طهران لن تتغير… ماذا بعد؟

حجم الخط
7

تقول واشنطن إن الهدف النهائي من رفع العقوبات الدولية عن إيران، هو أن تعود إيران دولة طبيعية، بعيداً عن تشنجات قادة الحرس الثوري، وتهويمات خطيب جمعة طهران.
الهدف هو مساعدة إيران على التحول من مرحلة «الثورة» إلى مرحلة «الدولة». هذا هو الهدف المعلن لإدارة أوباما، مع أن هناك بالطبع من يقول إن وراء كل هدف معلن، يكمن آخر خفي.
هل ستتغير إيران؟
الجواب بنعم يقتضي تخليها عن طموحها الإمبراطوري، وسياساتها التوسعية القائمة على أسس طائفية، تلك السياسات التي استثمرت فيها طهران عقوداً طويلة، وترى أنه حان الآن موعد الحصاد، ولا يمكن بحال التخلي عنها. تغير طهران يعني تخليها عن ثوابت نظامها الطائفي ودستورها الديني، وهذا عند من يعرف طبيعة نظام طهران مستحيل. المؤشرات لا تشير بتاتاً إلى تغيرات مستقبلية في السلوك الإيراني، سواء على مستوى ملفها في حقوق الإنسان، أو على مستوى طموحها العسكري، الذي سيتحول من شقه النووي إلى شقه الصاروخي، أو على مستوى دعمها لإرهاب جماعاتها المنتشرة في البلدان العربية، للإضرار بالأمن القومي العربي، والفتك بالنسيج الاجتماعي العربي من داخله. ستزيد إيران من حدة التوترات في المنطقة خلال الفترة المقبلة، ستعمل على تفعيل سلاحها الأقوى في الجسد العربي، وهو سلاح شق الصف الاجتماعي العربي إلى سنة وشيعة، وشق الصف السياسي إلى مقاومة للغرب وتبعية له.
الرئيس الذي يوصف بالاعتدال حسن روحاني، قبل أيام يهدد السعودية برد «حاسم»، حال استمرارها في سياساتها الحالية، والسياسات الحالية تعني سياسات مكافحة التدخلات الإيرانيا في البلدان العربية، والعبث بالأمن القومي لهذه البلدان. طبعاً لروحاني أن يقول ما يشاء، لكن خطابه الذي يميل فيه إلى لغة «الحسم»، لا يعني أكثر من مرارة إيرانيا من مواقف المملكة الأخيرة للوقوف ضد سياسات طهران في المنطقة.
ومن هنا يجب على العرب دراسة كل خياراتهم. صحيح أن العقوبات أو بعضها رفع عن طهران، وصحيح أن أموالاً مجمدة يتم تحويلها لحساب طهران. لكن الصحيح كذلك أن طهران تحتاج إلى 150 مليار دولار سنوياً لكي ترمم الآثار الكارثية التي أحدثها الحصار على اقتصادها، وصحيح أن سعر النفط المتهاوي مثل ما أنه مضر باقتصاديات الدول العربية، فإنه مضر بشكل أكبر بالاقتصاد الإيراني، وبالتالي فإن إيران وإن ضخت المزيد من النفط للسوق، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من تهاوي أسعار النفط، وهو ما لا تريده طهران. وفوق ذلك، فإن نصف الإيرانيين مصنفون تحت خط الفقر، وهؤلاء ينتظرون تحسن مستواهم المعيشي، بفعل رفع الحصار عن بلادهم، وصحيح أن خيبة أمل شعبية سوف تواجه الإيرانيين قريباً، عندما لا يرون أن ظروفهم الاقتصادية تحسنت بعد رفع العقوبات عن طهران، وصحيح أن النظام الديني في طهران فقد أو بالكاد يفقد الشماعة التي يعلق عليها فشله الاقتصادي، عندما يعلل ذلك بالعقوبات المفروضة عليه من قبل «قوى الاستكبار العالمي»، وبالتالي فإن الغضب سينصب مباشرة على السلطات بدلاً من أن يقع على الأعلام الأمريكية والإسرائيلية بالحرق في ساحات طهران. وفوق ذلك فإن النسيج الاجتماعي في إيران ربما كان أكثر هشاشة من النسيج الاجتماعي العربي.
في إيران قوميات مختلفة ومهمشة، وفيها سنة وطوائف أخرى تعاني تحت نظام ولاية الفقيه من التهميش الطائفي. وإذا استمر لعب طهران بالورقة الطائفية في البلدان العربية، فإن ذلك يعطي العرب كل الحق في القيام بالسياسة ذاتها داخل طهران.
الغضب داخل العرب الأحوازيين في إيران – على سبيل المثال ـ بلغ مديات كبيرة، بفعل سياسة التهميش القومي، الأمر الذي جعل نسبة كبيرة من الأحوازيين من فئات الشباب تتحول إلى التسنن، على الرغم من أن الأحوازيين يعدون من العرب الشيعة في مجملهم. ورقة الأحواز ورقة عادلة ورابحة في يد من يمسك بها، والظروف الداخلية في إيران أنضجت واقعاً يتحتم معه الانفتاح على الأحوازيين ودعمهم بكل الوسائل الممكنة لنيل حقوقهم القومية التي حرموا منها على مدى عقود طويلة بعد أن أسقط نظام الشاه في إيران دولتهم على الضفة الشرقية من الخليج العربي في بدايات القرن المنصرم. دعم الأحواز ودعم السنة والطوائف والقوميات الأخرى في إيران، علاوة على كونه واجبا إنسانيا، فإنه يتوافق مع المصالح العربية في كبح التدخلات الإيرانيا في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، خاصة بلدان الخليج والجزيرة العربية.
جربت إيران من قبل الحرب المباشرة مع العرب، في حربها مع العراق التي استمرت لثماني سنوات، شرب بعدها الراحل الخميني كأس السم والهزيمة، وبعد ذلك فكرت إيران في وسائل أخرى للحرب، وهي وسائل «الحرب بالوكالة»، فانتزعت جزءاً مهماً من الجسد العربي، وأدلجته طائفياً ليقوم بالوكالة عنها في حربها ضد العرب، وهذا ما نراه اليوم في حروب حزب الله اللبناني في سوريا والحوثيين في اليمن والحشد الإيراني في العراق.
لا شك أن هذه الحرب أسهل على راسم السياسة الإيرانيا من الحرب المباشرة التي قضى فيها مئات آلاف الإيرانيين، ودمر الاقتصاد الإيراني بشكل كبير. لا أحد يريد مزيداً من التوتر في الإقليم غير إيران، التي يجهل حقيقة نظامها الديني الطائفي من يعول على تغير سلوك هذا النظام. وبما أن عدم تغير سلوك طهران مسلم به، فإن المعاملة بالمثل ستكون وسيلة ناجعة لشغل نظام طهران بمشاكله الداخلية، وجعله يركز على التناقضات الداخلية بدلاً من محاولاته المستمرة في الهروب منها بتصديرها إلى الدول العربية في الخليج والجزيرة.
لا تراهنوا على تغير في السلوك الإيراني، طهران لن تتغير، دستورها ينص على وجوب تصدير ثورتها الطائفية، ودستورها ينص على كونها دولة مذهبية، والأيديولوجيا الدينية التي تحكمها لن تتغير.
وبما أن ذلك صحيح، فإن المطلوب من العرب اليوم أن يحصنوا مجتمعاتهم وأمنهم القومي بكل الوسائل الممكنة. وذلك باحتضان الشيعة العرب، وإبعادهم عن القيادات الطائفية التي فرضتها طهران عليهم، ويكون ذلك بالتخاطب مع المكونات الطائفية والقومية داخل إيران، تلك المكونات المظلومة، والتي تنتظر من يمد لها يد العون.
خلاصة القول: أقوى سلاح لمواجهة إيران هو معرفتها من الداخل.

كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»

د. محمد جميح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سليم من الجزائر:

    الحق يقال ايران حتى ولو كانت طائفية فهي لا تتحدث عن السة والشيعة كما تفعل السعودية على وجه الخصوص حرب السبع سنوات التى تقول ان ايران جربتها كان البادئ بها العراق بايعاز من السعودية والحرب انذاك فرضت على ايران الحرب في سوريا حين بدات لم تكن طائفية كانت من اجل لحرية ضد الدكتاتورية ولم نسمع بنصيري وشيعي الا من السعودية وبعض علمائها رياض حجاب الم يكن رئيس حكومة. اما الاقتصاد فايران صمدت في وجه الحصار كل هذه السنين اذا فلا يهمها سعر البترول كثيرا اما السعودية فلا حصار عليها فقط تراجع اسعا البترول بالرغم من انها من مسبباته فهاهي تتخبط فماذا سيحصل لها لو استمرت الاسعار في الانخفاض طويلا وماذا لوفرض عليها جصارا كالذي فرض على ايران هل تتحمل

    1. يقول خالد الجزائر:

      الى ابن بلدي سليم من الجزائر. لقد قلت الحق والصواب الذي لا غبار عليه وأزيد على تعليقك.
      ما اجمل ان يكون الكاتب منصفا وليس منحازا لطرف بحكم الطائفيه .القراء لم يعودا جهلة تنطلي عليهم اساليب الشيطنه التي يتبعها بعض ما يسمى كتاب. نحن نعيش بزمن الطفره الاعلاميه والتكنولوجيا نرى ونشاهد ونسمع ما يحصل وحصل ولن تنفع اقلام الدنيا كلها لتغيير الحقيقه وشيطنه الاخوه الايرانيين تارة بأسم المذهب وتارة بأسم التدخل بشؤؤن الغير نعلم من يناصر ويقيم علاقات مع الصهاينه والامبرياله ومن يعاديها وان ادعوا انهم حماة مكه

  2. يقول Sumbrero:

    الاخ سليم والله قد كافيتنا الكتابة والرد

  3. يقول ابن شمر - السعودية:

    كتبت فابدعت د. محمد جميح و فعلا لابد من خيارات عربية فايران لا يمكن ان تعتدل ولديها نظرات توسعية اشد من الاستيطان الاسرائيلي نفسه ولذلك وجب اخذ خيارات عملية ولتعرف حدودها .

    اللي يقول محاولة شيطنة ايران واذا كان ايران هي الشيطان نفسة فانا لها ان تتشيطن واللي بعيد عن ايران فقط يتفلسف بالكتابة اما نحن فنعاني فعليا وواقعيا من هذا الشيطان . اليمن والعراق دمرتهما ايران تماما بفعل تصدير الثورة بعد ان كان الناس تعيش في حب ووئام ولا اقول الا رحمة الله عليك ياصدام.

  4. يقول خليل ابورزق:

    يقول الكاتب الفاضل: “المؤشرات لا تشير بتاتاً إلى تغيرات مستقبلية في السلوك الإيراني، سواء على مستوى ملفها في حقوق الإنسان..” و اقول و هل هناك مؤشرات تغيير على الجانب الآخر؟
    و يقول: “ستعمل على تفعيل سلاحها الأقوى في الجسد العربي، وهو سلاح شق الصف الاجتماعي العربي إلى سنة وشيعة، وشق الصف السياسي إلى مقاومة للغرب وتبعية له..” و اقول ما دام الامر كذلك فلماذا نرد عليها بنفس المنطق و نحولها الى حرب طائفية؟
    و يقول: “وهذا ما نراه اليوم في حروب حزب الله اللبناني في سوريا والحوثيين في اليمن والحشد الإيراني في العراق.
    لا شك أن هذه الحرب أسهل على راسم السياسة الإيرانيا من الحرب المباشرة التي قضى فيها مئات آلاف الإيرانيين، ودمر الاقتصاد الإيراني بشكل كبير..” و لا يذكر من شن تلك الحرب و لماذا؟
    و يقول: “المطلوب من العرب اليوم أن يحصنوا مجتمعاتهم وأمنهم القومي بكل الوسائل الممكنة. وذلك باحتضان الشيعة العرب، وإبعادهم عن القيادات الطائفية التي فرضتها طهران عليهم..” و هذا صحيح و لكن هل تفعل العرب ذلك؟

  5. يقول فؤاد مهاني (المغرب):

    صدقت يا أستاد إيران لن تتغير ويجب مواجهتها بالسلاح الذي تواجهنا به وذلك بدعم الأحواز البلد العربي المحتل من طرف إيران بدعم القوميات الأخرى كالبلوش العرب والكرد حتى تتضعضع إيران داخليا وتنكمش وترجع إلى حجمها الطبيعي.تفعيل عاصفة الحزم داخل العراق لدعم مسلمي السنة من القتل والتطهير العرقي وامتداد هذه العاصفة لتضرب بسوريا.وإذا تقاعسنا عن إطفاء هذا الحريق فسيستفحل إخمادة عندما يمتد إلى تلابيب أثوابنا.

  6. يقول مغربي سني المملكة المغربية:

    أحسنت التحليل سيدي الكاتب ، فإيران الفارسية مستمرة في سلوكها العدواني الممنهج نحو العرب من خلال تدريب و تحريض مليشياتها الشيعية في لبنان و العراق و سوريا و اليمن و البحرين و شرق السعودية على خلخلة الأمن الوطني للدول العربية . يجب على الزعماء العرب التوحد في مواجهة أعدائهم كإيران لإرغامها على عدم التدخل في شؤونهم و لكن هذا لن ينجح إلا بالتوحد و ليس الانقسام الموجود حاليا . فأعداؤنا يستغلون جيدا انقسامنا بسبب كثرة الزعامات و القيادات التي لا تقدم مصلحة الأمة على أنانيتها في الزعامة . باتحادنا نستطيع محاورة أعدائنا بصوت واحد و إرغامهم كلهم على احترامنا كأمة واحدة و ليس التعامل معنا ك 22 دولة مختلفة .

إشترك في قائمتنا البريدية