ما الذي يجعل ظلال الرواية تغطي باقي الفنون الإبداعية المكتوبة؟ أو ما الذي يجعل القارئ يذهب اليوم إلى الرواية دون القصة القصيرة ودون الشعر؟ ما الذي يجده في النص الروائي ولا يجده في القصيدة؟
كتاب للناقد السوداني عمرو منير دهب صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت بعنوان ساخط يقول «تبا للرواية» ولا أعرف مدى حدّة محتواه في الحقيقة، كوني لم أحصل عليه بعد، لكنني قرأت عنه مختصرات على الإنترنت، كلها تذهب إلى أن الكاتب ليس ضد الرواية، بل ضد الإيهام بأنها أفضل الفنون على الإطلاق.
وغرابة الأمر ليست هنا، بل في الرواية التي سطت على عظمة الشعر وسحلته سحلا، واستحوذت على أناقة عبارته ومضت في سبيلها بأثوابه الفاخرة، لم تكتف بسرد القصة واختراع بنودها وبناء تفاصيلها، بل تمادت في أخذ عصارة اللغة الشعرية خاصته لتكون السبيل لإغواء القارئ وعزله عن باقي الفنون المكتوبة.
في مقالة من بين المقالات التي مرت عليّ قال سعيد الشيخ: «هل الشعر تحت أقدام الرواية؟». وفي استطراده طرح أسئلة أثارت حيرتنا بدون أن نجد لها الأجوبة، قال: «لدينا ما لا يحصى من الشعراء، لكن الشعر يظل قليلا عديما». حتى إنه تحدّث عن نجومية الشعراء، لكنني لم أقتنع بذلك، ففي السنوات الأخيرة بزغت أسماء روائية ملأت سماء المشهد الثقافي، وحجبت الكثير من الشعراء الذين كانوا نجوما.
شيء ما جعل الشعر يقف تحت ظلال الرواية، وأعتقد أني كنت مخطئة حين كتبت بإصرار أن الشعر بخير، وأنه سيد الفنون كلها! فهل كان انحيازي للشعر نابع من ميول شخصية؟ حتى هذه اللحظة، أتابع تألق الرواية المستمر واختفاء الشعر كمنسوب الماء أثناء الجزر. مجرد انحسار للخلف، حيث العتمة والأشياء المبهمة غير الواضحة، والصمت المطبق الذي لا يمكنه أن يشبه الشعر أبدا.
عشرية مضت، وقد مضت معها أسماء كثيرة إلى مكان ما في تلافيف النسيان، وكأنها تسرّبت عبر ثقوب سوداء رمت بها لعالم آخر غير عالمنا.
وهي أيضا عشرية شهدت رحيل قامات عملاقة، تلاحقت في سفرها الأبدي وكأنها اتفقت على مواعيدها تلك، غادرت وبقيت الساحة فاغرة فاها مثل كائن تعرّض لصدمة. محمود درويش، منصور الرحباني، جورج حداد، سليمان العيسى، سميح القاسم، سيمين البهبهاني، سعيد عقل، محمد الصغير أولاد أحمد، سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، تحضرني هذه الأسماء دون غيرها لأنها تركت بصمة في قلبي، لكنها علامات فارقة في سلم الشعر العربي فعلا.
الروائيون الذين رحلوا، بالموازاة كان رحيلهم أقل وقعا على النفوس، حتى أسامة أنور عكاشة الذي تربع على عرش الكتابة الدرامية التلفزيونية، وسكن قلوب جماهير غفيرة غادر كما يغادر أي شخص عادي، كتبت عنه بعض الأسطر استحضارا لمسيرته وانتهى. روائي مثل الطاهر وطار الجزائري، دخل قبره مثل النساك بعد رحلة بلا أمل لفرنسا، لكن شاعر السهل الممتنع منصور الرحباني فتح سجالا على مستوى المنابر الإعلامية، أمّا سعيد عقل فقد فاق تأبينه الملوك والأمراء والشخصيات المرموقة. محمود درويش يبقى حكاية فريدة من نوعها، فقد أوقف قلوبنا بغيابه، هرع القراء بحثا عن كتبه، سجل نسبة مبيعات كبيرة وهو ممدد في تابوته، احتل خبر وفاته الصفحات الأولى لجرائد عربية من الخليج إلى المحيط، كادت تنكس الأعلام بسبب رحيله، مع أنها في قلوب محبيه والمتأثرين به نُكِّست بالفعل.
غياب الشعر كان مفجعا، كذلك النبيل الذي يموت ولا يترك وريثا لاسمه وثروته، أما الروائيون وكتاب القصة والمسرحيون والتشكيليون فقد اختلف ثقل غيابهم، هناك من غادر دون أن نشعر بغيابه، هناك من سجلناه ميتا قبل أن يموت، وجاءت الصدمة حين عرفنا أنه مات لاحقا.
في أي صف سأقف الآن؟
في صف الشعر الذي يتهاوى عظيما؟ أم في صف الرواية التي أنجبت ورثة لها انتشروا في الفضاء الثقافي مثل فراشات الربيع وإن كانت أعمارهم قصيرة؟
في الغالب هناك ما يشبه العاصفة نعيشها اليوم، ستحيي البعض وتقتل البعض، وبعدها لن يبقى سوى الأقوياء في كل الفنون، فاليوم حين يولد عشرات الروائيين كل عام، من بينهم شعراء تخلوا عن الشعر مع سبق الإصرار والترصد، بقرارات اندفاعية لا تشبه العمل على مشاريع روائية بقدر ما هي مغامرة للبقاء على قيد الحياة. هل أنا مخطئة؟
فما معنى أن يطوي شاعر مرموق صفحة تاريخه الشعري، وكأنه مخذول بقارئه وناشريه ومناصري الشعر، ويكتب رواية ينافس بها أصحاب «الحرفة» الجديدة مجـــتهدا بكل علاقاته في الأوساط الثقافية للبروز على قائمة الروائيين؟ ما معنى أن يترك الشعر في «جوارير» مكتبه، بدون أن يعترف أن ناشره ما عاد مستعدا لمغامــــرة بإصدار مجموعة أخـــــرى له؟ وأن اسمه الكبــــير بكل بريـــقه «لا يبيع» حتى في حفلات التوقيع للأحبة والأصدقاء.
مأساة أن يختبئ الشاعر اليوم خلف ستارة شفافة تكشف ضعفه، والمأساة ربما حين يزاحم أعلام الرواية الجدد اليوم وهم في عمر الزهور، بعضهم لمع نجمه مع أول إصدار له.. صحيح أن لا قانون يمنع الشاعر من خوض تجربة السرديات الطويلة، لكن هل ما قام به شعراء القرن العشرين كان تجديدا أم بداية نهاية الشعر بالتخلص من الأوزان والأقفال والقضبان والخروج نحو الفضاءات التعبيرية الحرة؟ أليست الرواية اليوم هي أكثر الفضاءات الأدبية شساعة، واحتضانا لكل الفنون التعبيرية كتابة؟ ألم يكن شعر المجددين مجرّد ذيل لما تبقى من الشعر الحقيقي؟ ألم يكن نهاية عاشت قرابة القرن ثم انحسرت؟ ألم يجعل هذا الأمر اليوم كهول الشعر يقفون تحت ظلال الروايات الشابة وهم يشعرون في أعماقهم أن نجاحهم ليس كافيا، وأن شعرهم ليس مؤثرا كما يجب؟ وغير ذلك ألم يتحرّك بهم الزمن سريعا نحو عمر خاوٍ من المشاعر، لا يُغوون فيه ولا يُغوى بهم. زمن لا يناسب التغزل بالنساء الجميلات، ولا بالطبيعة الخلابة، ولا حتى بالثورات.
الشاعر اليوم، كما غيره من أفراد العالم العربي الجريح، محاط بخراب مرعب، ووقائع عجز تماما عن وصفها، وتشكيلها بصيغة الشعر، إنه بحاجة للثرثرة والصراخ وسرد قصص المعطوبين والثكالى والأيتام، لا شيء يشجعه على بناء لغة مصفوفة بانتظام، ومصقولة مثل أغانٍ تقرأ على إيقاع موسيقى الداخل، ثمة خطب أيضا في تلك الموسيقى التي اجتاحها أنين من دمرتهم الحروب، وقد غمر القلق أماكنها وعبث بالسكينة التي يحتاجها الشعر ليعبث بالمشاعر وأدوات الإصغاء.
ثمة أمور كثيرة، أقف عليها اليوم متأملة عمر الشعر الطويل وعمر القصيدة المتينة المتعبة ببحورها، وقوانينها الصارمة، القصيدة التي خرجت للشارع ونزلت إلى المقاهي والعامّة، ورفضت أن تكون «سيدة القصر المؤدبة والمهذبة..
انهيار وقار القصيدة جريمة من؟
هذا البؤس الذي يعيشه الشعر تحت ظلال الرواية ما هي أسبابه؟ هل من مجيب؟
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
وأنا أقرأ مقالك ( ظلال الرّواية ) تذكّرت { تحت ظلال الزيزفون } أومجدولين للفرنسيّ ألفونس كار…والتي قد قرأتها في المرحلة الثانوية ؛ من ترجمة المنفلوطي…فقلت تلك ظلال الزيزفون وهذه ظلال بروين.نعم الشعرفي النصف القرن الأخيرأصبح ( غريبًا ) نسبيًا في عالمنا العربيّ ؛ هذه حقيقة.والأسباب عديدة ؛ بعضها أشرت عليه حضرتك في المقال وبعضه لا يزال…لكن شخصيًا كقاريء متابع أرى أنّ هناك سببًا غيرمطروق ؛ وقفت عنده منذ حين من الدهر؛ وربما سيجده غيري ( مبالغة ) مني أو لا يلامس ( الواقع ) الافتراضي والعمليّ.فليكن فهواجتهاد خاص.وأعني به ظاهرة ( الشاعرالكبيرنزارقباني ).لم أقرأ لشاعرجميع دواوينه إلا لنزار.وحينما أقرأ لنزارشعره الغزليّ / السياسيّ / الاجتماعيّ ؛ أجد أنّ الرجل رحمه الله لم يترك لغيره إلا القليل من الإبداع.وبالتالي ماذا سيأتي اللاحق لنزارمن شعرجديد سوى الاجترار
والتكرار؟ نزارقباني ختم الشعرالعربيّ بطغرائه. فمن الصعب لغيره ( تجربة حظه ).ونزارفي الشعرالحديث مثل أنشتاين في فيزياء العلم الحديث ؛ الكلّ عيال عليه…مهما كابروا وابتكروا.وطبيعة البشرالبحث عن التمييزوإثبات الذات.فلماذا أكتب شعرًا لا يرقى لمنْ قبلي ؟ من هنا نجد شعراء ينظّمون القصيد لمناسبات ومكابدات ومطارحات ومساجلات ؛ لكن قلما يقرأ لهم قاريء كما كان الحال لنزار.ومن هنا كان البحث عن طريق جديدة للريادة ؛ فكان ( ظلال الرّواية ).عسى أنْ لا أكون مخطئًا.أنظري بروزالرّواية العربية الحديثة كسباق الخيول ؛ وسيادتها كالأساطيل العظمى على البحور؛ جاء متزامنًا لتجربة الشاعرنزار.إنّ الشعرالعربيّ بدأ ناضجًا من شعرامرؤ القيس ( الجاهليّ ) وختم ناضجًا في شعرنزارقباني الشاميّ ؛ وبينهما الشاعرالمتنبي.فهم مثلث الشعر.أما الرّواية العربية فبدأت عندي من ألف ليلة وليلة ؛ والغداة لا نجد إلا نجيب محفوظ.فمتى يظهرنزار( الرّوائيّ ) كي تختتم الرّواية ( الهوس ) ليبدأ فن جديد لا نعرفه الآن كالأمس؟ وسيبقى الإنسان ( ذكروأنثى ) أجمل قصيدة ورواية كتبتها السّماء بمداد السحاب على ورق الأشجارلا ( ظلال ) الكتاب.
كتاب جميل الأسود يليق بكِ هي رواية للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي صدرت عام” 2012 ” تدور حول حكاية عشق ورديّة حالمة، قصّة حب مليونير لبناني ناهز عمره الخمسين سنة، بدأ رحلته مع عالم المال والبذخ والثراء من البرازيل . أعجبته مطربة جزائرية باسم هالة الوافي في السابعة والعشرين من عمرها شاهدها السيد طلال هاشم مصادفة في برنامج تلفزيوني فقرر أن تكون له. يبدأ طلال الذي جاهد ليثري محصوله الثقافي في الموسيقى والفن والشعر إلى وضع الخطة تلو الخطة للإيقاع بهذه الحسناء الجميلة التي ترتدي الأسود حدادا على مقتل والدها وأخيها خلال الاضطرابات التي شهدتها الجزائر في مطلع القرن الحالي. من حصل على ثروته بالتخطيط والعمل والحركات المدروسة يضع خططا وقرارات وميزانية من مال للإيقاع بهذه الصبية في حبائله. أزهار ورسائل وشراء تذاكر حفلة لها ليستمع لها وحده. مواقف كثيرة تمر بهالة فتاخذها في دوامة عاطفية تحزن احيانا الا انها تكابر و لا تظهر ضعفها امامه تود دائما يراها في احسن الاحوال و مع ذلك فان نهايته حزينة نترك للقارئ اكتشافها بنفسه…!
لا اعلم ماهو وجه الشبه بين موضوع المقالة والرواية لمستغانمي.. !! .. فالشاعر الان اصبح ملكيه خاصه !!
إما لمن يدعمه ماديا واعلاميا .. او لشخصية ؟ يتغنى بها في كل قصائده (مديح) حتى تاتي النهايه إما للشاعر او لصاحب المديح
(يموت) لتستمر الحكايه من جديد مع شاعر جديد وشخصية جديده ولكنها نفس اللون والطعم والرائحة !!
اما شخصية السيد طلال الرجل الثري الذي يظهر مدى حبه وعلمه واطلاعه بكل مايتعلق بالفن والشعر والثقافه بشكل عام
نجدهم في وقتنا الحاضر كثر ونراهم في كل مكان وهم بعيدين كل البعد عن الشعر وشقيقاته !!
شكرا دكتور جمال البدري على هذه الاضافة الجديدة حقيقة.فأنا طالب دكتوراه في الأدب الحديث بموضوع ( العلاقة بين الفنون الأدبية العربية المعاصرة ) لم أجد أي مصدر منهجي يشير الى تلازم هذه العلاقة بين الشعر العربي والرواية العربية المعاصرة الا هذا التعليق الرائد.سأعتمده كمفتاح لمصادر دراستي مع التوّسع..ممتن لكم.
اجمل شيء في قرأة الروايات هي عندما نقرأ شيء من الواقع و الكاتب يكون قد كتب شيء من الواقع وشيء من تجربته الشخصية ،على سبيل المثال قرأت لكاتب عراقي لم اعد اذكر اسمه;يقول في روايته عن والدته انها كانت امرأة فقيرة و طيبة ولديها قلب كبير و في اخر ايامها قد اصيبت بالعمى و انها كانت قد احتفظت له بطقم فناجين قهوة صينية.ويقول الكاتب طقم فناجين القهوة هو من الموديل القديم و لم يكن جميلاً ،و صرت استخدمه في شرب القهوة و مع الايام صارت تتكسر وتتحطم الفناجين واحد تلو الاخر، وبالرغم من تحطم كل طقم فناجين القهوة ومع ذلك ما زلت احب القهوة.
يا طويلة العمر ، الشعر اقدم من النثر . الشعر نفس نقي . الرواية تركيب انفاس مختلفة . كتبت البشرية شعرها على الطين والبردي قرونا قبل ان يظهر النثر . قبل ذلك من المحتمل ان البعض كان يقول الشعر قبل ان تظهر الكتابة فتخلد بعض القصائد .حتى يومنا ، يحب المراهق ان يكتب شعرا لحبيته او العكس كأنه او كأنها يقدم لها وردة، لأن الشعر خلاصة الفكر واللغة مثل الوردة التي هي خلاصة النبتة لذلك هي اول الثمرة ، طفولتها . الشاعر سيبقى يكتب شعرا حتى لو انصرف عنه الناشر والناقد . بدون الشعر مامن لغة إنسانية فهو يجترح اللغة وينحتها ويجعلها اكثر من ترجمة حرفية للفكرة .ينفخ فيها الروح . الرواية تستفيد من الشعر في لغته المنحوتة ، في أفكاره المختصرة ، في ايقاعته الموسيقية ، في توقف الجملة وانطلاقتها من جديد محملة بشحنات من كهرباء الشعور . الرواية فن عظيم . فن حديث لكنه عابر في التاريخ الأنساني. خلال عقود ستأخذ الرواية مسارب أخرى في بحر الأدب . حدث هذا منذ ظهورها ، من ليالي بوكاتشيو ، من حكايات الف ليلة ، قبلها كان هوميروس يكتب رواياته الشعرية التي سميت ملاحم . قبل ذلك جلجامش وكتاب الموتى . الأساطير والملاحم بداية الرواية لكن الشعر فيها قوي . في اللغة والفنتازيا وتسلسل الزمن الذي يفتقده الشعر . هذا هو الفرق .الشعر روح والروح لا زمن لها لأنها ازلية .العرب يحبون الخاتم والختام . كل شيء عندهم مختوم. القارئ تكفيه الأشارة . كل شيء عندنا نهائي ، افضلي ، اجمل ، احسن ,…. بينما الفن لا درجات له . انه بيت بملايين النوافذ . كل نافذة تأتي بالنور على طريقتها .
الأخ عبد الأميرالبصريّ : نتمنى لك التوفيق والسؤدد في دراستك العليا : هناك ملاحظة لم أدرجها في التعليق كي لا تكون ثقيلة ( كبطانية ) الشتاء في جوّرطب الهواء.فهل معنى ذلك أنّ الشعرأرقّى من الرّواية ؟ ومن دون تحييزسلبي : نعم إذا كان كشعرنزارقباني ؛ المليء بغواية الربيع ؛ أما إذا كان مجرد وزن وقافية ونظم بليل سجيف ؛ ففي عالم الرّواية اليوم متسع لمنْ يريد (غواية ) الشتاء والصيف والخريف.وهذا ليس عيبًا ؛ فالمَلكات عند الناس أنما متباينة.لكن لا أقول إنّ الرّوائي كان شاعرًا فاشلًا أو بالعكس إنما ( كلّ مخلوق مُيسّـرلما خُلق له ).أدبيًا ولا أقول ملحميًا : أنتظربشوق ولادة أوصناعة ( الرّواية القصيدة ) كخصيصة عربية حديثة ؛ ذات تمييز عن الغرب والشرق ؛ كالمعلقات فريدة…فهل من مدّكـرياشهرزاد الجديدة ؟ شكرًا لصاحبة المقال ذات المقام ؛ وللمحررالكريم الذهـب المثقال وزيادة…
لا علاقة بين كاتب الشعر وقارئه. الشاعر يكتب بمحفز داخلي متعلق بعوالمه النفسية والروحية وهو ليس شاعرا تحت الطلب! لحظة الكتابة الشعرية كلية كونية ومكتفية بذاتها ولا تستدعي في ذهن الشاعر حيثية وجود قارىء لشعره ام لا. وعليه فالشعر يستحيل ان يموت مادام هناك عناصر طبيعية ملِّحة تدخل في التكوين النفسي للإنسان، وتحرّضه على أن يكون شاعرا حتى رغما عن أنفه. لحظات الخلق الشعري، هي لحظات خارقة بارقة، فيها روح تندلق كسائل حارّ ولا أحد يعرف خريطة تمدده أو شكله او عمقه أو درجة حريقه. الشعر لن يموت، الا بخلل يحصل في جينات الأجيال البشرية القادمة. أما اذا كنّا ننظر الى الشعر ونحاول تقييم حضوره من خلال القارىء ومستوى تفاعله معه ، فهذا أمر آخر تماما وهو شيء يشبه الحديث عن أحوال السوق التجاري وبضاعته، وما هو الدارج اليوم وما هو الكاسد. لا يمكن تقييم جمال وردة من خلال سعرها في السوق! او من خلال الكم الذي يعشقها والكم الذي يسخر من رومانسيتها الرخوة والكم الذي يستبدلها بورد اصطناعي ! الوردة جميلة ونقطة على السطر. والوردة ستفتتح ما دام هناك نبتة وماء وتراب وهواء وشمس. الوردة لا تتغذى على افتتاننا بها ولا تشعر بوجودنا، انها في عالمها الوردي الخاص تتأصّل وتتجمّل وتسكب روحها من أعماقها وهي متيقنة انها ستذبل. لماذا هذه المقارنة المملة الشائعة في عالمنا الثقافي بين الشعر والرواية. لماذا نجدهما في العقل العربي والروح الشرقية عموما في منافسة دائمة ومحمومة نحو الأولية والريادة والملوكية الخ…ألا بجوز ان يتعايشا جنبا الى جنب كبقية الفنون الاخرى؟! لماذا لا تجري المقارنة بين الرواية والكتابة المسرحية مثلا؟! او بين الموسيقى والرقص؟! المشكلة دائما اننا نظن ان الشعر هو كلمات وجمل ومثلها الرواية وتاليا تجوز مقارنتهما. في حين ان الفرق بين فن الشعر وفن الروائي هو كالفرق بين الرقص والرواية. صحيح ان الحداثة جلبت معها انواعا ادبية هجينة ، وصحيح انه اليوم ثمة وحدة بين بعض الفنون بحيث نشعر ان السرد تداخل بلغة شعرية عالية او ان الشعر أصابه هذر سردي كدفق الموج ، ولكن هذا في رأيي اضافة جديدة الى الأنواع الأدبية وليس تغليبا للفن الروائي على الشعري بحيث نقول ان الحوت الروائي الازرق ابتلع كل أسماك البحر الصغيرة! عندها علينا ان نفكر؛ ماذا سيأكل الحوت غدا إن خلا البحر إلا منه؟! الشعر موجود أحضر القارىء أم غاب.
من اسباب تفوق الرواية على الشعر المزاج الجديد القائم على وسائل الاتصال الاجتماعي ، التي هي مظهر من مظاهر الغرب الحديث حيث نشأت الرواية.بمعنى ان الغرب يقوم على مؤسسات ثقافية وتقنية متطورة حافظت على الشعر والشعراء مع تطور الروائيين والفن الروائي معا.
وهذه الظاهرة المنسجمة والمتوازنة مفقودة في العالم العربي حتى الآن.ففي الغرب مؤسسات ترعى الإبداع وعندنا أفراد يعملون لحسابهم الخاص.
لهذا لدينا إذا زاد الطلب على الشعر قل العرض عى الرواية ؛ والعكس صحيح.فلدينا المزاج بدون منهاج ولدى الغرب البرنامج الطويل الأمد.
اضافة لما ورد من تعليقات السادة الذين سبقوني ، فان محنة الشعر العربي تقبع في ضعف اللغة العربية للاجيال الجديدة.مدارسنا العربية لا تهتم باللغة ولا بدروس الادب كما كانت قبل عقود مضت..حتى اصبح الكسل اللغوي في المدارس الواقع اليومي.في الصفحة الثقافية منشور الان قصيدة بعنوان ( صورة طبق الأصل ) للشاعر المغربي نبيل السليماني ، منها ما هوتعبير عما اقصده : ( ثم كيف اقول الشعر ومدارس هذا الوطن لا تنمّي فينا غير جذوع الكسل ).والختام سلام.