أنه، بالرغم من كل ما حصل في البلاد من كوارث وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم، إلا أنه يتظاهر بأن لا شيء يهمه، ولا يعنيه. والأنكى من ذلك أن أبواقه مازالت تتصرف وكأنه المنتصر، وأن كل من وقف في وجهه في عداد المهزومين. لا يسعك إلا أن تضحك كثيراً عندما ترى أبواق النظام وهي تشمت بسقوط الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في الانتخابات الفرنسية الأخيرة بفعل «صمود المقاومة والممانعة».
ههههه. ولا يسعك أيضاً إلا أن تقلب على ظهرك من الضحك عندما تسمع أراجوزات بشار الأسد وهم يقولون إن كل الذين وقفوا في وجه قائدنا من سياسيين وحكام ومسؤولين عرب وأجانب طاروا من مناصبهم، بينما مازال أسدنا صامداً.
أي عبث وكوميديا هذه؟ ليس لدى هؤلاء أي شعور أو حس بالمسؤولية، فهم كرئيسهم، يتعاملون مع سوريا كما لو كانت مجرد مزرعة من الحيوانات يتصرفون بها كما يشاؤون دون أدنى حس أخلاقي. لا قيمة للضحايا في قاموسهم أبداً، فملايين المشردين والجماجم التي خلفوها ليست أكثر من رافعات بالنسبة لهم يقفون فوقها ليعلنوا «صمودهم».
لم يشهد التاريخ طاغية يتباهى بصموده على محنة حوالي خمسة عشر مليون سوري بين لاجئ ونازح تلتهمه الحيتان والأسماك في عرض البحار والمحيطات. الحاكم المحترم يتنازل عن السلطة إذا اهتز اقتصاد بلاده، فما بالك أن ينتهي إلى غير رجعة كما حدث للاقتصاد السوري. لم يشهد التاريخ مثيلاً لطاغية يتغاضى تماماً عن تدمير عشرات المدن والقرى عن بكرة أبيها، عن وطن كان اسمه سوريا، فأصبح الآن مثالاً لكل ما هو فاشل بفضل قيادته «الحكيمة».
قد تتشدقون بالقول إنكم لستم مسؤولين عن خراب سوريا، بل المسؤول هو الإرهابيون والعصابات التكفيرية. فحتى لو كانت تلك الجماعات، جدلاً، هي المسؤولة، فهذا لا يعفيكم من المسؤولية. لماذا لا تعترفون بأنكم فشلتم في حماية سوريا من الجماعات المزعومة؟ لماذا سمحتم لها بأن تشرد الملايين، وتدمر المدن والقرى، وتقضي على سوريا، بينما أنتم تتفاخرون بالصمود والانتصار؟ هل يحق لكم أن تتشدقوا بالصمود إذا كانت تلك الجماعات، كما تزعمون، دمرت البلاد وشردت العباد، ودمرت الاقتصاد؟
لكن بقدر ما تشمئز من الخطاب الانتصاري الكوميدي الممجوج للنظام السوري وحلفائه، بقدر ما تحزن عليهم، فهم يعرفون في أعماقهم أنهم يعانون الأّمرّين، وبأن عنتريات الانتصار ما هي إلا مخدرات لهم ولبعض القطعان المؤيدة لهم. لا شيء يُضحكني ويُحزنني أكثر من مؤيدي بشار الأسد عندما يتشدقون بأنهم صامدون منذ أربع سنوات، وأن النظام لم يسقط، وأن كل من توعد بإسقاط النظام قد فشل. صدقوني لو سقط النظام في السنة الأولى كان ذلك أفضل لكم بعشرات المرات. حالكم الآن كحال مريض السرطان الذي يموت يومياً ألف ميتة، والذي يتمنى لو أنه فارق الحياة بعد اكتشاف المرض فوراً. قارنوا وضعكم قبل أربع سنوات، يا من تطبلون وتزمرون لصمود بشار الأسد، بوضعكم الآن. ألم يكن من الأفضل لكم لو أن قائدكم لم يصمد، ولو أنه اختفى في السنة الأولى؟
هل تعلمون أنه كلما صمد بشار، دفعتم المزيد من أرواح شبابكم ثمناً لصموده المزعوم؟ هل يستحق «صموده» أرواح أكثر من مائة ألف علوي فقط من طائفته، ناهيك عن بقية السوريين، ناهيك عن العذاب الذي تكبدتموه، وستتكبدونه في قادم الأيام أضعافاً مضاعفة، لأنكم أخطأتم في المراهنة؟ لقد متّم عشرات الميتات، وأنتم تزعمون الصمود أنتم وقائدكم، وصدقوني ستموتون مئات الميتات لاحقاً. ولا شك أنكم الآن ترددون ما يردده المصابون بأمراض مستعصية، فهم يتمنون الموت يومياً، لكنهم لا يحصلون عليه.
قال صمود قال.
صمود بطعم الفالج والسرطان.

٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الشعب ثار بسبب الكرامة والعجيب أن النظام بلا كرامة
    العلويين فقدوا 100 ألف شاب ولكنهم لم يذوقوا التشريد بعد
    فجيش الفتح الآن بالطريق للقرداحة وعند دخولها سيكون الحسم
    وسيفقد العلويين حينئذ الأمان والملجأ والكفيل والمعين وشركاء الوطن

    أما بشار وعائلته فروسيا بانتظاره حتى تطالب السوريين بأثمان أسلحتها

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول SALOMON VENEZUELA:

    الجيش السوري منتصر باذن الله والشعب السوري وبكل اطرافه مع قائد الوطن وفخر الامة العربية من المحيط الى الخليج الدكتور بشار الاسد وسورية ستعود متل الاول وافضل

  3. يقول ساميه (سوريا):

    من الأنجازات البطولية لعصابة الأسد: قصف كل المحافظات السورية عدا الجولان

  4. يقول ابو سالم:

    النظام في سكرة ما بعدها سكرة،اقصد سكرات الموت،كم كنت أحب الأسد قبل الثورة،اما اليوم كم أتمنى زواله بسرعة البرق

  5. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : للأسف ( الأسد ) ونظامه الفاسد وصل مرحلة ( اللاعودة )
    وأدمن القتل والتخريب وسوف يستمر حتىّ خراب الوطن بالكامل ؟؟؟
    * شكرا

  6. يقول سامح // الامارات:

    * لا شك فيه أنّ ( ايران // روسيا // حزب الله ) تتحمل أيضا
    مسؤولية خراب سوريا وقتل وتشريد الملايين ؟؟؟
    * شكرا

  7. يقول سامح // الامارات:

    * ماذا يقصد ( حزب الله ) عندما يعلن :
    * ( سقوط الأسد يعني سقوط حزب الله ) ؟؟؟
    * لماذا يربط حزب الله ( اللبناني ) مصيره ب ( الأسد ) ؟؟؟
    * أليس هذا تهور ومغامرة غير محسوبة العواقب ؟؟؟
    * شكرا

  8. يقول يوسف الداودي/المملكة المتحدة:

    جميع ديكتاتوري العرب من الحكام العسكر خسروا حروبهم التي خاضوها ، وبقدرة قادر يحولوها في اعلامهم بانها نصر كما قلت ،المهم الديكتاتور باق، فاختزلوا الوطن في شخصياتهم المريضة ، والانتصار الوحيد الذي حققه العرب كان في حرب اكتوبر وان كان انتصار محدود بقيادة انور السادات ، السياسي العربي الداهية ، ولكن القومجية والمقاومجية والممانعجية على قوللك استكثروا عليه ذلك غيرة وحسدا كيف ينتصر ولم يهزم مثلهم .

  9. يقول moussalim.:

    °°° أحد المفكرين الصينيين أعتقد SUN TZU ، قال : ” أن المهم في الحياة هو البقاء ” ( الصمود، يعني ) .
    .
    °°° لكن حسب رأيي الشخصي من صمد في سوريا هو من لا كيماوي له ولا براميل ولا صواريخ ولا مدفعية ميدانية ولا مقاتلات ، ولا دبابات ولا مضرعات ولا مصفحات ولا ملايير من عند الجمهورية الصفوية الإيرانية .
    .
    °°° من صمد حقا ، هو من لم يملك أدنى شيء من كل هذه الترسنة ، ورغم هذا ما زال يحارب النظام . بأسنانه وبأظافره . بعزيمته ، وبدمه وبروحه . أقصد الشعب السوري هو الذي يصمد ، وليس بشار.
    .
    °°° نظام بشار مصيره الزوال ، الرحيل . الفناء .
    الشعب – والشعوب لا تفنى أبدا – مصيره النصر على الظلم وعلى الإستبداد والفساد .
    .
    *** أما عن حكية ” صمود النظام” ، فإنه وكما يقول بوق النظام الرئسمي المشهور ، فصمود النظام ، ” هو أولا فبركة . وثانيا فبركة مصنوعة من طرف الوهابيين والتكفيريين والسعودية وقطر وتوركيا ” .
    .
    °°° فكل شيء لدى نظام الدكتور الدكتاتور مفبرك . والثورة مجرد إرهاب . والشعب مجرد مرتزقة . وفي المقلب الآخر ، المفبرك حقيقة هو الإحساس بالإنتصار وبالصمود . فكم من طاغية كان يعتقد أنه دائم وصامد ، وفي النهاية انتهى في المزبلة .

  10. يقول صلاح الشرفا:

    حبيبي د فيصل لك مني كل الاحترام والتقدير صدقت صدقت

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية